لقد كانت الفلسفة الهندوسية والأدب الكلاسيكي في الهند يُكتبان باللغة السنسكريتية والتي كانت قد أُهملت منذ زمن طويل، ولكنها عاشت لتكون لغة للعلماء الذين لا تربطهم لغة مشتركة أخرى. ولما كانت هذه اللغة الأدبية بعيدة الاتصال بحياة الأمة، فقد أصبحت نموذجاً يُحتذي به لمن أراد أن يكون اسكولائي التفكير أو مهذب اللسان. وفي حوالي القرن الخامس قبل الميلاد استطاع عامة الناس في شمال الهند أن يحرروا السنسكريتية إلى براكريتية، فأصبحت اللغة البراكريتية حيناً من الدهر لغة البوذية والجانتية. ولبثت كذلك حتى تطورت بدورها إلى اللغة الباليّة التي كُتب بها أقدم ما هبط إلينا من الأدب البوذي، وفي نهايات القرن العاشر الميلادي كان قد تولّد عن هذه اللغات التي شهدتها الهند لهجات مختلفة كان أهمها اللغة الهندية، ثم ولدت هذه اللغة بدورها في القرن الثاني عشر الميلادي اللغة الهندستانية "الهندو" التي باتت لغة الشمال، وأخيراً جاء الفاتحون المسلمون وملاأوا الهندستانية بألفاظ فارسية فكونوا بذلك لهجة جديدة هي اللهجة الأردية؛ وهذه كلها لغات هندية جرمانية انحصرت في الهندستان (شمال الهند). أما الدكن في الجنوب فقد احتفظت بلغاتها الدرافيدية القديمة وهي "التاميل" و"التلجو" و"الكانارية" و"الملايالام".
ولقد كانت اللغة السنسكريتية آرية الأصل، وتُستخدم منذ أقدم العصور الهندية، وكانت هي اللغة الرسمية التي تُكتب بها النقوش المقدسة سواء في شمال الهند أو في جنوبها، وحتى إذا حدث أن أُستخدمت لغة محلية فقد كانت تسبقها دائماً مقدمة باللغة السنسكريتية، وهو ما يسترعي الإنتباه عند مطالعة النقوش المكتوبة بلغات ولهجات الجنوب كمثل لغة "التاميل" التي وصلت إلى قمة إزدهارها خلال القرن الأول الميلادي، أو "الكاناريّة" التي ظهرت بعد ظهور التاميل بقليل أو "التلجو" في القرنين التاسع والعاشر الميلادي. وبينما كانت السنسكريتية هي اللغة السائدة في شمال الهند، كانت الدرافيدية هي السائدة في الجنوب. وتتفرع جميع لهجات أهل الشمال عن اللغة السنسكريتية مثل "الهندو" وهي اللغة القومية الرسمية طبقاً للدستور الهندي، و"الأردو" وهي خليط من لغة الهند ولغة الفاتحين المسلمين والأباطرة المغول، و"البنجابية" و"الكشميرية" و"السنديّة" و"المارهاتيّة" وهي لغة أهل مدينة بومباي، و"الكجراتية" و"البنغاليّة" و"الآساميّة"، أما لغات أهل الجنوب فجميعها مشتق من اللغة الدرافيدية.
وهكذا أسفر تنوع اللغات المستخدمة عن تقسيم شبه القارة الهندية إلى ثماني عشرة ولاية، على حين لم تستخدم الهند في عصورها الغابرة سوى لغة رسمية واحدة هي اللغة السنسكريتية، وإلى جوارها لهجات متعددة مبسّطة تُدوّن باللغة "البراكريتية" (كما سبق). وبينما كانت الوثائق الرسمية والبحوث العلمية تلجأ إلى السنسكريتية، آثرت طليعة المصلحين الكبار أمثال بوذا وماهافيره استخدام لغة الجماهير "البراكريتية" في نشر عقائدهم ومبادئهم، مثلما اعتمد الملوك في الوقت نفسه على البراكريتية إلى جوار السنسكريتية في تصريف شئون الحكم. وقد كانت اللغة السنسكريتية المشهود لها بالدقة المفرطة هي لغة الآلهة المنزّلة على الحكماء، ودُوِّن بها أقدم الكتب الدينية التراثية في الهند.
ولقد بدأ الحكام والخلفاء المسلمون برعاية الترجمة من اللغات القديمة ومنها السنسكريتية منذ وقت مبكر من عصر الخلافة العباسية في بغداد، ويُعد كتاب كليلة ودمنة -وهو من بواكير كتب الأدب العربي- من أهم الأعمال العربية الأدبية ذات الأصل الهندي السنسكريتي، وتصدي لترجمته الأديب العربي الكبير ابن المقفع (ت 759م). غير أن ابن المقفع ترجمه عن البهلوية (الفارسية القديمة) لا عن النص الأصلي المكتوب بالسنسكريتية.
وتعتبر النسخة الأصلية من هذا الكتاب المترجمة على يد ابن المقفع مزدانة بالصور التوضيحية، حيث يُقرأ فيه أنه "قد ينبغي للناظر في كتابنا هذا ألا تكون غايته التصفح لتزاويقه". هذا وتعتبر نسخة هذا المخطوط المحفوظة بالمكتبة الوطنية في باريس تحت رقم (ar.3465) أقدم نسخة كاملة لمخطوط عربي أدبي مصور باقية حتى الآن؛ والتي رُجحت أنها كُتبت في الشام بين سنتي (600ه- 1203م / 620ه- 1223م).
وأما في شبه القارة الهندية خلال عصور الحكم الاسلامي فقد بدأت محاولات ترجمة بعض الكتب السنسكريتية إلى الفارسية بأمر من بعض السلاطين والحكام المسلمين خلال عصر "سلاطين دلهي"(#)(1202- 1526م), حيث كانت الفارسية هي اللغة الرسمية للبلاط ولغة الثقافة والادب والعلم؛ كما حدث في عهد السلطان فيروز شاه تغلق (1351- 1388م) سلطان دلهي، والذي حصل على نحو 1300نسخة قيمة من كتب سنسكريتية كانت موجودة في معبد "جوالاموخي" الهندوسي أثناء الاستيلاء على "نفركوط" في عام (762هـ/ 1362م)، وأمر بترجمة بعض منها إلى الفارسية. وكذلك في عهد السلطان سكندر لودهي (ت 1586م) سلطان دلهي، وأيضاً في عهد "السلطان زين العابدين الكشميري"(@)(حكم820- 872هـ) حاكم كشمير، قد تُرجمت عدداً من الكتب السنسكريتية إلى الفارسية.
وإبان الحكم المغولي (1526- 1857م) فقد أمر الإمبراطور المغولي جلال الدين أكبر (1556- 1605م) بإنشاء دار للترجمة وكانت تُسمى "مكتب خانه" كما يقول المؤرخ محمد حسين آزاد صاحب كتاب "دربار أكبري"، وكان البعض يسميها "دار الترجمة"، وذلك لترجمة التراث الأدبي والديني السنسكريتي في الهند إلى اللغة الفارسية والتي استمرت كلغة رسمية ولغة الثقافة والادب، بالإضافة إلى ترجمت الكتب التركية والعربية وأيضاً اليونانية إلى الفارسية، ولكن معظم الترجمات التي تمت في عصر أكبر كانت من السنسكريتية إلى الفارسية. وأهم وأبرز كتابين أمر أكبر بترجمتهما من السنسكريتية إلى الفارسية؛ أولهما ملحمة المهابهارتا، وهو كتاب مقدّس لدى الهندوس، وبدأ أكبر بنفسه في ترجمت هذا الكتاب في عام 1582م وكان يمليها على "نقيب خان"، ثم كلَّف هذه المسئولية الشاقة إلى مجموعة تتكون من "الملا عبد القادر البدايوني"($)(ت 1004هـ/ 1595م) –الذي كان معارضاً لفكر أكبر- وغياث الدين القزويني و"سلطان الحاج التهانيسري"(%) والشيخ "فيضي"(&) شقيق الوزير أبو الفضل، وكان أكبر يستمع في بعض الأحيان إلى ترجماتهم ويصلحها، وسُميت هذه الترجمة باسم "رزم نامه" أي "كتاب الحروب"، ويتقدم هذه الترجمة مقدمة بيد الوزير "أبو الفضل"(*) والتي حُررت في (995هـ/ 1587م)، ويذكر الشيخ عبد السلام الندوي أن الترجمة الفارسية للمهابهارتا تمت بقلم براهمن يسمى "ديفي" والذي يمكن أن يكون من جماعة المترجمين التي فُوِّضت إليها مسئولية الترجمة، حيث كان أكبر يعين براهماً عالماً حينما يأمر بترجمة أي كتاب سنسكريتي. أما الكتاب الثاني فيسمى "الراماينة" وهو كتاب مقدس آخر لدى الهندوس، والذي بدأ بترجمته الملا البدايوني في عام 1584م وأنهاها في عام 1587م.
