"القانون لا يحمي المغفلين" بهذه العبارة الباردة درج البعض، على التعامل بسلبية مع كل من وقع عليه غبن أوغش أو تدليس في أحد معاملاته المالية، بحيث أصبحت عرفاً يُخذّل من حاول الشكوى أواللجوء للقضاء، واستمرأها الغالبية من الناس كمسلّمة، استغلتها بدهاء شركات الربح السريع، ومن ذلك مع الأسف بعض الشركات العقارية، فكان نتيجة ذلك مساهمات عقارية معلّقة منذ سنين طوال، وذريعة لبقاء أموال المساهمين تحت سمع وبصر القانون.
إن القانون إنما وضع ليكون قاعدة عامة تحمي العالم والجاهل، الصغير والكبير فهل يفترض بمن يساهم أن يكون محامياً أو قارئاً لكتب الفقه والقانون، ضليعاً بأصول وقواعد التعاقدات العقارية، حتى لا يقع عليه غبن يذهب بجميع ما كسب.
ثم إن هذه العبارة المتداولة في عرف الناس ليس لها أصل في الشرع، بل دل على خلافها تماماً، حيث ورد في الحديث الشريف أن منقذ بن عمرو ، وكان رجلاً قد أصابته آمة ( ضربة ) في رأسه، فاعوج لسانه، وكان مع ذلك لا يدع التجارة، فكان لا يزال يغبن، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: "إذا أنت بايعت، فقل لا خلابة (خديعة)، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فـارددها على صاحبها" .
لقد سبق فقهاء المسلمين العالم بأسره، في تأكيدهم على الضمانات التي تحمي حقوق كلا الطرفين، حتى وإن صدرت من أحدهما علامات الغفلة، وأمارات الجهل بالتعاقد، ومن هذه الضمانات خيار المجلس والشرط وبيع المسترسل، وهو المشتري الجاهل: يتعاقد مع من يشتهر بالسوق أنه صاحب دين وأمانه فيطمئن له ويتعاقد معه، وهو جاهل بسعر السلعة ، فيعلم البائع بذلك فيستغله ، ويرفع عليه القيمة فوق سعرها الحقيقي في السوق ، أو أن يستغل البائع ضعف المشتري الذي لا يحسن أن يماكس في أمور البيع و الشراء فيغبنه.
ولقد تضمنت الشريعة الإسلامية الرحمة مقرونة بالحكمة، وهي تقف مع الحق أينما وجد، فكيف بمن ظهر ضعفه وبان خلله، من باب أولى أن تقف نصوص الشرع ومن يطبقها من الفقهاء والقانونيين بجانب هؤلاء، الذين لا يحسنون البيع و الشراء، ولا يعرفون كيف يحمون أموالهم من أصحاب النفوس الضعيفة.
إذا كان هؤلاء قد داخلتهم بعض الغفلة: أفيكون للمتلاعبين الحق، في أكل ما يريدون من أموال بلا حسيب ولا رقيب!
ليس في وسعي أن أسكت عن هذي المآسي
وأرى الأعراف والأعراف من دون أسى
بين مغلوط صحيح وصحيح في التباس
وكلا العرفين لا يفهم منه: أين حقي ؟!