"إني حَصَان فما أُكّلم ، وثَقَاف فما أُعَلَّم"
أم حكيم بنت عبد المطلب
أرجو ألا تظنوا أنه موقف عليائي، وأن أم حكيم -رضي الله عنها- قد استبد بها الغرور فقررت التوقف عن تحصيل المعرفة. بل هي وصفت نفسها بالثقافة لا بالمعرفة، وشتان شتان ما بين الاثنين. المعرفة في المحصلة العامة تجميع للمعلومات مع بعض العمليات التنظيمية التي تضمن للعقل استرجاع المعلومات بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب. وقد يكون لأحدهم اطلاع موسوعي، وقد يختزن عقله الكثير من الأرقام والنسب والأحداث والمقولات، لكن إياك أن تظن أنه مثقف بالضرورة، هو عارف وحسب.
أما المثقف (أو الثقاف كما وصفت أم حكيم نفسها بصيغة المبالغة) فهو شخص لا يحتاج أن يُعلّم، لأنه تعلم كيف يتعلم، وخبر آليات اكتساب المعرفة، وتجاوزها إلى شيء أكبر وأعمق: الثقافة. وهذا لا يعني أن المثقف عارف بكل شيء، بل هو يملك قاعدة معقولة من المعارف، انطلق من كتفيها إلى أفق أرحب وهو التثقف. وعلي أن أشير هنا إلى اللبس الذي كثيرا ما يحدث بين الثقافة التي أتكلم عنها (أو المثقفيّة نسبة إلى كون الشخص مثقفا) Intellect وبين الثقافة بمعنى القيم والسلوكيات السائدة في مجتمع ما أو مؤسسة Culture.
ثلاثة قضايا كبرى تواجه الأمة اليوم : "الهوية" ، و"الأخلاق" ، و " طريقة التفكير" ، وكنت قد تنبهت إلى موضوع الأخلاق مبكرا جدا أثناء حواراتي اليومية في دمشق مع الشيخ الطبيب رفيق السباعي ، والذي كان يكرر على مسامعي أن الشريعة أربعة أعمدة ، عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات ، وبقيت قضية الأخلاق والمعاملات تلح على ذهني خمسة وثلاثين عاما نتيجة ماأراه وماأسمعه وماأعيشه من أوضاع مزرية تعانيها المرأة والأطفال في المنطقة العربية وفي تلك المجموعات التي نزحت من هذه المنطقة إلى ديار الغرب ، فالمرأة مطلعة بشكل أعمق على الخلل الأخلاقي في المجتمع ، نتيجة احتكاكها بخلاياه من الداخل ، من الأسرة حيث تبدو وبوضوح معضلة الأمة الأخلاقية والتربوية ، اكتشفت مبكرا أن الأزمة التي نعانيها ليست أزمة سياسية ولااقتصادية ولاحتى فكرية ، إنها أزمة أخلاق ومعاملات ، أزمة عميقة خطيرة متشعبة ، لأن "الأمة" اليوم لاتهتم بفلسفة الأخلاق ، وتمارس مجموعة من السلوكيات العقيمة المتوارثة مما تبقى من عادات الأمم التي تشكل عناصرها الإنسانية اليوم لحمة سكان المنطقة العربية ، والتي انتهت إلى الثقافة الاجتماعية العامة التي نعيشها ونورثها للأجيال ونمنحها اسم "الأخلاق" دون مراجعة ولاإعادة صياغة ولامشروعات نقد وتمحيص،محافظين على العقيدة والعبادات مُفرغة من روح الشريعة ، وقد هدمنا نصف أعمدتها في سلوكياتنا اليومية والانسانية والاجتماعية!.
فُجعت الأمة الإسلامية والمنطقة العربية برحيل «محمد عابد الجابري» المفكر والفيلسوف والمجدد والأستاذ، الذي خسرت الأمة بفقده أحد كبار علمائها الأفذاذ، والذي لم تحظَ الأمة بمثله منذ مئتي عام، والذي ستبقى كتبه وبحوثه وتأملاته حيّة تمنح الأمة الكثير والكثير من التأمل والتفكر والبحث والعمل المضني للاستفادة منها في مجال إحياء العقل العربي المعاصر، واستعادته القدرة الإنسانية اللائقة لبناء حياة شريفة حرة كريمة للإنسان في هذه المنطقة.
لو لم يكن للجابري من فضل إلا سلسلة كتبه عن العقل العربي لكفته، ولو لم يكن له من مكرمة إلا اعتذاره عن معظم الجوائز التي مُنحت له والمناصب التي عُرضت عليه خلال سنوات جهاده الطويلة الزاخرة لكفته، لقد اعتذر عن عدم استلام تلك الجوائز ومعها مئات الآلاف من الدولارات ليعيش كفافاً، رجل علم ومعرفة وبحث، في بيته المتواضع، بين كتبه و «كمبيوتره» وتلك الأسلاك التي تمتد على جدران البيت، و «اللمبات» –البلورات الكهربائية– التي تزين بالنور المتواضع جوانبه، ذلك كان بيت عالم، بيت رجل عصامي عفيف، ضرب من نفسه أروع الأمثلة الحية على التقدم في مجالات الإبداع رغم الفقر والبساطة والتواضع على المستوى الشخصي، والانحطاط والهزيمة والهوان الذي تعيشه الأمة من حوله.
نص مداخلة مُحَمّد سَعيد الرّيْحَاني في ندوة "من الفكر الموسوعي إلى فن الترجمة" التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس المغربية يوم الخميس 8 أبريل 2010
مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين، صارت الحاجة إلى "نظام عالمي جديد" مطلبا إنسانيا وحلما يراود البشرية بأكملها وكان السبيل إليها هو دمقرطة الإعلام والإقتصاد. ولأن دول العالم الثالث كانت المتضرر الأول من النظام الدولي السابق القائم على الثنائية القطبية شرق-غرب ومن كل النظم الدولية السابقة في القرنين السابقين، فقد كانت السباقة بالدعوة إلى المطالبة بدمقرطة العلاقات الدولية من داخل منظمة اليونيسكو يؤيدها في دلك الأمين العام آنذاك للمنظمة. أما المطلب فكان "دمقرطة النظام الدولي اقتصاديا وإعلاميا بشكل يسمح لهده الدول العالمثالثية بالتنمية الاقتصادية والمشاركة في تدبير الشأن الدولي". وهو مطلب يقوم على تأسيس نظام عالمي جديد مبني على قيم التعاون والتضامن والتقارب والتعايش... لكن المطلب أثار غضب الولايات المتحدة التي انسحبت من منظمة اليونيسكو عند نهاية الثمانينيات من القرن الماضي جارة وراءها ربع ميزانية المنظمة فأسقطت بذلك أمينها العام آنذاك كما أسقطت المطلب في شقه الإنساني العادل.
لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصار الولايات المتحدة الأمريكية في حرب الخليج الثـانية سنة 1991 وخروجها للعالم دركيا وحيدا أوحدا، عادت لتستحود على المشروع العالمثالثي، "النظام العالمي الجديد"، اقتصاديا واعلاميا مع إلباسه ثيابا إمبرياليا وإفراغه من مضمونه الديموقراطي ونَفَسه العالمثالثي، مكرسة بدلك واقع هيمنتها على العالم وتبعية هدا الاخير لها ولشركائها عبر فلسفة جديدة في تدبير الشأن الدولي: "العولمة".
تخيّلوا –فرضا وجدلا أو حتى عبثا- أننا في يوم ما قررنا، أو حتى أننا أُجبرنا ألاّ نتخيّل؛ أن ننزع قابس الخيال من حوائط عقولنا وأن نكتفي بالتفكير المباشر والواقعي والحَرْفي. تخيّلوا معي ماذا سيحدث حينها.
حينها، سنرتاح من أحلام اليقظة، ومن التفكير في العوالم الوردية المجيدة الحافلة بحياة أكثر حقا وخيرا وجمالا، وهذا يعني أننا نكون فقدنا وقودنا المحرّك، لكن إذا تفاءلنا سنجد أن هذا سيوفّر علينا الكثير من الوقت الضائع.
كما أننا سنتوقف عن الالتزام بالقانون –بداء بقانون الجنايات وانتهاء بقانون النظافة في الشوارع- لأننا نكون فقدنا مقدرتنا على تخيّل العواقب التي تحملها أفعالنا.
لو لم نكن نتخيّل، سنتوقف عن التخطيط، فالتخطيط في مجمله تفكير في المستقبل وتخيل لأحوالنا فيه، مما يعني أننا -أفرادا ومجتمعات- لن نحسب حساب الغد لأننا فقدنا مقدرتنا على تخيل وجوده.
نظرية الموازنة النفس سلوكية الدافعة للتعلم: نظرية شخصية للباحث التربوي سلطان الحارثي
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد...
تعتبر نظريات التدريس محوراً أساسياً يعتمد عليها للنهوض في العمليات التدريسية كي ترقى وتتطور وغياب النظرية يؤخر النهوض ويجعل الرؤية غير واضحة في العمليات التدريسية للوقوف عليها وعلى سياسة الناظرين فيها والمفندين لأسسها، لكونها ركيزة أساسية ومفيدة للمعلم والمتعلم، فهي تخدم المعلم في أدائه التدريسي وتخدم الطالب ليكون تعليمه فعالا.
الصفحة 13 من 40