مقولات مكرورة:

1- " الأمر بالحجاب كان موجها لزوجات الرسول صلى الله عليه و سلم"
2- " الحجاب المقصود هو تغطية الجيب، تغطية الشعر كانت عرفا لدى العرب"
3- " الحجاب فرض للتميز بين الحرة و الأمة، و هو أمر غير موجود حاليا، وداعا للحجاب اذا!"
4- "يا ستي، الحجاب حجاب الروح، دعونا نتنفس!" ألم يُشبع الموضوع مناقشة ؟ أم أن وراء الأكمة ما ورائها؟ في قضية "الحجاب" يبدو أن وراء الأكمة أمورا لا أمرا واحدا. بيد أن الأمر الأثبت و الأكثر ظهورا هو المشكلة في الاستدلال العقلي لدي البعض. أنها مشكلة في قراءة النص الديني قراءة منطقية سليمة، فتطل القراءة المزاجية برأسها و معها قصقصة النصوص بسبب التحرق شوقا للوصول إلى فرضية معينة وإن كان الثمن لي عنق النص. هنا تستحيل القراءة السلمية إلى قراءة كليمة. الم يكن أول أمر لنا "اقرأ"؟ هلا أحسنّا القراءة.

و إفلاتا من زئبقية المصطلحات، استخدم هنا كلمة "حجاب" كمرادف لزي المرأة المسلمة، فلا اعني بها الحجاب الوارد في الآية " فاسألوهن من وراء حجاب" و هو أمر خاص بنساء النبي، و لا أعني ما يغطى الوجه به – على تعدد أسمائه - ، و لا اعني به أيضا " الايشارب" الذي يوضع على الرأس. هو مصطلح عام لمفهوم عن طريقة اللباس و التصرف معا في آن لدى المرأة المسلمة.


1- " الأمر بالحجاب كان موجها لزوجات الرسول صلى الله عليه و سلم"


يا للهول! و هل كانت أسماء رضي الله عنها زوجة للرسول صلى الله عليه و سلم حينما أمرها بان لا يظهر منها " إلا هذا و هذان" في إشارة إلى الوجه و الكفين. يبدو أن هنالك خطأ معلوماتيا misinformation. أو أن هنالك من يعتقد أن الُسنة ليس من مصادر التشريع الإسلامي. ثم ماذا عن النص القرآني العام في سورتي النور و الأحزاب حيث الخطاب: " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ" ، " وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ" و هو أمر عام للمؤمنات لم يتم تخصيصه بفئة منهن.

و لاولئك المشككين بالسنة النبوية: غريب؟ الم تصل إلينا المعلقات السبع مسَّلمة لا شِيَةَ فيها تقريبا، فسميت معلقات لأنها تعلق في الصدور و ليس لأنها تعلق على أستار الكعبة كما يقترح البعض فالعرب أمة أمية شفاهية تميل للاكتساب السمعي ،و التدوين لم يكن ذا قيمة لديها قبل مجيء الإسلام. ما المشكلة أيضا أن تعلق السنة في الصدور طالما أننا نتحدث عن أناس عاشوا ثقافة شفهية فابتدعوا مقدرة على الحفظ تتناسب و ثقافتهم بعكسنا نحن. أضف إلى ذلك وسائل التخريج و التحقيق البحثيين في قبول الحديث أو رفضه. والحماسة و الإمعان في التحقق من مصدره خشية تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم. تأخر التدوين ليس حجة للطعن في هذا الحديث أو غيره.
أما كون الحديث أحادي الإسناد فلا يدحضه، فراوية الحديث هي السيدة عائشة، الحميراء التي أخذنا منها شطر ديننا. العبرة في التحقيق في مجال الأحاديث هي عدلية الراوي. المعيار كيفي نوعي، لا كمي بأي حال كان.

ما الضرر؟ فلنسلم جدلا أن الخطاب كان حصريا لزوجات النبي. فإذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم قدوة لنا رغم حالة النبوة و العصمة التي وهبه الله إياها، فماذا يمنع أن تكون زوجاته قدوات لنا؟ خاصة مع كونهن بشريات مثلنا لم تنلهن عصمة. يفترض بالقدوة أن تكون Paragon أعلى من المستوى العادي للفرد، قمة لا يصلها أحد، ففلسفة القدوة محاكاة و تمثل لا مضاهاة. نعم، هن لسن كأي من النساء ، و هو خطاب توجيهي بتوخي الحذر لان هنالك من يريد الكيد للإسلام بواسطتهن، و ليس نصا "تفويقيا" إعلائيا و إن احتمل ذلك كتفسير ثانوي لا رئيسي. هل نسينا أن )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً) (الأحزاب:6). أمومة أزواجه لا تعني فقط حرمة زواج المؤمنين بهن من بعده، بل تمتد لتشمل احترامهن و الإقتداء بهن كم لو كن أمهات حقيقيات. فضلا على أن الواو تعطف العبارة الثانية على الأولى " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" و كذلك زوجاته اللائي هن أمهات المؤمنين لهن مقام الإقتداء.
و إذا استخدمنا منطق كونهن لسن كأي من النساء كتعلة لعدم الإقتداء، فلنستخدم أيضا " و انك لعلى خلق عظيم" و " أدبني ربي فأحسن تأديبي" كذريعة لعدم التأسي بأخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم. فهو حظي بالتأديب من ربه، أما نحن فلا.

الظريف أن المعارضين للحجاب و المتذرعين بعدم حجية السنة، لا يعارضون ارتداء المرأة لغطاء الرأس إثناء الصلاة و هو أمر جاء بحديث نبوي. استنساب واضح و فاضح. أليس كذلك؟ يرتدي الجندي عند تكريمه زيه العسكري و إن لم يكن في وضع الخدمة العسكرية، و كذلك المرأة - و إن كانت في كنف بينتها – ترتدي زيها " الرسمي" المأمورة به، ترتديه خمس مرات في اليوم لتقابل ربها، فيمنحا وسام الطاعة.



2- " الحجاب المقصود هو تغطية الجيب، تغطية الشعر كانت عرفا لدى العرب"


ألم نتفق ان نحسن القراءة؟ هيا نقرأ اذا:

(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)

)يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب: 59)

هل لو انزل الله آية يقول فيها يا أيها المؤمنات غطين رؤوسكن أ هنا فقط يكون الحجاب شاملا لتغطية الرأس؟ مع قليل من المنطق و كثير من القراءة التاريخية التحليلية في فلسفة اللباس نجد أنه لو أن الله تعالى قال ذلك لوجدت المؤمنين و المؤمنات جميعا قد ارتدوا ! كيف لا ؟ لو نزلت هكذا آية لقالوا لا يقول هذا اله عليم بصير خبير ، يقوله شخص جاهل يعيش في الطرف الآخر من العالم لا يعلم ان النساء سلفا يغطين رؤوسهن لا حياء و لا تحشما من عرب الجاهلية ، انسينا أنهم طافوا دون ثياب حول الكعبة؟ انه الحتم البيئي. انه أمر و ليس فضل.

انظر حولك، بدو سيناء، الطوارق، أو أي بيئة صحراوية ، كلهم – رجالا و نساء- يغطون رؤوسهم.
هذه هي المعادلة بكيمياء المنطق: شمس اكسترا سوبر محرقة + عمل يدوي مضن في بيوت شبه مكشوفة للشمس = ضربة شمس مفجعة.
وبالتالي التي لن تغطي رأسها أما فقدت عقلها و إما تنوي الانتحار. فظهر غطاء الرأس الذي كانت المرأة تلفه على رأسها و تسدله على ظهرها ، و الذي بسببه فقدت المرأة الجزء الأعظم من مقدرتها على الإغراء، فابتدعت كشف منطقة الرقبة و الجيب كبديل كونها مناطق لا يؤدي كشفها للشمس إلى أضرار صحية تؤدي إلى الوفاة و تحمل في ذات الوقت إغراء نسبيا. و بالتالي الشعر هو الأكثر فتنة لأنه هو ما يهب " الطلة"، و إظهار النحر و الجيب حل توفيقي بديل بسبب اشتراطات البيئة.

