بحث عن: (عبد العزيز البشري) ـ الأديب الساخر، إبراهيم إبراهيم محمد الوكيل طالب ماجستير في الأدب والنقد. المقدمة: حمدًا لمن خلق الإنسان وخصه بالعقل والبيان. وصلاة وسلامًا على نبيه محمد أفصح العرب لسانًا، وأوضحهم بيانًا، وأسلمهم لغة، وأجودهم مثلًا، وبعد: الفكاهة هي مطلب الناس جميعًا منذ أبعد الأزل... يستوي فيها فقيرهم وغنيهم، وواجدهم ومحرومهم، وجادهم وعابثهم، والترويح عن النفس ليس محرّمًا ولا ممنوعًا ولا مكروهًا إلا إذا كثر فشغل عن الجد، وأفضى إلى إماتة القلب. ما أحوجني إلى ضحكة تخرج من أعماق صدري فتداوي نفسي ضحكة حية... صافية عالية، ليست من جنس التبسم، ولا من قبيل السخرية والاستهزاء، ولا هي ضحكة صفراء لا تعبّر عما في القلب، وإنما أريدها ضحكة أمسك منها صدري، وأفحص منها الأرض برجلي، ضحكة تملأ شدقي، وتبدي ناجذي، وتفرج كربي، وتكشف همي. من غرائب التكوين أن لكل إنسان طاقة محدودة في الهزات العاطفية لا يمكنه تجاوزها دون الإخلال بالتوازن والوقوع في النقيض وشدة الضحك تُبكي وتُدمع العين... كما أن شدة الحزن توصل إلى الضحك الجنوني. والسخرية هي فكاهة تشتمل على المرارة النفسية... وعلى فلسفة ذاتية لصاحبها. وتلعب الفكاهة دورًا هامًّا في حياة المجتمع؛ لأنها تهدف إلى إصلاح تقاليده وعاداته وعلاج أمراضه.
فنحن عندما نضحك من البخلاء أو السكارى إنما نرمي إلى تهذيبهم عن طريق التهكم أو السخرية. الكاتب الساخر عبد العزيز البشري ذو أسلوب أخاذ جذاب أصيل، وبعض كتاباته ذات روح تراثية محضة، فحين تقرأ له مثلًا قصة أعرابي يصف الراديو (المذياع)، تحيلك فورًا إلى حكاية (أعرابي في عرس) لأبي الفرج الأصفهاني، وتدرك قدرة الكاتب على الإمساك بعصا من وسطها، أحد طرفيها الأصالة والآخر المعاصرة، وتلك سمة صنعت سر نجاح الكثير من الأدباء ومنهم عبد العزيز البشري، الذى سنحاول جاهدين أن نتحدّث عنه فى هذا البحث ـ إن شاء الله ـ متناولين حياته ومراحل تعليمه وبعض مواقفه الساخرة ونماذج من كتاباته، عسى الله أن ينفع بهذا البحث وأن يتقبّل أعمالنا خالصة لوجهه.
أهداف البحث: فى هذا البحث أتمنى من الله ـ عز وجل ـ أن أصل فيه إلى : 1 – التعريف بالكاتب وحياته ونشأته ومولده. 2 – دوره فى الكتابة والصحافة. 3 – السمات العامة فى حياتة وأعماله. هيكل البحث: البحث مقسَّم إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول: عبد العزيز البشري. المطلب الأول : مولده ونشأته. المطلب الثانى: تعليمه وأدبه. الفصل الثانى: أثره ودوره فى الكتابة والصحافة. المطلب الأول: منهجه فى الأدب. المطلب الثانى: نماذج من كتاباته. الفصل الثالث: السمات العامة فى حياته وأعماله. المطلب الأول: مواقف من حياته. المطلب الثانى: سماته الشخصية والأدبية. الخاتمة. المراجع. الفهرس.
الفصل الأول: عبد العزيز البشري المطلب الأول: مولده ونشأته: مولده ونشأته: عبد العزيز البشري (1886 - 1943) كاتب مصري، ولد وتوفّي بالقاهرة، أطلق عليه شيخ الساخرين؛ فقد كان يميل إلى الدعابة والفكاهة. درس البشري في الأزهر، وعمل بعد تخرجه في مناصب كثيرة، آخرها في مجمع اللغة العربية بالقاهرة مراقبًا إداريًّا. كان البشري يكتب في المجلات، وقد جمع ما كتبه من مقالات في كتب، منها (قطوف) في جزأين، وفيه يصوّر ألوان التفكير المصري وبيئاته، و(المختار) وهو مجموعة مقالات في الأدب والوصف والتراجم. وقد تناول في الأدب موضوعات عن تطور الأدب العربي وفوضى النقد، وفي التراجم ذكر سيرة أناس يعرفهم ويختلط بهم. كان والده الشيخ سليم البشري شيخًا للأزهر الشريف وإمامًا في الحديث في عصره. حفظ إخوته القرآن الكريم صغارًا ودرسوا علوم الدين والعربية في الأزهر كبارًا وسار البشري على خطاهم. إلا أن ميله للأدب جعل له اسمًا لامعًا في عالم الصحافة وهو لم يزل طالبًا. وقد تأثّر البشري بالعلامة الأزهري سيد المرصفي مثله في ذلك مثل الزيات وطه حسين وغيرهما من الأدباء. المطلب الثانى: تعليمه وأدبه: لم يقم البشري بتأليف الكتب باستثناء كتابين مدرسيّين ألّفهما استجابة لوزارة المعارف في التربية الوطنية وتاريخ الحقبة المعاصرة للأدب في كتابيْ (المفصّل) و(المنتخب). ورغم أنه لم يؤلّف كتبًا إلا أنه اتخذ المقالة متنفسًا لخواطره؛ فكتب المقالة النقدية والمقالة الاجتماعية والمقالة الوصفية؛ حتى قُرن أسلوبه بأسلوب الجاحظ. يقول الأستاذ محمد كرد علي عن عبدالعزيز البشري: "وهو نسيج وحده في أسلوب الجد في الهزل والهزل في الجد، ساعده على هذا الإبداع تمكُّنه من ناصية اللغة و قبضه على قياد الأدب إلى ما فطر عليه من ظرف شفاف إذا تنادر وإذا تهكّم. والبشري كالجاحظ إذا عرضت له النكتة قالها لا يبالي، وإذا اقتضته الحال أن يتهكّم يدخل السرور على قلب قارئه ويعلّمه ولا يشقّ عليه". وكما تحدّث الجاحظ عن كافة مناحي الحباة في العصر العباسي. تحدّث البشري أيضًا في مرآته عن زعماء السياسة وأبطال الاقتصاد والقانون والإدارة والبيان والفن. كما تحدّث في غير المرآة عن شتى طوائف الشعب من المقرئين والشحاذين وماسحيْ الأحذية والنادبين في المآتم والصائحين في الأفراح، وفي كل ما كتب البشري في هذا المجال تاريخ اجتماعي حافل. الفصل الثانى: أثره ودوره فى الكتابة والصحافة: المطلب الأول: منهجه فى الأدب: يقول البشري: "إن علينا أن نتلمّس طريقًا في الأدب يكون عربي الشكل والصورة مصري الجوهر والموضوع، فعلينا أن نبعث الأدب القديم وننثل دواوينه ونستظهر روائعه ونرتوي منها بالقدر الذي يفصح ملكاتنا ويطبعنا على صحيح من البيان. فإذا أرسلنا الأقلام جاء الأسلوب في نسقه العربي الأصيل، متصلة معانيه بما نشعر من الأحاسيس. وإذا كنا في حاجة شديدة جدًّا إلى مطالعة آداب الغرب وإطالة النظر فيها ونقل ما يتهيّأ نقله إلينا منها في لسان العرب فإن ذلك لا يجدي علينا إلا إذا هذّبناه، وسوّينا من خَلْقه، ولوّنّا من صوره؛ حتى يتّسق لطباعنا، ويوائم مألوف عاداتنا، ويستقيم لأذواقنا في نظام من البلاغة محكَم التنفيذ". المطلب الثانى: أعماله وكتبه: كان البشري يكتب في المجلات، وقد جمع ما كتبه من مقالات في كتب، منها (قطوف) جزآن، وفيه يصوّر ألوان التفكير المصري وبيئاته، و(المختار) وهو مجموعة مقالات في الأدب والوصف والتراجم. وقد تناول في الأدب موضوعات عن تطور الأدب العربي وفوضى النقد، وبيّن طبع الشاعر وتصنّع الأدب بين القديم والجديد. وفي التراجم ذكر سيرة أناس يعرفهم ويختلط بهم، وأفاض في ترجمة الشيخ علي يوسف ومحمد المويلحي في كتابه. و(في المرآة) جمع مقالات كان ينشرها تحت هذا العنوان، وقد تناول في مرآته بالتصوير والتحليل مجموعة كبيرة من الشخصيات السياسية والأدبية والاجتماعية والجامعية. وتأثّر بأسلوب (المرايا الغربية)، كما تأثّر بأسلوب الجاحظ في التصوير. ومن كتبه (التربية الوطنية) وهو يدور حول موضوع واحد ـ التربية، وفيه يتحدّث عمّا يجب أن يعرفه المواطن من حقوقه وواجباته، وقد سلك فيه بعرض أفكاره مسلك الحوار بين أستاذ وتلميذه، ودُرّس الكتاب مدة طويلة في المدارس. الفصل الثالث: السمات العامة فى حياته وأعماله: المطلب الأول: مواقف من حياته في يوم من الأيام وإبّان فترة عمله في سلك القضاء الشرعي في أحد الأقاليم المصرية، كان الشيخ عبد العزيز البشري مجتمعًا في مجلس مع الفريق إبراهيم فتحي، فأراد إبراهيم أن يمازح الشيخ القاضي فقال له: هل في الحديث الشريف: (قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار)؟ فأجاب الشيخ عبد العزيز: نعم. وفي القرآن الكريم: (فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير)! لم يكن هذا الموقف الفاكِه يتيمًا في حياة الأديب عبدالعزيز البشري، فقد رافقته النكتة في جميع مواقفه كما كان مع مجموعة من أصدقائه يسترقون قضاء أيامٍ في إحدى القرى، فقام البشري ليغسل يده، وترك جُبَّتَه السوداء معلقة، فلما عاد وجد بعض أصدقائه قد رسم عليها بالطباشير وجه حمار ـ في مشهد استفزازي ـ فنظر إليهم البشري دون أن يفقد أعصابه وسألهم بجدية: من الذي نشَّف وجهه بجُبَّة الشيخ؟ وفي تعاطيه مع الصحف كانت النكتة تطل برأسها حتى في مواقفه الجديَّة دونما قصدٍ منه، ففي إحدى الأيام شاهد حافظُ إبراهيم صاحبه البشري حزينًا على غير العادة؛ فسأله عن سبب حزنه ليروي له البشري القصة قائلًا: جاءني اليوم رجل من بلدة نائية يرغب ويلح عليَّ بنشر اسمه في الصحيفة، فسألته: هل أنت عمدة؟ فأجاب بالنفي. فسألته: هل كنت من ضمن زوار رئيس الوزراء؟ فأجاب بالنفي، فسألته ثالثةً هل مات لك قريبٌ لننشر اسمك في صفحة الوفيات؟ فأجاب بالنفي. فقلت له: يا عزيزي لا أجدُ لك إلا أن ترمي بنفسك تحت إحدى الحافلات لننشر اسمك في صفحة الوفيات. فسأله حافظ وما الذي يحزنك في الموضوع؟ فأجاب البشري: يبدو أن الرجل استجاب لأمري فقد خرج ولم يعد! وربما وجد نفسه مضطرًا لدفع ضريبة سخريته البديهية من أحد أصدقائه، وإن كان صديقه حافظ إبراهيم أحد من أجبروه على دفع الضريبة ففي يوم من الأيام كان حافظ إبراهيم جالسًا في حديقة داره بحلوان، فدخل عليه الأديب الساخر عبد العزيز البشري وبادره قائلًا: رأيتك من بعيد فظننتك امرأة! فأجابه حافظ إبراهيم: وأنا كذلك، ظننتك وأنت قادمٌ من بعيدٍ رجلًا! وربما عرَّف بأصدقائه بطريقة تغلِّفها السخرية من جميع جوانبها، مثلما صادف أن كان جالسًا في مقهى اللواء، فدخل أحدُ محرريْ الأهرام وإذا بالبشري يستقبله في حفاوة ويقدمه لصديقٍ له قائلًا: أقدم لكَ أخطر محرر في صحيفة الأهرام. فسأله الصديق: إذن هو محرر سياسي؟ فأجاب البشري: لا، ليس الأمر كذلك... صاحبنا محرر قسم الوفيات في الصحيفة!
المطلب الثانى: سماته الشخصية والأدبية: كان البشري ظريفًا يميل إلى الدعابة والفكاهة ويملك ذكاءً لمّاحًا مع سخرية لاذعة عنيفة أحيانًا يمزجها بدعابة مصقولة تخفف من وطأتها اللاذعة، وكان البشري جميل المعشر يحبّ غشيان مجالس الناس واجتماعاتهم، فكان يتردّد على المجالس الأدبية التي يقصدها المفكّرون والأدباء والشعراء، والتي كانت تعقد إذ ذاك في دور الوجهاء ومنازل السياسيّين أو في الصالونات الأدبيّة وأحيانًا في المقاهي، فيشارك القوم في فكرهم وشعرهم وسياستهم ودعاباتهم ونوادرهم. وكان إلى هذا عذب الحديث مع قدرة على التلاعب بالألفاظ مما يشيع في حديثه طرافة وظرافة. كانت ثقافة البشري عربية تراثية، استقاها من دراسته الأزهريّة، أمّا ثقافته الغربيّة فتكاد تكون معدومة؛ إذ لم يطّلع إلاّ على القليل مما تُرجم من روائع الأدب الغربي وخاصة ماكان يلائم روحه المرحة وميله إلى الفكاهة (كالمرايا الغربية) التي كانت تنشر في الصحف المصرية حينئذٍ. ومع ذلك لم يكن متعصّبًا للقديم ولا متحيّزًا له، وكان يقدر حريّة الفكر ويدعو إلى التجديد في علوم اللغة العربية. نظم البشري الشعر في أول حياته ثم تركه إلى النثر، فقد كان الأسلوب النثري أقدر على نقل أفكاره التي كان ينتقد بها عادات المجتمع، صغيرها وكبيرها، إذ لم يترك عادة أو تقليدًا إلاّ نقدهما نقدًا مرًّا ساخرًا. وصف أسلوب البشري بأنه أسلوب خاصّ متين، أضفى عليه الكاتب بعضًا من ذوقه السليم وعلمه الواسع وسرعة خاطره وحضور بديهته وقدرته على لطف التصوير والتخيل، ونكتته التي كان يُرى لها أثر كبير لا يقتصر على رسم البسمة على الشفاه أو إضحاك المستمع بل ترمي إلى تخليص النفس من الهموم وجلاء القلب من الغم وصفاء النفس، وهذا ما جعل أسلوبه فذًّا تفرّد به بين الكتّاب. الخاتمة: الجدير بالذكر إلى أن العدد الخاص بالضحك الذي كانت تصدره مجلة (كلُ شيءٍ والدنيا) في القاهرة عن دار الهلال في الثامن من شهر آب عام 1934 نشر بعض نوادر عبد العزيز البشري, تحت عنوان (ظرفاء معاصرون) وفيه نقرأ: هل الأدب يلازمه الظرف أم أن الظرف إحدى علامات الأدب؟ فما من أديب إلا وجدت في طبعه وأخلاقه ناحية من الظرف. ولذلك كثر ما تجد في الأدب العربي والغربي أيضًا نوادر لطيفة وحوادث ظريفة وقعت من الأدباء. وأستاذنا الأديب عبد العزيز البشري أديب قبل أي شيء. وظريف في كل شيء قد ظهرت ناحية الظرف فيه ظهورًا كبيرًا إلى جانب ظهوره في الأدب العربي ونبوغه فيه. وكما احتضت القاهرة مولد أديبنا عبدالعزيز البشري فقد احتضنت وفاته ـ رحمه الله ـ، وكأيّ شخص يكون قلبه دليله فقد سئل الأديب عبدالعزيز البشري قبل وفاته بأيام عن أعظم شاعر فأجاب إنه الشاعر عبد الحميد الديب وأعظم ما قاله: "تعلّمت فيها صبر أيوب في الغنى... وذقت الجوع أكثر من غاندي، جوارك يا ربي لمثلي رحمةً... فخذني إلى النيران أو جنة الخلد" وكأنما البشري ينعي نفسه، فارتحل إلى جوار ربه بعد أيام قليلة من أجابته التي لم تكن بالساخرة بقدر ما كانت مليئة بالصدق والرجاء وحسن الظن بالله ـ جل وعلا ـ. وبعد أن توفّي رثاه طه حسين وضمّه إلى شاعر النيل حافظ إبراهيم وطبيب النيل علي إبراهيم، وقال: "إنه كاتب النيل". وأضاف: "كلهم كان عذب النفس، حلو الروح، كريم السجية، مهذّب الطبع، مترف الذوق، مرهف الحسّ، ورقيق الشمائل". المصــــادر: جمال الدين الرمادي، أدب البشري، دار الكتب المصرية، القاهرة ـ مجلة المجمع العلمي العدد (6) سنة 1932. موقع الموسوعة العربية، كتاب سير و نوادر ظرفاء وعظماء القرن العشرين للكاتب سيد صديق عبد الفتاح مجلة أجيال مجلة إلكترونية شهرية تصدر عن شبكة المعالي الإسلامية عبدالعزيز البشري. مَنْ نازعَ السخريةَ نفسَها! سند الرخيص الفهرس الموضوع الصفحة المقدمة 2 أهداف البحث 4 هيكل البحث 5 الفصل الأول عبد العزيز البشرى المطلب الأول مولده ونشأته 7 المطلب الثانى: تعليمه وأدبه 8 الفصل الثانى : أثره ودوره فى الكتابة والصحافة المطلب الأول : منهجه فى الأدب 10 المطلب الثانى : أعماله وكتبه 11 الفصل الثالث : السمات العامة فى حياته وأعماله المطلب الأول : مواقف من حياته 14 المطلب الثانى : سماته الشخصية والأدبية 15 الخاتمة 17 المراجع 18 الفهرس 19
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.