هناك مسلمات ثلاث ترتكز عليها الدراسات التى تنصب على المعنى، وهى : اكتشاف القواعد النحوية العميقة على ضوء الأبنية السطحية للتوزيع الصوتى للجملة، و قدرة العناصر المعجمية على إقامة مستوى من العلاقات فيها بينها على أساس دور علاقات الغياب فى تفسير علاقات الحضور، و اكتشاف السياق Context، ليس كامتداد خطى، أو مجرد محيط لغوى، ولكن كفاعلية بنائه، أو نصه.هذا ويعتبر الأساس الثالث مما سبق محورا جوهريا للأساسين اللذين يسبقانه، كما سبق .

وتطبيقا لهذه المسلمات نتناول أسلوبين من أساليب اللغة العربية تتجلى فيهما هذه المسلمات، وتلك الأسس، وهما أسلوبا العرض، والتحضيض، ولا سيما وجودهما في كتاب الله المجيد ؛ يقول تعالى : {... ألا تحبون أن يغفر الله لكم ...}، وقوله تعالى :{فلولا إذا بلغت الحلقوم}.

وأسلوب العرض يختلف اختلافا جذريا عن أسلوب التحضيض ؛ فالعرض هو طلب الشيء بلين ورفق، وأدواته هى : ( ألا، وأما ) ؛ أما التحضيض ؛ فهو طلب الشيء بحث وشدة، وأدواته هي: هلا، ولولا، ولوما، وألا .

وقد تصفح كاتب هذه السطور أقوال الكتاب في العرض والتحضيض؛ فكانت النتيجة أنه وقف موقف الحائر فى الكتب العربية ؛ إذ لم يجد إلا أقلاما قليلة كتبت فى هذين الأسلوبين، ومنهم سيبويه، والزركشى من القدماء، أما من المحدثين؛ فكان الدكتور سعيد البحيري، والذى تناولهما بالتحليل الدقيق فى كتابه " محاضرات فى العربية " .

ومن هاهنا ، ينبغي للغويين والأدباء الغوص في مثل هذه الأساليب التي باتت مهددة بالإهمال ؛ لما لها ولغيرها من دلالات وقيم كبيرة، وغالية في حياتنا .

إن العرض والتحضيض أسلوبان نستلهم منهما قيما حياتية كبيرة، من مثل : الحث والتشجيع، و اللوم، والعتاب، و الطلب .

فمنا من يقول لصاحبه : ألا تصلي فيغفر لك، ومنا من يقول : أما تزورني فتجد ما يسرك.

إنها أساليب كثيرا ما نستعملها، ولكن نجهل صياغتها، وفنياتها، ولو توقفت الأقلام عنها ورفعت ؛ لكان الصمت، ولباءت بالنسيان، بل الأدهى من ذلك يكون مدعاة لأساليب العامة والدهماء تحل محلها، ويبقى الإخفاق هو المناسب لمثل هذه المقامات .

ويبقى أن نعرف أنه رغم أهمية الأسلوبين، إلا أنهما لا يستخدمان بطريقة عشوائية، إذ هناك أسس نحوية ودلالية يجب أن تتبع ؛ فتركيب التحضيض جميعا يجب أن يليها تركيب دال على المستقبل ليؤدي وظيفة التحضيض ؛ فنقول مثلا : هلا تأتي ..، و ألا تشرب، وكهذا الكثير.

كذلك يجب ألا تتبع كل تراكيب التحضيض بمبتدأ، ولو فرض أن وجد بعدها اسم يجب حينئذ تأويله ؛ مثل قولنا : هلا زيداً ؛ أى: هلا أكرمت زيداً.

ولا يضير أن يلحق جملة جواب العرض أو التحضيض بالفاء السببية، أو خلوه منها، فالأمر مقبول على السواء .

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية