مقدمة:
إن علم اللسانيات علم حديث أخذ يشق طريقة في مطلع القرن الماضي بين زحمة العلوم الإنسانية حتى كاد أن يكون في طليعتها وما ذاك إلا لأن موضوعه اللغة, هي ظاهرة فكرية تتصل بالبشر اتصالا وثيقا في كل زمان ومكان بل هي إحدى خصائصهم, وهي التي تميزهم عن غيرهم من المخلوقات, قد نظر هذا القلم إليها نظرات تختلف عما ألفه الناس من أمرها إذ عدها ظاهرة طبيعية تخضع إليه الظواهر الطبيعية الأخرى من اختيار علمي ورأى أن الإشارة اللسانية لا ترتبط بينها وبين ما تشير إليه أي رابط, بل هي تجمع الفكرة أو المفهوم الذهني والتعبير الصوتي عنه, كما أن علاقة الدال بالمدلول إنما هي العلاقة اعتباطية إصلاحية عرفية وضعت باتفاق أفراد أمة ما يستعملون اللغة أداة للتواصل والتفاهم الاجتماعي.
قال أحد أقطاب هذا العلم: إنها مجموعة من العلاقات تحكمها مجموعة من العلاقات وأن معنى الكلام بلغة ما ليس حاصلا من اجتماع معني المفردات فحسب بل يحصل أيضا أن النمط الذي تنتظم فيه هذه المفردات في الجملة اللغوية حسب قواعد محددة إلى غير ذلك من النظريات والأقوال.
وما أتي يد هذا العلم الجديد لم يكن موضع تسليم مطلق من قبل علماء اللغة إذ لم تزل نظرياته موضع نقاش ودراسة, بل إن " تمشوسكي" وهو أحد أقطاب هذا العلم عدل بعضا من أرائه اللغوية مع هذا فإن علم اللسانيات لم يقل ما يريد قوله, ولم يصل بعد إلى ما يبغي الوصول إليه فإنه لفت الأنظار إليه ورأى فيه بعض الباحثين واللغويين جدة وشمولية كمستحقات الاهتمام, فانطلقوا يشيدون بمنجزاته ويهتمون بنظرياته ويعتقدون المؤتمرات والدورات والندوات للتعريف بهذا العلم الحديث وإطلاع من جهة أمر اللغة على ماجد من شؤونه وما سار من خطوات في سبيل الوصول إلى غايته المنشودة.
علم اللغة وعلم اللغات وفقه اللغة:
إن عبارة اللسانيات أو علم اللسان تتعرض لفهم خاطئ عند كثير من الباحثين فهم لا يفرقون بين اللغة وعلم اللغات وفقه اللغة و اختلطت عليهم مفاهيم هذه المصطلحات الثلاثة.
وقد عرف لغويا هذه المصطلحات ( أي الآنفة الذكر) وكان لها وجود تاريخي في تراثنا العربي لكن بدلالات مختلفة عما تعفيه اللسانيات, بمفهومها الحديث:
أولا: ففيما يخص مصطلح ( علم اللغة ) فالظاهرة أن تراثنا العربي في ميدان الدراسات اللغوية لم يعرف في القرون الأولى هذا المصطلح لدلالة على أي نشاط علمي أو منهج مستقل في دراسة اللغة وإنما كان يكتفي بكلمة (اللغة) لدلالة على جمع الألفاظ وتبوبها وعمل المعجم أي ما يصل بشكل عام بدراسة المفردات وتصنيفها غير أننا نجد إشارة إلى ما يسمي (علم اللغات) أو ( علم اللغة) عند بعض العلماء ومصنفي العلوم العربية في القرون الأخيرة .
كما أشار أحدهم إلى مصطلح " علم اللغات " في بيت شعري مما دل أن هذا المصطلح كان متداولا في أوساط العلمية وقتئذ نُبِئْتُ ان أبارياش قدحوى: علم اللغات وفاق فيما يدعى.
وقد ذكر عبد القاهر الجرجاني هذا المصطلح حين تحدث عن نقص علم من ينقصه الإمام بعلم اللغة فقال " وجملة الأمر انه لا يرى النقص يدخل على صاحبه في ذلك إلا من جهة نقصه في علم اللغة"
- وأشار إلى المصطلح علم اللغة تعني الدين الحموي بقوله" إما أن تبحث عن المعنى الذي وضع له اللفظ وهو علم اللغة" .
- وأشار السيوطي إلى مصطلح علم اللغات حين تعرض بالبحت في أصل اللغات ونشأتها هل هي توفيق أم تواضع" .
ويقول السيوطي في بيان الفرق بين علم النحو وبين علم اللغة أن علم النحو موضوعه أمور كلية موضوع علم اللغة أشياء جزئية وقد اشتركا معا في الوضع .
واخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف و الابتداء بسنده عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال"لا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة"
أما طاش كبرى زادت( ت: 967ه) فنجده يعرف علم اللغة: هو علم يبحث عن مدلولات جواهر المفردات وهيئاتها الجزئية التي وضعت تلك الجواهر معها لتلك المدلولات بالوضع الشخصي عما حصل من تراكيب كل جوهر وهيئاتها الجزئية على وجه جزئي وعن معانيها الموضوعية لها بالوضع الشخصي.
وموضوعه جواهر المفردات وهيئاتها من حيث الدلالة على المعاني الجزئية.
شرح هذا الكلام:
فعلى هذا التعريف فغن علم اللغة عن طاش كبرى زادة يشمل البحث في الألفاظ المفردة ودلالتها، وفي الحروف التي تتركب منها الكلمة بالإضافة إلى بعض الجوانب الصرفية المتصلة بذلك.
وعلى هذا فإن مصطلح (علم اللغة) أو (علم اللغات) أو (اللغة) في التراث العربي كانت تعنى دراسة الموضوعات التالية:
البحث في نشأة اللغة وأصلها.
جمع الألفاظ وتدوينها وروايتها.
البحث في دلالة الألفاظ واشتقاقها.
دراسة بعض الجوانب الصرفية والصوتية.
عمل المعاجم.
وكل هذا بهدف الاحتراز من الخطأ في استعمال كلام العرب أو الخروج عن سنن العربية في الكلام.
وعرفه ابن خلدون : أنه" علم الموضوعات اللغوية" ويقصد أنه ما توضع عليه المتكلمون من كلمات ومعان أي: دوال ومدلولات.
وعرفه الرضي الإستراباذي: أنه :" علم الألفاظ المعينة السماعية" ويقصد بها الألفاظ المفردة التي هي أعيان مشخصة وأفراد وجزئيات مادية يتكون منها اللسان وهذا يقابل النسب والعلاقات الناتجة عن التركيب وهي موضوع علم بمعناه العام, مجموعة المفردات المندرجة في اللسان وهي مادته هي اللغة ودراستها هي علم اللغة أو علم متن اللغة ويقابلها باللغة الأجنبية(lexicopogie) وعلى هذا علم اللغة يعالج مادة اللسان الأفرادية وعلم النحو يعالج هيأته وصورته التركيبية.
وقد فهمه بعض الباحثين يمكن انه يقابل مفهوم linguistiqne وهي ترجمة كانت سببا في الالتباسات التي طرأت على أقوال الباحثين في العربية.
أما مصطلح ( فقه اللغة) فقد وصلنا كتابان يحملان هذا المصطلح: الأول يحمل عنوان" الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب وفي كلامها" لابن فارس ( ت: 395), وهو أول من استعمل عبارة " فقه اللغة" في العربية إذ يقول في مقدمة كتابه الذي ألفه برسم خزانة الوزير إسماعيل بن عباد صاحب ابن العميد:" هذا الكتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها".
أما الثاني فقد ألفه بعده بقليل محاصرة أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي(430ه) وأسَمْاه: " فقه اللغة" و إقتبس كثيراً من فصوله الأخيرة في "سر العربية" وغن كان الثعالبي قد أربي على ابن فارس، كما ألف ابن فارس كتابه للصاحب, فألف الثعالبي كتابه للأمير أبي الفصل الميكالي.
ففقه اللغة هاهنا هو علم نظري بحت لا يبحث في اللغة من حيث الصحة أو عدمها بل يشرح أطوار الحياة اللغوية, وميدان فقه اللغة أوسع من ميدان البحث النحوي إذ كان النحو لا يقنع إلا بما أصطلح عليه بالصحيح.
إن "فقه اللغة " يجتهد فيه أن يكشف قوانين نظرية هي أشمل وأعم كما أنه يجتهد في تدوينه ما هو القاعدة اللغوية, وإلى أي حد يمكن تطبيقها ويفسر السباب التي دعت اللغة إلى اختيار صيغة من الصيغ أو بنية أو تركيب دون غيره, وما العوامل التي تدعو اللغة إلى إتباع ما نسميه قواعد؟.... يتبع.
ومع أن غرض كل من المؤلفين التأليف في اللغة و اشتراكهما في إطلاق عبارة " فقه اللغة" على موضوع كتابين فإننا نرى اختلافاً واضحاً بين مادتهما فكتاب الصاحبي يشمل مباحث مختلفة بعضها نظري مثل باب القول على لغة العرب: أتوقيف أم اصطلاح؟ ومثل القول في إعجاز القرآن, وبعضها تاريخي مثل باب القول على الخط العربي وأول من كتبه ومثل علم العربية وعلم العروض قبل أبي الأسود والخليل بن أحمد الفراهيدي وبعضها في الخصائص العامر للغة مثل القول في أن لغة العرب في النحو على مذهب الكوفيين, وبعضها في التعريف وبعضها في البلاغة مثل معاني الكلام وأقسامه والمعاني التي يحتملها لفظ الخبر والفرق بين الاستفهام والاستخبار والحقيقة والمجاز, وبعضها في أصول اللغة أو النحو مثل القبائل التي نزل القرآن بلغتها والقول في مأخذ اللغة وهل العرب قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض .....الخ.
ويكاد يكون مفهوم " فقه اللغة" عند ابن فارس يتناول جميع المباحث التي تمت إلى اللغة بسبب سواء أكان ذلك في أصولها أم فروعها أم في تاريخها.
وغن الدراسات اللغوية في العصر الحديث قد عرفت مصطلح (فقه اللغة) ترجمة لمصطلح (philologie) منذ عام 1926 عندما انتدبت الجامعة المصرية المستشرق ( جويدي) للتدريس بها وأشار في محاضرته الأولى إلى هذا المصطلح.
علم اللسان قديماً وحديثاً:
مفهوم اللسان عند القدامى والمحدثين يمكن أن نوجزه فيما يلي:
علم اللسان قديماً:
استعمل علماؤنا هذه التسمية للدلالة على كل دراسة خاصة مميزاً لها لما هو خارج عنها من (علم أصول الفقه وعلم الكلام وعلم الحديث وعلم المنطق وعلم الحساب وغيرها من الفنون المعروفة) ولقد وردت هذه اللفظة في كثير من المؤلفات القديمة, كمقدمة غبن خلدون ويتضمن علم اللسان:
علم اللغة أوضاع المفردات وعلم النحو : أوضاع المركبات بما فيها علم العرف ويتناول أيضا علم البلاغة علم التبليغ الفعال أي دراسة الأساليب الكلامية التي لها تأثير. في مشاعر المخاطب كما استعملوا أيضاً لفظ علم اللسان العربي للدلالة على هذه الفنون التي ذكرناها لكنها مقصورة على اللغة العربية فقط ّ. وكان العلماء الأولون: أبو عمروين العلاء وأصحاب والخليل وسيبويه وأصحابها يعبرون عن هذا المدلول بلفظ العربية أو علم العربية.
علم اللسان حديثا:
ترجمة للفظ " linguistique" بمفهومه الحديث بعلم اللسان وموضوعه في نظر العلماء المحدثين هو اللسان البشري بوجه عام والألسنة المعينة يوجد خاص وهو يتعرض للأحداث اللسانية كعلم بحت.
بالموضوعية المطلق.
بمشاهدة الظواهر اللغوية" بأجهزة أو بغير أجهزة".
الاستقرار الواسع المستمر" إجراء التحريات المنظمة".
بالتحليل الإحصائي.
بإستنباط القوانين العامة.
باستعمال المثل والأنماط الرياضية اللاحقة.
بتعليل هذه القوانين وجعلها معقولة.
وأخيراً ببناء النظريات العامة الفعالة القابلة للتطوير ونظرته إليها إما زمانية تطورية وإما آنية سكونية, ويهتم قبل كل شيء بالنظام الكلي.
ويقول الدكتور محمد حسن إبراهيم: لقد قدم الغرابي في كتابه" إحصاء العلوم" علم اللسان على العلوم الأخرى جميعها وليس من الصعب معرفة سبب هذا فالدراسات اللسانية تحتل في الحضارة العربية مكانة كبيرة كدراسة العلوم الشرعية والتخفه إلى الدين وكانت نظرية نظرة شاملة لعام اللسان...
وفي حديثه عن علم اللسان ملاحظتان هامتان:
الأولى: النظرة الشمولية العامة:
هذه النظرة كانت بحكم صنعته، فلقد كان كثير الاهتمام باللغة عامة وشاملة من النجاة الذين اهتموا بالنصوص وهذه الاهتمامات لم تفارقه عند حديثه عند علوم اللغة واللسان ومثال ذلك منذ أقواله" إن الألفاظ الدالة في كل أمر ضربان (مفرد ومركب) لهذا الكلام له صلة بها يسمي اليوم بالخصائص المشتركة للغات البشرية وما أشار إليه الغرابي هو ما دل ودعا إليه تشومسكي (tchomsky).
الثانية: تتعلق بمفهوم " الحرف":
وما أتهم به العرب من أنهم يعتمدون في دراساتهم على الحرف الذي هو رمز للصوت لذلك لا يعول عليها لأنها حديث عنه الكتابة، وهذا غير ممكن وغير صحيح.
وأما ما نعرفه ونقول به: أنها جاءت إلى الوجود لتبليغ الأغراض من فرد إلى آخر بمعنى ليكون التواصل أو الاتصال بين الأنفس لتحصيل ذاتياً على الأقل بين فردين, وهذا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الراهين والأدلة, والمعادلة التي هي معادلة التبليغ تسمي عملية التخاطب والألفاظ التي تحمل معنى من المستحدث إلى السامع تسمى خطاباً أي: كلاماً أو حديثا من المرسل إلى المرسل إليه فهذا التخاطب وهذا الخطاب يسمي باللغة الفرنسية ( communication ) فالشخص المبلغ يخرج من ذهنه أشكال ألفاظ في ذهنه والتي لا سبيل إلى إدراكها إلا بالدلالة فنحن نتصل ببعضنا بالحواس الخمس لكن لا نستطيع أن نعرف ما يدور في أذهان بعضنا إلا عن طريق الألفاظ ولولا التخاطب لما أمكن الاتصال والألسنية البشرية" اللغة" هي نوع من هذه الأدلة وهو المهم
خلاصة:
نستنج أن علم اللسان هو جزء من علم السيميا osmologie وإن كان بعض العلماء يميلون إلى جعل علم السيميا" علم اللغة" فرع من اللسان وحجتهم أنه لم يكشف عن أسرارها إلا بعد الاطلاع وظهر علم اللسان وهذا صحيح لكن من حيث العقل أن علم اللسان جزء من علم السيميا، أما من حيث الوجود التاريخي أن علم اللسان أقدم من علم السيما.
الفرق بين اللسان وعلم اللسان والملكية اللغوية:
أ/أما اللسان: فهو أداة تعبير مما يكنه الإنسان أي أداة تبليغ أغراض فاللسان هو مجموعة أصوات يخرجها الإنسان الاتصال بغيره، أو للتعبير عنه حاجاته.
ب/أما علم اللسان: فهو الدراسة العلمية التي تتناول اللسان وبناء على هذا فالناس كلهم مشترون في اللسان وفي القدرة على الكلام اللهم من أجيب لعامة حرمته من الاتصال بغيره عن طريق التخاطب.
وهو الدراسة العلمية الموضوعية اللسان البشري من خلال الألسنة الخاصة لكل قوم ولهذا يسمى بالفرنسية
Linguistique والغاية من هذا العلم هي التطلع إلى أسرار اللسان كظاهرة بشرية عامة الوجود, ومن تم إلى القانون الذي يضبط بنيته ومجاريه وتطور على مر الزمان وكيف استعمال الناطقين به غير ذلك بالاعتماد على أمرين:
1/ مشاهدة الظواهر اللغوية الجزئية تم استنباط قوانينها.
2/ الاستدلال العقلي والعملية الافتراضية الإنتاجية وقد أثار ونيه إلى ذلك دي سوسير فقال
إن موضوع علم اللسان الوحيد والصحيح هو اللغة معتبرة في ذاتها ومن أجل ذاتها وهنا نجد دي سوسير يؤكد أن اللغة يجب أن تدرس لغرض الدراسة نفسها ,( أي دراسة موضوعية) تستهدف الكشف عن حقيقتها.
ومن هذا المنطلق, يتضح أن اللغة هي جوهر الإنسان وهي أداة تحصل وتحليل وتطور للبنية الفزيولوجية عند الإنسان وتبعده عند الحيوانية لأن شر الدواب عند الله الصم البكم.
ج/ أما الملكة اللغوية :
فهي التمكن من الاتصال فالإنسان يعرب ويسمع إلى غيره في نفس الوقت ولا يمكن له أن حسن هذا التبليغ إلا إذا كان يحسن التلقي, وكل هذا يفضل اللسان والقدرة على الاتصال وتسمي الملكة اللغوية.
د/ أما عالم اللسان فهو الذي يتناول اللسان كموضوع للتحليل العلمي ويحلله تحليلا علميا دقيقا إلى عناصر أصوات حروف وكلم وأبنية وليس بالضرورة أن يكون متقنا للغات شتى كما يتوهمه بعض الباحثين وهناك فرق بين اللغوي وعالم اللسان فإن كان عالم اللسان هو ما بينا اختصاصه فإن اللغوي هو الذي يدل على من يهتم بدراسة مفردات اللغة وجمعها وعمل المعاجم.
يقول السيوطي: " اعلم أن اللغوي شأنه أن ينقل ما نطقت به العرب ولا يتعداه" .
أقسام علم اللسان: قسم العلماء علم اللسان إلى قسمين ( علم اللسان العام وعلم اللسان الخاص):
أ/ علم اللسان العام:
ويشمل العلوم المختلفة كعلم اللسان العربي وعلم اللسان الفرنسي وعلم اللسان الإنجليزي.....لأنه يتناول اللغة بدون تعيينها إنما اللغة التي تظهر وتتحقق في أشكال لغات كثيرة ولهجات متعددة وصور مختلفة من صور الكلام الإنساني.
وأن لكل لغة نظام اجتماعي معين تتكلمه جماعة معينة بعد أن تتلقاه عند المجتمع إلا تمت صفات مشتركة بينها وأصولا وخصائص جوهرية تجمع ما بين اللغات.
ب/علم اللسان الخاص:
فهو يتناول لغة ما من بين سائر اللغات من كل جوانبها مبينا ما تميزت به من خصائص من أقسام كليها وبنية تركيبها وجرس حروفها .... وغير ذلك.
وعلم اللسان له جانبان:
1/علم نظري: هو علم مشعور به وأصحاب هذا العلم في الغالب عدد قليل لأنهم العلماء المتخصصون في علم اللسان.
2/علم علمي: ويسمي بالكلمة اللغوية أو اللسانية وهذا كما قلنا يشترك فيه جميع الناطقين بلغة من اللغات .
مفهوم العلمي للسان:
إن موقف المتكلم عن اللغة غير موقف الباثث منها, وإن من مظاهر موقف المتكلم من الاستعمال اللغوي أن يرعي معايير اجتماعية معينة يطابقها في الاستعمال ويقيس في كلامه على هذه المعايير ومن ثم يصطبغ نشاطه بصبغة ظاهرة الصوغ القياس أو يسمونه باللغة الفرنسيةanatogie . Cveation.
أما الباحث في ميدان اللغة أو عالم اللسان فإنه يبحث ويحلل اللسان (أي اللغة) تحليلا علمياً إلى عناصر وأصوات حروف ,كلم, أبنية.
محاضرة المفاهيم الأساسية التي تعتمدها اللسانيات:
أولا: دورة التخاطب: وتحدد على أساس المتكلم من جهة والمخاطب من جهة أخرى وسميت دورة لأن هناك كلاما يبدأ وينتهي عند المخاطب فيصبح المخاطب متكلماً والمتكلم مخاطباً يقول جاكبسون:"إن كل عملية لغوية تقوم على أطراف هي: الباث أو المرسل، وعملية البث هي عملية تركيب الرموز، أما عملية التلقي فهي تفكيك هذه الرموز على شرط أن يكون الوضع مشتركا بين الباث والمتلقي عبر قناة معينة.
ووظيفة المستقبل هي الوظيفة الإفهامية وتتعلق بالباث الوظيفية الانفعالية من طرف التبليغ فهي كلها تقوم على خمسة أمور أساسية لأن الخبر المراد تبليغه لابد أن يكون له:
أ/مصدر أو المرسل émetteur ou source
ب/منتهى أو مرسل إليه destination ou destinataire
ج/ جهاز إرسال transmetteur
د/ ممر أو قناة canal
ه/ جهاز استقبال récepteur
لابد لكل عملية تخاطب أن تكون لها قطبان هما المرسل والمرسل إليه, وأن الخطاب ينتقل من نقطة البداية إلى نقطة النهاية ولابد أن يسلك طريقا يسمى الممر أو القناة ويعان لذلك بجهاز الإرسال وهو هنا الجهاز الصوتي, وعندما يبلغ الخطاب المنتهى يوجد جهاز لاقط يتلقى تلك الرموز ويترجمها ويعيدها إلى الصيغة التي انطلقت بها الخطاب من المصدر والإنسان بفضل تكوينه الفيزيولوجي وجهاز الصوتي الذي يحول الخطاب إلى أمواج صوتية تخرق الهواء وأما الممر الذي ينقل عبره هذا الخطاب فهو الهواء الذي يشكل صلة الوصل بين المتكلم الصوتي بين أذني المستمع, والأذن عبارة عن جاز من أجهزة الالتقاط فهي تتلقى الأمواج الصوتية وتحويلها إلى حركة تدب عبر الأعصاب وتنتقل إلى منتهاها أي إلى الجهاز العصبي, ومما سبق نلاحظ أن عملية التبليغ تشمل دائماً على مرحلتين:
1/ وضع الصياغة codage
2/ كشف الصياغة أو ترجمتها décodage.
والرسم الاتي يمثل دور التخاطب كما يبينه عالم اللسانيات الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح.
الخطاب
معد الإرسال في التخاطب لا يتم إلا بالوضع أو المواضعة منتهي وغاية الإرسال في
اللغوي هو المتكلم التخاطب هو المخاطب
تحويل المعاني إلى الرموز بالاعتماد على الوضع تحويل الرموز إلى معاني بالاعتماد على الوضع.
شرح الرسم:
1/ القناة:
هي التي تنقل الخطاب بكيفية من الكيفيات وهي الرابط المادي بين المرسل والمرسل إليه وأنواع هذه المادة كثيرة جداً لا تحصى الهواء أو الغاز شبيه به يستطيع أن يتموج مثله: الكهرباء التي تجري في الأسلاك التليفونية والبرقية والأمواج الهيرتزية hertz فكل مادة صلبة تنقش عليها الحروف الخطية مثل الورق, الخشب, الحجر, وكذلك النور لأنه ذبذبات مرئية فكل مادة تستطيع أن تتذبذب أو برسم عليها الرموز فتصلح أن تكون قناة.
2/المرسل والمرسل إليه:
فهذا ممكن في عملية خطابية فالمرسل هو الذي يبعث الخطاب والمرسل إليه هو الذي يستقبل ويتلق الخطاب وهما قطبا الدورة التبليغية أو دائرة التخاطب وكلاهما يحتاج إلى آلة إرسال وألة استقبال المتكلم ألة الجهاز الصوتي, والخطاب آلة جهاز السمعي لكن لكل منها يعتبر متكلما ومخاطبا بالتناوب, ولابد أن يعرف كل واحد منها الوضع والمواضعة.
3/المواضعة: أو الوضع هو مجموعة الرموز الدالة وغير الدالة المتفق عليها للتفاهم والتخاطب بين قوم.
التشويش:
وهو كلمة مناسبة، لأنها تشير إلى أن هناك عملية تغطية في كل استماع فهناك صوت مرغوب فيه’ وهناك أصوات تداخله أي، أن هناك صوتا مغطى هو الصوت المراد سماعه وترافقه أصوات مغطية تشوش عليه.
والتشويش له مظاهر مختلفة أثره والمعرفة هو الضجيج أي الصوت المتطفل الذي يعوق الإرسال والأوروسيون يسمون كل ما يعرقل bruit ويسمى بالإنجليزية noise فأينما تحدث الإنسان في المقهى أو الشارع أو السوق أو عبر الهاتف فإن كلامه يدخل شيء من الضجيج ومنه الحظ فإنه هذا الضجيج لا يحول دون التفاهم.
أمثلة التشويش:
عند المرسل قد يكون مصابا في آلة الصوتية أو تكون في حالة جسدية أو نفسية غير مناسبة كنقطة أشياء كالمهارة في الأداء الصوتي وبالنسبة للمرسل إليه قد ي يكون مصدر التشويش بنفس الأسباب صمم جزئي حالة نفسية مضطربة عدم انتباه, عدم مبالاة كل هذه من عوامل التشويش كمية الأخبار المحصلة, كماله أثر سلبي نفسه المخاطب لأنه يترك معه الشك في الخبر المنقول وقلة الثقة بصحة الخبر المسموع.
وسيلة أخرى لصد التشويش: وهي في اللغة نفسها وهي لتأكيد أحمد جاء تم التأني في التأدية بإعطاء كل حرف حقه فهو نوع من التأكيد وهذا التأني يقتضيه الحال.
