رحلة برية وأيام ربيعية هانئة كأيامنا هذه، جمعتني بمن أحب قبل فترة. تحارونا في كل شيء ما عدا العقار ..
" أحد منكم شاف الشيك أبو 42.500 ريال "؟!!
كذا باغتنا رجل المفاجئات، كنت أعلم أن وراءه خبراً عظيماً، فالرجل نذر حياته للمساهمات المعلّقة والمشاريع الفاشلة، صاحبنا كان منبهراً وهو لا يشعر، تماماً كغيره من آلآف المخدوعين بفكرة الشركة العقارية، والتي اكتسبت سمعة سيئة من عدد مساهماتها الهائلة التي لم تُصفَّ، وضحاياها الذين لا يحصون، مما جعل عقول أصحاب الشركة تتفتق عن هذه الخطة البالغة الدهاء تحت شعار (العمل الفكري معيار تقدم الأمم)!

الفكرة تتركز في مشروع التسويق الشبكي أو الهرمي فكل ما هو مطلوب من المساهم، أن يشتري برنامجاً ( سي . دي ) يحوي 1600 مجلد في كافة مجالات المعرفة بمبلغ 500 ريال، وبمجرد شراءه يكون الوعد غير الملزم من قبل الشركة العقارية بمكافئتين على مرحلتين: قريبة بـ ( 60 ريال) وبعيدة بـ (42.500 ريال) لكل عملية شراء، وكلما تكررت العملية أصبح الطريق للمليون أقرب!

هذه الفكرة على خياليتها وما تحتويه من شبه كبير بالقمار والجهالة والغرر الواضح، المتمثل في كون أسطوانة البرنامج منسوخة بشكل رديء، استقطبت أعداداً مهولة من المساهمين، بمجرد أن اكتسبت الغطاء الشرعي الذي أضفاه عليها أحد طلبة العلم البارزين في علم الحديث (عفا الله عنه)، في تكييف شرعي مُحكم جعل الشركة تجمع ما يقارب700 مليون ريال من الآف المساهمين في ظرف السنة والنصف فقط ، أما جائزتهم الموعودة فلم تذهب إلا إلى 3 أشخاص، قامت الشركة بتصوير شيكاتهم بأعداد ضخمة في حملةٍ كان وقودها المساهمين أنفسهم!

عندما أطرح على نفسي سؤالاً على شاكلة: أليس القانون لا يحمي المغفلين؟ كما يدعيّ البعض. سرعان ما يأتيني الجواب بدون تردد من (دبي). فالشركة العقارية بمجرد أن جمعت الأموال انطلقت إلى حاضرة دولة الإمارات (دبي) لتبني برجاً ضخماً على ضفافها من أموال المساهمين. وتعلن عن دورة جديدة لفكرتها هناك. بنكهة خليجيه هذه المرة. مصطحبةً معها نص الفتوى!! ولكن هيئة المدينة الاقتصادية كانت لهم بالمرصاد، فسرعان ما أقفلت مكاتبه ، بعد أن عجزت الشركة عن استيفاء المتطلبات النظامية من ضمان بنكي يوازي قيمة الجوائز، ومراحل زمنية دقيقة لتوزيعها!

الإنصاف يدعونا إلى أن نشيد بجهود هيئة كبار العلماء الموقرة في استصدار فتوى جازمة بالتحريم (وإن جاءت متأخرة)، وكذلك العلاّمة / وهبة الزحيلي عندما أصرّ في أكثر من مناسبة على حرمة هذه المعاملة، والاستغفال الواضح في عقودها مع المساهمين مما ساهم إيجاباً في وقف هدر الأموال المنصب في جيوب الشركة.

إن السؤال الذي أعياني طرحه: من الملوم في قيام هذه الشركات، واستمرائها العمل وفق هذه الشاكله؟ .. سذاجتنا .. أم دهاء الشركة العقاريه؟!
ضعف أداء رقابتنا القانونية.. أم بساطة الشيخ المُدَلَسِ عليه؟
جاوبني أيها القارئ وَزِد .. فإنما تحيي ميتاً !!

عائشاً عيشة رهطٍ لم يفكر بسواه
همه أن ينهب المال لإشباع هواه
أين من يفتح تحقيقاً يرى عما جناه
ويريه بانتقام الشعب جهراً : أين حقي؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية