حوار الحضارات، أضحى الآن ضرورة قصوى لمعرفة الآخر ولتأكيد الحق في الاختلاف، في عالم يتميز بالتنوع الثقافي والتعدد الحضاري وبعرف ثورة اتصالية لم يسبق لها نظير من شأنها خدمة المقولة القائلة ن الحضارة الإنسانية مؤسسة على شراكة معرفية ومهمة تكريس التواصل وتعزيز الحوار يتحملها بالدرجة الأولى صانعو القرار والنخب الفكرية والثقافية والمتحكمون في وسائل الإعلام. نحن نعيش حاليا في عالم في تحديد قسماته في ظل سيادة نظام لشبكة إلكترونية ممتدة عالميا بدون حواجز ولا حدود.
وفي هذا الصدد أتذكر دراسة يا بانية نشرت في فجر سبعينات القرن الماضي (1971) جاء فيها أن الشبكة العالمية للحاسوب ستحتوي على مجموعة لا تحصى ولا تعد من الخدمات المرتبطة بمختلف الميادين والمجالات وبذلك ستساهم في رفع الإنتاجية وتحسين نوعية الحياة وبذلك سيبرز بجلاء مفهوم القوة الإعلامية الذي سيتجاوز مكانة القوة الصناعية والقوة الاقتصادية. وقد اعتبرت تلك الدراسة أن المجتمع سيتحول إلى ما بعد المرحلة الصناعية عندما يتسع مجال قطاع الخدمات المعتمد على الإعلام ويتجاوز 50 % من الناتج الوطني الخام. ومن شأن هذا المرور إلى المرحلة الجديدة أن ينتج أزمات حادة سواء على صعيد الاقتصاد أو صعيد التشغيل ، لاسيما وأن تدويل الاقتصاد سيستند على الثورة المعلوماتية .
وبذلك تكون هذه الدراسة الصادرة سنة 1971 قد رصد أهم المعالم للمجتمع الجديد.
ولعل هذه القوة في الاستبصار الياباني من شأنها أن تدعو العرب إلى التفكير في كيفية التفاعل مع هذا الواقع الجديد من منطلق واقعهم وهويتهم الإسلامية والعمل على بلورة رؤية واضحة المقاصد لتأمين الحضور العربي المشرف على الركح العالمي.
ولعل هذه الدعوة تفرضها جملة من المتغيرات، وعلى رأسها انحصار البعد الوطني، إذ أن المنافسة بكل أنواعها داخل حدود الوطن فقد معناها في ظل هيمنة الشركات العابرة للقارات والثورة الاتصالية. وفي وقت أضحت الفروق التي تميز بين الشعوب لم تعد سياسية أو اقتصادية بقدر ما هي ثقافية وحضارية، ما دامت الثقافة تشمل مكونيين اثنين: مكون روحي يضم القيم والمعايير والاعتقادات والتقاليد ومكون مادي وهو الذي يتجسد في كل ما يصاغ من أدوات ومنشآت لضمان الاستقرار الحضاري والت الاجتماعي ولن تستطيع الحضارات ضمان وجودها واستمرارها في ظل العولمة (الأمركة في المرحلة الحالية) إلا بالاحتفاظ بمكونها الروحي. وهذا يتطلب أول ما يتطلبه رؤية واضحة المقاصد، والتي على أساسها يمكن بلورة استراتيجيات التعامل مع كل فترة لخدمة تلك المقاصد.