أولا: التعريف بالشاعر:
محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل (1940 – 1983). ولد في أسرة صعيدية بقرية القلعة، بمركز فقط، على مسافة قريبة من مدينة قنا في صعيد مصر. لقب دنقل بأمير شعراء الرفض، أو شاعر الرفض، وذلك كنتيجة لأعماله العديدة الرافضة للقمع، وكان له موقف قوي ضد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي عقدها السادات مع إسرائيل، ونتجت عنه إحدى أهم قصائده "لا تصالح". وحضرت أشعاره في الثورات العربية الأخيرة.
• أسرته:
كان والده عالما من علماء الأزهر، مما أثر في شخصية أمل دنقل وقصائده بشكل واضح. سُمي أمل دنقل بهذا الاسم لأنه ولد في السنة التي حصل فيها والده على إجازة العالمية، فسماه باسم أمل، تيمنا بالنجاح. وكان هو من ورث عنه أمل دنقل موهبة الشعر، فقد كان يكتب الشعر العمودي، وأيضا كان يمتلك مكتبة ضخمة، تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي، مما أثر كثيرا في أمل دنقل، وساهم في تكوين اللبنة الأولى للأديب أمل دنقل. وتوفي والد دنقل وهو في العاشرة من عمره. تزوج من الصحفية عبلة الرويني، وعاشا سويا 9 أشهر فقط، مرض بعدها وتوفي.
• المؤهل العلمي لأمل:
أنهى دنقل دراسته الثانوية في قنا وفي القاهرة، ثم التحق بكلية الآداب، ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول لكي يعمل. عمل أمل دنقل موظفا بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية، ثم بعد ذلك موظفا في منظمة التضامن الأفروآسيوي، ولكنه كان دائما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر.
ثانيا: أمل والتراث القديم:
إن انفعال أمل دنقل بالتعامل مع التراث كان أقوى من معاصريه، عندما فتح عينيه علي تراكم شعر دشنه جيل الرواد. فعنصر استخدام التراث تمثل في شعره بوضوح، بالإضافة إلى مكوناته الثقافية الخاصة، حيث إنه قرأ كتب التراث منذ وقت مبكر، وبحث عن القيم الجوهرية التي يوحي بها ذلك التراث. وهذه هي أرملّة الشاعر عبلة الرويني تشهد أن الشاعر في هذه الفترة كان يطالع التراث العربي أحيانا كثيره؛ فتقول: «....في تلك السنوات قرأ العديد من كتب التراث والملامح والسير الشعبية، ثم أعاد قراءتها بعد ذلك مرات عديدة، وفي طبعاتها المختلفة، يحركه حس تاريخي لاكتشاف الطبقات المتراكمة وراء الحكايات والمعلومات".
إن توظيف أمل للتراث لم يكن في الجانب الفني فحسب؛ بل بدأ علمه باحثا فيه وناقدا له، اهتم به مُنظِرا، فقد كتب بحثا تاريخيا حول قبيلة قريش تحت عنوان «قريش عبر التاريخ»، وشمل دراسة مطولة في أربع مقالات، وقام بنشره في مجلة «أوراق». كما أنه كتب دراسة عن أسباب نزول القرآن من منظور تاريخي؛ إلا أن جريدة «الأهرام» رفضت نشرها بسبب ماكانت تطلب دراسته ونشرها من الجرأة للطرح، وماكانت تحتوي عليه من الآراء غير الموافقة لما جاءت به كتب التفسير المتدوالة بين الناس. ومع أن لا أحد يستطيع ان يحدد مصادر ثقافته العربية والأجنبية بالضبط؛ فإن ثقافته، وبخاصة العربية، كانت جيدة، حيث إنه قال في مقابلة، قبل وفاته بأسابيع: «اكتشفتُ أنه لا يكفي للإنسان أن يكون شاعرا وقادرا على كتابة الشعر. فهناك كثير من التيارات الفكرية والثقافية التي كانت تموج في ذلك الوقت (أي في الستينات من القرن الماضي )، وكان لا بد لي من الإلمام بها. وهكذا انقطعتُ عن قول الشعر من سنة 1962 حتى سنة 1966، وكرست هذه الفترة للقراءة. وكان هدف دنقل من استدعاء التراث هو تربية الحس القومي والبطولي لدى المتلقي والسامع، ولشعورة بالجهل المطبق الذى كان قد غلف على كثير من أشخاص عصره، كما أنه استخدم الشخصيات الرمزية فى أعماله بسبب الجرأة التى كانت تتسم بها أعماله، وبسبب الظروف السياسية التى سادت فى وقته.
ثالثا: المصادر التراثية عند دنقل:
1- القرآن الكريم: يعد القرآن مصدرا رئيسا بين المصادر التراثية الأخري في أشعار أمل دنقل، کما أن كيفية توظيف هذا التراث تكون بأشكال مختلفة وطرق متنوعة، فهو يستعيره على مستوي الكلمة المفردة حينا، وعلى الجملة والآية حينا، أو على مستوي إعادة جو القصص القرآني ضمن سياق قصائده أحيانا أخرى. تحتوي مقاطع من أشعار أمل دنقل على بعض الآيات والعبارات القرآنية مباشرة أو غير مباشرة، منها:
والتّينِ والزيتونْ
وطورِ سينينَ،
وهذا البلدِ المحزونْ
لقدْ رأيتُ يومَها: سفائنَ الإفرَنج
تغوصُ تحتَ الموجْ
2- التراث العربى الإسلامي: صنف عبدالسلام المساوي التراثيات العربية والاسلامية المستدعاة في شعر أمل دنقل إلى أقسام:
أ– الشخصيات: حيث إن الشاعر استدعى فى أعماله شخصيات بعينها يرى أنها معبرة عما يختلج فى صدره، من مثل ( أبي نواس وأبي موسى الأشعري وزرقاء اليمامة وقطر الندى وصلاح الدين وغيرهم كثير).
