نعم هي جنّة، جنّة النّضال.. جنّة الصّبر وجنّة الأمل جنّةٌ تكشف وجه الحقائقِ وتخلع الأقنعة عن تماثيل الزّيف التي تحترف الكذب والخيانة، وتُجهزَ على آخر ما تبقى من كرامة، ومروءة!
ولا عجب، فهي ابنةُ فلسطين.. فلسطين التي تهدي بعمرِ نضالها عمرًا آخرَ للبشريّة محفوفًا بالنّورِ ومعاني الحريّة ملامحُ جنّة! يطيّب الله بها عيش المؤمنِ لتعبرَ به نحو جنّة الآخرة..
،
طيور ساقتها رياح السّماء إلى أرضِ غزّة، تصدحُ نشيدًا عذبًا هذّبتهُ روحُ العزّة، فاشتدّ ساعدُهُ الغضّ ليحمل هم القضايا الكبرى ويعبرَ برسالتِهِ مُعبّرًا عن روح الفنّ وأثره على الحياة
لستُ أكتب كلماتي تقديسًا لأحد، ولا محاباة لأحد، ولستُ أرفعُ من قدسيّة القناة ولا القائمين عليها، كما أن هذا ليس بموضع مناسب لسرد رؤيتي الخاصة حول
بعض منهجياتها التي قد أختلف قليلًا معها، ولكن من الواجبِ علينا أن نشدّ على أيدي المُبادرين والعاملين في نصرة قضايانا في شتّى الثّغور، أن نشكرهم، ونحييهم، أن نكون قلبًا واحدًا، فكلنا نعمل لغاية واحدة وهدف واحد وإن تعددت الوسائل.
إن الفنّ في حقيقتهِ هو روحٌ رساليّة تتجاوز حاجزَ الزّمان والمكان تُجاوزُ بالإنسانِ عن حاجزَ فرديّتِهِ وطموحاتِهِ الضيّقة لفضاء أوسع باتساع الكون والحياة..
يقول الشّاعر العراقي بلند الحيدري: "الفن بقدر ما يحدده وضع اجتماعيٌّ مُعيّن في فترة زمنيّة ما،
بقدر ما يتجاوز هذا الوضع خالقًا إلى جانبِ لحظته التاريخيّة لحظة إنسانيّة مشتركة، أو وعدًا بلحظة إنسانيّة أعمق! ومن هنا تكمن قدرة الفن على التأثير الذي يتخطّى اللحظة التاريخيّة، ويمارس فعل الفتنة الخالدة" .. (1)
وفي نظري، لمّا تكونُ تلكَ الرسالةُ القيميّة هي أصلٌ في دينِنَا، بل واجبٌ على الفرد، فيأتينا الهدي المحمّدي برسالته: "ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته" - صحيح الجامع
معبّرًا عن واجب النّصرة بكل ما أوتي المرء من هبات ووسائل، وقيمة التلاحم الأخوي في أرقى صوره، كان لزامًا أن تنضج تلك الحقيقةَ في قلب كل من يعيها، ويأتي عمله مطابقًا لمعتقدهِ.. تصحبُهُ تلكَ الأناقة الرّوحيّة الإيمانيّة في سموّها، الخالدة على مر الأزمان. "ديننا يصبغ ملامح فنّنا، تمامًا كما يصبغ لنا الحياة ومنهجيّاتها."
مُبادرة طيور الجنّة، معنويّة في رسالتها وقوّتها في ذلك! فهي تستمدّ من الإسلام طاقته الإنسانيّة الخالدة، تُبنى في الروح لتشد أعضاء الجسد وهل أحب إلى الله كأعمال البرّ.. وإدخال السرور على قلب مسلم؟ ..(2)
وكما شاء الباري لها بتوفيقه أن تثبت للعالم أجمع؛ أن المرء لا يعدم من وسائل نصرةٍ قولًا وعملًا، أن لا شيء يقف في وجهِ المتضامن الذي يحمل رسالة صادقة لهذا الشعبِ المغدور، شاء لها أيضًا أن لا تكون محاولتها هي الأولى في كسر الحصار، ولكنها الأولى التي اقتربت من الجرحِ الغزّاوي ولامسته، وكما نحجت ستمهّد لغيرها بإذن الله، وتبعث الأمل لكسر الحصار معنويًّا وماديًّا، بعد أن نامت الألسن عن ذكر أسطول الكرامة والحريّة!
قلوب أطفال غزّة في ذاكَ الاحتفال، وعيونهم التي نطقت بهجةً في ليلٍ أخرس أعادت نشوة الحياة، وأمل النصرة بجيلٍ قادرٍ على العيش بكرامة متمسّكًا بثوابته تحت جنحِ ظلم القريب والبعيد
وأما تلك الطيور المحلّقة، نثق بأن ملايين الأرواح حلّقت معها رغبةً وحبًّا تفاؤلًا ودعاءً لأن ينير دروبها بالخير دومًا، و"يا رب نصلّي في الأقصى" :)
- - - - - - -
(1) - زمن لكل الأزمنة، مقالات في الفن - بلند الحيدري (2) - قال صلى الله عليه وسلم: "أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربةً ، أو تقضي عنه دَيناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً ، ومن كفَّ غضبه سَتَرَ الله عورته ، ومن كَظَمَ غيظاً ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة ، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزلُّ الأقدام "- صحيح الجامع.