الجميع يعرف قصة أليس التي لحقت الأرنب إلى بلد العجائب (Alice's Adventures in Wonderland) أتذكر عندما كنت طفلاً أتعجب من ذلك الأرنب الذي ينظر إلى ساعته، وسقوط أليس في تلك الحفرة لتدخل عالم لم يدهشها، فالأطفال لا يندهشون من العوالم الجديدة، رغم أن قصة أليس لا تنتهي فهي مستمرة، سألت كيف استطاع هذا الكاتب (لويس كارول) أن يفكر في قصة خيالية وهو مدرس رياضيات؟ وكيف اختار طفلة ولم يختر طفلاً شقيًّا مثلي؟ كان يدخن سجائره الأولى وهو يرتعد من عقاب الوالد، ثم سألت هل يعقل أن رجل انجليزي يستطيع أن يكتب قصة غريبة مثل قصة أليس في بلد العجائب بدون فكرة أم؟ ثم تذكرت الحقيقة أن كل القصص الغربية كتبت بروح شهرزاد التي كانت بطلة ألف ليلة وليلة فالجميع يعرفون الجني الذي كان محبوسًا في مصباح، والذي أصبح خادم علاء الدين، ولا أحد ينسى تلك المغارة التي دخلها علي بابا فكل هؤلاء الأبطال هم عائلة أليس الحقيقيين، أما الأرنب فهو ذلك الخيال الذي يخرجنا من عالم إلى عالم آخر، فنحن لم نستفد من كتاب ألف خرافة وخرافة بينما الغرب تعلم أن يخرج منها الكثير من القصص الغريبة التي تحولت إلى أفلام وقصص تجعلنا نشعر بتلك الدهشة، فالدهشة هي القوة الوحيدة التي تجعلنا نتنفس كالأطفال، لم تكن شهرزاد إلا تلك الحسناء التي تروي القصص فكل قصة هي أم القصة التالية لتسكت قبل الفجر وهي أمام ملك تعلم بأنه سيقتلها مع انتهاء القصة فكانت كل القصص كالدمية الروسية (ماتريوشكا) فكل قصة طويلة تليها قصص قصيرة، كيف تستطيع امرأة الإبداع بهذه الطريقة وهي تنتظر عقوبة الإعدام مع انتهاء كل قصة؟ وهل كان كاتب القصة الحقيقي يعاني نفس ألم شهرزاد وهو مصير الموت؟ ولماذا جعل من روح بطلته كل شيء ولم يظهر هو؟ ثم لماذا يظهر مرة بصورة سندباد ثم بصورة الشاطر حسن؟ وكلاهما يمارس التجارة، ثم يظهر بصورة علاء الدين وعلي باب اللذان
يتشاركان الفقر والقوة الخفية، أليست المغارة في الحقيقة هي جحر الأرنب الذي ظهر في قصة أليس في بلد العجائب؟ فالخيال الذي يجعلنا نتبع الأرنب إلى عالم سعيد يوجد فيه ملوك من ورق اللعب وقط يختفي ليس بالعمل الصعب لكنه في حقيقته هو العالم الحقيقي لكل فلسفة، ألا يفكر بعض الفلاسفة كالأطفال الذين اكتشفوا الجاذبية بسقوط تفاحة على رأس نيوتن الذي سأل سؤاله الشهير: لماذا سقطت التفاحة ولم يسقط القمر؟ كم تفاحة سقطت على رأس أحد منا لكنه لم يكتشف قانون مثل قانون نيوتن؟ هذا ما فعلته أليس عندما أرادت الدخول من الباب الصغير، كانت تريد معرفة سبب عجلة الأرنب ولم تتعجب أن الأرنب يتكلم وينظر إلى الساعة، لهذا فنحن لم نقاوم ما كانت ترويه شهرزاد فكل الأمور الغريبة التي كانت تحدث لم ننتبه لها؛ لأنها كانت تخاطب خيالنا تخرجنا من عالمنا إلى الخيال الذي يتحول إلى مدرسة.
اعترف الكاتب المصري توفيق الحكيم بفضل شهرزاد عليه فهي كانت حبيبته الأولى ومعلمته في هذه المدرسة، من منّا يتوقع أن شخص مثل توفيق الحكيم يتخذ من حماره الفيلسوف بطل قصصه، لكن ما فعله توفيق هو أنه اعترف بمصدره الملهم بينما الغرب لم يعترف بهذا المصدر. وحاول الأمريكان جعل من ألف ليلة وليلة مواضيع أفلامهم، وتبنوا سندباد وجعلوه ذلك القرصان الذي يتدخل في شئون غيره، وجعلوا من علاء الدين ذلك اللص المحترف في بغداد لكنهم قتلوا شهرزاد تلك المعلمة التي علمت الجميع أن يحلموا، فحتى (جول فيرن) متهم بسرقة ذلك الخيال في قصة (الكابتن نيمو) فهي تتكلم عن البحر الذي خاضه البحار سندباد وتلك الجزر الغريبة، فإذا كانت شهرزاد في الحقيقة هي أم الجميع فمن هو الأب وأقصد الكاتب؟ هذا المعلم الكبير ولماذا لم يقتلها في آخر القصة الطويلة؟ ولما لم يذكر أبناءها في كل مراحل القصة حتى تضعهم أمام شهريار ليشفعوا لها؟ هل يقع الحب بين الكاتب وبطلاته؟ هل وقع لويس كارول في حب أليس عندما رفض أن يمنحها الحق بأن تكون شابة جميلة تذهب للجامعة، وترتبط بشاب وسيم؟ و هذا ما جعل ألكسندر ديماس يجعل من الكونت مونت كريستو يسامح خطيبته مرسيدس التي تزوجت عدوه الذي تسبب في سجنه ظلمًا في الشاتو فيل، وهو الذي عاهد نفسه بأنه سينتقم منهم جميعًا، هل وقع الكسندر في حب مرسيدس؟ أعتقد بأن أبطال هؤلاء القصص العرب والأوروبيين اتفقوا على مخالفة ما كنا نتوقعه نحن، فنحن في ألف ليلة وليلة كنا نريد معرفة نهاية شهرزاد على يد شهريار مع نهاية كل قصة، لكن القصص لم تنتهي وعاشت شهرزاد، لكن للأسف ماتت في الشرق بانقضاء الأجل وبعثت في الغرب في قصة أليس والكابتن نيمو، والكونت مونت كريستو.