ب– استدعاء الأحداث التاريخية: كحرب البسوس وغيرها.
ج– الأساطير والخرافات: فنجده يستدعي أسطورة «زرقاء اليمامة» في قصيدة کاملة هي «البکاء بين يدي زرقاء اليمامة»، وملحمة سالم الزير المقترنة بحرب البسوس في ديوان کامل هو: «أقوال جديدة عن حرب البسوس». کما يستلهم القصص والحکايات الخرافية في کتاب «ألف ليلة وليلة» في قصيدة معنونة بـ "حکاية المدينة الفضيّة"، ويستحضر بعض الشخصيات من هذا الکتاب کشخصية "شهريار،شهرزاد، بدرالبدور".
د– استدعاء التراث والمأثورات: إن الشاعر يرجع إلى الکثرة الهائلة من المأثورات الشعرية والنثرية القديمة والحديثة مرة اُخرى، وينتقي منها أبياتا وعبارات تساعد في رفد قصيدته بأبعاد نفسية اجتماعية وجمالية ملحوظة. ففي بعض الأحيان الشاعر يورد تلك النصوص دون تحوير أو تغيير أساسي في الأصل، مثل ما نشاهده في القصيدة البکاء بين يدي زرقاء اليمامة على لسان الزباء:
تکلَّمي... تکلَّمي
فها أنا علي الترابِ سائلُ دمي
وَهوَ ظميءٌ... يطلبُ المزيدا
أسائلُ الصَمتَ الذي يخنقني:
ما للجِمال مشيها وئيدا
أجندلا يحملنَ أم حديدا
وهو هنا يوظف البيت الذي روي عن ملکة تدمر وهي الزباء
ما للجِمال مشيُها وئيدا أجندلا يحملنَ أم حديدا.
وهناك كثير من المصادر التراثية التى لجأ إليها دنقل فى أعماله، منها التراث الشعبي والتراث الأجنبي، مع التفاوت بينها من حيث الكثرة والقلة فى أعماله، فهو كان يرى أن التراث العربي أولى وأفضل لملاءمته للبيئة التى كان قد نشأ فيها، ولقربه ومشابهته ومشابهة المعاناة التى كان يعانيها الإنسان العربى على مر العصور.
رابعا: نقد أعمال أمل دنقل:
صالح قادربوه الذي بدأ بقصيدة التفعيلة وتحول لاحقا متحمسا إلى قصيدة النثر، فيرى أن "شعر أمل دنقل فنيا ليس قويا جدا، لكن تأثير الأيدولوجية في شعره ساحر، وتلك مفارقة ومفاجأة، لكن الأهم هو بقاء أثره في أجيال بعيدة، وأن يكون هناك نقد موضوعي لجملة ما كتب، فهو كان صارما مع الظلم، وعلينا أن ننهج نهجه فنكون صارمين تجاه ما يكتب. لقب دنقل بأمير شعراء الرفض أو شاعر الرفض، وذلك كنتيجة لأعماله الثورية الرافضة للقمع على اختلاف أشكاله، وقال عنه جابر عصفور في هذا السياق: "كان أمل دنقل في تصوره للمستقبل يؤمن بأنه لن يصنع المستقبل إلا الشباب؛ لذلك كان موجودا مع الشباب الذي خرج في مظاهرات إلى ميدان التحرير عام 1972 لمطالبة الرئيس الراحل السادات بالحرب على إسرائيل، فكانت قصائده يرددها هؤلاء الشباب. وكان موقف أمل دنقل من عملية السلام سببا في اصطدامه في الكثير من المرات بالسلطات المصرية، وخاصة أن أشعاره كانت تقال في المظاهرات على ألسن الآلاف. ويرى عصفور أيضا "أن ديوان أمل دنقل الثالث «العهد الآتي» من أنضج دواوين أمل دنقل قائلا: لأن العهد القادم لا فائدة فيه، والعهد الذي مضى قد مضى، والعالم الذي نعيشه لا ينفع، وإنما العالم الذي نتطلع إليه سوف يأتي. ومن ثم كان دنقل يكتب للعهد الآتي أي المستقبل.
الكلمة المعبرة عن السلام العادل، وغير الراضية بضياع حق المظلوم، أو سرقة ثورته أو دمه لأي سبب كان.. الكلمة التي تفرض عليك مواجهة الظلم، وعدم دس رأسك في الرمال.. "لا تصالح" القصيدة التي تحضر بقوة في كل أزمة يعيشها العالم أو الأمة العربية؛ نتيجة ظلم الدكتاتورية أوالاستعمار.
ومن هنا نستطيع أن نقول إن توظيف الرموز والعناصر التراثية يساعد على تخفيف الغنائية والذاتية في الشعر العربي المعاصر، ويبتعد بالقصيدة عن البيان الخطابي والتعبير المباشر، كما نجد دنقل يشدد في استخدامه للتراث على توظيف التراث العربي والإسلامي، واستمداد الشخصيات والرموز التراثية منه هادفا لإيقاظ و تربية الحس القومي والوطني.
التدقيق اللغوي لهذه المقالة: أبوهاشم حميد نجاحي