خلاصة:
ما نستخلصه هو أن أية لغة من اللغات ما هي في الواقع إلا منظومة من العلامات أو الرموز المتعارف عليها وأن الكلام هو عملية صياغة للأفكار التي تدور في الذهن برموز عربية أو إنجليزية أو فرنسية أو غيرها وفهم المخاطب هو عملية كشف لتلك الرموز.
وان علم اللسان عام وخاص وإذا كانت الألسنة البشرية تشترك في الكثير من الخصائص إلا أنه لكل لسان مميزته عن غيره من الألسنة ولذلك يستحيل تطبيق قوانين ومميزات لغة على لغة أخرى, وهذا نأن عن كثير من معلمي اللسانيات وندعوهم إلى الابتعاد وعنه لأنه إساءة اللغة المتجرأ عليها وإلى اللسانيات في حد ذاتها ولقد حدث هذا مع اللغة الإنجليزية حين فرض بعض الدارسين لها مفاهيم لاتينية وطبقها عليها مما دعا david csytal إلى عدم اتخاذ اللاتينية نموذجاً للإنجليزية لأن هذه ليس تلك ـ إذ طرق الصياغة النحوية على اللغة الإنجليزية تعمل بصورة مختلفة عن طريق الصياغة في النحو اللاتيني... .
وإذا كان هذا هو الشأن بين لغتين من سلاسة واحدة تشتركان في الكثير من الخصائص والمميزات وتكتبان بحرف واحد فقد رأى علماء اللغة الإنجليزية بوجوب فصل هذه غن تلك، فيما الأمر بالنسبة اللغة العربية التي تختلف عن هذه اللغات في السلالة وفي الكتابة, مما بال أقوام يحاولون تطبيق ما هو أجيني على لغتنا وإن كان ما هو موجود عندنا خيراً منه وأجود؟
يقول عالمنا الجيل عالم اللسانيات عبد الرحمن الحاج وصالح قد أدى ببعض معاصرينا إلى الطعن فيما تركه لنا العلماء العرب حتى الأولون الفطاحل منهم فحاولوا أن يستبدلون أوضاع النحو القديم بشيء تافه استعاروه من النحو التقليدي الأوربي ( وما استبدلوا في الواقع إلا مصطلحا بأخر يقل عنه قيمة ومدلولاً) .
وأما السيمات المشتركة بين السنة البشرية فإنها تدعوا إلى الاستفادة من محاسن ما وصل إليه البحث العلمي في ميدان علم اللسان.
ويقتضى قبل كل شيء بضرورة الاستفادة وإلى مادة لغوية للغات موجودة الآن فعلا واثبت أنها كانت موجودة وليست متفرضة الوجد فقط.
كما أنه المنهج التاريخي العلمي يقتضي باعتبار ظاهرة اجتماعية وأنها اللغة ترتبط بالتفكير منذ نشأتها, وتولف نظاما متعدد لمستويات في حركة مستمرة وتجب دراسته في وضعيته الراهن( المتزامن) وفي تطوره في آن واحد.
المحاضرة الثانية: نظرية دي سويسر, ونظرية وضع الألفاظ, مفهوم الدال والمدلول.
في الوقت سيطر الفكر الإغريقي على الفكر الأوربي في حقيقة المسيحية الأولى حيث ظهر جليا في بناء قواعد اللاتينية وإثري ذلك ظهرت أول الدراسات في هذا المجال في القرن الرابع والسادس بعد الميلاد ثم تطورت اللاتينية في القرون الوسطى إلى الفرنسية والإيطالية والإسبانية وغيرها إلا أن اللاتينية طلت مستأثرة بلغة الكتابة والتدوين وأعتبرها الباحثون وقتئذ أنها النموذج الطبيعي المنطقي للغة الإنسانية.
ونتيجة البحث الدؤوب في اللغة أدى إلى السؤال التالي هل اللغة توقيف أو تواضع وإصلاح؟
كان من تأثير اليونان في هذه المسألة في الأوربيين أن انقسم الباحثون إلى فئتين هما الكنسين والمدرسين:
أ/ أما الكنيسيون:
فيرون أن اللغة من الله تعالى بها على الإنسان وميزه بها علي الحيوان، وأنها قديماً كانت واحدة تنطوي تحتها أمم شتى حتى سقوط بابل وتفرق أبناء نوح عن بعضهم البعض في بلاد وكان عدد هؤلاء 72 فكان بسبب ذلك أن انقسمت اللغات إلى 72 لغة وتأثر وأصبحت هذا الاتجاه بأفلاطون واضح.
ب/ أما المدرسيون:
فيرون أن اللغة هي تواضع أي مما تواضع المجتمع عليه وما لبث القائلون بالتوقيف من اليونان حتى عادوا إلى القول بأن اللغة هي تواضع وهو الاتجاه الذي أخذ به الباحثون جميعاً .
الدراسات اللسانية من القرن 16 إلى 19
كانت الدراسات عبارة عن وصف اللغات وكان هذا الوصف معياريا مثلا يقولون: هذا يقول الفرنسيون في لغتهم والإنجليز في لغتهم. ويجب النطق بالصفة الفلانية, وما أن جاءت أواخر القرن الثامن حتى أدخلوا البعد الزمان في الدراسات اللغوية بحث أصبحت أي دراسة لا تدخل في الاعتبار البعد الزماني فهي منبوذة ومرفوضة ومن ذلك الوقت نشأة علم اللغة التاريخي:
علم اللغة التاريخي:
منذ أن بدأ الإنسان مرحلة التفكير في البحث عما يحيط به من ظواهر طبيعية بهرته حينا وأثارت دهشة حينا آخر وهو في محاولات جادة للبحث في أسرار متعلقا بذاته أو بغير ذلك من الظواهر الطبيعية و براهة أنه بحث فيما بحث عن أسرار اللسان واختلاف اللغات وأصلها وتنوعها وأسباب ما بينها من انسجام واختلاف وعندما دخل الإنسان مرحلة الأديان وجد نفسه أمام رؤى جديدة وآراء مختلف منها ما كان اجتهاد مل هو الحال في المذاهب الفكرية والاجتماعية وقد اجتهد العلماء في تفسير بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن الخلق والتكوين واللغة تم فرضت بعض الآراء الناتجة عن الخلق والتكوين واللغة تم فرضت بعض الآراء الناتجة عن هذا الاجتهاد وأستمر العامل بها إلى زمن كثرت فيه الحركات الفكرية فتحلل منها البعض وتمسك بها البعض الأخر وكان معظم الجدل وعظم الجدل يدور في الفرنين الثاني الثالث الهجريين حول قوله تعال" وعلم أدم الأسماء كلها" وأول من خاض هذه المسألة حير الأمة ابن عباس رضي الله عنها الذي ذهب إلى القول بأن اللغة نشأت توقيفها أي عن طريق الوصى والإلهام ومنه نفر من العلماء كانوا يتراوحون الكلي لهذه النظرية أو تحليلها بشكل لا يسرون بموجبه على خطي ابن عباس فكان المتكلمون من معتزلة و أشاعرة, ثم جاء بعدهم اللغويون ومنهم أحمد بن فارس وأبو على الفاسي وابن حين وقد اختلفت هؤلاء في الأسماء هل هي أسماء الملائكة أم أسماء ذرية آدم أم هي أسماء الأشياء وصفاتها, كقولنا هذا حجر, هذا يشير ذاك حيوان ..... وما شابه ذلك ,وفي العصر الحديث أخذ بعض العلماء العرب والأجانب بهذا الرأي كالفيلسوف "دوبونالد" في كتابه" التشريع القديم"
وقد اعتمد في تأيده لهذه النظرية على ما ورد في سفر التكوين غير أن الكثير من المعاصرين اعترضوا على هذا المذهب باعتباره لا يستند على حجة مقبولة وذلك أن اللسانيات الحديثة ترى في مذهب" التوفيق" أنه يفتقر إلى الحجة العلمية وتخالف السنن والتطور وطبيعة النشأة الظواهر الاجتماعية.
كما أنهم لم يقتنعوا بتأويل الآية لأنها برأيهم لم تكن صريحة في الإشارة إلى ما ذهبوا إليه واللغة بعد ذلك ظاهرة اجتماعية لا يمكن أن يجددها واضع معين وإنما تنشأ بواسطة الحاجة إلى التعبير والتفهم، ولعلها ابتدأت بالمحاكاة لأصوات الطبيعة وتقليدها تم تطورت بعد ذلك حتى لم بعد يشبه آخرها أولها.
-التواضع والاصطلاح:
وقد أخذ بهذا الرأي أبو الحسن الأخفش (ت 211ه) يري أن اللغة لم توضع جميعها في وقت واحد وقال" اختلاف لغات العرب إنما جاء من قبل أن أول ما وضع منها وضع على اختلاف وإن كان كله مسبوقا على صحة وقياس ثم أحدثوا من بعد أشياء كثيرة للحاجة إليها غير أنها على قياس ما كان وضع في الأصل مختلفا....".
وكذلك ابن حنفي (ت 392ه) الذي أخذ البداية بمذهب التوفيق ثم رجع إلى مذهب التواضع والإصلاح يقول في ذلك " غير أن أكثر أهل النظر على أصل اللغة هو تواضع واصطلاح لا وهي وتوفيق..."
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن ابن جني كان من أهل الاعتزال الذين يأخذون بالعقل والمنطق أكثر مما يأخذون بالنقل و الأثر فإننا ندرك أن للاعتزال أثر في هذا الرأي وكذلك صنع أبو على الفاسي (ت377ه) والسيوطي (911ه) والزبيري (ت1205 ه) وابن خلدون في مقدمة ومن الغربيين "آدم سميت وجون ستوارت هيل ومن العرب المحدثين المشرقي جورج زيدان وأن كان لكل نظرية أنصارها ومعارضها فإن هذه النظرية أيضا وفقا لهذا القانون لم تخل من معارض.
ونرى أن هذه النظرية تفتقر إلى الحجة العلمية بل إلى الحقيقة التاريخية معتمدة في تقرره تعارض القوانين العامة التي تسير وفقها النظم الاجتماعية وهذه النظم لا تختلق من عدم ولا ترحل إرتحالا بل تندرج في وجودها شيئا فشئيا من تلقاء نفسها حتى تستوي نظاما ناضجاً مكتملا والتواضع على تسمية مسمي معين يحتاج هو نفسه إلى لغة صوتية يتفاهم بها المتواضعون فيما يجعله أصحاب هذه النظرية منشئا للغة.
-المحاكاة:
وقد رجع البعض من علماء العرب نظرية المحاكاة في نشأة اللغة إذا أنها نشأت من تقليد أصوات الطبيعة كالرعد والريح أو الضحك والبكاء، وقد كان لهذه الأشياء مجتمعة دورا في ذلك من حيث التعبير على الحالات الفرح أو الحزن وإن كانت اللغة كائنا حيا شأنها في ذلك شأن الإنسان فإنها تنمو وتترعرع وتنشأ مستفيدة من محيطها واعتمادها على ما تكتسبه في داخلها من خيرات تمدها بالقوة والنماء تقترب بها من الضجيج والاكتفاء.
والخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175) كان ممن أخذوا بهذا الرأي دون الإشارة إليه.
يقول ابن حي" وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المجموعة الموسعة كدوى الريح وخرير الماء ونهيق الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس......"
نظرية الوقف:
هناك مذهب آخر هو الوقف وهو غير التوقيف ويعني: الجهل بحقيقة نشأة اللغة لعدم وجود ما يدل على ذلك وقد تمت السيوطي هذا الرأي مذهباً قائما بذاته حيث قال وهو يعترض مذاهب نشأة اللغة:
" والمذهب الثالث الوقف: أي لا يرى أهي من وضع الأقدام من وضع البشر لعدم وجود دليل قاطع في ذلك وهو الذي اختاره ابن جني أخيرا"
واعتمد السيوطي على قول ابن جني" غير أن ابن جني ما كان يقصد بذلك مذهبا ثالث يقربه نشأة اللغة وإنما رمز إلى أن المذاهب تتفاوت في قوة الحجة أو ضعفها فهو إذن ينظر خاطراً جديداً يقوي لديه أحد هذه المذاهب ويقطع له بصحته ليترك ما بسواه.
النظرية الغربية:
أما المذاهب الحديثة فتقول بغريزة خاصة لدى الإنسان استعان بها على خلق اللغة وفي ذلك اتفاق على ما قاله العرب.
وخلاصة هذا المذهب هي أن اللغة نشأت بفضل غزيرة خاصة كان الإنسان الأول قد زود بها وهي التي حملته على التعبير عن مداركه الحسية والمعنوية بألفاظ خاصة من التاريخ اللغوي ولذلك فقد توحدت المفردات اللغوية الأولى وتشابهت طرائف التعبير وتفاهمت الجماعات.
وإلى هذه النظرية أشار كل من أبي على الفارسي عندما تعرض لقوله تعالى" وعلم آدم الأسماء كلها.." أي أن الله تعالى مكن أدم من التكلم وابن جني:
يقول" إن الله طبع الناس على هذا وهداهم للتواضع عليه وتقريره" وما إلى ذلك ذهب ابن فارس الذي أيد الأخفش في آن اللغة لم توجد جملة واحدة وفي وقت واحد فقال:
" وفق الله أدم على كل ما شاء وأن يعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه"
وإلى هذا يميل ماكس مولر وعلماء فرنسين كثير.
"الأصوات العربية"
الأصوات اللغوية:
اهتم اللغويون العرب بدراية الأصوات ومنذ ذلك عناية إلى استحقاق الحضري (ت 117ه) في كتابه الهمزة وكان لهذا الكتاب صلة بالدراسات القرآنية, أما الخليل الفراهيدي( ت175ه) فقد ألتفت إلى علم الترتيل في القرآن الكريم وعلى أساسيه وضع ترتيبه المخرجي للأصوات في مقدمة, معجمة" العين" وقد استفاد سبويه من أستاذ ووضع دراسة في كتابه بشكل منهجي دقيق عاقداً لأصوات أبوابا وربما يكون ابن جني فيما بعد استفاد من هذين العالمين وعلى العموم فقد درس العرب كل ما يتعلق بالأصوات من تطور واختلاف النجاة بشكل خاص وموضوع الأصوات من تطور و اختلاف النجاة بشكل خاص وموضوع الأصوات وقفوا عنده وقفات طويلة كالفراء( ت 207) في كتابه معاني القرآن الكريم والمبرد( ت 285ه) في كتابة الكامل وابن نجي ( ت 392ه) في كتابه سر صناعة الإعراب والخصائص و ابن منظور( ت 711ه) في كتابة اللسان والسيوطي في كتابه "المزهر " والذي وضع فيه أبحاثا للأصوات والحق يقال أن ابن جني وضع الدراسات الصوتية وقد ساهم بقدر كبير في إنضاج الأصوات وتعميقها ونظر اللغويون في تأليف هذه الأصوات في المفردات فوجدوا أن حروف الخلق مثلا أقل تألف في الكلام فلا يجمع ( ع+خ) أو (ع+ه) أو (ع+ح) ولا يجتمعان معا إلا في النحت مثل حملهة.
من هذه الدراسة انطلق اللغويون في أبحاثهم، وكذلك الحروف المتقاربة المخرج مثل(س,ز) لا تجتمع وهي الحروف الأصلية وكذلك حروف الصغير, ومن الفصاحة أن تكون الكلمة بعيدة المخارج كما اشترط اللغويون من هذا المنطلق وضعوا قاعدة أساسية تقول:" إذا اجتمع صوتان مقربان في المخرج مختلفان في الصفة أثر أحدهما في الآخر"
وذلك أنه يصعب على اللسان أن يحقق صوتين متجاورين مختلفين في الصيغة فإن اجتمع صوتان مختلفان في الصفة كان أولهما ساكنا فلا يزال أحدهما يؤثر في الأخر حتى تتحد صفتهما, أي إذا اجتمع جمهور ومهموس مثل: ذكر
فإذا صغنا من هذا الفعل على الوزن ( افتعل) (يفتعل) فإننا نقول: اذتكَرَ, اذَكَرَ فالتاء تقلب دالاً ثم تدغم الذال بالدال فنقول:
إذَكَرَ ومنه قوله تعالي: " فهل من مدَّكر" وكذلك إذا اجتمع صوت منطق مع صوت منفتح مثل (ضَجَعَ) واضتجع ونحن لا نرفض هذا الفعل على ما هو عليه إنما تقلب التاء طاء (اضطجع).
ومن هذه الدراسة انطلقت اللغويون إلى ظاهرة الإبدال في اللغة فتوسعوا فيها ووضعوا مضنفاتهم العديدة وأهم ما وضع في هذا الكتاب" الإبدال" لأبي الطيب اللغوي (ت 351 ه) تم كتاب ط سر البال في القلب والإبدال" لأحمد فاس الشياق (ق 18 ق 20م).
علم الاجتماع اللساني:
لما كانت اللغة ظاهرة اجتماعية وتؤدي وظيفة اجتماعية فليس هناك فرق بين اللسانيات وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان) الاجتماعية وان واضع علم الاجتماع على هذا الأساس مع اللسان بوصف ظاهرة اجتماعية تشكل علو اللسان الاجتماعي الذي يبحث في الموضوعات الآتية (اللهجات، اللهجات الفردية علاقة اللغة بالجنس علاقة اللغة بالتباين الاجتماعي الكلام المحظور).
اللهجات: إن المجموعة البشرية التي تنتمي إلى رقعة سياسية واحدة وحضارة معينة عادة ما تستعمل أنماطا مختلفة من اللهجات المتفرغة عند اللغة الأم مثال ذلك المجتمعات العربية التي تعيش فيها اللغة إلى اللهجات العامية وهي وإن كانت تستمد مادتها من اللغة الأم إلا أنها بسبب التباعد الجغرافي حينا وتباعد الانتماء السياسي حينا آخر فضلا عن التبعية الاقتصاد فقد اختلفت اللهجات.
ونحن إذا ألدنا على هذا التفارق اللهجي وأعتمد ناه بشكل رسمي فإننا نعمل على تثبيت الاختلاف والفرقة.
وكذلك أحال بالنسبة للغات الأوربية التي تفرعت وتعددت لهاجاتها ونضرب على سبيل المثال بالغة الإنجليزية فاللغة البريطانيين وأن كانت لغة الأمريكيين إلا أنها أصبحت تختلف عنها وأن تعدد اللهجات وثباتها قد يؤدي القطيعة والانفصال عند اللغة المشتركة حينما تغيب الروابط السياسية والاجتماعية والدينية وعندما تنعدم وسائل الاتصال الجماهيري لضعف اللغة الموحدة واللغات الأوربية كانت لهاجاتها تفرعت عن اللغة اللاتينية الأم ونعني بها الإيطالية والإسبانية واليونانية والفرنسية.
اللهجات الفردية:
ونعني بها الطابع الفردي أثناء الإنتاج الفعلي للكلام إذا أن لكل شخص خصائصه اللغوية كاللهجة الصوتية والعادات اللغوية التي تطهر أثناء عملية التلفظ الشعور بالانتماء اللهجي.
علاقة اللغة بالجنس:
كل جنس له لغته الخاصة (المرأة – الرجل).
علاقة اللغة بالتباين الاجتماعي الطبقي
الكلام المحظور:
وفق القواعد الاجتماعية المتعلقة بالآداب العامة أو تلك الألفاظ التي يعمل الإنسان على تهذيبها كالمرض والموت قضاء الحاجة.
علم النفس اللساني:
وهو علم يدرس الظواهر النفسية بكل أبعادها وحينما يتناول اللغة بوصفها ظاهرة نفسية تتقاطع منهجيا مع اللسانيات فيشكل هدا التقاطع منوا لآمركبا اسمه علم النفس اللساني.
ويرى البعض أن الإرهاصات الأولى لهذا العلم تكونت في رجاب المدرسة الإنجليزية التي يمثلوها البريطانيون ثم في ألمانيا وقد أسس مخبر لعلم النفس 1879 ثم نشط الأمريكيون حيث استكملوا هذا البحث وأعطوه استقلالية وقد اتضح ذلك في نشرته مجلة علم النفس الأمريكية التي أصدرت عام 1930عددا خاصا في هذا المجال عالجت فيه المشكلات المختلفة لعلم النفس اللساني في ظل ثنائية (لسان-كلام).
ثم ظهرت ذلك علم نفس السلوكي الذي أسسه واطسون سنة1921م وكان يرى أن السلوك الإنساني ما هو إلا سلوك ديناميكي....
وأن العقل ليس موضوعا مناسبا للدراسة النفسية و اقترح بدلا من ذلك دراسة سلوك ظاهري , وجاءت بعد ذلك جودت جرجسن " التي كانت ترى أن علماء النفس الدين درسوا اللغة قد تأثروا بمؤثرين أساسين هما:
نظرية التعلم ونظرية الاتصال التي تبحث في عملية الاتصال بصفة عامة وعلمية الاتصال اللغوي بخاصة وهي تنطلق من حقيقة مؤداها أن اللغة الطبيعة تتطلب من مستخدمها داية وخبرة تمكنهم من التحكم في أي جانب من جوانب الرسالة الكلامية.
أما تشو مسكي الذي ظهرت على يديه النظرية التوليدية التحويلية فكان يري أن عمل الطفل نشأ على خصائص فطرية، أو يمكن أنه نبغ بالملكة اللغوية الفطرية التي تجعله قادراً على التعلم أي تعلم أي تعلم أي لغة إنسانية ومن هاهنا له استعداد فطري، لأنه يكون قواعد لغته من خلال الكلام الذي يسمعه بصورة إبداعية.
الجغرافيا اللسانية:
لا يختلف اثنان حول أهمية العامل الجغرافي وماله من أهمية في اختلاف اللهجات وتباين الأصوات وتعدد المصطلحات فلكل إقليم خصائصه التي يمتاز بها عن غيره من الأقاليم وقد تنبه العرب قدينا لأهمية هذا العصر وأوله اهتماما خاصا فأسسوا تحرياتهم اللغوية على هذا العامل وكانوا يحددون رقع الفصاحة تحديداً جغرافيا ويندرج هذا الإجراء في إطار ما يسمي حديثا عند دي سوسور بالبحث في اللسانيات الخارجية وهذا يعني العرب هم السابقون إلى التنبيه إلى هذه الظاهرة العلمية كونه دي سوسير اطلع عليها أو لم يطلع عليها فهدا أمر يعنيه هو يقول " أن من يباشر علاقة الظاهرة اللسانية بمكان الخروج يمكن المجال اللسانيات الداخلية ويدخل في مجال اللسانيات الخارجية"
ويصف قائلاً لئن كانت الاختلافات اللغوية الناجمة عن مكان غالبا ما تغيب عن الملاحظة فإن الاختلافات اللغوية بين مكان وآخر تبرز مباشرة للعيان"
إن هذه المقارنة بالذات هي التي تجعل شعبا من الشعوب يتفطن إلى أثر له لسانا خاصا به.
أثر دي سوسير في اللسانيات الحديثة:
لقد تبين لنا من خلال الدراسات أن الأوربيين في القرن التاسع عشر كانت نظرتهم نظرة تطورية فلسفية إلى أن جاء فرد ينان دي سوسير.
الذي لم يستهين بالدراسة الزمانية أي التاريخية إلا أنه أهتم أكثر بالدراسة الوصفية لنظام اللغة وقال: بأنها أهم بكثير بل لها الأسبقية على النظرة الأخرى وبين هذا العالم اللساني التميز الفاصل بين نوعين من الدراسة: الزمانية والآنية وقام بين محاولة منه لإصلاح الآراء الخاطئة التي أضلت أكثر اللغويين الغربيين منذ أن أفتنوا بمفهوم التطور كمفهوم إجرائي في تحليل الظواهر وقابلوا المعيارية النحوية أو المنطقية العميقة فأداهم ذلك أن نفوا صفة العلم عن كل تحليل يختص بوضع اللغة في زمان معين....
وللفت انتباهكم هاهنا إلا أن دي سوسير لا ينكر أهمية دراسة التطور التاريخي وإنما الذي ينكره هو أن تغلب النظرة التاريخية على النظرة التي تعتمد إلى نظام اللغة في حالة من تطورها أو المقصودة بها الدراسة الدياكرونية diachronique مكونة من dia بمعنى عبر chronique
بمعنى زمن.
وتختلف الباحث بالنظرة الآنية بمعني أنه يهتم بدراسة اللغة في حالة الأولى من القرن العشرين هو عصر البنية أي الدراسة الوصفية للبنية.
وهو ما يسمي synchronique مكون من syn بمعني في chronique بمعني زمن ويعني دراسة اللغة كما تبدو في نقطة معينة كمن الزمن وهذا ما يقابل علم اللغة الوصفي.
في الدراسة الدياكرونية يأخذ اللغوي مثلا مجموعة معينة من النصوص في زمان cicero شيترون.
الذي كان خطيبا وكانت لغته قدوة ومجموعة من النصوص التي كانت في زمن كارل الأكبر فيرى مدى ما أصاب هذه اللغة من تطور فالباحث هنا يزيد أن يعرف المسيرة النحوية التي سارت عليها اللغة حتى صارت على هذا الشكل فهذه القوانين التاريخية التي يخضع لها التحول اللغوي هي المقصودة في اللسانيات الدياكرونية أو الزمانية.
ونلخص إلى أن دي سوسير قسم اللسان إلى فرعين من العلوم وهما علم اللسان ألسكوني وعلم اللسان التطوري إن هذا التقييم ثنائي غير موجود في أكثر العلوم الأخرى فإنه ليس للزمان فيها تأثير خاص فقط لوحظ في علم الفلك أن الكواكب تعتريها تحولات هامة ولكن هذا العلم لو يظهر من أجل ذلك أن ينقسم إلى نوعين من الدراسة.
وكذلك علم الطبقات الأرضية إن استدلالاته تسلط غالبا على ظواهر التعاقب الزماني المتعاقبات: وكنها إذا تعرضت إلى الحالات الثابتة التي تكون عليها الأرض في وقت ما فإنها لا تجعل من ذلك موضوع دراسة منفصلة تاما، ويوجد أيضا علم وصفي للقانون وتاريخ القانون ولكنها لا يتعارضان عند أحد من الناس وكذلك التاريخ السياسي للدول فإنه ييسر كله في داخل الزمان وإذا تعرض مع ذلك المؤرخ لوصف عصر معين فلا أحد منا يعتقد أنه خرج عند ميدان التاريخ أما علم النظم السياسية فهو على عكس ذلك.
علم وصفي في جوهره ولكنه يمكنه أن يعالج في بعض المناسبات مسألة تاريخية دون أن تختل لهذا السبب وحدثه.
أما الاقتصاد السياسي والتاريخ الاقتصادي إنما يشكلان اختصاصيين متميزين بوضوح في علم نفسه والمؤلفات التي ظهرت حديثا حول هذه المواد تزيد هذا التميز حدة وبانتهاجنا هذا المنهج فإنما نذعن ومن غير إدراك ذلك تماما لمشيئة داخلية وهي مشابهة كلية لمشيئة أخرى ترغمنا عن فصل علم اللسان إلى قسمين يخضع كل واحد منها لمبدأ خاص به والسبب في ذلك أننا نواجه هاهنا كما يواجه العلماء في الاقتصاد السياسي, إذا فنحن أمام نفس المفهوم ما يعتبر في علم اللسان مفهوم التقدير هو مفهوم القيمة في علم الاقتصاد ففي كلا العلمين أي علم اللسان والاقتصاد الموضوع هو نظام تكافؤ بين أشياء تختلف أجناسها في أحداهما هو العمل وفي الأخرى هو الدال والمدلول.
ويكون من الأكيد من غير مثل أن تعني أكثر بتوضيح المحاور التي تدور حولها الموضوعات دراستها غير هذا أنه يميز في جميعها حسب الشكل التالي
ج د
ب
1/ محور المتقارنات أ/ب:
وهو يخص النسب القائمة بين الأشياء المتواجدة المتزامنة أي الموجود في زمان واحد ولا دخل لظروف الزمان فيه.
2/محور المتعاقبات (بين ج-د):
الذي لا يمكن أن تعبر فيه الأشياء إلا واحداً رأي منفصلة غير متقاربة غير أنه توجد فيه جميع الأشياء الموجودة في المحور السابق بتحولاتها.
ويعلق الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح على هذه المفاهيم والاعتبارات أنها لم تسلم كجميع النظريات الإنسانية من الانتقادات السلبية والإيجابية إلا أنها أصبحت الآن النظرة الأساسية التي يبين عليها اللسانيات وأصبحت المفاهيم الرئيسية التي تكون جوهرها ومادتها أشياء مسلمة عند جميع اللغويين بل قلما رأينا في تاريخ البشرية نظرية تذيع وتسير بين الناس مثل هذه التي أخر جهاد سوسير يأخذ هذا منها ويرد يرفضها البعض ثم يرجع إليها نادماً خاشعاً حتى البقية من التاريخيين المعاصرين وهذا يرجع لعدة أسباب:
السبب الأول: هو أن نظريته تمس ذات اللغة أوضاعها.
السبب الثاني: حيث قوله كان هو الفصل ولم يبطلها أحد إبطالا لاكبا أو يأتي بنظرية مخالفة وأصح منها وكل من حاول أن ينقصها فإنما اكتفى بنقص جزئياتها أو عنصر واحد من عناصرها أو تعرض لبعض أقواله الجازمة فقصد فيها كيفية إطلاقه للقول لا صميم القول.
السبب الثالث: هو موافقتها لما كان ينتظره الجيل الجديد من الباحثين في بداية القرن العشرين واعتماد هذا الجيل حتى الآن على أهم ما قاله سوسير.
السبب الرابع: هو عدم مناقصة العلوم الأخرى لهذه النظريات بل بالعكس أيدتها وأسندتها بتبنيها إليها أو باقتباسها لبعض مفاهيمها أو بمجرد توافق جهات الاعتبار بينها وبين أراء دي سويسر (وهذا راجع إلى ظاهرة توارد المعاني والمقاصد في الدخل المجتمع الواحد)
ولا تزال أفكار هذا اللغوي تغذي إلى يومنا هذا أقوال الفلاسفة والأدباء وعلماء الاجتماع وغيرهم على مستوى دول العالم" .
وهذا لا يعني أن هذه النظرية السوسيرية قرأنا منزلاً لا يمكن أن تنقد وغنما النظرية الحقة لا يمكن أن تبطل كلها مثل النظرية النسبية لأنستاين رغم ما نلق من دور في دفع البحوث العلمية إلا أنها وجدت من بين النقص فيها بدون أن ترفضها كلية فكذلك الأمر هاهن إذا قلنا إن نظرية سوسير أنها نهاية البحث في مجال علم اللسان لقد حكمنا على الدراسات اللسانية بالموت والاضمحلال وعلى البحوث العلمية كلها بالتوقف لما لها من علاقة بعلم اللسان.
ولا يمكن أن تكون نظرية علمية إلا إذا اعتمدت على استدلال عقلي قوي وصياغة دقيقة لحججها ومسالك تفريعها هذا مع ارتباط مفاهيمها فيما بينها ارتباطا وثيقا وإسناد الواقع لأكبر اعتباراتها وتخميناتها ونظرية دي سوسير علمية بحق لاعتمادها على الاستدلال العقلي القوي....
إلا انه يؤخذ عليها أنها غير كافية لتفسير وتعليل ظاهرة التبليغ اللغوي في التكلم فلا يمكن أن نكشف عن ديناميتها الباطنية أي كيفية حصولها من القوة إلى الفعل أو بعبارة أخرى كيفية استعمال المتخاطبين لها أثناء إرسال الخطاب واستقباله ولم يتنبه سوسير والبنيويون الذين جاءوا من بعد إلى هذا المظهر الهام.
والذي منحهم من ذلك هو اعتقادهم بأن كل ما خرج عنه بنية الألفاظ المفردة ونظامها فهو راجع إلى الفرد فالجملة مثلا بما أنها تركيب لوحدات اللغة يقوم به الفرد فليست عندهم لسانية أي وضعية بل "كلامية" أي من جنس الفعال الفردية لا من جنس المقدرات اللغوية.
ولذلك قال دي سوسير بأن اللغة تنحصر كلها في إصلاح التخاطب فهي بذلك أثر يسجله الأفراد في ذاكرتهم بكيفية سلبية وهذه عثرته حسب ما يرغم تشومسكي وهو ما يراه أيضا عالم اللسانيات الجزائرية عند الرحمان الحاج صالح وقال: " وقد تنبه إلى ذلك لغويونا قديما وأجروا عليه أبحاثهم لكن المتأخرين لم يعبروا انتباها لتراثهم لاستغلاقه عليهم واختلفوا في هل" وضع الواضع المفردات والمركبات الإسنادية.... أو المفردات خاصة دون المركبات"
وأثني على جهود النجاة الذين اهتدوا إلى وجه منهم وذكر: ابن إيار .
في شرح الفصول في قول ابن عبد المعطي " الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع", هو ما ذهب إليه النحو الغربي أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي( ت: بين 606-607) وله مقدمة المسماة بالقانون شرحها الشلوبيين فإنه ممن أدرك جيداً مقاصد المتقدمين وورد في مقدمة الأجرومية" الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع" وكثير ما يرد النجاة هذا العقول ولم يتعمقوا في مدلولة ولم يدركوا أهمية بالنسبة للبحوث الحديثة.
أولا: اللسان والكلام والوضع والاستعمال
1/ اللسان أو الوضع: إن أول من ميز من الغربيين بين مفهومين هو دي سوسير وقد رأينا فيما سبق أن اللسان ضع من الأوضاع التبلغية والمقصودة بالوضع هنا هو النظام المنسجم من الأدلة الصوتية أدوات المعاني فمثلا لا يمكن أن نقول اللسان العربي أحدثه فلان وغن كانت اللغات مصطنعة من اختراع الفرد الواحد لأن اللسان هو راجع إلى الجماعة الناطقين وليس من عمل الفرد الواحد فلهذا قيل عند أنه ظاهرة اجتماعية.
لأن اللغة التي يتكلم بها الإنسان يوميا وورثها عن السلف ليست من إنتاجية وليست ملكا للفرد الواحد ولا يمكن للفرد الواحد أن يتدخل فيها وهي من الأنظمة الاجتماعية الأخرى (الزواج الطلاق، النظام الاقتصادي,.....) التي هي سابقة للفرد وباقية بعده فهو ورثها من الوسط ولا يمكن له أن يقول أن هذه اللغة ستموت معي.
سبب الوضع وحده :
أ/ أما سبب: فيدفعنا إلى السؤال ما هو سبب الوضع؟
والجواب عن هذا السؤال نجده عند الإمام فخر الدين وأتباعه: السبب في الوضع الألفاظ أن الإنسان الواحد وحده لا يستقبل بجميع حاجاته بل لابد من التعاون ولا تعاون إلا بالتعارف إلا بأسباب كحركات أو إشارات أو نقوش أو ألفاظ توضع بإزاء المقاصد أو سيرها وأفيدها وأعمها الألفاظ أما أنها أيسر فلان الحروف كيفيان تعرض الأصوات عارضة للهواء الخارج بالتنفس الضروري الممدود من قبل الطبيعة دون تكلف اختياري أما أنها أقيد فلأنها أعمها فليس يمكن أن يكون لكل شيء نقش كذات الله تعالى والعلوم أو إليه إشارة كالغائبات ويمكن أن يكون لكل شيء لفظ فكلما كانت الألفاظ أيسر وأفيد وأعم صارت موضوعة بإزاء المعاني .
ونشير هنا إلى أن علماء القدماء قد اهتموا اهتماما كبير بمشكلة اللفظ والمعنى وخاصة علماء أصول الفقه إذا كان أول من انشغل بمشكلة اللفظ والمعني تاريخياً وذلك لارتباط المعني بالحكم واللفظ الفقهي الذي يراد فهمه أولا ثم تطبيقه ثانياً إذا أن الحكم في عامة أمره لا يخاطب الوجدان وإنما يخاطب العقل الذي هو مناط التفكير ووسيلة الفهم إلى الدراسة الدالة أو المعنى وهنا نجد أن المقدمة اللغوية في كتب علماء أصول الفقه هي المكان المناسب الذي نبحث فيه عند دراسة علماء العربية للدلالة وهي دراسة لغوية خالصة تلم ببعض علم الدلالة عند المحدثين وأن اختلف المنهج والهدف.
ونجد أيضا عند علماء اللغة القدماء يتطرقون إلى البحث في التوليد والموالد أو المعرب أو النحت بأنواعه وكلها طق تنمو بها الثروة اللفظية وتتغير معاني الكلمات وهي دراسة تدخل ضمن الدراسة الدلالية والمعجمية .
اختلاف العلماء في مسألة وضع المركبات:
اختلف علماء اللسان العرب حول وضع المركبات إلى رأين ينتهي إلى ترجيح الوضع وإن اختلفوا في الوصول إلى النتيجة.
ثانيا: اللغة والفكر:
يجب أن نفرق بين الفكر واللسان وما يرجع لكل منها فإذا كان اليونان متعلقين بالبحث بين العلاقة التي تربط الفكر باللغة مما أوقعهم في أخطاء فاحشة وهذا نتيجة مزحهم دراسة الظواهر اللغوية بالنشاط الفكري مما جرأ كثير من الباحثين المحدثين في ميدان اللغة أن يردوا عليهم محتجين بأن الباحث لا يستطيع أن يعرف ما يحدث في ذهنه فكيف يرد الظواهر اللغوية الفكري مثل أي نشاط يقع في ذات الإنسان وبالتالي ليس مرئيا, ولا يمكن أن تصل إليه الإنسان بالاستبطان لأن هذه الطريقة غير علمية وكما يقول العلماء: العين لا يمكن أن ترى نفسها فالإنسان لا يمكن أن يتأمل نفسه فإذا فعل ذلك فإنه سيحكم بأحكام غير مرضية.
أما أفعال الإنسان وسلوكه فالنظر فيها متبسر دون واسطة فمجموعة الأفعال المتواصلة إذا قارنا بينها قد تبرر لنا النوايا وهذا ما يتم في الطلب النفسي وفي معالجة المجانين لأن الأفعال الخفية للمجانين تدل على نواياهم.
كان اليونان يظنون أن كل ما يقع من عمل في الرهن ( الفكر) فلابد أن يتراء في اللغة ولأن اللغة عندهم عبارة عن ترجمة وافية صادقة لكل هذه العمليات الذهنية وهذا غير صحيح لأن ليس هناك تواز مطلق بين عمليات الفكر وبين العمليات التي يحدثها الكلام.
وما نصل إليه بكل اختصار في قضية الفكر واللغة هي أن العلاقة بين الفكر واللغة أمر لا اختلاف عليه ولكن في إمكان أن يتم الفكر أولا بعملية عقلية صامتة كل ما فيها انتباه يوجه إلى هذا الشيء أو ذاك وبعد يأتي الرمز اللغوي فيجسد الفكر في لفظ يمكن نقله وتداوله.
وقديما قال الشاعر :
إن الكلام لفي الفؤاد وقد جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
وهذا ما قاله أحد الباحثين إن اللغة ما هي إلا تعبير اللفظي عند الفكر وأنها وسيلة إنسانية خالصة أو غير غريزية إطلاقا لتوصيل الأفكار والانفعالات والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إدارية.
ثالثا: الدال والمدلول والدلالة
مصطلحات لسانية تقابل"signifiant " signifie" «sémantique «في اللغات الأوربية هي المصطلحات متداولة في الدراسات العربية ومصدرها أورد عبد القاهر الجرجاني (ت 471/1078) في دلائل الإعجاز استعمالها قال " فإذا وجب لمعنى أن يكون أولا في النفس وجب اللفظ الدال عليه أن يكون مثله أولا في النطق...." وقال " وأنك إذا فرغت من ترتيب المعاني نفسك لم تحتج إلى أن كمستأنف فكراً في ترتيب الألفاظ بل تجدها تترتب ذلك بحكم أنها خدم للمعاني وتابعة لها ولاحقة بها وأن العلم بمواقع المعاني في النفس علم بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق .
واستعمل مصطلح( الدلالة ) sémantique : فقال وإذا كان هذا كذلك فينبغي أن ينظر إلى الكلمان قبل دخولها في التأليف وقبل أن تصير إلى صورة التي بها يكون الكلم إخبارا وأمرا ونهيا و استخبار وتعجبا وتؤدي في الجملة معنى من المعاني التي لا سبيل إلى إفادتها إلا بضم كلمة إلى كلمة وبناء لفظة على لفظة هل يتصور أن يكون بين اللفظين تفاصيل في الدلالة حتى تكون هذه أدل على معناها الذي وضعت من صاحبتها على ما هي موسومة به حتى يقال إن رجلا أدل على معناه من فرس على ما سمى به وحتى يتصور في الاسمين الموضوعين لشيء واحد أن يكون هذا أحسن نبأ عند وأبين كشف عن صورته من الأخر .
واستعمالها في الحقل المذكور مطابق لاستعمال اليوم وتعدى تداولها بينة اللغويين إلى الفلاسفة جاء في كتاب ابن سينا (ت: 428/1037) جمع للمصطلحات المذكورة:" وأما دلالة في النفس على الأمور فدلالة طبيعة لا تختلف لا الدال ولا المدلول عليه، كما في الدالة بين اللفظ والأثر النفساني فإن المدلول عليه وإن كان غير مختلف فإن الدال مختلف ولاكما في الدلالة التي بين اللفظ والكتابة فإن الدلالة التي بين اللفظ والكتابة فإن الدال والمدلول عليه جميعا يختلفان"
بعد أن علمنا أن هذه المصطلحات كانت من استعمال في نفس الميدان والاستعمال اليوم ولوجد الباحثون في تراثهم بحثاً واستقصاء لوجدوا تراثهم اللغوي عينا بالمفاهيم اللسانية.
وخلاصة القول إن مفهوم الاقتصاد عند عالم اللسانيات د/ عبد الرحمن الحاج صالح أساس القوانين التي بني عليها الاستعمال اللغوي هما هذا أن المبدآن المتدافعان: الاقتصاد في المجهود العضلي والذاكري الذي يحتاج إليه المرسل والبيان الذي يحتاج إليه المرسل إليه .
قائمة المصادر والمراجع
01 القرآن الكريم
02 شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب الابن هشام الأنصاري، دار الطلائع
03 نشأة النحو وتريخ أشهر النحاة الشيخ محمد طنطاوي، دار المعارف مصر الطبعة الثانية
04 المدارس النحوية الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف مصر الطبعة السابعة
05 ابن هشام النحوي عصره بيئته فكره مؤلفاته منهجه ومكانته في النحو، سامي عوض، دار طلاس، دمشق الطبعة الأولى سنة 1987 م
06 ابن هشام وأثره في النحو العربي الدكتور يوسف الضبع، دار الحديث، الطبعة الأولى سنة 1418ه
07 مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري
08 تطور الآراء النحوية عند ابن هشام الأنصاري، حسن موسى الشاعر، دار البشير، طبعة الأولى سنة 1445ه
09 بغية الوعاة للإمام السيوطي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى الحلبي، الطبعة الأولى
10 الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد سيد جاد الحق.