احتضنت عاصمة الثقافة الليبية مدينة بنغازي مهرجان المدينة الثقافي - الدورة السادسة خلال الفترة من 20 – 21 – 22 /3/2005م بمبنى الدعوة الإسلامية بإشراف رابطة الأدباء والكتاب.
وبعد مراسم الافتتاح التي شارك فيها العديد من الأخوة المسؤولين عن قطاع الثقافة الذين أشادوا باللغة العربية ورحبوا بالشعر والشعراء حاثين إياهم على ضرورة التواصل من أجل إذكاء جذوة الثقافة في هذا القطر العربي.. وثمّنوا عالياً الجهود المبذولة من قبل الشعراء لأجل المساهمة في خلق مناخ ثقافيّ يشارك في إثراء مكتبتنا العربية بما هو مفيد وبناء ثم تلاشوا ولم نر أيا منهم خلال أيام المهرجان التي استمرت طيلة ثلاثة أيام متتالية. وعلى هامش المهرجان أقيم معرض للكتاب من قبل الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع.. ومعرض للفنون التشكيلية شارك فيه العديد من الفنانين التشكيليين وهم محمود الحاسي – عادل جربوع – محمد فرج (فنان مصري) – امباركة زيدان المغربي – عبد القادر بدر – رمضان البكشيشي – خالد الصديق – جمال الشريف بالإضافة إلى مشاركة بعض طلبة كلية إعداد المعلمين جامعة قاريونس (قسم تربية فنية) وهم صالحة المقرحي - سمية عمار – هدى العبار – فوزية الرياني – فاطمة نجم – محمد البرناوي – فاطمة إبراهيم وقد كان من أجمل المعارض التي شاهدتها في حياتي ومساهمة الفنانات التشكيليات في المعرض أعظم دليلٍ على تمكّن المرأة من إثبات وجودها واجتيازها لمرحلة التشجيع والمجاملة حيث تمكنت بإصرارها ومثابرتها من دحض التقسيم الجائر الذي يقوم بتصنيف الإبداع إلى قسمين ليرتفع عالياً لواء الإبداع بدون هرمونات.
وقد أقيمت مساء اليوم الأول الأمسية الشعرية الأولى للشعراء الشباب حيث قام بالتقديم لها الشاعر موسى اللافي والشاعرة عفاف عبد المحسن وقد شارك فيها كل من الشعراء الشباب صالح قادربوه – خالد درويش – خلود الفلاح - صلاح عجينة - مراد الجليدي - هليل البيجو وغيرهم.
وفي اليوم الثاني أقيمت في الفترة الصباحية ندوة قدم لها كل من الشاعر جمعة الفاخري ومحمد ولد نافع (ناقد موريتاني) وقد شارك فيها كل من:
1. أحمد التهامي وعنوان ورقته (التأويل وميتافيزيقا الحدود في منطق تعريف السيميائية)
2. عبد الحكيم المالكي وعنوان ورقته (النص الروائي والمدخل النقدي محمد الأصفر وعبد الله الغزال أنموذجا)
3. طارق الشرع وعنوان ورقته (البحث عن النقاط الصفر)
ثم تخللت الندوة بعض المداخلات حول ورقات العمل.
وفي الفترة المسائية لليوم الثاني فوجئنا بالشعر المحكي يقفز على المنبر.. وإذا أمعنا النظر في أصحاب هذا اللون من الشعر فسنجد أنهم أناس رائعون عكس أشعارهم التي لا لون لها ولا طعم وهي تجربة جديدة ولكن لن تستمر طويلا ومن المؤسف أن يتم تقديم هذه التجربة غير الفصيحة في المهرجانات المختصة بالفصيح كما تم النشر لها في الملفات الثقافية في صحفنا المحلية المختصة بالفصيح أيضا.. وأنا لست جائرا في حق هذه التجربة فهي رغم فهم الناس لها وتفاعلهم مع حسن الإلقاء إلا أنها تظل هزيلة أثناء قرأتها ثم أن هذه التجربة تبناها عدد محدود ولم تمتد إلى سواهم وأنني لا أدري ما سرّ كل هذا الاهتمام بها رغم فشلها الذريع.. وإهمال الشعر الشعبي المليء بالصور الجميلة والمعاني السامية.. وقد أفسحوا لهم المجال فصالوا وجالوا دون أن يحاول أحد مقاطعتهم بينما لم يسمح لشاعر كبير مثل مفتاح العماري بالمشاركة أكثر من 3 دقائق حرصا على الوقت.
ثم تلتهم الأمسية الثانية للشعراء الشباب حيث قدم لها كل من الشاعر فرج العربي وعذاب الركابي (ناقد عراقي) وقد شارك فيها العديد من الشعراء الشباب وهم د. صلاح البدري – خالد المغربي – صادق السوسي - حنان عبد الكريم – مصطفى قادربوه – عصام الفرجاني – فتحي الحريزي – موسى اللافي – وليد الشيخي – أحمد الفيتوري.
وقد تم فيها تحديد الزمن حيث أصبح الوقت ثمينا بقدرة قادر وتم مقاطعة الشعراء نظرا لضيق الوقت ولم يطلق لهم العنان مثل أصحاب الشعر المحكي وكأنهم هم الدخلاء على المهرجان بالإضافة إلى عدم معرفة المقدمين لهم حيث لم يتم عرض سيرتهم الأدبية للتعريف بهم.
وفي صباح اليوم الثالث والأخير أقيمت الندوة الثانية في المهرجان قدم لها القاص محمد المسلاتي وأحمد بشير العيلة (شاعر فلسطيني) وقد قدم الأستاذ سالم هابيل ورقة بعنوان (الأسئلة الصعبة لأدب الشباب الحديث) ثم تخللت الندوة بعض المداخلات حول ورقة العمل اليتيمة.. ثم ترك المجال مفتوحا للجميع لمناقشة موضوع (الشعراء الشباب وفضاء النشر الالكتروني)
وفي المساء كان موعدنا مع الشعر الفصيح للشعراء الكبار حيث اكتظت القاعة بمحبي الشعر الفصيح وقد قام بالتقديم لها كل من د. هنية الكاديكي والأديب محمود البوسيفي وشارك فيها العديد من الشعراء وهم:
عفاف عبد المحسن – فرج العربي – علي صدقي عبد القادر – محمد الهريوت – نعيمة العجيلي – أحمد بشير العيلة – جمعة الفاخري – مفتاح ميلود – محمد المزوغي – فاطمة عبد الله – عبد الله عبد المحسن – مفتاح العماري.
وقد اختلط في هذه الأمسية حابل الشعراء الكبار بنابل الشعراء المبتدئين الذين لا نستطيع تصنيفهم حتى مع المواهب لافتقادهم الموهبة وهي العنصر الأساسي للشاعر المتمكن ومنهم من لا يزال في ريعان الشباب ولم ينضج بعد غير أن الشعراء مناظر وليسوا محاضر وبعضهم تكلمك عباءاتهم الموشاة نيابة عن ألسنتهم المتلعثمة وقد لوحظ غياب شعراء المدينة الكبار أصحاب الأسماء اللامعة مثل راشد الزبير السنوسي - حسن السوسي - رجب الماجري - محمد الشلطامي وغيرهم من متذوقي الأدب ومما زاد الطين بلة عدم الالتزام بالوقت والبرنامج الذي تم توزيعه على الحاضرين وكذلك الإزعاج الذي كانت تحدثه الهواتف المحمولة داخل القاعة بالإضافة للثرثرة التي استحوذت على ألسنة مقدمي المهرجان حيث كان بعضهم يسهب في الحديث عن شعر الشباب بأسلوب ممل محاولا استعراض مهارته الخطابية رغم مطالبته دائما بالحرص على الوقت كما لوحظ أن أغلب طالبي الكلمة أثناء النقاشات هم مجموعة من الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالأدب من بعيد أو قريب حيث يتلذذون بإحداث الملابسات من أجل لفت الأنظار بسبب عدم استطاعتهم الكتابة وغالبا ما يدخلون في جملهم أسماء مفكرين غربيين من أجل الاستعراض لتغطية عقدة النقص التي يعانونها.
وفي ختام المهرجان تم توزيع كتاب ديوان الشعراء الشباب على الحاضرين بالإضافة إلى تكريم مؤسس المهرجان الأستاذ إبراهيم العريبي وهو من العناصر التي أفنت زهرة شبابها من أجل النهوض بقطاع الإعلام ونحن بدورنا نهنئه على هذا التكريم ونتمنى أن يمد الله في عمره ويمنحه الصحة والعافية.
كما أصدر خلال أيام المهرجان الثلاث ملحق المدينة وهو ملحق ثقافي يصدر عن صحيفة أخبار بنغازي التي يرأس تحريرها الأديب سالم العبار وقد أشرف على تحرير هذا الملحق مجموعة من مبدعي بنغازي وهم محمد المزوغي – حمد المسماري – جابر نور سلطان - خلود الفلاح – نيفين الهوني بالإضافة للمختصين بالقسم الفني لصحيفة أخبار بنغازي وهم فاتح مناع - طارق الهوني – خديجة الزوي.
تلك كانت محاولة بائسة لإعادة الحياة لمهرجان المدينة الثقافي من قبل غير ذوي الاختصاص بعد تعرضه لنوم سريري (كوما) لمدة تسع سنوات فكانت النتيجة الإجهاز عن قصد وترصد بسبب انتشار ثاني أكسيد كربون الشعر المحكي وعدم توفر أكسجين الشعر الفصيح المناسب لبث الحياة إلى جسده المترهل الذي أنهكه الإجهاد والإعياء.
* الصورة بعدسة فتحي العريبي