ويقول الملا البدايوني أن الإمبراطور أكبر عزم على ترجمت الآثار الهندية القديمة إلى اللغة الفارسية، بعدما تم تصوير "الشاهنامه" و"داستان أمير حمزة" أو "حمزة نامه" وتكرار سماع "أبي مسلم" و"جوامع الحكايات". ولم يكن البدايوني راضياً عن ترجمة هذه الكتب المقدسة لدى الهندوس، وذكر ذلك في كتابه "منتحب التواريخ" فكأنه ترجم هذه الكتب لحاجته إلى الأموال وخوفه من عقاب الإمبراطور أكبر.
ومن أهم الكتب السنسكريتية التي أمر الإمبراطور أكبر بترجمتها هو "أثور فيدا" المقدس، وذلك في عام 1575م، والذي يُذكر في الكتب العربية والفارسية والأردية باسم "أثوربون"، وتذكر بعض الكتب التاريخية أن هذا الكتاب تمت ترجمته على أيدي جماعة تتكون من الملا البدايوني والشيخ فيضي والحاج "إبراهيم السرهندي"(^)، بالإضافة إلى عالماً من البراهمة يسمى "بهون". وأيضاً من الكتب السنسكريتية التي تُرجمت في عهد أكبر هو "سنغها سان باتيسي"، وذلك على يد الملا البدايوني في عام 1574م، ورغم أن هذا الكتاب يُعد من أهم الكتب السنسكريتية إلا أنه يفقد أهمية التقديس الديني، وفي الواقع هو مجموع القصص التي تنوَّر بها عقل المهراجه فيكارماديتيه، هذا فضلاً عن ترجمة فصولاً من "يوغ فشسط" وبها "بهجوت جيته" و"بورانا" إلى الفارسية على يد الشيخ فيضي، الذي جمعها في كتاب وسماها "رسالة شريك المعرفة"، وغيرها من الكتب الدينية والأدبية السنسكريتية التي تُرجمت إلى الفارسية في عهد أكبر. هذا وتم ترجمت العديد من الكتب السنسكريتية في عهود جهانجير (1605- 1627م) وشاهجهان (1628- 1658م) وأورنجزيب (1659- 1707م).
ومن أهم المخطوطات الدينية المقدسة (الأدبية) السنسكريتية التي تُرجمت إلى الفارسية وغيرها من اللغات الهندية وأُنتجت في العصر المغولي :
- مخطوط "مهابهارته" أي "الهند الكبرى" (لوحة 1)؛ وهي عبارة عن ملحمة شعرية عظيمة، من تأليف الشاعر "فياس" في عام (950 ق.م)، وتتناول الحديث عن شعب بهارت (شعب الهند)، وتُعد إحدى أعظم ملحمتين سنسكريتين في تاريخ الهند القديم، وتسجِّل أحداث ما ينيف عن ثمانية قرون بدءاً من القرن الرابع ق.م. وهي أطول الأعمال في تاريخ الأدب، وتتكون من مائة ألف بيت موَّزعة في 18 كتاباً، ومن ثمَّ فهي أربعة أضعاف ملحمة الراماينه الهندية وأطول من ملحمتيّ الإلياذة والأوديسا اليونانيتين مجتمعتين ثماني مرات. وتزخر الملحمة بالأشعار الدينية والفصول التعليمية، وتدور حول الحرب القَبَليَّة بين أبناء باندو الخمسة المعروفين بإسم الباندافاس وأبناء كورو المعروفين بإسم الكورافاس، وذلك للسيطرة على مملكة كورو كيشتره، وأغلب الظن أنها لا تستند على حقائق تاريخية. والبطل في هذه الملحة هو أرجونة أحد الإخوة الباندافاس الخمسة، وكان كريشنه (التجسيد الثامن والأهم للإله فيشنو في العقيدة الهندوكية) صديق أرجونه وقائد مركبته ودائماً يشد من أزره وينصحه. ولقد كان لتضمين الملحمة بالموضوعات الدينية والأخلاقية والسياسية ما جعل منها موسوعة خصبة للمعلومات عن الحضارة الهندية وأهم مصدر يكشف عن المثل العليا الهندوكية في مقابل الثقافات الفيدية والبراهمانية. وقد زاع صيت الكتاب الرابع عشر من هذه الملحمة لاشتماله على النص الشهير المعروف باسم "بَهَجّوَتّ جيته" أي أنشودة الرب الذي جاء على لسان كريشنه، وقد تُرجم إلى معظم لغات العالم.
وقد تم ترجمة ملحمة المهابهارت من اللغة السنسكريتية إلى الفارسية بأمر من الإمبراطور أكبر على أيدي مجموعة من العلماء (كما سبق) يتقدمهم عبد القادر البدواني (ت 1004هـ/ 1595م) وغياث الدين القزويني، وذلك في عام (1580- 1582م)، وسماها أكبر "رزم نامة" أي "كتاب الحروب".
وهناك دوافع أدت إلى ترجمة ملحمة "مهابهارته" إلى الفارسية؛ حيث كان أكبر يميل إلى القضاء على التمييز بين الأعداء والأصدقاء في مختلف فرق رعيّته عن طريق إصلاحات حديثة، فكانت هناك خلافات عميقة بين المسلمين والهندوس ولا يتخيل ما قد تؤل إليه هذه الخلافات، فأمر أكبر بترجمة أهم النصوص الدينية لكي يقضي على العداوة، ويستطيع صاحب كل دين أن يسعى للحصول على الحقيقة، ثم ليتعرف كل منهم على أخطائه ويصلح ما فسد فيه. وتتميز المهابهارته أنها من أهم النصوص الهندوسية وتحتوي على أصول وفروع عقيدة البراهمة، ولا يوجد كتاب أوثق منه وأكثر تفصيلاً وأكبر مادة، وهذا علاوة على أنه يشمل معلومات عن الماضي وتقلباته لا سيما الجانب التاريخي منه، فهو كتاب لا مثيل له، إذ يذكر حكايات الملوك وأقوال المفكرين وحِكم الحكماء بجانب الهداية الربانية.
وإن ملحمة المهابهارته تشبه الشاهنامه في كونها ملحمة شعرية مستاقة من التاريخ الذي شاع على ألسنة الناس من المصادر المفقودة.
وبجانب ترجمة الأعمال الدينية والأدبية السنسكريتية إلى الفارسية في العصر المغولي بالهند؛ فقد تم ترجمة هذه الأعمال بما فيها ملحمتي المهابهارته والراماينه إلى بعض اللغات الإقليمية التي تطورت في العصر المغولي كمثل البنغالية والأردية والراجستانية والجوجراتية.
لوحة ( 1 ) الملك كمشا يستقبل متسوِّل بداخل جوسق.
الهند؛ أوائل القرن 17م، من مخطوط المهابهارته،
محفوظة في متحف بيركلي للفن بجامعة كاليفورنيا تحت رقم
(1998.42.209)
- مخطوط "الرامايّنَة" أو "مغامرات رامه"؛ (لوحة 2) وهذه الملحمة تُشكِّل مع ملحمة المهابهارته أعظم ملحمتين سنسكريتيتين في تاريخ الهند القديم، وتنتظم في 48000 بيت تضمّها سبعة أجزاء تزخر بروائع التشبيه والحكايات الخيالية إلى جانب الزخارف التنميقية المألوفة في الشعر الكلاسيكي، ومؤلف هذه الملحمة هو "فالميكي" الذي كان في مستهل حياته قاطع طريق، ثم تحول إلى راهب من فرط ما كان يردد اسم رامه على لسانه. وتروي هذه الملحمة مغامرات رامه الصياد الذي تجسد فيه الإله فشنو رب الخلق وراعي البشر، وصارع خصمه الملك راون (رافن) الذي اختطف زوجته سيتا وحبسها بقلعته في سري لانكا. واستطاع رامه بعون الآلهة وشقيقه لاكشمان والألوف المؤلفة من القرود والدببة استعادة زوجته سيتا والقضاء على الملك روان وجنده. ويُذكر أن فالميكي مؤلف هذه الملحمة قد وقع بصره ذات يوم على فرخ يمام يتهاوى بسهم صياد حين كان يُحلّق إلى جوار أليفه فصدرت عنه عبارة تكشف عن مدى تأثره، وإذا بصوت من السماء ينبئه أنه بهذه العبارة قد ابتكر إيقاعاً شعرياً جديداً، وأنه قد بات عليه أن ينْظُم به حياة رامه ومآثره. وقد تُرّجِمة الراماينه إلى أغلب اللغات المحلية في الهند وتغني بها الشعراء المتجولون في المناسبات الدينية. كما كانت هذه الملحمة أحد المصادر الهامة التي استقت منها مدارس التصوير المختلفة في الهند موضوعاتها وبخاصة المدرسة الراجبوتية، كذلك استمد منها أغلب المؤلفين المسرحيين والشعراء الهنود موضوعاتهم.
وقد تم ترجمة الرامايّنَه (كما سبق ذكره) من اللغة السنسكريتية إلى اللغة الفارسية بأمر من الإمبراطور أكبر وتحت إشراف الملا عبد القادر البدايوني وذلك في عام (997هـ/ 1587م)، وهذه الملحمة تتشابه مع ملحمة المهابهارته وكذلك الشاهنامه في كونهما من الملاحم الشعرية المستاقة من التاريخ الذي شاع على ألسنة الناس من المصادر المفقودة .
وقد تم إنتاج العديد من المخطوطات المصورة من ملحمة الراماينة في عدد من مراكز التصوير المغولي بالهند، ومعظمها مترجم إلى الفارسية. ومنها ما هو مكتوب بنفس لغتها الأصلية (السنسكريتية) قد أُعدت على الأغلب لرعاة فن هندوس من نبلاء البلاط المغولي .
لوحة ( 18 ) الأمير رامه يستقبل سوجريفه وجامبافه.
الهند؛ داتيا، 1605م، من مخطوط الراماينه،
محفوظة في متحف المتروبوليتان للفن بنيويورك تحت رقم
(2002.503)
هذا ويُذكر أن جميع ما تم ترجمته من آثار اللغة والأدب السنسكريتي في عصر أكبر قد تم تصويره على أيدي مصورو البلاط، كما فعل ذلك الأمراء والقادة المغول لمكاتبهم الشخصية، كمثل نسخة الراماينة المصورة التي أُعدت لعبد الرحيم خان خانان في عام (1007هـ/ 1597- 1598م) على أساس نسخة أكبر الأصلية، وهي الآن معروضة في صالة عرض (متحف) "فرير" بواشنطن.
الهوامش
(#) "سلاطين دلهي" : مصطلح صاغه المؤرخون لتمييز الفترة ما بين (1200- 1526م) عن نظام الولايات الهندية القديمة التي سبقتها والإمبراطورية المغولية التي تلتها.
(@) هو السلطان زين العابدين ابن السلطان سكندر بن شكن، وهو "شاهي خان"، ارتقي على العرش بعد أخيه "على شاه"، ورغم أن قائده "جرته كهوكر" لم يستطع السيطرة على دلهي لكنه استولى على كل البنجاب، ودخلت التبت وجميع الولاية الواقعة على شاطئ نهر السند تحت سيطرة السلطان زين العابدين، وجعل أخاه "محمود خان" صاحب مشورة وسلم جميع المهام إليه وتشدد في تنفيذ القضايا والمعاملات، وتصادق مع جميع الطوائف وكان مهتماً بكسب العلوم والفنون، وكان مجلسه دائماً مشغولاً بأهل العلم من الهنود والمسلمين، وكان لديه مهارة فائقة في علم الموسيقى وكان المطربون والموسيقيون يتوجهون صوب كشمير في عهده بلا دعوى، وكان من تلاميذه في الموسيقى خواجة عبد القادر الذي جاء من خراسان، وكان يضرب على العود، وأيضاً ملا جميل حافظ الذي كان فريداً في الشعر والغناء ونال من السلطان رعاية كاملة، ومازالت ألحانه مشهورة حتى زمن قريب في كشمير، وهو الذي جلب البارود الذي يستخدم في البنادق إلى كشمير في زمانه، ولم يكن له نظير في إطلاق النار. وحظى السلطان بنجاح كبير في تعمير الولاية وتكثير الزراعة وحفر الجداول لم ينله أحد قط من حكام كشمير. وظهر في عهده "نرخ نويس" أي مراقب الأسعار، الذي كان يحفر السعر على ورق نحاس ويعلنه في كل مدينة حتى يرفع الظلم عن ولاية كشمير. وكان يعطي العاملين في مناجم النحاس أجورهم من خاصة السلطان. وفي عهده عاش الخلائق بكل وضع وديانه يريدونها. وفي عهده أيضاً لم يكن لأحد سلطان على العلماء، وبنى مدينة امتدت مبانيها خمسة فراسخ، وتوطن العلماء والفضلاء والمساكين في المدن الأخرى التي كان قد عمرها، وكان دائماً يتفقد أحوالهم، ولم يكن جامعاً للخزائن بل إن كل ما يقع في يده يصرفه في المناحي المختلفة. وكان سهوم ذكياً يقرض الشعر باللهجة الكشميرية، وكان متفوقاً في العلوم الهندية، وصنف كتاب "دين حرم" وفيه فصل جمع فيه أحداثه وتاريخه وسماه "شاه نامه"، وصنف "مامك" كتاباً في علم الموسيقى باسم السلطان. واطلع السلطان على ما كُتب باللغة الهندية والفارسية والتبتية، وأمر بترجمة كثير من الكتب الفارسية والعربية إلى العربية، وأيضاً أمر بترجمة كتاب المهابهارتا من السنسكريتية إلى الفارسية، بالإضافة إلى ترجمة كتاب "راج بريكي" إلى الفارسية، وهو عبارة عن تاريخ سلاطين الهند. وقد بادله السلاطين والحكام في عصره الهدايا والتحف، ومنهم السلطان "أبوسعيد سلطان" حاكم خراسان، وأيضاً السلطان "بهلول لودهي" سلطان دلهي، والسلطان "محمود الكجراتي" (حكم862- 917هـ) سلطان الكجرات أو جوجرات بأحمد آباد، وأيضاً أُرسلت إليه الهدايا من حاكم مكة المكرمة وسلطان مصر وكيلان وغيرهم.
($) هو الشيخ الفاضل : عبد القادر بن ملوك شاه الحنفي البدايوني، أحد العلماء البارزين في التاريخ والإنشاء والشعر وكثير من الفنون الحكمية، وُلد سنة سبع وأربعين وتسع مئة ببلدة "بساور" في عهد شير شاة العادل، وقرأ القرآن على السيد محمد المكي بمدينة "سنبهل"، وقرأ المختصرات وبعض العلوم العربية على جده لأمه مخدوم أشرف البساوري، وقرأ في ذلك الزمان قصيدة البردة ودروساً من "كنز الدقائق" في الفقه على الشيخ حاتم السنبهلى تبركاً، ثم دخل "آكره" وأخذ العلم بعضه عن المفتي أبي الفتح بن عبد الغفور التهانيسري وأكثره عن الشيخ مبارك بن خضر الناگوري، وقرأ بعض الكتب على القاضي أبي المعالي الحنفي، وقرأ "بست باب في الأسطرلاب" على مير تقي بن فارغي الشيرازي، وأخذ الشعر والألغاز والنجوم والحساب والموسيقى والشطرنج الصغير والكبير وضرب البين (نوع من العود) وكثيراً من الفنون، وصحب أبا الفيض وأبا الفضل ابني الشيخ مبارك ابن خضر المذكور أربعين سنة، وصحب نظام الدين بن محمد مقيم الهروي، وغياث الدين بن عبد اللطيف القزويني، وكمال الدين حسين بن حسين الشيرازي، وخلقاً آخرين من العلماء، ولازم الأمير حسين خان أحد ولاة "أوده" مدة طويلة، ثم تركه سنة إحدى وثمانين وتسع مئة ودخل "أكره"، فشفع له جلال خان القوجي وعين الملك الشيرازي إلى الإمبراطور أكبر فقربه إليه وخاطبه وأدخله في صف العلماء، ففاق الأقران في زمان يسير في القرب والمنزلة، واتخذه الإمبراطور إماماً لصلواته، وأعطاه ألف فدان من الأرض الخراجية، وأمره بنقل عدد من الكتب الهندية إلى الفارسية وبتصنيف وإكمال بعض الأعمال الأدبية والتاريخية، وتوفي في سنة أربع بعد الألف وله سبع وخمسون سنة كما في "دربار أكبري".
(%) هو الشيخ الفاضل : سلطان الحنفي التهانيسري، أحد العلماء البارزين في الفقه والأصول والعربية، وُلد ونشأ بمدينة "تهانيسر" من أرض البنجاب، وقرأ العلم على أساتذة عصره، ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار، ورجع إلى الهند وتقرب إلى الإمبراطور أكبر، وترجم بأمره كتاب المهابهارتا إلى الفارسية. ثم اتفق أن الهنادكة اتهموه بذبح بقرة وكان ممنوعاً لتأليف قلب الهنادكة، فسخط عليه أكبر وأمر بجلائه إلى "بكر" من أرض السند فرحل إليها، وكان عبد الرحيم بن بيرم خان والياً عليها فالتفت إليه وشفع له بعد فتحه قلعة أسير، فأذن له أكبر أن يسكن ببلدة "تهانيسر" وولاه على "كور گيري" ببلدته وبلدة كرنال أي جعله محصلاً للخراج بها، وكان قائماً على تلك الخدمة سنة أربع وألف كما في "منتخب التواريخ".
(&) هو الشيخ الفاضل العلامة : أبو الفيض بن المبارك الناگوري الذي لم يكن له نظير في الشعر والعروض والقافية واللغة والتاريخ واللغز والإنشاء والطب. وقد وُلد بمدينة "أكرا" سنة أربع وخمسين وتسع مئة، وقرأ العلم على والده، وأخذ بعض الفنون العربية عن الشيخ حسين المروزي، ثم أقبل على قرض الشعر إقبالاً كلياً، وخاض كثيراً في الحكمة والعربية، له مصنفات تدل على اقتداره على العلوم الأدبية، منها "موارد الكلم" الغير المنقوط في الأخلاق، صنفه سنة خمس وثمانين وتسع مئة، ومنها "مركز أدوار" و"نلدمن" مزدوجتان له على نهج مزدوجتي (مثنوي) النظامي الكنجوي من خمسته، ومنها "لطيفهء فيضي" وهو مجموع رسائله جمعها غبن أخته نور الدين محمد بن عبد الله بن على الشيرازي، ومنها "طباشير الصبح" وهو ديوان شعره وفيه تسعة آلاف بيت، وله ديوان آخر في قصائده، وأشهر مصنفاته "سواطع الإلهام" في تفسير القرآن الكريم، صنفه في سنتين وأتمه سنة اثنين وألف، وهو يد على طول باعه في اللغة العربية. وكان حريصاً على جمع الكتب النفيسة، بذل عليها أموالاً طائلة، وجمع ثلاث مئة وأربعة آلاف من الكتب المصححة النفيثة. وكان يُرمى بالإلحاد والزندقة، وشارك في عمل مصنفات عديدة بأمر من الإمبراطور أكبر، وتوفي عام أربع وألف، ودفن بآكره وقيل بمدينة لاهور.
(*) هو الشيخ العالم الكبير العلّامة : أبو الفضل بن المبارك الناكوري، أعلم وزراء الدولة المغولية في الهند وأكبرهم في الحدث والفراسة وإصابة الرأي وسلامة الفكر وحلاوة المنطق والبراعة في الإنشاء. تعلم الخط والحساب والإنشاء واشتغل بالعلم، وقرأ أياماً في العربية على صنوه الكبير أبي الفيض بن المبارك وعلى أبيه، وفرغ من تحصيل العلوم المتعارفة في الخامس عشر من عمره، ثم أقبل على العلوم الحكمية إقبالاً كلياً، واستفاد بعض الفنون عن الشيخ حسن علي الموصلي، ودرس وأفاد نحو عشر سنين حتى فاق فيه أهله المنسوبين إليه، ودعاه السلطان أكبر بن همايون التيموري وقرّبه إليه، فتدرج إلى نهاية القرب حتى نال الوزارة الجليلة. وقد وصفه صاحبه عبد القادر بن ملوك شاه البدايوني المؤرخ المعروف بالإلحاد والزندقة وقال في "منتخب التواريخ": أن أبو الفضل دس في قلب السلطان أشياء منكرة، ورغبه عن الملة السمحة البيضاء.
(^) هو الشيخ الفاضل الحاج إبراهيم السرهندي، أحد كبار الفقهاء الحنفية، قرأ العلم على المفتي أبي الفتح بن عبد الغفور التهانيسري وعلى غيره من العلماء، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار وأخذ الحديث عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي المكي، ورجع إلى الهند وتقرب إلى الملوك والأمراء، وكان شديد الرغبة في المباحثة، شديد الدخل على أقوال العلماء، يناظر الكبار ويفحمهم لذلاقة لسانه وسلاطته، وكان يعرف اللغة السنسكريتية، وترجم عدة كتب سنسكريتية إلى الفارسية منها "أتهرو ويد" بأمر الإمبراطور أكبر، وولي الصدارة بالكجرات، وأتهم بها بالارتشاء فعزله أكبر واستقدمه إلى دار الملك. ولما كان عريض اللسان على فتح الله الشيرازي وأبي الفتح الكيلاني وابن المبارك بعثه السلطان إلى قلعة رنتهنبور فمات بها، ووجدوه تحت القلعة مصروراً في خرقة، وقيل أنه دبر الحيلة لخلاصه فدخل في صرة وشدها بحبل ألقاه من ذروة القلعة فانقطع الحبل قبل أن يصل إلى الأرض فخر مصروراً ومات، وكان ذلك في سنة أربع وتسعين وتسع مئة، كما ذكر البدايوني.
المصادر والمراجع
الحسيني (عبد الحي بن فخر الدين) (ت 1341هـ)، الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)، طـ1، دار ابن حزم، جـ 4، 5، بيروت، 1999م.
الهروي (نظام الدين أحمد بخشي)، المسلمون في الهند من الفتح العربي إلى الاستعمار البريطاني (طبقات أكبري)، ترجمة أحمد عبد القادر الشاذلي، جـ3، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995م
أطهر عباس الرضوي، "دار الترجمة للإمبراطور أكبر"، مجلة ثقافة الهند، المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، المجلد 55، العدد 1، نيو دلهي 2004
سيد إحسان الرحمن، "مساهمة أكبر في ترجمت النصوص السنسكريتية والفارسية"، مجلة ثقافة الهند، المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، المجلد 55، العدد 4، نيو دلهي 2004
ثروت عكاشة، التصوير الإسلامي المغولي في الهند، موسوعة تاريخ الفن (العين تسمع والأذن ترى) جـ13، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995م.
ثروت عكاشة، الفن الهندي، موسوعة تاريخ الفن (العين تسمع والأذن ترى) جـ 30، دار الشروق، القاهرة، 2005م.
ثروت عكاشة، موسوعة التصوير الاسلامي، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 2001م.
أيمن فؤاد سيد، الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، الدار المصرية اللبنانية، طـ1، القاهرة، 1999م.
حسن الباشا، التصوير الإسلامي في العصور الوسطى، دار النهضة العربية، طـ2، القاهرة (د.ن).
وِل ديورَانت، قصة الحضارة، ترجمة زكي نجيب محفوظ، دار الجيل، جـ13، (مج1، جـ3)، بيروت، 1988م.
Losty, Jeremiah P., The Art of the Book in India, British Library, London, 1982.
Jean-Jacques Leveque & Nicol Menant, Islamic and Indian Painting, (Translat by Robert Brain), Heron Books, London, 1970.
Muthumari M and Zafar Ahmed V, History : Higher Secondary, First Year, Government of Tamilanadu Distributhion of free Textbook Programme, 2007.