إذا أردنا أن نصف المسرح التجريبي فلن نصل إلى مصطلح جامع مانع لتعريفه، لكننا من خلال ماتفضل به المسرحيون من ثرثرة طوال العقود الماضية قد نحدد ـ كلٌّ من وجهة نظره ـ مفهومًا ينطلق منه إلى ساحة الجدل حول المسرح التجريبي، وأعتقد أن تفكيك هذا المصطلح خطأ فادح يرتكبه من يريد الوصول إلى تعريفه؛ لأنه بكل بساطة سبق توصيف الحالة ولم يأت بعدها.
لقد ذهب الكثير من المسرحيين الأساتذة والزملاء والمجتهدين إلى تكوين صورٍ ذهنيةٍ متناقضةٍ ومتقاطعةٍ حول مفهوم المسرح التجريبي مما أربك العمل تحت مظلة هذا النوع، وتفاقمت الإشكالية بتشويهٍ خَلقي نفَّر المتلقي وصنع فجوة معه وكاد يُفقِدُ مسرحَنا ركنًا هامًّا في العملية المسرحية وهو الجمهور.
وبوقوفنا على بعض المفاهيم التي صاغها المسرحيون نجد أن المصطلح (المسرح التجريبي) ينصُب فِخاخًا غائرة يقع في شِراكها من يؤوِّل ويفسِّر بهواه متكِئًا على خبرته ودرايته، فمنهم من يرى التجريب مرادِفًا للمحاولة، ومنهم من يدَّعي أنه يوازي التدريب، وهناك من يقول بأن التجريب خروج عن المألوف، وهناك من يؤكِّد على خلط وإعادة ترتيب عناصر العرض المسرحي.
على إثر ذلك ظهر التعدي على النص بموت المؤلف، وسطوة المخرج، وتمرُّد الممثل عليهما واعتماده متفردًا على الارتجال، وجاء السينوغراف ليقول كلمته كسيِّدٍ على العرض مؤلفًا ومخرجًا ومهملًا للممثل أكثر، فهو أقل أهمية عند البعض من الكشاف أو قطع الديكور الملونة.
كل هذه الصراعات بين الأدوار ـ وإن خَلقت لنا زخمًا كلاميًّا وزحمةً إنتاجيَّة ـ إلا أنها لم تخدم الرؤيةَ المسرحيةَ التي تناست ذلك المنتظِرَ على شُبَّاك التذاكر والمتلهفَ لفرصة يتجلى فيها مع إبداعهم، فأخذ النقد والتجريح والجدل من المسرحيين أكثر مما وجدت الخشبة، فلم يَعُد يدُبُّ عليها المبدعُ كما كان ولم تسمع موسيقاه المؤثرة، ولم تشعر بروحه المتطهرة، ولم تلمس دفء مشاعره الصادقة وكلماته الرنانة وحركاته المبهرة، وبقي الإدهاش يتيمًا ـ إن وجد ـ في بعض المسرحيات.
في الحقيقة مشكلتنا ليست اصطلاحية، ولكن المشكلة أن المسرحي في (نسخة اليوم) لا يحمل همًّا ورؤيةً ورسالةً جماهيريةً متمكِّنًا من لعبته، مبادرًا بالمسرح ليستمر نسله كجنس فني عريق وقيِّم؛ وإذا تخيلنا أن تنطق خشبة المسرح الآن فيا ترى ماذا ستقول لنا؟
الفنان سالم شحبل في مسرحية عميان تأليف وإخراج ياسر مدخلي ومن غنتاج محترف كيف للفنون المسرحية - السعودية -جدة
تدقيق: خيرية الألمعي