وجدت اسمي منشورا ضمن الأسماء التي ترغب في مقابلتها وزيرة الخارجية السمراء، فور وصولها أرض بلادي، فلم أصدق نفسي، فلا أنا رئيس وزراء، ولا رئيس مجلس شعب أو شورى، ولا رئيس حزب، ولا عضوا في جماعة إسلامية متطرفة، ولا صاحب أو رئيس مركز من مراكز المعلومات الخطيرة التي تتعامل مع الدول الكبرى، ولا أنا رئيس أي حاجة في البلد. فقط أنا شاعر، وعضو مجلس إدارة اتحاد كتَّاب مصر بالانتخاب الحر المباشر الذي ترغب الولايات المتحدة تطبيقه في المنطقة.
آه ربما بسبب الكتابة على الإنترنت، أو في بعض الصحف والمجلات الرقمية والورقية، أرادت وزيرة الخارجية السمراء مقابلتي لأكتب عنها وأبيَّض وجهها، ولكن مهلا فهناك مئات بل آلاف الكتَّاب في العالم الذين من الممكن أن يفعلوا ذلك، بل هناك من فعل ذلك بالفعل، فلماذا إذن تريد مقابلتي؟
اتصلتُ بزملائي أعضاء مجلس إدارة اتحاد الكتاب، وسألتهم هل هناك محاولة اتصال لمقابلة وزيرة الخارجية الأمريكية؟
اتهمني من لم يقرأ الخبر في الجرائد ووسائل الإعلام المختلفة، بالجنون، وقالوا لي: هذه أضغاث أحلام، وجنون شاعر، وسألوني: لماذا تقابلك أنت بالذات؟ دون أن تقابلنا نحن، أو حتى تطلب مقابلة محمد سلماوي ـ رئيس الاتحاد؟
وعندما أبلغت هؤلاء أن اسمي ورد بالفعل، ضمن الأسماء التي تريد الوزيرة السمراء، مقابلتها، بدأوا يصدقونني، وسألني أحدهم: هل أنت فعلت شيئا ما أفرح الوزيرة؟ أو أرسلت رسالة وُد للرئيس الأمريكي تعلن فيها تأييدك لسياسته في الشرق الأوسط، وخاصة في العراق وفلسطين والسودان وسوريا ولبنان، وإسرائيل؟
قلت لمن سألني: لا لم أفعل شيئا من هذا .. وأنت تعرف مواقفي جيدا، وحتى لو فعلت، فهل هذا يستدعي طلب المقابلة.
رد عليَّ قائلا: (ابسط يا عم يبدو أن العين عليك)، وستعين قريبا في منصب مهم.
ـ مهم .. منصب مهم؟ مثل ماذا؟
أجاب: على الأقل وزير ثقافة.
ـ على الأقل .. وزير ثقافة ؟؟ إذن ماذا لو كان على الأكثر؟؟
ضحك قائلا: لو كان على الأكثر، فسيكون رئيس وزراء طبعا، ولا أريد أن أذكر أكثر من هذا.
قلت له في بساطة: (تعرف أنك عبيط).
ـ لماذا يا وزير المستقبل الأمريكاني؟
ـ لأن المسائل لا تأتي بهذه الصورة أبدا ..
ـ كيف تأتي إذن المسائل يا أبو العُريف؟
قلت له في محاولة تغيير دفة الحديث: تعرف إن أحدًا لم يتصل بي حتى الآن؟
ـ أحدٌ مثل مَنْ؟
ـ مثل مندوبي الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والفضائيات، حتى قناة الجزيرة التي تغطي مثل هذه الأحداث لم يتصل بي أحد منها.
ـ معقول .. لعلهم يتصلون بك الآن، وأنت تحدثني من المحمول، اصبر فما هي إلا دقائق ويتصلون وتجد الدنيا كلها فوق رأسك.
ـ لم أعلق، ولكن قلت له: هل أنا مجهول لهذه الدرجة؟ ولو كنت مجهولا فكيف عرفت الوزيرة السمراء اسمي، وطلبت أن أكون جاهزا لمقابلتها بعد تشريفها أرض الوطن؟
ـ ليس اسمك فحسب، ولكن بالتأكيد هناك ملف كامل عنك موجود أمامها الآن على متن الطائرة التي أقلعت من واشنطن في طريقها إلى القاهرة.
ـ معقول .. أيكون جهاز المخابرات الأمريكية أعد ملفا عني، وسلمه لها؟
ـ بالتأكيد يا حبيبي، وكل واحد منا له ملف عندهم.
ـ إذن لماذا لم تطلب مقابلتك أنت كذلك؟ لماذا أنا على وجه التحديد؟
ـ (تلاقيك عامل عاملة مهببة).
ـ (عاملة مهببة .. ازاي ..؟).
ـ على فكرة أنا بدأت أشك فيك .. تلاقيك عميل للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية كمان.
ـ الله لله لله .. معقول يا راجل للدرجة ديه .. أنت تعرفني وتعرف مواقفي جيدا ،أنا عمري ما اخون بلدي ..
ـ أنا بدأت أشك في كل شيء.
ـ مادام الشك تسرب إلى نفسك، اسمح لي أقول لك إني بدأت أشك فيك أيضا.
ـ (لا مش ممكن . أنا .. أنا ..).
ـ (اشمعنى أنا اللي بتشك فيه؟).
ـ أنت تعرفني جيدا . أنا .. أنا ناصري مائة بالمائة، وعبد الناصر كما تعرف لم يكن يحب الأمريكان.
ـ هل تعتقد أن عبد الناصر لو كان حيا، لاستمر في رئاسته وزعامته حتى الآن؟.
ـ صمت قليلا، ثم قال: بالتأكيد.
ـ قلت: أشك في ذلك.
ـ (خلينا في المصيبة بتاعتك .. الست ديه عاوزة منك إيه بالضبط؟).
ـ (ما تقولش ست، دي آنسة، سمراء، وخفيفة الدم، وبتعزف موسيقى، وبتحب الشعر).
ـ (بس يا حلو .. يمكن عايزاك تسمَّعها شعر خلال استراحة من جولتها بالمنطقة).
ـ شعر إيه بس .. عندها فاروق شوشة، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وأحمد سويلم وفاروق جويده، وابو دومة، والشهاوي، وعندها شعراء قصيدة النثر. وعندها عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وعبد الناصر علام ورمضان عبد العليم، وغيرهم لو حبت تسمع عامية مصرية، وعندها كمان شعراء قصيدة النثر العامية يسري حسان ومسعود شومان وأشرف عتريس، وغيرهم.
ـ أخذ يفكر، ثم قال في سؤال مفاجئ: هل أنت نشرت شيئا ضد الأمريكان بعد 11 سبتمبر 2001؟
ـ أخذت أفكر في السؤال، ثم تذكرت: ليس ضد الأمريكان، ولكن كتبت ونشرت عن مشاعر الغضب العربي من ممارسات الجيش الأمريكي في المنطقة قبل سقوط بغداد في 9 أبريل 2003 وبعدها.
ـ ماذا كتبت ونشرت الله يخرب بيتك؟
ـ قصيدة ـ بها مقاطع نثرية ـ بعنوان "رسالة إلى الجندي الأمريكي".
ـ (هي دي مربط الفرس .. تاهت ولاقيناها).
ـ معقول .. تطلب الوزيرة مقابلتي بسبب هذه القصيدة؟.
ـ كل شيء معقول في هذا الزمان.
ـ طيب ما عبد الرحمن الشرقاوي، كتب قصيدة في عام 1951 بعنوان "من أب مصري إلى الرئيس ترومان"، ولم يطلب أحد من الأمريكان مقابلته.
ـ يا عزيزي الزمان اختلف.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية