نود من خلال هذه القراءة الكشف عن النظريات الشعرية العربية القديمة، لنلاقي فيما بينها منقبين عن مقوماتها كما عرضها النقاد القدامى،من خلال نقدهم التسجيلي، الذي عني بالتدوين والتوثيق أكثر من النقد والتقويم، محتكما إلى السبق الزمني بدءا بالموروث الشعري الجاهلي،ووصولا إلى الشعر الإسلامي ،الذي سنَّه الأصمعي وبن سلام الجمحي، وقد برز من بعدهما منظرون و نقاد كانت عنايتهم بنقد الشعر.  
احتكاما إلى مقومات بلاغية أو نحوية ولغوية،وأخرى عرفية ذات صفة اجتماعية أو أخلاقية،مما تمكنوا من التواضع عليه حسب أعرافهم وقبلته أذواقهم.
وقد مثل هذا الاتجاه ثلة من النقاد، منهم ابن قتيبة وابن المعتز و ابن طباطبا وقدامة بن جعفر، وغيرهم ممن أسسوا لمفهوم عربي في نقد الشعر، هؤلاء النفر من أدباء وعلماء العرب، كان لهم السبق في التأسيس لقواعد وقوانين لا تقل أهمية عن تلك التي يهتم بها نقاد الحداثة اليوم،والتي تجاوزت مفهوم الطبع إلى مفهوم الصنعة والتفنن ،وأخذوا يسيجونه ويرسمون مساراته بمعايير مستنبطة من الشعر، والمرجعية التي جبل على نهجها الأوائل في قول الشعر، حتى صارت سجيتهم التي لا ينافسهم فيها أحد.
هذه المعايير هي التي كونت نظرية الشعر العربي،التي يمكن أن يصطلح عليها باسم الشعرية العربية، التي تمثلت في النقد التنظيري، الذي يعد المنهاج المتبع في تأسيس ديوان العرب و المدونة النقدية العربية، إذ بدؤوا بالتدوين والتوثيق لكل الأشعار التي كانت تتداول مشافهة من أفواه الحفظة من أعرق القبائل العربية، ثم انتقلت إلى التقعيد وفق"العمود الشعري"كما توصل إليه المرزوقي فيما بعد من خلال قراءة نقدية فاحصة،وموجهة للجيل الجديد من الشعراء.
وبالفعل انتهج الشعراء العرب والمولدون،جيلا عن جيل ذلك النهج وتبنوا تلك المعايير، الأمر الذي نتج عنه نقد تطبيقي،كمرحلة ثالثة، تلت التدوين والتنظير،ركز في قراءته على المحدث الذي بدأ يتمرد على المعيار ويشق لنفسه طريقا خاصا به.
 
مدرسة الشعرية العربية تدوينا وتنظيرا.
1-الفحولة عند الأصمعي.
       عايش الأصمعي الرواة وشهد عصر تدوين اللغة،وساهم في جمعها،وعرف جموع الشعراء،ومحص أشعارهم وميز بين الغث والسمين ،والمنحط والرفيع،ولم يكن له صنعة غير العلم وما اتصل به،حتى روي عنه أنه قال :"لما خرجنا مع الرشيد إلى الرقة،قال لي:هل حملت معك شيئا من كتبك؟فقلت نعم حملت منها ما خف حمله،فقال لي كم ؟ قلت ثمانية عشر صندوقا، فقال :هذا لما خففت،فلو ثقلت كم كنت تحمل؟فقلت أضعافها فجعل يعجب "([1]) وقد كان الأصمعي من أعلم أهل زمانه بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها،والمتصفح لكتب التراث كالأغاني،والجمهرة وإصلاح المنطق والمزهر في علوم اللغة،يجد أن الأصمعي أشهر من نار على علم،فهو عمودها الأساس الذي تنبني عليه.
1-1 –الأصمعي العلامة والناقد.       ولم يصل الأصمعي إلى اختراع مصطلح الفحولة في الشعر إلا بعدما وقف على الكثير من المعايير التي رأى أنها لابد من أن تكون لبنة في تكوين بناء هذا المصطلح،وقد جمع بين ما هو اجتماعي وما هو عرفي وما هو لغوي،ولم يتيسر له ذلك إلا لما وسع اطلاعه على أشعار العرب وأغراضها،لدرجه أنه كان يطلق أحكاما نقدية عامة وغير مسبوقة.       كما هو في قوله:"ذهب أمية[2]في شعره بعامة ذكر الآخرة،وذهب عنترة[3]بعامة ذكر الحرب،وذهب عمرو بن أبي ربيعة[4] بعامة ذكر الشباب"([5]) كما أنه قد قال عن أبي العتاهية "شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب والتراب والخزف والنوى"([6]) وقد روي أيضا أن الأصمعي"كان يعجب بشعر بشار لكثرة فنونه وسعة تصرفه ويقول كان مطبوعا،لا يكلف طبعه شيئا متعذرا ، ولاكمن يقول البيت ويحككه أياما وكان يشبه بشار بالأعشى والنابغة الذبياني"([7])ويقول عنه :"بشار خاتمة الشعراء،والله لو أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم"([8])وكان الأصمعي ينشد أبياتا لنصيب[9] ويستجيدها ويقول :"قاتل الله نصيبا ما أشعره:     فإنَّ بِكَ مِنْ لَونيَ السَّوادُ فإنّني  لكالمِسْكِ لا يُروَى منَ المسْكِ ذائِقُهُ
     وما ضرَّ أثوابي سَوادِي وتَحتَها   لباسٌ من العلياءِ بيضٌ بَنَائِقُه
     إذا المرءُ لمْ يبذُلْ من الودِّ مثلَ ما بذلتُ لهُ فاعلمْ أنيَََِّ مُفارِقُه"([10])ولعل السر الذي تكنه هذه الأبيات هو أنها ناطقة بالحكمة،مما جعل الأصمعي يعجب بها ويرددها ،وقد "سئل الأصمعي عن قول الخنساء في نعيها صخرا حين مات ونعته فقالت:
يُذكِّرُني طلوعُ الشَّمْسِ صَخراً   وأندُبُهُ لكُلِّ غُروبِ شَمسِ
فقالوا لماذا أنها خصت الشمس دون القمر والكواكب؟ فقال لكونه كان يركب عند طلوع الشمس يشن الغارات،وعند غروبها يجلس مع الضيفان،فذكرته بهذا مدحا لأنه كان يغير على أعدائه،ويتقيد بضيفه "([11])ولا يمكن أن يتأتى على درجة من التأويل كهذه، إلا كيس فطن بلغ من الحذق مبلغا،وجاء في المستطرف أيضا قول الأصمعي:"ما وصف أحد العيون بمثل ما وصف أحمد بن الرقاع في قوله:  وَكَأَنَّها وَسَطَ النِساءِ أَعارَها       عَينَيهِ أَحوَرُ مِن جَآذِرِ جاسِمِ  وَسنانُ أَقصَدَهُ النُعاسُ فَرَنَّقَت       في عَينِهِ سِنَةٌ وَلَيسَ بِنائِمِ  "([12])1-2- اختراع المصطلح.هذه الأحكام النقدية التي حكم بها الأصمعي(فلان أشعر ..شعر فلان كساحة الملوك..يعجب بشعر فلان ...يستجيد شعر فلان.. ذهب فلان بعامة ذكر كذا..)إضافة إلى تأويلاته الصائبة،أهلته وكانت منطلقاته لاختراع مصطلح "الفحولة" الذي صنف على ضوئه الشعراء، ورتبهم آخذا بعين الاعتبار مجموعة من المعايير التي تبنى عليها الفحولة،وهي : قوة الطبع،وغلبة صفة الشعر أي الاحترافية،والكم المناسب من القصائد،وسعة الثقافة،إذ"لا يصير الشاعر في قريض الشعر فحلا حتى يروي أشعار العرب،ويسمع الأخبار،ويعرف المعاني وتدور في مسامعه الألفاظ،وأول ذلك أن يعلم العروض فيكون ميزانا على قوله،والنحو ليصلح به لسانه،وليقيم إعرابه،والنسب وأيام العرب ليستعين بذلك على معرفة المناقب والمثالب،وذكرها بمدح أو ذم "([13])وقد حققت شروط الأصمعي الواجب توفرها في الشاعر حتى ينال درجة الفحولة،أمرين:   أولهما:أن الفحولة خصوصية توفر الاشتراطات المذكورة آنفا، في الشاعر بغض النظر عن انتمائه الزمني لأي حقبة أو عصر معين، ويتبين ذلك من خلال عدم إعطائه هذا اللقب لكثير من شعراء الجاهلية.ثانيهما:أن الشاعر الحجة هو البدوي،جاهليا كان أم إسلاميا.1-3- دعائم ومرتكزات الفحولة.      فمصطلح الفحولة عند الأصمعي ينم عن معايير خاصة،يجب توفرها في العمل   الشعري والتي تجعل منه إبداعا عجبا، لا يقدر على الإتيان به إلا (الشاعر الفحل) ولا ينبغي  لكل الناس. ومن هنا نكتشف أن شعرية النص كانت غاية الأصمعي، كيف لا وهو المغرم بخدمة اللغة وفنونها؟ وهو من أقام قائمة من المعايير من شأنها أن تعمل على تفجير معجم اللغة ،وتبيين أساليب استخداماتها،والحرص على أصالتها، والاحتراف في التعامل بها دون غيرها .       حيث جرد المعايير المشترطة للشاعر حتى يرتقي إلى مصف الفحول ورتب درجات الفحولة باعتبار أن إتيان الشروط السالف ذكرها، لم يكن على درجة واحدة منى حيث القوة،إذ لا بد أن هناك من تفاوت،وعلى ذلك كله كانت المعايير النقدية (الأصمعية)للفحولة موزعة بين: ([14])

    1.       أن يكون الشعر جيدا رفيعا مهما قل أو كثر.
    2.       أن يكون الشاعر مختصا في قول الشعر لا يشتغل في شيء غيره.
    3.       مراعاة طبقة الشاعر،إذا كان من شعراء الملوك،أو العامة من الناس.
    4.       مدى تمسك الشاعر بالتقاليد الشعرية المتعارف عليها.
    5.       أن يكون الشاعر قد أطرق جل الأغراض الشعرية.
    6.       السبق لشاعر البادية،من منطلق الفصاحة،وأصالة اللغة.
    7.       أن يكون الشاعر نابغا في غرض بعينه،وله فيه باع دون الشعراء.
    8.       أن يكون الشاعر من المطبوعين،الملهمين أصحاب الموهبة الشعرية.
    9.       مراعاة البعد الأخلاقي ،من منطلق أن الدين يوجب ذلك.
   10.   مراعاة التمكن من اللغة،وقدرة التحكم فيها،لكونها غاية في حد ذاتها.
   11.   مراعاة السبق الزمني وفق مجاله المحدد من الجاهلية إلى عصر الأصمعي. 1-4 مراتب الفحول.

    فوفق هذه الخطاطة أو الاستراتيجية،منهج الأصمعي مسباره، لانتقاء جند الشعر وتصنيفهم، ثم نشرهم في ميدان الشعر،على مراتب هي:        أ- قسم الفحول: وهو أرقى درجات التمكن من القول الشعري ،الذي يمكن أن يجتمع فيه أكبر قدر ممكن من المعايير السالفة الذكر.       ب-قسم الفرسان:وهو مرتبة لا تقل مقدرة في التمكن عن سالفتها إلا بالمقارنة الدقيقة والفاحصة،وذلك للتقارب الاشتقاقي للصفتين من اسمي فرس الخيل وفحل الإبل.       جـ-قسم الكرماء:وهو رتبة تلي الفرسان،وتنم عن خصلة لطالما جاءت لصيقة بالعرب القدامى،ولا يتصف بها إلا الوجهاء من القوم،والشجعان وبذلك فالكرماء فرسان أيضا.       د- قسم الصالحين:هذا القسم يبين عن بعد أخلاقي،وهو دليل على التغيير والحداثة التي، لحقت الشعر في العصر الإسلامي تماشيا وروح العصر ،وامتثالا لما جاء به الإسلام.       هـ-قسم العدائين:وهم صعاليك العرب العدائين الذين كانوا لا يلحقون، ولا تعلق بهم الخيل إذا عدوا.ومنهم السليك بن السلكة والشنفرى، وتأبط شراً، وعمرو بن براق، ونفيل بن براقة.       و- قسم الفصحاء:وهذا القسم متعلق بالتمكن من اللغة،على السجية دون تعثر أو لحن،وقد يضم الشعراء البدو،كما قد يستثنى من هذا القسم بعض الشعراء المولدين، الذين أقحموا في معجمهم اللغوي بعض الألفاظ الفارسية وغيرها.1-5 فضل الأصمعي على الشعرية العربية.لقد كان للأصمعي فضلا كبيرا لكونه قد أسهم بقوة في الشعرية العربية، إذ أصبحت معاييره مرجعا مهما وأساسيا يؤتم بهامن بعده،وذلك لإلمامه بكل الجوانب الأدبية ومقتضياتها اللغوية،والأخلاقية، والاجتماعية والعرفية،التي توحي بمهندس لمنظومة نقدية غايته فيها أصيلة،وتنم عن رجل أصيل يضع لبناته أمام سيل جارف بإمكانه إذابة الهوية العربية الأصيلة وصهرها في ذلك الخليط المتجانس والغير متجانس الذي عرفه العصر العباسي.ولعل إلحاح الأصمعي ومن بعده نقاد آخرون كالمرزوقي على معيار الطبع  في عمود الشعر "كهدف يسعى النقد للكشف عنه ليعلم فرق ما بين المصنوع والمطبوع حيث ظل النظر إلى الشعر المطبوع على أنه الذي يصدر عن الشاعر بالسجية،والطبيعة الناشئة عن تدربه بسماع أشعار البلغاء،واندفاع طبيعته لمحاكاتها حتى يصير الشعر البليغ له كالطبع،فلا يصرف فيه تعمق رؤية ولا معاودة تنقيح ولا تثقيف ،فلا خلاف في هذا بين الأصمعي والمرزوقي"([15])ولم يقف المرزوقي عند معيار الطبع للأصمعي وحسب،بل أخذ تقريبا كل معاييره التي كانت خلاصة عمر طويل من البحث، قام به النقاد من قبل ومن بعد،واستطاع الأصمعي حصره في معايير القصيدة ثم من بعده المرزوقي في عمود الشعر.2- شعرية الطبقات عند ابن سلام       إذا كانت الشاعرية لدى الشاعر تعني ميكانيزم تخليق الشعر،والقدرة على توليد مقول القول وفق المعايير المسطرة من قبل النقاد،والأعراف والظروف والعوامل المؤثرة فيها ومراحل تطور قدراته الشعرية،ومدى انعكاسات ذلك على النص الشعري المنتج في هذه المراحل،فإن ابن سلام جعل منجزه،كقياس للشاعرية،حيث اعتمد فيه على الاستنتاجات والأحكام النقدية التي سبقته،لاسيما ما توصل إليه الأصمعي،وأبدع هو الآخر من جهته مطورا معيار الفحولة بضمه إلى معيار الطبقات،حيث صيره"طبقات الفحول"،إذ أتى بعدة مقومات جديدة، وأخرى مؤسسة على أيدي معاصريه،وقد تميز عن الأصمعي في كونه"يضع الفحول في طبقات ،أما الأصمعي فقد قسم الشعراء إلى فحول وغير فحول،لهذا فما لم يكن عند الأصمعي من الفحول،كان عنده فحلا في طبقة بعينها"([16])2-1 معايير الشاعرية عند ابن سلامومن معايير الشاعرية عند ابن سلام مايأتي: ([17])       أ-معيار الجودة والكثرة والذي على أساسه تأخر طرفه بن العبد و عبيد بن الأبرص إلى الطبقة الرابعة، لقلة ما بأيدي الرواة من أشعارهما،إذ  أن الكثرة عنده تدل على الاحترافية وقوة الطبع،اللتان تجعلان من الشاعر نبعا شعريا متدفقا،ولشعريته مكانة متميزة.       ب-معيار التميز بالغرض الشعري،إذ خص أصحاب المراثي بطبقة وكذلك الغزل،وذلك لما لهذين الغرضين من دلالة على صدق الشاعر في مشاعره،وقوة طبعهوقلة جنوحه إلى الصنعة،خاصة في غرض الرثاء.       ج-معيار الدين والقومية،حيث أفرد الشعراء اليهود بطبقة وحدهم،وفي ذلك دلالة على الاستراتيجية المتبعة في الحفاظ على أصول اللغة العربية،وحمايتها من الطمس.       د-أفرد أهل القرى والبوادي بطبقة خاصة بهم ،كمعيار نستطيع تسميته بالبيئوي،وذلك لكونهم حجة في جمع اللغة،ومرجع يُهتدَى إليه،للتفريق بين العربي والعجمي.       هـ- معيار الأخلاق،حيث تطلَّع إلى مواضيع الشعر ومدى نقاوتها،وأهليتها الأخلاقية،وبُعدها عن الألفاظ العاهرة والدنيئة،لاسيما الهجاء.       و-معيار القبلية(العِرْق)إذ اتخذه كمقياس،كما في الطبقتين السابعة،والثامنةحيث فضل قبائل العرب،التي كان يقصدها الرواة في عصر الجمع والتدوين،على غيرها من قبائل التخوم.       ز-معيار الزمان والمكان،حيث قسم الشعراء إلى جاهليين وإسلاميين،كما أفرد شعراء القرى بطبقة خاصة.       ي-معيار العلماء،وهو الذي كان حريصا على عرض أراء علماء النقد واللغة والنحو عند التقديم داخل الطبقة الواحدة.       2-2 الطبقات على نمط الفحول.       إن ما انتهى إليه ابن سلام الجمحي في تصنيفه وتقسيمه،لشعراء العرب القدامى،على ضوء المعايير التي اهتدى إليها،لهو أنموذج جدير لأن يكون نبراسا يهتدى على ضوئه إلى مفهوم الشعرية، والشاعرية في زمانه،فهو لم يقسم الشعراء إلى فحول وغير فحول كالأصمعي إنما نظر إلى الطبقة الأرقى من منطلق تقارب المستويات،في الأداء وبذلك كان قد فتح أفقا نقديا واسعا(فتح مجال الشعرية العربية)متخذا من معيار الطبقة مدخلا إلى النصوص الشعرية للحكم عليها في إطار ممارسة نقدية بعض أدواتها عرفي وبعضها الآخر مبتكر وجديد، وبذلك كانت طبقات ابن سلام للفحول قياسات للشاعرية استخدمها(أي القياسات) وفق المعايير التي سلف ذكرها،لحاجة كان يتطلبها…([18]) وبالتالي فإن شعرية النص عند ابن سلام قادته " إلى مناقشة أربعة ظواهر رئيسة،شاعت في عصره هي:أولية الشعر الجاهلي،ثم النحل والانتحال،ثم ضرورة الناقد،ثم أهمية المناهج في نقد الشعر"([19])وليس ذلك عجيبا بالنسبة لمحمد بن سلام،فقد كان حاملا هم الأمة غير مفرط لكونه كان لغويا، أديبا مُحَدّثًا من طائفة تشتغل برواية اللغة والأدب،ناهيك عن رواية الحديث الشريف،وما تعلق بهذا الفن من معرفة أحوال الرجال،وهذا بالذات ما جعله يعنى في كتابه(الطبقات) بقضية التوثيق التي تخص المرويات من الشعر،ويعالج مسألة النحل والانتحال في الشعر القديم،وقد أعلى ابن سلام من شأن الشاعر العربي،جاعلا منه البطل والفارس،والسيد، محترما السبق الزمني ،لإدراكه ما له من دور هام في بناء التاريخ ،وتسجيل الأحداث، حيث قسم الطبقات إلى قسمين كبيرين، الأول خصصه لفحول الشعراء من الجاهليين،والثاني خصصه للفحول من شعراء الإسلام،مدرجا في هاتين الطبقتين الشعراء المخضرمين،كما خص شعراء القرى العربية –كما سبق وبينا-بطبقة جمع فيها قرى(مكة والمدينة والطائف والبحرين) ولم يذكر من بين شعراء المدينة اليهود،ولكن خصهم بطبقة وحدهم، الأمر الذي ينبئ بأن ابن سلام لم يكن ناقدا حصيفا وحسب بل كان أيضا مؤرخا لأمته.2-3 قراءة في منهج ابن سلام.

 إن الأسس العلمية التي وضع ابن سلام على نحوها طبقات الفحولة،كانت تسطع بالمنطقية،وذلك من منطلق كونه جعل الأولوية للشعر الجاهلي، باعتباره يمثل مرحلة التأسيس، وأهم المراحل التي سلكها تطور الشكل الشعري،والمنطلق الحقيقي لقصد القصيد إذ يقول"لم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حاجته،وإنما قُصِّدَت القصائدُ وطُوِّل الشعرُ على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف،وذلك يدل على إسقاط شعر ثمود وحمير وتبع" ([20])و في هذا القول دلالة على تقصيد القصيد و تكامله في شكله الشعري الذي اتخذ منه النقاد مرجعا نقديا وألزموا الشاعر أن يحذو حذوه، ليؤسس نصاً شعرياً،وهناك أيضا إشارة إلى التدرج في الإطالة ،حتى بلغوا شعر المعلَّقات، وكذلك دلالة على الاحترافية في قول الشعر،حتى بلغ كماله واكتماله،واتزانه وجماله،وارتباطه بمواضيع وأغراض تنم عن الحاجة الملحة للشاعر،ولم يهمل ابن سلام عامل الزمن في ذلك،مؤكدا أن كمال الشعر على الوجه الذي تداولته الألسن والرواة،إنما حدث قبيل الإسلام في عهد بني هاشم،التي لم يكن قبل عهدها سوى قول البيت والبيتين،ملمحا على انقطاع وإسقاط لأشعار الأمم التي قبلهم كثمود وتبع وحمير.2-4 النحل والانتحال سرقة أم تناص.       لم يغفل ابن سلام عن قضية تعد هامة في عصره، ألا وهي قضية النحل والانتحال التي تدخل في باب السرقات عند القدامى، والتي عدت من قبيل الصنعة الذميمة،والفعل المستهجن،والمعيار عند الرواة وأهل التدوين في ذلك أخلاقي محض،مستمد من المنهج الذي اعتمد في التدوين والرواية التي عنيت بالحديث النبوي الشريف،وهو منهج صارم إلى حدٍّ ما،سيما والأمر يتعلق بتدوين حديث الذي لا ينطق عن الهوى،ونظرا لكون الغاية من جمع الشعر العربي التالد هي خدمة اللغة العربية والحفاظ عليها من اللحن والعُجمة، اتبع ابن سلام المنهج نفسه بكل صرامة،لإنصاف الشعراء وإنزالهم منازلهم،وبالتالي رصد اللغة من منابعها الأصلية،إضافة إلى نسبة التاريخ لأهله،باعتبار أن الشعر وعاء لأحداث العرب وديوانهم.       أما اليوم وقد تغيرت المقاصد،لم تصبح السرقات منبوذة، بقدرما أصبحت وسيلة للكشف عن التداخلات النصية،وانفتاحها على بعضها،وأسهمت أيما إسهام في إظهار علاقات التأثير والتأثر بين آداب وثقافات الأمم .       إلا أن المبادئ والأخلاقيات التي كان يلتزم بها اللغوي والناقد كابن سلام وجيله من النقاد العرب،جعلتهم يعدون ذلك من السرقة والانتحال،والزيادة والإنقاص الذي كان من عمل الرواة أكثر من الشعراء أنفسهم،قال ابن سلام:"فلما راجعت العرب رواية الشعر وذكر أيامها ومآثرها،استقل بعض العشائر شعر شعرائهم،وما ذهب من ذكر وقائعهم،وكان قوم قلت وقائعهم وأشعارهم،فأرادوا أن يلحقوا بمن له الوقائع والأشعار فقالوا على ألسن شعرائهم،ثم كانت الرواة بعد فزادوا في الأشعار التي قيلت،وليس يشكل على أهل العلم زيادة الرواة ولا ما وضعوا ولا ما وضع المولدون"([21]).       إن في قول ابن سلام هذا إشارة واضحة على التنافس الشديد الذي صار بين القبائل ،في إظهار الشمائل والفضائل التي يشهد عليها أشعارهم ،وإن لم تكن لهم شمائل أو أشعار اصطنعوها لأنفسهم، حدث ذلك لما فرغ الناس من الجهاد،وعاودوا حياة الشعر والترف،والتفاخر فيما بينهم،فكان ذلك دافعا كافيا لعلماء اللغة وتدوينها، إلى التسلح بمنهج قوي من شأنه القيام بغربلة الشعر ونسبه إلى أهله،وبالتالي إثبات الشاعرية لمن هو أهل لها.       ولم يكن ابن سلام ليفلح في ذلك،لولا أنه استعان بأهل الاختصاص،الذين كان يعتمد عليهم كثيرا في نقد الشعر والشعراء،يقول"قال أهل النظر:كان زهير أحفظهم شعرا وأبعدهم من سخف وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من المنطق ،وأما النابغة فقال من يحتج له:كان أحسنهم ديباجة وأكثرهم رونق كلام،وأجزلهم بيتا كان شعره كلاما ليس فيه تكلف"([22]) وهنا يسوق ابن سلام بعضا من مقومات الشعرية العربية وينسبها إلى شاعرين من عظماء شعراء العرب،زهير بن أبي سلمى رائد مدرسة تحكيك الشعر،وصاحب الحوليات،ومعاصره النابغة الناقد العظيم الذي طالما كانت تضرب له قبة من آدم في سوق عكاظ ليحتكم إليه الشعراء،في مدرسة نقدية تقويمية نادرة الوجود. 2 -5   بناء القصيدة       لعل أهم النصوص النقدية في مؤلفه طبقات فحول الشعراء ،هي تلك التي يقدم من خلالها ابن سلام خصائص شعراء الطبقة الأولى الجاهلية،وذلك من خلال الاحتجاج لكل واحد منهم،وبمناقشة هذه النصوص يمكننا استنتاج آراء نقدية عن بناء القصيدة العربية،هيكلها وأغراضها ومعناها ولغتها،ومن هذه النصوص ذلك الذي يتعلق بالشاعر أمرئ القيس،إذ يقول فيه ابن سلام:"فاحتج لامرئ القيس من يقدمه قال: ما قال ما لم يقل،ولكنه سبق العرب إلى أشياء ابتدعها،واستحسنها العرب وأتبعته فيها الشعراء: استيقاف صحبة،والتبكاء في الديار،ورقة النسيب،وقرب المأخذ،وشبه النساء بالظباء وبالبيض،وشبه الخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد،وأجاد في التشبيه، وفصل بين النسيب وبين المعنى"([23])ففي قول ابن سلام هذا نستطيع استنباط بعض الأسس المعيارية التي بنيت على ضوئها القصيدة العربية ،والتي تمثلت في المعاني المبتكرة التي يقول عنها ابن سلام أنها كانت مرغوبة لدى المجتمع ،وقد حقق بها امرئ القيس سبقا على غيره وهي : أ- امرئ القيس كان مجددا،وكان تجديده مقبولا ومرغوبا فيه،فهو لم يقل ما لم تقل به العرب، ولكنه جاء بألفاظ قريبة المآخذ،في قوالب تشبيه جيدة التصوير،وهو الأمر الذي يبرر عناية ابن سلام بتشبيهات امرئ القيس([24]).ب- في النص أيضا تنبيه إلى أن امرئ القيس قد أرسى دعائم القصيدة العربيةباعتبار أن أولية الشعر العربي في تركيزها على القصيدة الناضجة لا تطمئن إلى الشعر ما قبل امرئ القيس،وقد شمل بناء القصيدة عنده : ([25])-استيقاف الصحب،والتبكاء في الديار. - رقة النسيب،وتشبيه النساء فيه بالظباء والبيض.- الفصل بين النسيب والمعنى،بالإخلاص في النسيب،دون خلط ذلك بالمعنى المراد الانتقال إليه،ويعني (لا يخلطه بوصف فرسه أو ناقته،أو صيده أو مآثره).       ج-  أما بالنسبة لأغراض القصيدة العربية،فهو يصف شعر الأعشى"وقال أصحاب الأعشى:هو أكثرهم عروضا،وأذهبهم في فنون الشعر،وأكثرهم طويلة جيدة،وأكثرهم مدحا وهجاء وفخرا ووصفا،كل ذلك عنده،وكان أول من سأل بشعره،ولم يكن له مع ذلك بيت نادر على أفواه الناس كأبيات أصحابه"([26])ومضمون هذا النص الذي ساقه ابن سلام:1-ضرورة تنوع الأغراض الشعرية،وما له من علاقة مع المقدرة على قول الشعر وصناعته.2- أهم الأغراض الشعرية لديه هي: المدح والهجاء والفخر والوصف،وقد قرن ابن سلام الوصف بالتشبيه ،إلا أنه لا يرى فيه كفاية،إذ يرى أن الشاعر لا يكون فحلا،إلا إذا كان متعدد الأغراض،ولذلك لم يعدّ ذي الرمة من الفحول،حيث قال هذا الأخير للفرزدق:"فمالي لا أعدُّ في الفحول؟ قال : يمنعك عن ذلك صفة الصحاري و أبعار الإبل"([27])وفي ذلك إشارة إلى أنه كان غير مهتم بالمدح والفخر والهجاء وبرع في الوصف وحده،ذلك لأنه قد"أجمع العلماء بالشعر على أن الشعر وضع على أربعة أركان:مدح رافع،أو هجاء واضع،أو تشبيه مصيب،أو فخر سامق،وهذا كله مجموع في جرير والفرزدق،والأخطل ،فأما ذو الرمة فما أحسن قط أن يمدح،ولا أحسن أن يهجو،ولا أحسن أن يفخر،يقع في هذا كله دوناً،وإنما يحسن التشبيه فهو ربع شاعر"([28])وهذا سر عدم إدراجه ضمن الفحول. 3-ومن أسباب تفضيل الشاعر،وتقديمه عن سواه،إطالته وجودته،وهو معيار أخذ به ابن سلام في شعريته،إذ قال:"وكان الأسود فحلا،…وله واحدة رائعة طويلة لاحقت بأجود الشعر،لو كان شفعها لمثلها قدمناه على مرتبة"([29]) وهو يعني بذلك،الأسود بن يعفر.4-وقد أعاب على الأعشى –رغم منزلته الشعرية-أنه (لم يكن له مع ذلك بيت نادر على أفواه الناس،كأبيات أصحابه)ذلك لأن وحدة القصيدة هي البيت المستقل،  وتظهر جودته في تداوله على أفواه الناس والرواة، وهو ما عبر عنه ابن سلام في قوله:"كان الحطيئة متين الشعر،شرود القافية"([30])وقوله أيضا في التقليد:"والمقلد البيت المستغني بنفسه المشهور الذي يضرب به المثل"([31]).       د-  كما يكشف لنا ابن سلام عن سمات المعنى الجزئي من معاني الشعر،عندما يصف شعر زهير بن أبي سلمى،في قوله:"وقال أهل النظر :كان زهير أحصفهم شعرا،وأبعدهم من سخف،وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل من المنطق،وأشدهم مبالغة في المدح،وأكثرهم أمثالا في شعره"([32]) وفي النص دلالة على نقاط هامة تزيد من قيمة الشعر،وترفعه هي :

1-    إحكام الشعر في صياغة موجزة،وغنية بالمعنى الصائب والهادف،يكثر من شوارد الأبيات،التي تنط منها الحكمة ويسير منها المثل.
2-              قيمة شعر زهير تكمن في كونه يختزن الكثير من التجارب في القليل من اللفظ.
3-              كان زهير يبالغ في الوصف مادحا الرجل بما فيه،لاغير أو كما قال ابن سلام:"روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يفضل زهيراً لأنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه "([33])هـ-  وأخيرا النص الذي ساقه ابن سلام،ومنه نستنبط مقومات أخرى،غير التي سبقت،وفيه يقول:"وقال من احتج للنابغة:كان أحسنهم ديباجة شعر،وأكثرهم رونق كلام،وأجزلهم بيتا،كأن شعره كلام ليس فيه تكلف،والمنطق على المتكلم أوسع منه  على الشاعر،والشعر يحتاج إلى البناء والعروض والقوافي،والمتكلم مطلق بتخير الكلام"([34])وتتمثل هذه المقومات التي انفرد بها –حسبه- النابغة،هي:

·         لغة الشعر تتميز بجودة النسج واستوائه،بجزالة الألفاظ،وجمالية الكلمة.
·         لغة الشعر تتميز عن الكلام العادي،بالبناء والقافية والعروض.
·         شعر النابغة،غير متكلف،قريب من المطبوع منه إلى الصنعة.هذه بإيجاز خصائص الشعرية العربية في نظر أحد أكبر أعمدة النقد العربي،ابن سلام الجمحي،والتي كانت بمثابة العمود المنير في درب الأدب العربي،لا سيما مجال أو جنس الشعر،وقد كان هذا العلامة عالم بأغوار هذا الفن،وله دراية كبيرة فيه ،خاصة وأنه كان راوية ومن أعمدة التدوين،وله قول لا بد أن نسوقه في الختام،وهو قوله:"للشعر صناعة وثقافة،يعرفها أهل العلم به كسائر أصناف العلم والصناعات"([35]) وفي ذلك إشارة منه إلى إرساء معرفة لنقد الشعر، ممنهجة على نمط المعرفة الدينية،"فهو يشير إلى مفهوم الإجماع وهو مفهوم شرعي،حين يطبق على الشعر[من طرف]العلماء بوصفهم هم وحدهم القادرون على الحكم بأصالة إنتاج ما،…ويؤكد أن كل المعرفة المتعلقة بالشعر ينبغي أن تشكل في علم يقع تحت سلطة العلماء"([36])وذلك ما استقاه جمال الدين بن الشيخ من قول ابن سلام:"وقد اختلف العلماء بعد في بعض الشعر،كما اختلفت في سائر الأشياء، فأما ما اتفقوا عليه فليس لأحد أن يخرج منه"([37])وفيه دلالة على الصرامة العلمية التي كان يريدها ابن سلام في التأسيس للشعرية العربية.
1-            شعرية ابن المعتز      كان ابن المعتز(ت296.هـ)لغويا وشاعرا ناقدا وراوية نسابة،ينتمي إلى الجيل الثالث من النقاد العرب،بعد جيلي ابن سلام ثم الجاحظ،وقد كان من مؤسسي الشعرية العربية،باعتباره صاحب النواة الأولى للبلاغة العربية ،من خلال كتابه (البديع)الذي لم يسبقه إلا البيان والتبيين الجاحظ.   

    ومن المعايير البلاغية التي جاء بها ابن المعتز في البديع،في قسمه الأول(البديع): الاستعارة والتجنيس والمطابقة والمذهب الكلامي،ويشتمل قسمه الثاني(محاسن الكلام) على :الالتفات والاعتراض،والرجوع،وحسن الخروج،وتأكيد المدح بما يشبه الذم وتجاهل العارف،والهزل الذي يراد به الجد،والتضمين،والكناية والتعريض،والإفراط في الصنعة وحسن التشبيه.

   وبذلك يكون ابن المعتز قد"نظّر في مقومات الكلام الأدبي ذات الطبيعة المجازية البيانية،والإيقاعية الدلالية،بوصفها البديع الذي يرتفع به الخطاب الأدبي،شعره ونثره،إلى مستوى الفن الرفيع،لذا جاءت أول مقومات البديع عنده الاستعارة"([38]) باعتبارها "استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء عرف بها،كقول النبي (ص)(ضموا مواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء)فاستعار الفحمة للعشاء لقصد حسن البيان"([39])وابن المعتز يبدأ تمثيله لكل ركن من أركان البلاغة،بكلام الله عز وجل،ثم بالحديث النبوي،ثم بكلام الصحابة رضوان الله عليهم،ثم بشعر الجاهليين،وبعده بشعر الإسلاميين،مبينا منهجه في ترتيب استشهادا ته.وقد نهج هذا النهج تماشيا مع مكانة اللغة من حيث القيمة،الصدق والصحة،(شرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ)،ومن خلال ذلك نستنتج أنه إذا كان ابن سلام،قد نظّر للشاعرية،فإن ابن المعتز جعل كتابه البديع تنظيرا لمقومات الشعرية العربية .

   أما المقوم الثاني،من أركان الكلام عند ابن المعتز،هو التجنيس،أو ما يعرف عند البلاغيين بالجناس،بأن"تجيء الكلمة تجانس الأخرى في بيت شعر،أي تشبهها في تأليف الحروف"([40]).كقولنا :المغرب،مغرب الشمس،والمغرب الأقصى،ووقت المغرب.

   والمقوم الثالث،هو المطابقة،ويوضحه صاحب البديع فيقول:"يقول الخليل بن أحمد يقال طابقت بين الشيئين إذا جمعتهما على حذو واحد،…فالقائل لصاحبه:أتيناك لتسلك بنا سبيل التوسع،فأدخلتنا في ضيق الضمان،قد طابق بين السعة والضيق،في هذا الخطاب"([41])ثم يتناول في آخر القسم الأول، مقوما هاما، أثاره مفكروا ونقاد العصر العباسي،وهو ما يسميه الجاحظ: (المذهب الكلامي) ويقول فيه ابن المعتز ،مع ميله الواضح نحو الكتاب والسنة،:"هذا باب ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئا وهو ينسب إلى التكلف،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا"([42])وهذا المقوم لا يعد من قبيل البلاغة ولكنه الجدل الفكري والفلسفي الذي كان قائما،ومن أنصاره الأكثر هرة ،أبو عمرو بن بحر،المكنى بالجاحظ،والذي اعتمده كمنهج خاص في كتابه (البيان والتبيين) ليرد من خلاله على ثورة الشعوبية،في عصره.

   وذلك بالمنطق الذي كانوا يدّعونه،والكلام الذي كانوا يتقنونه،ويترك ابن المعتز باب البديع مفتوحا،لينتقل إلى باب مختلف بعده أسماه(محاسن الكلام)ومن أهم ما يذكر فيه :الالتفات،والذي عرفه بكونه"انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار،وعن الأخبار إلى المخاطبة،وما يشبه ذلك من الالتفات والانصراف عن معنى إلى معنى آخر"([43])وفد عرف بمحسنات الكلام التي يمكن إيجازها في مايلي: ([44])1- الاعتراض:أي اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه،ثم يعود إليه فيتممه في بيت واحد و"قد أسماه الحاتمي التتميم،وسماه ابن المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه،والتتميم عبارة عن الإتيان في النظم والنثر إذا طرحت من الكلام نقصا حسّنه،وهو على ضربين،ضرب في المعاني وضرب في الألفاظ "([45])2-حسن الخروج: وذلك من معنى إلى معنى آخر،بأسلوب يظهر الأديب فيه براعة تناسب المعاني،"وأسماه أيضا الاستطراد،وفسره بأن يكون المتكلم في معنى فيخرج منه بطريق التشبيه أو الشرط أو الإخبار،أو غير ذلك،إلى معنى آخر يتضمن مدحا أو وصفا،وغالب وقوعه في الهجاء،ومنه قوله تعالى: [ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود]ذكر ثمود استطرادا"([46]).3- الرجوع: وهو أن يقول القائل شيئا ثم يرجع عنه،وهو من سمات الأسلوب الخطابي الإقناعي.4- تأكيد المدح بما يشبه الذم: وهو من أساليب المبالغة في لغة المدح،كقول الشاعر: لا عَيبَ فِيهِمُ غيرَ أنَّ سُيوفَهم بها فُلولٌ من قِراعِ الكَتائبِ([47]).5- تجاهل العارف:وهو أسلوب يُظهر براعة الأديب وفطنته،في مجاراة تناسبتناسق السياق.6-الهزل الذي يراد به الجدّ،وهو أسلوب غالبا ما يرتبط بالتقريرية،والمباشرة.7- الكناية : وهي أسلوب بلاغي مشهور،يراد به إظهار براعة الأديب في استيعاب سياق الحال،ثم سياق النص،من خلال ذكر الفظ ورادة لازم معناه.8-التعريض: وهو أسلوب يقع في دائرة الكناية ويراد به تحميل اللفظ معنى يؤديه السياق.9-الإفراط في الصفة:وهو أسلوب يقع في النثر أكثر منه في الشعر،أو هكذا ينبغي له،لأن الإفراط في لغة الوصف،ليس سمة الشعر.10-حسن التضمين: وهو أسلوب يقل في الشعر،ويكثر في النثر،لارتباطه بالتقليد،خاصة إذا كان الكلام المتضمن سيدا ،ومهيمنا على الخطاب.11-حسن التشبيه:وما يتطلبه من تناسب مكوناته.12-حسن الابتداء:وهو ضرورة تحسين مطلع القصيدة،أو مدخل الخطاب النثري.

   وهكذا كانت مساهمة ابن المعتز ،في الشعرية العربية،كما في الأدبية لكونه اعتنى بكثير من المقومات التي تتعلق بالنثر، كالتضمين الذي يعد عند الحداثيين وجها من أوجه التناص ،ومقوم من مقومات الشعرية الحديثة،والإفراط في الوصف ،وحسن الابتداء وهو مقوم حرص النقاد على العمل به قديما وحديثا حتى قيل أن(الشعر قفل وأوله مفتاحه).أما على صعيد المحسنات البديعية،فأوصى ابن المعتز بالعناية بالمطابقة، وقد أثبت هذا المقوم نفسه،في علوم النقد الحديثة تحت مسمى: الثنائية الضدية التي تسهم في العلاقات البينية ،في بنية النص الأدبي أو الخطاب.4-الشعرية في"عيار الشعر"إن الشعر ممارسة لغوية،وفعل إنساني،وضع ضمن حدود معرفة مضبوطة وممارسة خاضعة للدراسة النقدية،وقابلة للوصف،إذ لا يتم الحكم على جودة إنتاج ما من عدمها،إلا انطلاقا من معايير موضوعية،ولا يمكن تقويم الشعر بالذوق،ذلك لأن الشعر أصبح صناعة([48])بعد أن تلاشت تلك الاعتقادات التي كانت تظنه سحرا،أو عملية مبهمة يقودها الإلهام.

   إن الشعر صناعة إذن،ولم يغادر هذا التأكيد،مجال النقد ،ولذا نجد ابن طباطبا في كتابه (عيار الشعر) يصف التأليف الشعري وكأنه رصف،ونسيج ونقش ونظم جواهر ولا يخرج أبو هلال العسكري عن هذا،عندما اختار لمؤلفه النقدي اسم (الصناعتين) ([49])فإن  هذه العناوين:عيار الشعر،والصناعتين،نقد الشعر تحمل دلالة البحث عن الموضوعيةوإضفاء الصبغة العلمية على هذه الكلمات،وإذا ما خصصنا النظر في "عيار الشعر" فنجد أن ابن طباطبا قد استعمل المعجم التقني ،إذ يقترض مصطلحاته([50])من معجم البناء والنسيج.

   ذلك لكونه رأى أن "الشعر هو الكتابة الوحيدة المتضمنة تحديدا تنظيم خاص،فاللفظ لوصف النثر لا يحدد النثر بوصفه كتابة مميزة،بل النثر هو مجرّد لا نظم،وحينما سينصب التفكير على الكتابة النثرية،فإن الناقد سيستعمل مصطلح الكتابة، أو سيتحدث عن الرسائل،يعني أن النظم كتابة تقيم بين عناصرها علاقة تنظيم وحيدة،إن الفكرة الأساس هي فكرة نظام مفروض على اللغة،ويحيل هذا الفعل بدقة على تأليف عقد من الدر"([51]) .

   ومن هنا نتوصل إلى غاية ابن طباطبا من مؤلفه "عيار الشعر" أو قياس الشعر، الذي كان كأسلافه محاولة لإرساء وتأسيس شعرية عربية،وظيفتها التمييز بين الشعر واللاشعر،وذلك من خلال تعريفه الشعر بأنه"كلام منظوم بائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم،بما خص به من نظم"([52]) وهو يشير هنا إلى خاصيتين بارزتين في تمييز الشعر من غيره ،وتتمثل الأولى في كونه (كلام منظوم)والثانية في كونه (بائن عن المنثور)ففي الأولى لا تراه يشذ عن جميع من جعلوا (النظم )شرطا من شروط الشعر،وهم كثر إلا قليل من رأى غير ذلك،كحازم القرطاجنّي،الذي ذهب إلى أن أساس الشعر وجوهره ليس النظم،وإنما هو "التخييل"إضافة إلى الوزن والقافية،وكذلك ابن خلدون، الذي رأى أن جوهر الشعر وحدُّه هو الكلام البليغ،المبني على الاستعارة([53]) .

   ولايختلف ابن طباطبا مع من سبقه في وضع الشعر على طرف نقيض مع النثر حينما قال:(بائن عن المنثور)بينونة تجعله(الشعر) راجحا من حيث أن النثر مرجوح لكونه كلام العامة من الناس،وعلى الشاعر لكي يطوع مقول القول ويجعل منه إبداعا،أن يلتزم بأدوات شعرية النص(القوانين الشعرية) ومعاييرها التي يتخذها التقويم النقدي منظارا أو معيارا يتفحص به معمار القصيدة وبنيتها، التي لا يمكن لها أن تخرج في كتابتها عن مقومات (شعرية النص) التي "هي الألفاظ والمعاني والمباني والمقاطع ،منظور إليها مستقلة أو محللة،باعتبارها العلاقات التي تربط بينها" ([54])هذه العلاقات التي يعود الفضل في نسجها إلى المبدع، وتتجسد داخل البناء الشعري،وفق إرادة المبدع الذي يبدو أنه ناقص الحرية.

   وقد نقول عنه إنه مبدعا ناقص الحرية"إذ أنه لا يعبر عن حكم شخصي،بل يدعم اختيارا تمليه عليه الكتابة الشعرية، وضرورات ممارسة سوسيو ثقافية،وضغط علوم اللغة،وهذا التأثير،هو الذي يحدد فضاء القصيدة ونسيجها"([55])ذلك لأن ابن طباطبا في شعريته يرى أن الكلام المنظوم،البائن عن المنثور،لا يتأتّى هكذا،بل يجب على من يريد إتقانه،"التوسع في علم اللغة،والبراعة في فهم الإعراب،والرواية لفنون الآداب،والمعرفة بأيام الناس،وأنسابهم ومناقبهم ومثالهم،والوقوف على مذاهب العرب في تأسيس الشعر"([56])  ففي قول ابن طباطبا هذا ،حرص على وصف عملية الإبداع الشعري،انطلاقا من الشاعر نفسه،ومقدار الحصانة المعرفية التي يتمتع بها،أو التي ينبغي أن يتحصن بها، ابتداء من أداة الكتابة والتعبير،ألا وهي اللغة، وعلومها التي تقوِّمها كالنحو والصرف والإعراب.

   وليس هذا كافيا له،إذ به وحده فقط،لا يكون سوى لغويا،ولذا فعليه أن يكون ذا دراية برواية فنون الأدب،شعرها وخطبها ومثلها السائر،وحكمها وأساطيرها ونوادرها الشعبية،لأن في ذلك ثقافة للشاعر،ودربة على القول الشعري،وغذاء للقريحة،وبهذا الشرط لا تكتمل للمبدع شاعريته،لكون اللغوي الراوية يحيط بما سلف ذكره من المعايير،ويمكن ألا يكون شاعرا،فلذا أضاف ابن طباطبا معيارا آخر، يتمثل في وجوب أن يكون الشاعر نسابة،عارفا بأيام العرب وتاريخها،وما سجله التاريخ لها من المناقب أو المثالب،لعل ذلك يكون له ذخرا في تنويع أغراض شعره بين المدح والرثاء والفخر والهجاء والغزل وغير ذلك.

   وكل تلك من المعايير والشروط،ممكنة لغير الشاعر،وعلى هذا تفطن ابن طباطبا لأهم شيء يتوجب على الشاعر الأخذ به وعليه فقط يكون المرتكز،ألا وهو أن يقف الشاعر على مذاهب العرب في تأسيس الشعر،وهو ما يدعوه النقد الحديث ب"شعرية النص"، وبذلك يجعل ابن طباطبا من الشاعر ناقدا قادرا على تقويم ذاته الشعرية،وأكبر مثقف وذلك هو الأنموذج المثالي، الذي كانت شعرية العصر العباسي تريد أن تصنعه، ألا وهو العالم بكل العلوم والفنون،الذي يأخذ من كل شيء بطرف، ثم يصهر ذلك في قالب شعري.وبالتالي ،ألم يكن ابن طباطبا يهدف إلى شعر تعليمي؟4-1 شعرية صناعة أم طبع؟

    يصف ابن طباطبا عملية إبداع الشعر من منطلق كونها صناعة،وحذق لا كونها طبع وارتجال،وكونها مقصودة لا تلقائية ،وكونها معنى ملبس بلفظ متخير، ووزن وقافية مناسبين لمزاج المبدع،وعليه أن يستعين بتدوين ما اهتدى إلى تأليفه من أبيات، حتى ولولم تتراكب وتتعالق مع بعضها،على أن يعود لينسق فيما بينها بأبيات أخرى، وهكذا حتى يعمّر قصيدته.

   هذه مراحل تأسيس وبناء القصيد في شعرية ابن طباطبا التي يثبتها بقوله في العيار:"إذا أراد الشاعر بناء قصيدة محض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرا والوزن الذي يسلس له القول عليه،فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه أثبته، وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني،على غير تنسيق للشعر وترتيب  لفنون القول فيه، بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه،على تفاوت ما بينه وبين ما قبله،فإذا كملت له المعاني وكثرت الأبيات، وفّق بينها بأبيات تكون نظاما لها، وسلكا جامعا لما تشتت منها،ثم يتأمل ما قد أدّاه إليه طبعه،ونتجته فكرته،فيستقصي انتقاده ويرم ما وهي منه،ويبدل بكل لفظة مستكرهة،لفظة سهلة نقية، ويكون كالنساج الحاذق الذي يفوف وشيه بأحسن التفويف،ويسديه وينيره،ولا يهلهل شيئا منه فيشينه "([57]).

   لكن ما ذا يعني ابن طباطبا،بعبارة"يتأمل ما أدّاه إليه طبعه ونتجته فكرته"؟فماذا يقصد بالطبع ؟وهل هو الطبع الذي يقابل الصنعة عند النقاد القدامى؟ فإذا كان كذلك ،فمقولته السالفة تنم عن الصناعة المنبثقة من الإرادة،وعن النسج المبعثر الذي يأتي إلى تسويته بعد تحكيك وتهذيب لما قد تهلهل منه،وهذا يقتضي إعمال العقل والفكر،وهو -أكيد- ما يخالف مفهوم الإلهام والعبقرية،المطبوعة التي تخلق الشعر من اللاوعي،وفي ذلك بعض التضارب مع قوله:"إن سبيل العرب في منظومهم هو سبيلهم في منثور كلامهم الذي لا مشقة عليهم فيه"([58])وفي هذا إشارة إلى سلاسة القول وسهولة جريانه على اللسان العربي،شعرا كان أم نثرا،وفي هذا القول دلالة قطعية،على أن شعراء العرب مطبوعون،ومجبولون على القول الشعري،دون الحاجة إلى الصنعة والتعديل والتفويف.

   ويدعم هذا الموقف قوله أيضا في العيار:"من صح طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر بالعروض التي هي ميزانه"([59]) ربما كان ابن طباطبا يصف القلة من الشعراء المطبوعين،الملهمين الذين قصدت قرائحهم الدواوين،على وقع وإيقاع العروض بتلقائية دون تنقيح،أما كلامه الأول فهو موجه لكل مبتدئ يريد أن يصنع الشعر،فعليه أن يتقيد بتلك المراحل والخطوات،وفي هذا إثبات بأن ابن طباطبا كان يؤمن بالتمايز الطبيعي فيما بين الناس،وتفاوت حظوظهم وطرق تفكيرهم.

   وبذلك جعل من "شعريته"موقفا وسطا بين الطبع والصنعة،وهو يدرك أن "الشعر على تحصيل جنسه، ومعرفة اسمه،متشابه الجملة متفاوت التفضيل ،مختلف كاختلاف الناس في صورهم، وأصواتهم وعقولهم، وحظوظهم وشمائلهم وأخلاقهم،فهم متفاضلون في هذه المعاني، وكذلك الأشعار هي متفاضلة،في الحسن على تساويها في الجنس،ومواقعها من اختيار الناس إياها كمواقع الصور الحسنة عندهم،واختيارهم لما يستحسنونه منها ،ولكل اختيار يؤثره،وهوى يتبعه وبغية لا يستبدل بها ،ولا يؤثر سواها"([60]) ويؤكد دور العقل في تحديد القيمة في الشعر باعتباره "عياراً" بمقدوره وحده أن يقبل أو يرفض، حسب ما هو مفهوم أو غير مفهوم"وعيار الشعر أن يورد على الفهم الثاقب،فما قبله واصطفاه فهو واف،وما مجه ونفاه فهو ناقص"([61]).

   وجمالية التذوق والتلقي تستأنس بالكلام العدل الصواب،المقبول شرعا عند ابن طباطبا،وبذلك فهو يضيف لجمالية التذوق،البعد الأخلاق،حيث يرى أن"الفهم يأنس من الكلام بالعدل الصواب الحق، والجائز المعروف المألوف ويشوق إليه"([62])كما أن الفهم ينفر من الكلام الذميم الوضيع الذي لا خير فيه"ويستوحش من الكلام الجائر والخطأ الباطل"([63])وفي هذا دليل على مدى تأثر ابن طباطبا بالتيارات الفكرية والسياسية والأخلاقية التي برزت إلى الوجود،وسيطرت على الحياة،حيث تباينت مواقف العلماء إثرها وظهرت نزعة كل منهم وتوجهه،..4-2 معايير الشعرية في" العيار " .

   من المقومات الشعرية العربية التي أسس لها العيار عند ابن طباطبا،والتي لا تخرج عن المعايير التي رسمها من سبقه من النقاد القدامى، ولا تشذ عن الفطرة السليمة،وتعاليم الدين والأعراف النبيلة التي توارثها العرب في آدابهم. حيث أنه رأى:
1-             المضمون في الشعر هو أول ما ينظر إليه الشاعر.
2-              الشكل في القصيدة ينجز بوعي وإدراك تام،على نحو متناسب مع المعنى الذي اختاره
3-             التشبيه عمود الشعرية العربية،لاسيما وأن "العرب صحونهم البوادي وسقوفهم السماء،فليست تعدوا أوصافهم ما رأوه منها وفيها"([64]).
4-              يعتمد العقل،فهو عياره في ذلك،فأحسن التشبيهات عنده"الذي إذا عكس لم ينتقض،بل يكون كل مشبه بصاحبه مثل صاحبه،ويكون صاحبه مثله  مشتبها به صورة ومعنى"([65]).
5-             يكرر ما سبقه إليه ابن قتيبة،في ثنائية اللفظ والمعنى ومدى تناسب كل منهما مع الآخر من عدمه،وبالتالي الحكم على قيمة الشعر انطلاقا من ذلك وتصنيفه إلى مراتب هي:

5-1 شعر حسن اللفظ واه المعنى،كقول جرير: ([66])إِنَّ الَّذينَ غَدَوا بِلُبِّكَ غادَروا       وَشَلاً بِعَينِكَ ما يَزالُ مَعيناغَيَّضنَ مِن عَبَراتِهِنَّ وَقُلنَ لي       ماذا لَقيتَ مِنَ الهَوى وَلَقينا

5- 2 شعر لا يناسب لفظه معناه،كقول كثيّر عزّة: ([67])فقلتُ لها يا عزَّ كُلُّ مُصيبةٍ     إذا وُطِّنتْ يوماً لها النَّفسُ ذُلَّت5-3  وشعر يناسب لفظه معناه

5-4  وشعر صحيح المعنى رث الصياغة.5-5  وآخر ضعيف اللفظ والمعنى معا

6-  اعتبر القافية عنصرا رئيسا في بناء موسيقى القصيدة.7-  أخذ بعين الاعتبار معايير أخلاقية

8-اهتم بالمتلقي،وأوجب على صانع الشعر أن يعنى به،قائلا:"فواجب على صانع الشعر، أن يصنعه صنعة لطيفة مقبولة حسنة مجتلبة لمحبة السامع له والناظر بعقله إليه.
فيحسنه جسما ويحققه روحا،أي يتقنه لفظا،ويبدعه معنى،.. بل يسوّي أعضاءه وزناً،ويعدّل أجزاءه تأليفاً،ويحسن صورته إصابةً،ويكرم عنصره صدقا ويهذب القول رقة ويحضه جزالة،ويدنيه سلاسة، وينأى به إعجازا،ويعلم أنه نتيجة عقله،وثمر لبّه وصورة عمله الحاكم عليه أو له."([68]) والمتفحص لمعايير الشعرية عند ابن طباطبا ،يكتف أنها لا تختلف كثيراً عن ما أسماه المرزوقي (عمود الشعر).

_______________________________________________

[1] - أبو الفرج الأصفهاني،الأغاني،تحقيق سمير جابر،دار الفكر،بيروت (دت)، ج5/ ص 315.

[2] -أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي.شاعر جاهلي، حكيم، من أهل الطائف.

[3] -عَنتَرَة بن شَدّاد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي.أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن شعراء الطبقة الأولى. من أهل نجد.

4-عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، أبو الخطاب.أرق شعراء عصره، من طبقة جرير والفرزدق، ولم يكن في قريش أشعر منه.

[5] -المرجع السابق، ج4/ ص 132.

[6] - المرجع السابق نفسه،ج4/ص43.

[7] - المرجع السابق نفسه ،3ج/ ص 141.

[8] - المرجع السابق نفسه ،ج 3 ص /135.

[9] -نُصيب بن رباح أبو محجن.مولى عبد العزيز بن مروان، شاعر فحل، مقدم في النسيب والمدائح، كان عبداً أسوداً لراشد بن عبد العزى من كنانة، من سكان البادية، وأنشد أبياتاً بين يدي عبد العزيز بن مروان، فاشتراه وأعتقه. وكان يتغزل بأم بكر (زينب بنت صفوان) وهي كنانية، وفي بعض الروايات (زنجية).له شهرة ذائعة، وأخبار مع عبد العزيز بن مروان وسليمان بن عبد الملك والفرزدق وغيرهم. وكان يعد مع جرير وكثير عزة، وسئل عنه جرير، فقال: أشعر أهل جلدته، وتنسك في أواخر عمره، وكان له بنات، من لونه، امتنع عن تزويجهن للموالي ولم يتزوجهن العرب، فقيل له: ما حال بناتك؟ فقال: صببت عليهن من جلدي (بكسر الجيم) فكسدن علي! قال الثعالبي: وصرن مثلاً للبنت يضن بها أبوها فلا يرضى من يخطبها ولا يرغب فيها من يرضاه لها.

[10] -أبو الفرج الأصفهاني،الأغاني ،ج 1/ ص 339.

[11] -محمد أبو الفتح الأبشيهي،المستطرف في كل فن مستظرف،تح:مفيد محمد قميحة،دار الكتب العلمية،ط2 بيروت،1986 ،ج 2 ص 588.

[12] - المرجع السابق ج2،ص35 .

[13] -ابن رشق القيرواني،العمدة في فهم أشعا رالعرب،تح: محمد محي الدين عبد الحميد ،دار الجيل ،ط3 ، بيروت،1972،ص1/132.
[14] -ينظر: عبد الرحمن غركان،مقومات عمود الشعر الأسلوبية،منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق 2004،ص52 (www. Awu-dam.org).  

[15] - المرجع السابق ،ص52.

[16] - المرجع السابق نفسه ،ص53.

[17] -ينظر:ابن سلام الجمحي،طبقات فحول الشعراء،شرح:محمد محمود  شاكر،مطبعة المدني،جدة(دت)ج1ص132.

[18] -ينظر:عبد الرحمن غركان ،مقومات عمود الشعر، مرجع سابق ،ص54.

[19] المرجع نفسه، ص55.

[20] - محمد بن سلام الجمحي ،الطبقات، مرجع سابق ج1ص26.

[21] - المرجع السابق ،ج1ص46.و ينظر:جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة،تح:فؤاد علي منصور،دار الكتب العلمية،بيروت،1998 ج1ص137.

[22] -جلال الدين السيوطي ،المزهر في علوم اللغة، مرجع سابق ،ج2ص402.

[23] - محمد بن سلام،طبقات فحول الشعراء، مرجع سابق ج1ص55.

[24] - ينظر : المرجع السابق ،ج1ص81.

[25] - ينظر: عمر عبد الواحد، مفهوم الشعر في طبقات فحول الشعراء،مقال-مجلة رؤى،السنة الأولى،مايو 1998.(www.adabihail.com)

[26] - محمد بن سلام الجمحي،طبقات فحول الشعراء، مرجع السابق ج1ص65.

[27] - المرجع نفسه ،ج2ص552.

[28] - المرزباني أبو عبيد الله(ت384هـ)،الموشح،تح:علي محمد البجاوي،دار النهضة،مصر،1965،ص273.

[29] - المرجع السابق ،ج1ص147.

[30] - المرجع السابق نفسه ،ج1ص104.

[31] - المرجع السابق نفسه ،ج1ص361.

[32] - محمد بن سلام الجمحي،طبقات فحول الشعراء مرجع سابق ،ج1ص64.

[33] -المرجع نفسه ،ج1ص63.

[34] - المرجع نفسه ،ج1ص56.

[35] المرجع السابق نفسه ،ج1ص5.

[36] -جمال الدين بن الشيخ،الشعرية العربية،ص7.

[37] - محمد بن سلام الجمحي،طبقات فحول الشعراء ،ج1ص4.

[38] -عبد الرحمن غركان،مقومات عمود الشعر،م س،ص64.

[39] -تقي الدين الحموي،خزانة الأدب ونهاية الأرب،تح:عصام شعيتو،دار الهلال،بيروت 1987،ج1ص110، أورده عن كتاب البديع لابن المعتز،ص2.

[40] -المرجع السابق،ص65.

[41] -المرجع السابق نفسه،والصفحة نفسها.

[42] - المرجع السابق نفسه ،ص66.

[43] - تقي الدين الحموي،خزانة الأدب ونهاية الأرب ،ج1ص134.

[44] - ينظر: عبد الرحمن غركان،مقومات عمود الشعر،ص66.

[45] -المرجع السابق،ج1ص271.

[46] -المرجع السابق نفسه،ج1ص102.
[47] - ينظر: ديوان النابغة الذبياني.وقصيدته التي مطلعها:

كِليني لِهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصِبِ       وَلَيلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ

[48] -ينظر : جمال الدين بن الشيخ،الشعرية العربية،ص12.

[49] - ينظر: المرجع نفسه ،ص13.

[50] ينظر: المرجع نفسه ،ص 12.

[51] - المرجع نفسه ،ص 13.

[52] - محمد بن أحمد بن طباطبا،عيار الشعر،تح: محمد زغلول سلام،منشأة المعارف،مصر،1977.ص41.
[53] - ينظر: د طراد الكبيسي، في الشعرية العربية،منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق،2004ص21،

  الموقع .(www.awu-dam.org)

[54] - جمال الدين بن الشيخ،الشعرية العربية،ص23.

[55]-  المرجع نفسه،ص22.

[56] - ابن طباطبا، عيار الشعر،ص42.

[57] - ابن طباطبا،المرجع السابق ،ص 43.

[58]  -المرجع نفسه،ص9.

[59] - المرجع نفسه ،ص3.

[60] - المرجع نفسه ،ص7.

[61] - المرجع السابق، ص 14.

[62] - المرجع السابق نفسه ،ص52.

[63] المرجع السابق نفسه ،الصفحة نفسها.

[64] المرجع السابق نفسه ،ص،48.

[65] -المرجع نفسه ،ص،49.

[66] - الموسوعة الشعرية، ديوان جرير،

[67] - الموسوعة الشعرية ديوان كثير عزة.

[68] -ابن طباطبا، مرجع سابق ،ص161.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية