تتعدد المنافي بالنسبة للروح الإنسانية على وجه العموم، والروح العربية على وجه الخصوص.
ولنعرف أولا ماهية الروح:
هي ذلك الشيء الخفي الذي يتألم داخل إطار الجسد الذي تحكمه ماديات الحياة ويحكمه عقل قد تشكل فى الإنسان منذ عهد الصيد والقنص بالحربة والحجر الى عهد الصيد والقنص بالصواريخ الموجهة والأقمار الصناعية و لكن بقي شيء واحد يحمله الإنسان منذ بدايته حتى الأن لا يستطيع التخلص منه تلك الأنانية التي يحملها بين جنبيه وتطغى على تفكيره وتصرفه حينما بات من المؤكد ان يظهر معدنه فى فترات متفاوتة كلما تسلح بالقوة يريد ان يقتنص اكثر ويمتلك اكثر بغض النظر عن تركه مساحة ولو ضئيلة لغيره ليصيد فيها، ليسد رمقه. لقد اخذ التطور المادي صورة مغايرة لما يجب ان تكون عليه الصورة الحقيقية فكانت أداة التطور لقهر الطبيعة بما فيها الإنسان نفسه ولم يكن التطور في خدمة الإنسان فقط ولكن فى خدمة كيانات حجمت تلك الروح التي تضفي على المادة حياة ناعمة بعيدة عن الألم والشعور بالقهر وبالتالي هروبها من حيز الوطن وحيز الزمن للخروج الى دوائر لم تضع لها إلا مسميات تجعل الروح الإنسانية تبحث عن مهرب ولا يصبح أمامها إلا ان تهرب بعيدا عن الأرض التي تطغى عليها آلية المادة الجافة وتدفع بالروح أيضا الى البحث عن قطرات رطبة من الحب والليونة فى إطار ما وراء المادة.
والروح العربية ليست روحا مختلفة عن اى روح سواء أكانت روحا روسية أو أمريكية أو فرنسية إلا أنها كانت تختلف اختلافا كاملا لأنها كانت محركه للمادة فى إطارها
فقد بنيت الأهرامات لتخليد تلك الروح الوثابة وهيأت لها الطبيعة للخلود، وطوعت الجسد لخدمة الروح لاستمرار بقاءها فى البرزخ حتى تبعث من جديد فخلف هذا المنظور حضارة مازالت باقية شامخة حتى الآن على خلاف الروح التي نشأت فى أجساد أخري تقدس الحياة التي ننظر إليها من تحت الأقدام ونطأها بعنف لتتألم الروح وتمضى بلا أمل تتعذب أو لا تتعذب .. تهيم فى مراعي وأحراش وأدغال وأسلاك شائكة وتصاب بالتسلخ دون اى عوامل مساعده لالتئامها .
وفى ظل طغيان المادة وجعلها الجنة الأرضية لن تحظى الروح بأي مساحة في هذا الإطار الصلب إلا ان تنأى بعيدا أو تلقى بجسدها فى النيران.
وكما ان الجسد هو الإطار التي تسكنه الروح والتي لا تجد فيه مسكنا مناسبا لان الجسد مقيد الحركة مكبل بعنكبوتيات التخلف والجهل والفقر التي سببته بعض الدكتاتوريات التي تصيغه وتشكله جسدا صالحا للنيران التي تبعث الدفء حول حكام الشعوب المتخلفة والمقيدة وتجعل منه أيضا قنابل تسير الى مجزرة الروح للبحث عن خلاصها.
ان ظروف القهر والظلم والطغيان جعلت الروح تلقي بنفسها على مذابح الخلاص.
وآي خلاص نراه اليوم؟