توجد تصانيف – مفترضة -  كثيرة لأنواع المعارف في التّراث البشري؛ فمثلًا هناك من يصنفها على أساس طبيعتها العامة، فهي: "تجربيّة أو نظريّة (تجريديّة)". وهناك من صنفها على أساس الموضوع، فهي: "طبيعيّة أو إنسانيّة أو اجتماعيّة". وهناك من صنفها على أساس مراحل التّطور التّاريخي الّذي مرت به معرفة الإنسان، فهي: "حسيّة ثمّ تأمليّة (روحيّة) ثمّ علميّة تطبيقية".

  ولكن مع نمو المعارف البشريّة وإجراء الدّراسات والمجالات البحثيّة كان لابد من إعادة النّظر في هذه التّصنيفات القديمة، لذلك تمّ المزاوجة أو الجمع بين هذه المحددات – السّابقة - لخلق تصنيف أشمل للمعرفة. فقد روعي: البعد التّاريخي في نمو المعرفة، إلى جانب الطّبيعية العامة التي تميزها، إلى جانب الموضوع الخاص الّذي تعمل عليه، وهذا كلّه في إطار إخضاعها إلى محدّد أعم، وهو: المجال العام المشترك الّذي تنشط فيه المعرفة.  

 

 لذلك درج الباحثون في مجال نظرية العلم "Theory of Scienc" في العقود الأخيرة على تصنيف المعرفة البشرية على مختلف أنواعها وأقسامها في إطار ما يسمى بـ "الإبيستيمولوجية العامة" أو "نظرية المعرفة العامة" "General Theory of Knowledge" إلى خمس خانات أساسّية، هي:

 

 1- المعرفة الأُسطوريّة ):Mythological knowledge(

وهي ليست عِلم، وتعمل في مجال المتخيل الزّائف (غير الواقعي أو غير الحقيقي)، وتشمل أساطير الشّعوب وخرافاتها كـأساطير:

- شعوب مركز الأرض: الشعب العربي القديم؛ عاد، ثمود، طسم، عبرانيون (جبال السراة)، وادي النيل، أكاد، آرام، الأمازيغ، الأكراد ... إلخ. 

- شعوب شرق الأرض: الهنود، الصنيون، الأتراك، الروس، (الخزر المتهودة)، البرابرة القدامى (اليابانيون والكوريون)، وبقية الآسيويين ... إلخ. 

- شعوب شمال الأرض (أوربة): اليونان القديمة والقبائل الجرمنية والرّومانية والسّلافيّة ... إلخ.

- شعوب جنوب الأرض: أفريقيا الجنوبية واسترالية القديمة ... إلخ.

- شعوب غرب الأرض: أمريكا اللاتينية؛ المايا والأزتك ... إلخ.

 والمعرفة الأسطوريّة لها علاقات وتداخلات فيما بينها أو مع بقية الفروع المعرفيّة الأخرى - مثلًا - فن التّنجيم وهو فن خرافي يقوم على أُسس أُسطوريّة رغم اعتماده ظاهريًا على مُسمَّيات وبيانات علميّة من علم الفلك، وهو بشكل أو بآخر يشكّل البدايات الأولى لتكون علم الفلك، ومثله كذلك العقائد الأرضيّة الخرافيّة، "كالبوذيّة" و"الهندوسية" وغيرها، وكذلك مثلًا تداخل الأسطورة مع الفلسفة ومع فن السّياسة في وضع نظريات خرافية وأسطورية مثل: الفاشيّة، والنّازيّة، والنّزعات القومية المتطرفة عمومًا أو تداخل الأسطورة مع الدّين في وضع بعض الطّرق والمذاهب الدّينيّة الفاسدة والمُغالية ... إلخ.

2- المعرفة الفنيّة ):Arts knowledge(

وهي ليست علم، وتعمل في مجال التّعبير بالصّورة أو بالكلمة أو بالصوت، وهذا يقابل الفن التّشكيلي، الفن الحركي، الفن الصّوتي، وهي تشمل الدّراسات اللّغويّة والأدبيّة، الدّراسات الموسيقيّة، فن المسرح، السّينما، الشّعر، الرّواية، القصة، الغناء، النّحت، الرّسم، التّصوير، وجميع الدّراسات النّاتجة عن التّداخلات فيما بينها أو مع بقية المجالات العلميّة، مثل: علم اللّغة، علم التّأويل، فن الخط والزّينة، فلسفة اللغة ... إلخ.

3- المعرفة الدينية (Religious knowledge):

وهي (علم بالمعنى المجازي)، وتعمل في مجال المعرفة الرّوحيّة أو بشكل أدق في مجال "الميتافيزيقا" أي الماورائيات، وهي تشمل كلًا من: علم العقائد، علم التفسير والتأويل، علم الحديث، علم الفقه، وجميع الفروع العلميّة النّاتجة عن تداخلات هذه العلوم فيما بينها أو مع العلوم أو الفنون الأخرة كعلم التراجم والسّير أو فن القراءات والخطوط  ... إلخ.

4- المعرفة الفلسفيّة (Philosophical knowledge):

وهي ليست علم بل دراسات بحثيّة متعددة تطبق على بقية الفروع العلميّة والفنيّة، وهي تقسم إلى قسمين أساسيين هما الفلسفة النّظريّة والفلسفة العمليّة، تتفرع عنهما أقسام عامة تصنف إما من الناحية الزّمنية - فلسفة قديمة، وسيطة، حديثة، معاصرة -، وإما من ناحية الموضوع كـالفلسفة الطّبيعيّة، الفلسفة المثاليّة، الفلسفة الوجوديّة ...إلخ، وكذلك فلسفات ناتجة عن تداخلات فروع الفلسفة فيما بينها أو مع العلوم أو مع الفنون أو مع الأديان أو مع الأساطير، كعلم المنطق بفرعيه الصّوري والرّياضي، وكفلسفة العلم، والفلسفة السيّاسية، والفلسفة الأخلاقية، والفلسفة الجمالية، وفلسفة التّربيّة، فلسفة الدين ... إلخ.       

5- المعرفة العلميّة (Scientific knowledge):

 وتصنف إلى قسمين:

1- المعرفة الطّبيعيّة ):Natural knowledge(

وهي علم، وتعمل في المجال المادي غير الحي – المجال الفيزيائي - وتشمل كلًا من: العلوم الرّياضيّة التطبيقيّة، العلوم الهندسيّة، العلوم الفيزيائيّة، العلوم الكيمائيّة، العلوم البيولوجية، العلوم الزراعيةّ، العلوم الجيولوجيّة، العلوم الفلكيّة، العلوم الجغرافيّة، وجميع الفروع العلميّة النّاتجة عن تداخلات هذه العلوم فيما بينها أو مع العلوم الإنسانيّة كالعلوم الطّبيّة والصّيدليّة ... إلخ.

2- المعرفة الإنسانيّة (Human knowledge):

وهي علم، وتعمل في المجال الحي أو البشري وتشمل كلًا من: علم النّفس، علم التّربيّة، علم الاجتماع، علم (أو فن) الإعلام، علم الإقتصاد، علم (أو دراسات) الآثار، علم التّاريخ، علم (أو فن) السّيّاسة، الدّراسات الحقوقيّة والقانونيّة، علم (فن) الفهرسة وتصنيف المكتبات، وجميع الفروع العلميّة النّاتجة عن تداخلات هذه العلوم فيما بينها أو مع العلوم الطّبيعيّة كعلم النفس التّجريبي أو علم الاجتماع الصّناعي أو علم الآثار المعملي ... إلخ.

كانت هذه نظرة مبسطة حاولتْ أن تضع تصنيف عام – مفترض - لمعارف شديدة التّداخال والتّعقيد، فمن النّاحية العمليّة يصعب فصل العلوم أو المعارف عن بعضها البعض فهي غالبًا متشابكة ومتكاملة؛ حيث ثبت للبحثِ التّاريخي أن الأنواع الخمس لهذه المعارف طالما عمِلت وتعمَل بالتوازي، مع ملاحظة بروز أو غلبة أحدها على بقيتيها في مرحلة زمانيّة أو مكانيّة أو بحثيّة مُعينة.

كاتب وأكاديمي
عبد الحكيم شباط، أكاديمي وكاتب مقيم في ألمانيا، له العديد من المؤلفات والأبحاث العلمية والأدبية المنشورة باللّغتين الألمانية والعربية.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية