في بداية كل عام دراسي أوجّه طلابي في المدرسة أو في الجامعة توجيهات عامة، تفيدهم في حياتهم الدراسية أو الخاصة أو العامة. وهو شأن يقوم به جُلّ المعلمين والمربين.
وفي بداية هذا العام، عنَّ لي خاطر مُلِحٌّ أنْ أحدثهم عن أهمية إدراك الزمن والتاريخ الذي نحن فيه في كل يوم، بل في كل ساعة إن أمكن، وأن نهتم بتسجيله في بدايات حصصنا وفي دفاترنا، لنكون متذكرين له دومًا، وهذا أمر يفعله كثيرون غيري.
وفي كل عام، وفي مرات كثيرة من العام، ألفت أنظار الطلاب إلى أهمية معرفة التاريخ وإدراك الزمان الذي نحن فيه، من قرن وسنة وشهر ويوم، بالتقويم القمري والشمسي.
ولكن كان إلحاحي عليه في هذا العام شديدًا؛ لأنني أيقنت أنَّ إدراك الزمن ومعرفة التاريخ من خصائص الإنسان الحقيقي.
* إدراك الزمن وخصائص الإنسان:
إنَّ الله سبحانه وتعالى خصّ هذا المخلوق (الإنسان) بخصائص كثيرة، وميّزه عن سائر المخلوقات بميزات عديدة، أشهرها وأهمها:
أنه خلقه في أحسن تقويم، وأسجد الملائكة لأبيه آدم، وميّزه بالعقل والإدراك، وبالقدرة على النطق والتعبير والكتابة، وجعله حراً مختاراً، وكرّمه أيما تكريم. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: ٧٠]
وأضيفُ هنا ميزة أخرى، أرى أنها لا تقل أهمية عن السابقات، وهي الذاكرة التاريخية، والقدرة على إدراك تقلبات الزمان، بين الماضي والحاضر والمستقبل. فأرى أنها من أهم خصائصه ومزاياه، وما يأتي من فقرات يبين ذلك ويدلّل عليه.
امتنان الله على الإنسان بنعمة الزمان:
إنَّ الزمن، بحسب علم الفلك وعلم الفيزياء، ليس شيئاً ملموساً، وإنما هو رصد لحركة الأجرام السماوية ودوران الأفلاك ونحوها.
ولذلك نجد القرآن الكريم يربط ذلك بالشمس والقمر والنجوم والليل والنهار، ويمنّ الله على الإنسان بتسخير هذه الأشياء له.
يقول الله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) [إبراهيم: ٣٣].
ويقول عز وجل: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل: ١٢].
ويقول سبحانه:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس: ٥]. ويقول جل جلاله:(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) [الرحمن: ٥].
إدراك الزمن مرتبط بالوظيفة الكبرى للإنسان:
إنَّ المَهَمّة العظمى للإنسان، كما أرادها الله له، هي عبادة الله تعالى وحده، من خلال عمارة الأرض والاستخلاف فيها.
قال تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات: ٥٦].
وقال عز وجل:(وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ )[هود: ٦١].
وقال جل جلاله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ) [فاطر: ٣٩].
والمراد بالعبادة لله تعالى هنا معناها العام، وهو الخضوع التام لأمر الله ونهيه، وطلب رضاه والإخلاص له في كل قول أو عمل نقوم به، سواء أكان من أمور الدين أم من شؤون الدنيا. والمراد بالاستعمار فيها طلب عمارتها بما هو خير للبشرية، ماديّا ومعنويًا.
ولا يمكن القيام بهذه المَهَمة العظمى والوظيفة الكبرى إلا بإدراك الزمن ومعرفة تاريخ البشر، والاعتبار بأحوال من عَبَر وغَبَر، من أمم وأقوام وشعوب، ومن رسل وأنبياء ودعواتهم لأقوامهم، ومصائر أقوامهم في الدنيا في حال الإيمان والصلاح، وفي حال الكفر والإعراض.
إنَّ البهائم ليس لها ذاكرة تاريخية، ولا تدرك من الوقت إلا حاضره، ولم يجعل الله لها هذه الخاصّية؛ لأن مَهَامَّها في الحياة محدودة جداً، تعيش لتأكل وتتناسل، وتكون مراكب للإنسان أو مصادر طعام وشراب له، ونحو ذلك.
ولقد ذمَّ الله سبحانه أناسًا لا يستعملون حواسّهم وعقولهم، حتى كانوا عنده شرّ الدوابّ؛ فقال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) الأنفال: ٢٢
إذن، كلما كانت مهمة المخلوق أعظم، ومكانته عند الله أكبر، كانت حاجته إلى إدراك الزمن وما يجري فيه من أحداث أكبر وأعظم.
وانظر إلى ما وصلت إليه البشرية من دقة في معرفة الأحداث ونقلها وتدوينها. وقد تميزت الحضارة الإسلامية من قبل بمنهج تأريخي علمي، وهو الرواية بالسند، ونقد الأخبار سندًا ومتنًا.
الاعتبار بالتاريخ:
إنَّ البيان الإلهي يوجهنا بكثرة وإلحاح إلى معرفة تاريخ الأمم وأحوالهم لنعتبر بما كان فيها، ونتعظ بما حلّ بهم حين أعرضوا وكفروا بالله ورسله، وأنكروا ثواب الله وعقابه، وجحدوا الآخرة.
ويدعونا إلى السير في الأرض لنستكشف آثارهم ونتعرّف أخبارهم؛قال تعالى:(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين) [النمل: ٦٩].
بل يدعونا إلى السير في الأرض بإطلاق، لنعرف كيف بدأ الله الخلق، دون تخصيص لهذا الخلق بنوع معين.قال تعالى:(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[العنكبوت: ٢٠].
وشتان بين السير على الأرض والسير في الأرض؛ فالأول يفعله الناس بغرائزهم وطبائعهم، فلا داعي للأمر به، والثاني يعني البحث والاستكشاف، ولذلك جاء الأمر به؛ لأنه لا يقوم به إلا العاقلون العالمون المدركون للتاريخ والزمن.
إدراك الزمن كمال، وجهله نقص:
وبناء على ما سبق، فإنَّ الإنسان كلما كان أكثر إدراكًا للزمان، ومعرفة بالتاريخ والوقت، كان أكمل في آدميّته وبشريّته وإنسانيّته، وكلما كان أجهل لذلك كان أشد نقصانًا في إنسانيّته.
ولا أعني بالإدراك مجرد حفظ تواريخ الأحداث، وإن كان مُهِمّا، وإنما المقارنة والاعتبار بما جرى في هذه التواريخ، وكذلك إدراك اللحظة الراهنة، وحال المرء فيها، من عمر صغرًا وكبرًا، وقوة وضعفًا، وعلمًا وجهلاً، وطاعة ومعصية، ... الخ، وما يجب عليه فيها لإعادة التوازن إلى نفسه لتنسجم مع آدميتها الحقيقية؛ لأن أبانا آدم وأمنا حواء، حين وقعا في المعصية الأولى بالأكل من الشجرة، لاما نفسيهما، وندما على فعلتهما، فطلبا المغفرة والرحمة، ولم يقدّما الأعذار لمعصيتهما، مع أنها كانت متوفرة.
فكلما كان الإنسان أرجع للحق وأسرع اعترافًا بالخطأ والتقصير، وأبعد عن اختلاق الأعذار كان أوغل في آدميته، والعكس صحيح.
ولعل هذا هو السر في استعمالنا لعبارة "يا بني آدم" حين نريد تنبيه صديق أو ولد إلى خطأ ارتكبه ولم يتراجع عنه!
وظائف التاريخ:
كم يتبرّم الطلاب من مادة التاريخ، وكم يطلقون عبارات السخرية منها، ويقولون: ما فائدتها؟ ولماذا يُقررونها في التعليم! وهذا من جهلهم، وضعف إدراكهم.
لا أعتقد أنَّ هناك دولة من الدول لا تقرر على طلابها في مرحلة من المراحل دراسة التاريخ، على الأقل دراسة تاريخ الدولة نفسها.
إنّ الذين يقررون تدريس مادة التاريخ عقلاء جدًا، ويدركون أهمّيتها؛ لأنه لا معنى لحياة البشر دون ذاكرة تاريخية.
إنَّ لمعرفة التاريخ وظائف كثيرة؛ إذْ لا يستغني عنها باحث، ولا كاتب، ولا طبيب، ولا سياسيّ، ولا اقتصاديّ.
فكيف تطوّرت العلوم لو لم يُعرف السابق منها واللاحق، ويبني المتأخّر على ما بنى المتقدّم؟ وكيف يداوي الطبيب مرضاه إن لم يعرف تاريخ المرض عندهم، وتاريخ الأمراض بنحو عام. وكيف يخطط السياسي لبلده إن لم يعرف ما سار عليه السياسيون في مختلف العصور، وكيف يقود القائد العسكري جنوده إلى النصر إن لم يعرف تاريخ الحروب والمعارك الكبرى، ويعرف تاريخ أعدائه. وكيف يخطط الاقتصادي لموارد دولته ونفقاتها إن لم يقرأ تاريخ النظريات الاقتصادية التي مرت على البشرية، ليستنتج نقاط قوتها ونقاط ضعفها، ثم يبني خطته عليها.
وقل مثل هذا في تاريخ الصناعات والفنون والحرف، وفي تاريخ الطباعة وتاريخ الصحافة وتاريخ الأدب، وغيرها.
الاعتبار بتقلبات الزمان والأحوال:
إنَّ أكثر ما يؤثر في نفسي، ويجعلني متعظًا معتبرًا، هو تفكيري بالأجيال المتتابعة، الجد والابن والحفيد مثلاً، وكيف كان الجد حفيدًَا، ثم صار أبًا ثم صار جدًّا، ثم مات ولم يبق إلا عمله أو آثار عمله.
وكذلك التفكير في حال المرء نفسه؛ كيف كان طفلاً وكيف شبّ واشتد، وكيف تزوج وأنجب، ثم اكتهل ثم شاخ ثم هرم.
وهذه الأحوال كلها داخلة في مجال إدراك الزمن ومعرفة التاريخ.
إنّ رسول الله محمدًا –صلى الله عليه وسلم- كان مدركًا للتاريخ والزمن غاية الإدراك، بما علمه ربه وأدبّه، وكان يعرف موقعه في تاريخ الرسل والأنبياء، وأنهم كانوا كلبنات البناء؛ حين قال: "إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ " [صحيح البخاري (4/ 186)].
وفي خطبة العيد من حَجّة الوداع التي كانت قبل وفاته –صلى الله عليه وسلم- بنحو ثمانين يومًا، ربط المسلمين بحركة الأفلاك ودوران الزمان وبالتاريخ القمري ربطًا وثيقًا؛ ليكونوا مدركين لموقعهم في الزمان والمكان والتاريخ، ويشعرون بدورهم الحضاري، فسألهم عن المكان والزمان بالشهر واليوم، ثم بيّن أمرًا ربانيًا لا يدركه أحد في زمانه إلا بالوحي، وهو أن حركة الزمن وتاريخ الأرض والبشر قد بدأ دورة جديدة اعتبارًا من يوم النحر، في ذي الحجة من السنة الحادية عشرة للهجرة.
وإليك ما قال -بأبي هو وأمي-: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟» قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ -يعني مكة المكرمة-»، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا -أَوْ ضُلَّالًا- يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ "، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟». [صحيح مسلم (3/ 1305)].
فانظر كيف صحّح التاريخ الذي كان يتلاعب به العرب في الجاهلية، بالتقديم والتأخير في الأشهر الحرم خاصّة، بحسب أهوائهم وحاجتهم للقتال، وأخبر أنها عادت إلى وضعها الطبيعي.
وبلغة عصرنا يمكن القول: إنه صفّر لنا عداد الزمن والتاريخ لنبدأ من جديد، بعهد جديد، دون تبديل أو تحريف. وقد تم ذلك كما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وسيستمر بإذن الله إلى قيام الساعة، وقد بلّغ الشاهدُ منهم الغائبَ، كما أوصاهم.
ولكن المسلمين اليوم يعرفون التأريخ الهجري القمري، ويسجلونه في وثائقهم، ولكنهم قليلو الاعتبار به، والاكتراث له. نعوذ بالله من الخذلان.
الخاتمة:
لا بد للإنسان العاقل، الذي يشعر بكرامته الإنسانية، أن يكون مدركًا للزمن، عارفاً بالتاريخ، مترقبًا للأوقات، ليكون إنسانًا حقيقيًا، كما أراده الله.
وكم من عبادة وطاعة ربطها ربنا بالشهور والأيام والأوقات، كالحج والصيام والصلوات، وما ذلك إلا لنكون مدركين للتاريخ معتبرين به.
ومهما وقع منه التقصير في كل هذا وقع النقص بقدر ذلك من كرامته الإنسانية، وصار أقرب إلى الحياة الحيوانية، عافاني الله وإياك من ذلك، أيها القارئ الكريم.
التدقيق اللغوي: لجين قطب