و بالتالي الآية الكريمة تقر بالأمر الواقع في اللباس: الخمار و هو نوع من اغطية الرأس لدي النسوة، فأمرت بإبقائه و فوق ذلك تغطية الجيب به. فالآية لم تقل و ليغطين جيوبهن ، بل قالت "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ". فضلا على أن الآيات تضيف على ذلك شروطا أخرى مثل إدناء اللباس و تطويله ( حيث من عادة النساء و الرجال على حد سواء في البيئة الصحراوية تقصيره قليلا منعا للاتساخ و يقال " أدنى الستر" أي أرخاه) ، و عدم الضرب بالرجل و هي كناية يمكن توسيعها لتشمل أي أسلوب يستخدم للفت النظر ، و عدم الخضوع بالقول.

الآن، هل يعقل أن يأمر الله تعالى المرأة بأن تغطي الجيب و تكشف ما هو أكثر فتنة: الشعر أو " الطلة" بالتعبير العامي! هل يعقل أن يطلب منها إلا تلفت النظر إلى فتنتها و يسمح لها في ذات الآن بإظهارها! و هل يعقل أن يتعارض حديث إسناده حسن - لا يجيز كشف إلا الوجه و الكفين – يتعارض مع نص قراني؟ حدث العاقل بما لا يُعْقَل فان صدقك فلا عقل له!
هذا الفهم لا سبيل له سوى "جمع النصوص" الدينية بكاملها من القران السنة المتصلة بالقضية موضوع الفتوى، إما الابتسار فأبو الأخطار. " اعدلوا هو أقرب للتقوى"



3- " الحجاب فرض للتميز بين الحرة و الأمة، و هو أمر غير موجود حاليا، فلا داع للحجاب"


هذه فرضية لا نص قطعي الدلالة ، صحيح الإسناد يدل عليها أولا، و المنطق السليم يعارضها ثانيا. فلو كان الله تعالى يريد التفرقة بين الأمة و الحرة منعا لإيذاء الحرة و حفاظا عليها، هل يكلف الحرة بالأعباء و يشق عليها أم يكلف الأمة ؟ لو كان الأمر كذلك فببساطة لأمر الله تعالى الإماء أن يلبسن لونا أو زيا يميزهن. أما " ذلك ادني أن يعرفن فلا يؤذين" (النور) فهو بيان لأحد فوائد الحجاب الإضافية value-added benift بالتعبير الاقتصادي ، و هو إبعاد الأعين الساغبة عنها. و لو كان لموضوع الإماء دخل، لذكر ذلك صراحة، " و ما كان ربك نسيا".

أول سورة النور جاذب للعقول " سورة أنزلناها و فرضناها". أ ولم ينزل الله تعالى جميع سور القران و فرضها كلها؟ هذه احدة دلائل الإعجاز التنبؤي في القران الكريم. فالله تعالى علم انه في عصر من العصور هناك من سيأتي و يهرف بما لا يعرف، فكانت البداية ملجمة ملزمة. فالسورة لا منسوخ فيها و لا مؤقت.



4- "يا ستي، الحجاب حجاب الروح، دعونا نتنفس!"


حقا؟ و بنفس المنطق لا داع للصلاة و الصيام، الإيمان إيمان الروح. أ رأيت؟ الأفعال ابلغ من الأقوال. البرهان العملي في كل الأديان دليل التصديق.و البرهنة العملية هذة علاقة بين العبد و ربه، ليس لأحد "الحق" بدس انفه فيها، لكن من "واجب" كل من يعلم أن يخبر من لا يعلم أن الله طلب برهانا على إيماننا لا لنريه الناس نفاقا ، بل لنريه لله حبا و إيمانا ، و لنشهره إعلانا و انتصار لله.
الدين – أي دين – خيار حر لكن صعب. نعم فلنتنفس، لكن فلنتأكد أن زفيرنا لن يحرق الاجتهاد و الفتوى."أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار".
كاتبة ورئيسة تحرير دار ناشري للنشر الإلكتروني
كاتبة كويتية. حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية واللغة الإنكليزية من جامعة الكويت بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وعلى درجة الماجستير في علوم المكتبات والمعلومات من جامعة الكويت. صدر لها 15 كتابا مطبوعا: أربع روايات، ومجموعتان قصصيتان، وكتاب في اللغة وآخر في شؤون المرأة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية