الأسلوب ابن التاريخ، يتطور مع تطور التاريخ وحيويته، فلكل تاريخ أساليبه التي ترسم ملامحه الإبداعية، غير أن واحداً من هذه الأساليب يتجاوز التاريخ بعمق وثراء صياغته لنصوصه.
كتاب (الفصول والغايات) لأبي العلاء المعري، أحد هذه النصوص التي تجاوزت التاريخ الى الحاضر، ومن هنا، الى المستقبل فالإبداع نهر يتدفق، والمبدعون حاضرون أبداً في مسيرته الجمالية.
تهدف الدراسة الى الكشف عن القدرات الإبداعية لدى أبي العلاء المعري، التي أنتجت الفصول والغايات، والوقوف على ملامح أسلوبه المتفرد الذي جعل منه أحد مراجع (قصيدة النثر) العربية.
منهج الدراسة هو البحث في الأسس الموضوعية للنص، بغية إدراك الموضوعية في إطار رؤية عقلانية أدبية جمالية، تكشف عن تميز النص (الفصول والغايات)، ليس بوصفه كلاماً يبلغ فكرة ما، وإنما بوصفه نصاً يؤدي تأثيراً فنياً في المتلقي الذي أعتنى به المعري كثيراً.. من خلال (اللغة) التي امتلك المعري ناصيتها بكفاءة نادرة.
وكذلك تهدف الدراسة الى تحليل (غايات) أبي العلاء المعري للكشف عن الكامن فيها من جمال وتأثير في المتلقي، والطرق التي قام عليها النص، وكذلك الكشف عن القيم التعبيرية، من خلال وصف النص وسياق قدرته على نقل العواطف والمشاعر والقيم الأخلاقية والدينية، التي جعلت من الكتاب متميزاً عبر التاريخ.
ومن الجدير بالذكر أن الكتاب كان مفقوداً الى زمن قريب من بدايات القرن الماضي، حتى عثر عليه الشيخ محمود حسن زناتي، بتوجيه من الأستاذ (أحمد حسن الزيات)، فقصد (دار الكتب المصرية) ليرى الكتاب في (الخزانة التيمورية) في دار الكتب، فتفرغ من يومها لتحقيق الكتاب والاعتناء بطبعه ليخرجه للناس في 3/ يناير عام 1938م. ([1])
وكان قد ذكره الأستاذ عبد العزيز الميمني الراجكوتي الأستاذ بجامعة عليكره بالهند في كتابه الشامل أبي العلاء المعري في باب تأليف أبي العلاء، تحت التسلسل (57)، واستعرض موقف الناس منه بين المادح والقادح. ([2])
الغاية والرجع:
يتميز أسلوب (أبو العلاء المعري) في الفصول والغايات عن النثر العربي شكلاً بإيقاعه الشعري، فهو لا ينتمي الى أي نمط من أنماط النثر العربي، فلغته متميزة، وشكله متميز في صياغة الفكرة، بجمله القصيرة والعميقة المعنى، وبإيقاعها الشعري.
الغاية والرجع في نصوصه لها حضور متميز، جديد، خاص بأبي العلاء، إنها تحديد الموقف في النص داخل النص، فموضوع النص(غاية) ممزوجة بإيقاع خاص يحدده حرف معين من حروف اللغة العربية، وهو هدف متجدد دائماً، ينتهي عند نقطة معينة يرجع الى موضوع آخر يواصل فيه الإبداع، وهكذا فالكتابة عند أبي العلاء هي جدل دائم بين(غاية) و(رجع)، والرجع هو عودة لمواصلة الإبداع في جديدة، وبذلك يرتقي النص في (الفصول والغايات) لتحقيق أهدافه التواصلية والإبداعية، ففي البعد التواصلي، يحدد أبو العلاء ماذا يريد من النص، مؤكداً شخصيته العبقرية الفذة في علوم عصره كافة، وتمكنه من اللغة التي اضطر الى أن يشرح مفردات نصوصه لتحقيق تواصلاً أكثر كفاءة مع متلقيه من المستمعين أو القراء..
أما على صعيد الإبداعي، فإن كتاب (الفصول والغايات) عملاً إبداعيا بكل ما تعنيه الكلمة، من حيث امتلاؤه بالإيقاع الذي جعله نموذجا رائداً لما يعرف اليوم بـ(قصيدة النثر)، وبذلك يكون أبو العلاء، قد أنجز أسلوبه المتميز في الفصول والغايات فكان خطابه شاهداً على تفرد نظامه الأدبي وكفاءة عمله الجمالي، ذلك أن اللغة عنده تجاوزت كونها أداة يكتب بها أفكاره كأنها شواخص ثابتة، لقد تغيرت اللغة عند أبي العلاء بفعل اللغة ذاتها.. لقد عاشر أبو العلاء اللغة معاشرة المبدع، فأنتجت طاقاتها الإبداعية الكامنة حين نظر بها الى الوجود بعناصره المتعددة نظرة المبدع الخلاق.
ومن الجدير بالذكر إن أول من عد كتاب الفصول والغايات شكلاً من أشكال (الشعر المنثور) حسب علمي من المصادر التي تقصيتها هو الأستاذ محمد الشريفي في بحثه الموسوم بـ (أسلوب المعري ومنهاجه) ضمن فعاليات (المهرجان الألفي للأبي العلاء المعري) الذي أقامه المجمع العلمي العربي في دمشق في 25 أيلول 1944.
لقد غَيرَّ أبو العلاء قواعد اللغة في أسلوبه المتفرد، حين جعل الإيقاع جزءاً من بنية النص النثري، فامتلك بذلك ناصية اللغة، ليبدع نصاً نثرياً مسكوناً بالإبداع.
لقد أكد أبو العلاء المعري أنه قادر على تشكيل اللغة في فضاء الإبداع والخلق، من خلال الحفاظ على دقة قواعدها من جهة، وتفجير طاقاتها الإبداعية من جهة أخرى، ويبدو ذلك من خلال قدراته الفائقة على إحداث التغيرات المتتالية في النص.. إذ ينتقل من تمجيد الله الى تجليات قدرته في الكون.. في إطار الجدل القائم بين (الغاية) و(الرجع).
لقد دلت لغة أبي العلاء على قدرة فائقة في صياغة كيانه الإبداعي، لقد تجاوز لغة عصره، ومن سبقه الى صياغة لغة امتزجت فيها الحكمة بالجمال بشعرية كان أحد ملامحها (الإيقاع الموسيقي) الذي تنتهي عنده (الغاية)، كما في النص الآتي: ــــ
" يقدر ربنا أن يجعل الإنسان ينظر بقدمه، ويسمع الأصوات بيده، وتكون بنانه مجاري دمعه، ويجد الطعم بأذنه، ويشم الروائح بمنكبه، ويمشي الى الغرض على هامته، وانه يقرن بين النِّيّر وسنير، حتى يُريا كفرسي رهان، وينزل الوَعِلَ الرَعِلَ من النَيِّق، ومجاورة السَّوذَنيق/ (الصقر)، حتى يُشَّد فيه الغرض، وتُكرب عليه الأرض، وذلك من القدرة يسير، سبحانك ملك الملوك وعظيم العطاء "غاية".([3])
يشكل أسلوب أبي العلاء خصوصية في الأدب العربي، يتجلى ذلك في كتابه " الفصول والغايات" فهو أثر فني أسلوبي نتج عن وعي المعري برسالته الأدبية التي تجلت في حضور الفلسفة وأثرها في تشكيل الوعي الإسلامي، وفي البعد الجمالي الذي تفرد به في صياغة نص نثري مسكون بالشعر من خلال الإيقاع وتكوينات اللغة الأخرى، البيانية والبديعية والمعاني المتعددة، التي تعد البنية الجمالية لقصيدة النثر كما سنوضحه لاحقاً.
لقد كان أبو العلاء المعري في الفصول والغايات أحد كبار ثوار اللغة ومشعلي قناديل جمالها، ذلك أن ثوره اللغة الجمالية هي الثورة التي ترافق حركة التاريخ دائماً، وهي التي تؤشر ملامح الانقلاب الحضاري كذلك.
الإيقاع في الفصول والغايات:
لقد تجاوز أبو العلاء المعري صيغ التعبير النثري التقليدية، التي لا تجد للمفردة حضورها الخاص إلا في سياق الجملة، في حين كانت مفردات أبو العلاء في تعدد أشكال تجلياتها تكاد أن تسمع صوتها وحدها في برية النص، وحضور المفردة وجمال إيقاعها في النص أحد تجليات جمال "قصيدة النثر".
ولما كان النص الشعري أو النثري هو وحدة الكلمات المتضافرة في بنائها، فإن هذه الوحدة هي الأخرى تعكس إيقاعاً شعرياً، كأنه فرقة موسيقية تعزف لحناً جميلاً ساحراً.
في هذه "الغاية" نموذجا على ذلك: ــــ
" مالَكَ يدان، باجتناء العَيدان، فعليك أيها العَتيل، بالكَتيل، والله يعينك على ما تُريغ (تريد)، فأغسل عِرضك وأنْقِ، وعِش بعد ذلك بصفوٍ أو رَنْقِ، واضطجع إن شئت أو أسلَنْقِ، يا من نامَ، على السَّنام، إن النجم لا يُهاد، في طول السهاد، إن عرتكَ نافضٌ، فإنَّ السِّماك لا يشعر بحُمَّاك، خَف من خِشفِ بَغَم، كما تخاف من هزبر ضغَم، فكل الأنفس مواطن الشرور، في الأرض وقعٌ، وفي السماء نقعٌ، أما الرَّيش فمن قريشٍ والله رائش المناهضين، كم سَدِرٍ وضَالٍّ، بين السِّدر والضَال، وربك هادي المتحيرين، واللباب، أهل الألباب، و لكلِّ حَيوان حِسٌ ولكن الله فضلَّ الناطقين، إذا عَبَرتَ بالعُبرىِّ، فقل إني منك بريُ، فإنه لا يَحفلُ، ولا ينتفل، هل لك في غُمَر، من رِسْلِ القمر، وتلك دعوى المبطلين، كم بَلىَ تحت الكف الخضيب من الأكف المختضبات"."غاية"([4])
لا توجد ثوابت يمكن أن تدرس من خلالها إيقاعات النثر عند أبي العلاء، وهي سمة تمتاز بها قصيدة النثر، إنما فاعلية الإيقاع عنده تتشكل على وفق الدلالات النفسية للغاية، فتتكرر المقاطع القصيرة باعثة السكينة في الروح لتصل الى الانتماء الروحي في المقطع الأخير الذي يحمل جمال الإيقاع.. إيقاع التواصل والتناغم الدلالي عبر تراتيل العبادة وإيقاع التسبيح الذي ينظم العلاقة الجمالية والإيمانية مع الله عز وجلَّ.. وعبر الاستغراق بالدعاء وحضور الروح والعقل.
ثورة الأسلوب:
يعد كتاب الفصول والغايات، ثورة الأسلوبية العربية، التي عالجت قضايا اللغة والأدب بأسلوب جديد.. فقد عبر عن علم المعاني بأسلوب جديد باتت معه الصورة اللفظية وتراكيب اللغة في إطار رؤية جديدة لفن النثر العربي، الأمر الذي حقق ارتقاء بالبيان البلاغي، الذي يعتني برسم الصورة اللفظية ليخرج الكلام الى مستوى غير عادي وغير مألوف. وقد أنجز المعري في الفصول والغايات، أسلوباً جمع بين الدهشة والمتعة والمعرفة والتواصل، من خلال غاياته الأدبية، ورجعه المستمر من الشرح الى الإبداع.
لا تشبه موسيقا نصوصه موسيقا القصيدة التقليدية، إنما هي موسيقا التناغم مع موجات الروح التي تتهادى أو تثور عند شواطئ القلب والعقل.. وبهذه الموسيقا كسر أبو العلاء المعري بنية النثر العربي التقليدية بإيقاعات غاياته في الكتاب.
وتعد كثافة النصوص وقصر الجمل وجمال إيقاعها، فضلاً عن كثافة اللغة، إحدى الميزات الشعرية في الكتاب.. يعزز هذا كثافة الرؤية الشعرية للمعري، فهو مسكون بالشعر وإيقاعاته الجميلة، وقد وظفها بشكل فني جميل في الفصول والغايات. ويمكن توضيح أهم ملامح الشعرية في الفصول والغايات على النحو الآتي ([5]): ــــــ
1ـ تكرار الصوت قصراً وطولاً.
2ـ تكرار اللفظ.
3ـ التوازي.
نصوص أبي العلاء المعري، نصوص لا زمنية، من حيث كونها تبقى حاضرة في حركة الزمن.. بموضوعاتها التي تعالج العلاقة مع الله عز وجلَّ، وآثارها الأخلاقية والإيمانية والعملية، ومن حيث أبعادها العلمية، في حقل اللغة والشعر والنقد، وعمقها الفلسفي.
لقد أثبت المعري أن التشكيل الإيقاعي لا يتحقق بالوزن والقافية فقط، إنما يمكن في طرق أخرى، مثل شعرية الشعر تتحقق بعمليات تشكيلية، فالإيقاع في مفهومه اليوم بعيد عن التقنين والجمود، ويتسم بالحرية والانفتاح والتنوع، فهو يتحقق بتكرار ظواهر صوتية على وفق نسق معين، وعلى مسافات زمنية متساوية، من حصر وتقنين لهذه الظواهر أو لأشكالها الصوتية. ([6])
إن الإيقاع أشد أتساعاً من الوزن، وأخف من صرامته، ولقد خلق أبو العلاء إيقاعه الخاص من خلال التكرار والتوازنات الصوتية وانسيابيها: ــــ
" الأحباء، يفوتهم الحِباء(العطاء)، فما بال السُوَقِ المتباعدين! إن الرَّجُل إرتبأّ، فعلم النبأ، ولم يوقظ النوم الراقدين، فضَلَّ الصاحب وضل الرفيق، وليس الأباء (القصب) أهلاً للإِباء، فألق فيه السِّقط متى شئت يُسمعك ضباضبَ في النار، وإن كان القريبُ، غير مريبٍ. فالسعيد من غنِيَ عن البعيد....." ([7])
وكذلك قام أسلوب المعري متعلقاً بالدلالة والسياق من خلال اعتنائه الأنيق بالتركيبات، على مستوى النحو والصرف كصياغة الجملة من حيث الطول والقصر، والفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، والروابط والعلاقات، والتقديم والتأخير، من خلال غزارة مفرداته المعجمية، التي أعتنى بتوصيلها للمتلقي من خلال فقرة الشرح، الذي وضح فيها المعاني الواردة في كلمات (الغاية) و(الرجع).
تميز أسلوب أبو العلاء المعري بخصائص لغوية تجسد ملامحه الجمالية وتنير قوى الإيمان الروحي، وتعزز العلاقة مع الله والإنسان. ذلك أن وعيه العميق باللغة، وغزارة مفرداتها في ذاكرته الأدبية وحسه الموسيقي مكنته من صياغة نصوص ظلت خالدة في تاريخ الأدب العربي، متفردة في أسلوبها بين نصوص النثر العربي كذلك.
يؤكد أبو العلاء المعري في الفصول والغايات، على حقيقة أسلوبية، هي: إن الأسلوب ليس مفردات اللغة ، إنما هو آلية بناء تلك المفردات في عمارة الجمال.
لقد مثلت خيارات أبي العلاء المعري اللغوية قمة القدرة في بناء أسلوب حقق تفرداً في ساحة النثر العربي، وصار مرجعاً من مراجع قصيدة النثر العربية، وهو ما لم ينتبه إليه الذين أرخوا لمصادرها.
ولقد أهتم المعري بالقافية، أيما اهتمام تصنيفاً ووصفاً.. والسبب في ذلك هو الطبيعة الموسيقية التي تتميز بها القافية، ليس في الشعر وحسب، إنما في النثر أيضاً، وسماها الغاية على رأي الناقد حميد سمير، التي أكثر من استعمالها في الفصول والغايات. ([8])
ومن الجدير بالذكر أن كتاب الفصول والغايات، نص أدبي جديد، ولد من جمال القرآن الكريم في شكله وإيحاءاته، وقد تداخلت فيه المعارف والقيم الأخلاقية وعلوم اللغة وغيرها وتمجيد الله عز وجلَّ.
وتميزت فصوله باعتماد حروف اللغة العربية من الهمزة الى الياء، غير أن ما وصلنا عدد من الحروف، شكلت الجزء الأول من الكتاب، وما وصلنا يعكس وعياً عميقاً بطبيعة الحرف وأهميته الصوتية والدلالية والجمالية، لاسيما وأن عصر أبي العلاء شهد اهتماماً كبيراً بدراسة الحروف، فظهرت كتب لأئمة اللغة، مثل الرماني والزجاجي والزجاج وأبن جني وغيرهم تناولوا الحروف تحت عنوان (معاني الحروف). لتشكل جانباً مهماً من عطاء علماء الأمة في جمال اللغة العربية وفلسفتها وموسيقاها. وقد تجسد هذا الاهتمام بالحروف عند أبي العلاء في بناء فصول كتابه على حرف واحد لكل فصل: ــــ
الهمزة: " الموت أعظم الحدث، والجدَث لا يأنس بالجدث، أما العالم فمحدَث، وربنا القديم المورَّث، الوابُل بقدرته والدَّث، ليس بسواه متشبَّث، ولا للمَلِك غيره لَبَث، رُب جسد كالنبَّث، ما صنع التراب بالجثث، فعل بها فعل المجتث، لا يفرق بين السبط والكَث، أستوى المذكر المؤنث، الحقت المنون جديداً برَث، فأنْأَ عن القبيح والرفث، وسبح في النهار والمكث (حين اختلاط الظلام)، ما أنشأك ربك لِعَبث، بل اجتباك بالكرم أحسن اجتباء. "غاية".([9])
حرف الباء: " سبِّح لله ومجدِّه، وعظَّم الخالقَ وحمدَه، طائرٌ لا يحفل بزينبَ والرباب. غاية “. ([10])
حرف التاء: " الله قديم القدماء، رأى ما يحدُث في هَرَم الدهر والزمان في شرخ شبيبته، أيام نعامُ الكواكب وضائعُ في الأدحىِّ (منازل القمر)، نسورها فراخ في الوكر، وأسَدُها شبلٌ في الغابة، وناقتها في المَثبِرِ حائل، إن كان ذلك فقد علمه، وإن امتنع فالله مؤقت الميقات." غاية". ([11])
حرف الثاء: " كلما أفنى سنةً عمرٌ، إزداد سنة ً غَمرٌ، كنت وانا طفلُ غِرٌّ، أ حسب أنني أبِرُّ، فإذا أنا بالشر مُضِرُ، أدرَبُ به واستمر، إني لوَثواثٌ في العمل، ولست في الطمع بوثواثِ " غاية". ([12])
وهكذا يستمر المعري مع بقية حروف اللغة.
الخاتمة:
يولّد كتاب الفصول والغايات انطباعات جميلة في النفس الإنسانية، تظل ساكنة القلب والعقل والذائقة الجمالية من خلال كفاءة المصادر التي شكلت الطاقات التعبيرية عند أبي العلاء المعري، مثل مزاجه الثقافي الحيوي وثقافته العميقة، وطبعه الحزين الذي نتج عن فقدانه البعد، وكذلك من خلال هدفه من الكتاب الذي تجلى في تمجيد الله عز وجلّ، وصياغة المواعظ التي تعبر عن عظمة الخالق، وجمال مخلوقاته، وكذلك من خلال أسلوبه الذي اعتمد الإيقاع الشعري في صياغة نثر جميل وحكيم.
فالكتاب كما يقول الأستاذ طه حسين، لا يتصل بنثر عصره إلا بصلة واحدة هي السجع الملتزم. ([13]) ليتجاوزه الى العصور اللاحقة.
لقد حرث أبو العلاء المعري أرض اللغة بمحراث الإبداع وبذر بذور الجمال، فأزهرت حقول النص بورد الحرية.
الهوامش:
[1]) الفصول والغايات، في تمجيد الله والمواعظ، أبو العلاء المعري، تحقيق: محمود حسن زناتي، الموسوعات العالمية، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1938، ص أ ـ ز.
[2]) أبو العلاء وما إلية، يليه رسالة الملائكة، ابرزها وصححها وشرحها عبد العزيز الميمني الراجكوتي الأثري الهندي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت –لبنان. ط/1 – 2002م – 1424ه ص204
[3]) الفصول والغايات، مصدر سابق، ص31.
[4]) الفصول والغايات، مصدر سابق، ص166.
[5]) في شعرية قصيدة النثر، عبد الله شريف، منشورات اتحاد كتاب العرب، ط/1، 2003م، ص17.
[6]) في شعرية قصيدة النثر، المصدر نفسه، ص46.
[7]) الفصول والغايات، مصدر سابق، ص306.
[8]) النص وتفاعل المتلقي في الخطاب الأدبي عند المعري، حميد سمير، اتحاد الكتاب العرب، دمشق ، سوريا، ط/1، 2005م، ص126.
[9]) الفصول والغايات، المصدر السابق، ص6.
[10]) الفصول والغايات، مصدر سابق، ص318.
[11]) المصدر نفسه، ص93.
[12]) المصدر نفسه، ص223.
[13]) تجديد ذكرى أبي العلاء، طه حسين، دار هنداوي، القاهرة ـــ مصر، ط/2، 2014م، ص201.
المصادر:
1ـ أبو العلاء وما إليه، يليه رسالة الملائكة، أبرزها وصححها وشرحها عبد العزيز الميمني الراجكوتي الأثري الهندي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية – بيروت –لبنان، ط/1 1938.
2ـ الفصول والغايات، في تمجيد الله والمواعظ، أبو العلاء المعري، تحقيق: محمود حسن زناتي، الموسوعات العالمية، بيروت ـ لبنان، ط/1، 1938.
3ـ في شعرية قصيدة النثر، عبد الله شريق، منشورات اتحاد كتاب العرب، ط/1، 2003م.
4ـ تجديد ذكرى أبي العلاء، طه حسين، دار هنداوي، القاهرة ـــ مصر، ط/2، 2014م.
5ـ النص وتفاعل المتلقي في الخطاب الأدبي عند المعري، حميد سمير، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، ط/1 2005 م.