كثيراً ما نرى من حولنا ، أو نسمع من أقراننا ، أن فلانة ولدت طفلاً مشوهاً ، وأن الطبيب قال لها أن هناك احتمال لتكرر هذا التشوه أو المرض في الأولاد القادمين ... ثم نسمع ومن العامة أيضاً ، أن السبب كان بسبب تقارب الزوجين ... فهل هذا صحيح ؟... وما هي هذه الأمراض التي تسمى بالوراثية ؟ ... كيف تنتقل من جيل الى آخر ؟... وكيف يتم كشفها وتشخيصها مبكراً ؟... وهل الوقاية من حدوثها ممكنة؟
ما الأمراض الوراثية؟

الأمراض الوراثية : هي مجموعة كبيرة من الامراض ، تحدث نتيجة خلل في واحدة أو أكثر من المورثات Genes ، المحمولة على الصبغيات Chromosomes ، هذه الصبغيات الموجودة ضمن نواة كل خلية من خلايا جسمنا. هذه المورثات هي المسؤولة وبآلية شديدة التعقيد ، عن نقل الصفات الوراثية من جيل الى آخر ، وكذلك نقل الصفات الوراثية الأدق داخل العائلة الواحدة .
ولذلك فان أي خلل في هذه المورثات وبأي سبب كان ( وهو غير معروف ، وما أظنه سيعرف يوماً ) سيؤدي الى تشوه في عضو أو جزء من عضو أو خلل في وظيفة ذلك العضو أو الجزء من العضو.

أما التشوهات الخلقية : هي تخلق غير طبيعي لعضو أو جزء من عضو ، مما يؤدي الى خلل في وظيفة ذلك العضو أو الجزء من العضو ، والسبب إما أن يكون وراثياً أو بسبب آخر غير وراثي : كاصابة الام الحامل ببعض الامراض أثتاء الحمل ، أو تعرضها الى للأشعة ، أو تناولها لبعض الأدوية .
أن معارفنا بهذه الأمراض الوراثية وطرق تشخيصها قد تطور كثيرا في العقود الأخيرةً ، فمانعرفه اليوم يعد أفضل بكثير من معرفة من سبقنا من الأجيال ، لكنه قطعا سيكون قليلاً اذا ما قورن بما سيعرفه من سيأتي من بعدنا ، وهكذا هي المعارف البشرية كلها ، كل جيل يزيح اللثام عن علم أو جزء من علم من ملكوت الله وعلمه ، هذا العلم البشري والتقدم المعرفي والتطور الانساني سيبقى ومهما بلغ ، أقل بكثير من نقطة في بحر علم الله سبحانه وتعالى ، وهكذا الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ... سبحانه.


ماذا نعني بالاستشارة الوراثية؟

هي استشارة طبية عند طبيب اختصاصي بالأمراض الوراثية ، وذلك للإجابة على السؤال التالي : ما هي احتمالات أن ألد طفلاً مشوهاً( أي يحمل تشوهاً خلقياً Malformation ) ، أو طفلاً يحمل مرضاً وراثياً خطيراً أو مقعداً.
الغاية اذن من الاستشارة الوراثية : هي تحديد نسبة ولادة طفل مشوه أويحمل مرضا وراثياً مقعداً ، تجعل من هذا الجنين بعد ولادته عالة على نفسه وأهله ومجتمعه ، ثم التشخيص المبكر وقبل الولادة للتأكد من اصابة الجنين ، ، يهدف هذا التشخيص المبكر الى امكانية التخلص من الجنين قبل مولده .


لمن يوصى بإجراء هذه الاستشارة الوراثية؟

تطلب الاستشارة الوراثية غالباً في احدى الحالات الثلاث :

1. عروسان مقبلان على الزواج : وعلما أن في عائلة أحدهما أو كليهما ، أمرضاً وراثية خطيرة ، أو حالات متكررة من التشوهات الخلقية ، فأتيا قبل الزواج يسألان عن احتمال حدوث مثل هذه الاصابات في ذريتهما.
2. عروسان ومن عائلة واحدة مقبلان على الزواج : أقبلا يستعلمان عن احتمال أن تظهر في ذريتهما ، أمراض وراثية خطيرة ، أو حالات من التشوهات الخلقية.
3.زوجان سعيدان : لكن الله سبحانه امتحنهما ، فرزقهما طفلاً مشوهاً ، أو طفلاً يحمل مرضاً وراثياً ، فجاءا يستفسران عن احتمالات تكرار نفس الاصابة في الحمول اللاحقة.
4. زوجان سعيدان أيضاً : لكن الزوجة المسكينة ، تكررت عندها الاسقاطات التلقائية Abortions ( أي اسقاطات دون سبب واضح ) ، فجاءت تستفهم ان كانت تحمل خللاً وراثياً يقف وراء هذه الحالة عندها.


ماهي الوسائل... والمراحل... المساعدة على الوصول الى جواب

يقوم الطبيب بإجراء دراسة مستفيضة ، ثم فحص سريري كامل ، مستعيناً ببعض الوسائل التشخيصية الحديثة وذلك بالتسلسل التالي :

أولاً : استجواب مفصل للعروسين او الزوجين : عمرهما ، طوليهما ، وزنيهما ، صلة القرابة بينهما ان وجدت ودرجتها ، أمراضاً أصابتهما ، أمراضا أو حالات من الاعاقة في عائلتيهما ، وأسئلة أخرى بحسب كل حالة . ويكون هذا الاستجواب دقيقاً ومفصلاً وكافياً لاعطاء فكرة واضحة عن احتمال أو عدم أحتمال حدوث الاصابات المفتش عنها ، يتبعه فحص سريري لكلا العروسين أو الزوجين .

ثانياً : اذا ما تم اكتشاف مرض ما يمكن أن ينتقل وراثياً في العائلة ، فباستطاعة أخصائي الوراثة أن يعطي احتمالات تكرارهذا المرض في الذرية والذراري القادمة ، وذلك في كثير من الحالات المرضية وليس كلها.

ثالثاً : اذا ما رجح احتمال حصول اصابة ما ، وفي حال حصل الزواج والحمل ، فإن الزوجة الحامل ستخضع لمراقبة طبية دقيقة أثناء فترة الحمل وذلك :
1. مراقبة الجنين بالصونار ( Echography أو Ultasound ) : جنسه ، شكله ، نموه وتطوره ، ظهور تشوهات في اعضائه ، وذلك بشكل منتظم ودوري حتى نهاية الحمل .
2. إذا كان الاحتمال كبيراً في حدوث الاصابة بمرض وراثي خطير ، أو حصول مرض مشوه ، فلابد حينئذ من إجراء فحص آخر يكون مرافقاً ومعيناً للمراقبة بالصونار ، وهو : بزل السائل الأمنيوسي Amniocentesis ، وذلك حوالي الاسبوع السابع عشر من الحمل ( الخامس عشر من التلقيح ... حيث يحسب عمر الحمل عند اختصاصيي الولادة وفي العالم أجمع ، اعتباراً من آخر يوم للطمث ، أي قبل اسبوعين تقريباً من الالقاح ) ، حيث تؤخذ عينة من السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين ، وذلك بواسطة ابرة طويل ودقيقة ، وعبر جدار بطن الحامل ، وتجرى عليها دراسات معقدة ومتطورة من سنة الى اخرى ، نشير الى بعض منها على سبيل التقريب : جنس الجنين ، و وخارطته الصبغية الوراثية ، فيعرف وبدقة شديدة نوع الاصابة ، وشدتها ، فيحدد حينئذ وبحسب المعارف العلمية الحالية ، درجة الاعاقة الممكنة ، أو درجة الاصابة المتوقعة.


3. وهناك فحصان آخران اشد تعقيدا ، سأشير اليهما فقط وهما : تنظير الجنين Fetoscopy : أي رؤية الجنين مباشرة ، وبواسطة منظار يدخل في عملية معقدة الى داخل السائل المحيط بالجنين ، وهذا المنظار يسمح بإجراء فحص دم الجنين وكذلك اجراء خزعة من جلده أو أحد أعضائه. وأما الفحص الثاني فهو : اجراء خزعة Biopsy لمكان اتصال الجنين بالمشيمة Trophoblaste.


هل من علاج لهذه الأمراض الوراثية؟

ليس باستطاعتنا حالياً علاج هذه الاصابات لاداخل الرحم ولا بعد الولادة ، ولذلك فإن العلاج الوحيد المقترح عند التشخيص المبكر يبقى هو التخلص من الجنين المصاب وذلك قبل مولده .
اذن ... اذا تأكد حدوث الاصابة بعد هذه المراقبة والدراسة ، يقترح على الابوين امكانية اجراء الاجهاض Abortion أي اسقاط الجنين قبل مولده : وفي هذا تفصيل علمي وأخلاقي وشرعي :
1. بهذه الوسائل السابقة الذكر ، يمكننا حالياً أن نؤكد أو ننفي اصابة الجنين بمرض وراثي خطير أو تشوه شديد ، قبل الاسبوع السابع عشر من الحمل ( أي الخامس عشر من الالقاح ) .
2. في شريعتنا الغراء ، أباح الفقهاء اجهاض الجنين المشوه تشوهاً شديداً ، قبل مرور 120 يوماً تحسب من لحظة الالقاح : أي قبل ( 17 ) اسبوعا ويوماً واحداً من الالقاح ، وذلك اذا رغب الأبوان في ذلك. صدر ذلك عن المجمع الفقهي لرابطة العالم الاسلامي ( دورة جدة 15 رجب 1410 هجرية ، 10 فبراير 1990 ميلادية ) ، وذلك استناداً الى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : ان أحدكم يجمع خلقه أربعين يوماً ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح . أي أن نفخ الروح يحدث في اليوم ال120 بعد الالقاح.
3. أباح الفقهاء الاجهاض بعد هذه الفترة ، أي بعد مرور 120 يوما من الالقاح ، وذلك بشرط واحد : هو أن يكون في استمرار الحمل خطراً مؤكداً على الام ، فيضحى بالجنين لانقاذ حياة الام، وبغير هذا السبب لايجوز اسقاط الجنين بعد هذه الفترة لان ذلك يعد قتلاً لنفس بشرية قد نفخت فيها الروح.


هل من وقاية من الإصابة بهذه الأمراض الوراثية المشوهة؟

السبب الذي يؤدي إلى إصابة هذه المورثات الموجودة على الصبغيات والمسؤولة عن نقل الصفات والوظائف وتشكل الأعضاء ، لازال محجوباً عنا حتى الآن ، وليس لدينا الا اسلوب واحد للتقليل من نسبة هذه الاصابات ، وهو الا ندع هذه المورثات الحاملة للصفات الوراثية المريضة أن يجتمع بعضها الى بعض ، فكلما تفرق شملها أكثر قل احتمال حدوث الاصابة بهذه الامراض .
والعجيب أن افضل وسيلة لذلك أتى في قوله صلى الله عليه وسلم : ( اغتربوا ولا تضووا ) ، أي انكحوا من الاباعد ، حتى لاتقعوا في الامراض التي تضوي الابدان ، أي تنهكها ببطء ، وفي هذا الحديث الشريف معجزة نبوية تعجب لها أكبر أستاذ فرنسي في الأمراض الوراثية هو البروفيسورMUNNICH Arnold من مشفى NECKER في باريس ، حين أخبرته في أحد المؤتمرات بهذا الحديث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم ، فتعجب الرجل ودهش ثم قال لي : أن له أصدقاء أطباء من احدى بلادنا العربية أعلموه أن 75% من الزيجات في هذا البلد تحدث بين الاقارب !!!... وتساءل الرجل : لماذا لاتطبقون هذه القاعدة العلمية الوقائية العجيبة في بلادكم ؟‍!!!...
وأنا بدوري أتوجه بهذا السؤال الى أبناء أمتي الحبيبة وعلى امتداد وطننا الإسلامي الكبير... لماذا لا نباعد في الزواج ؟... لماذا مازال أكثر آبائنا يرون في ابنة العم أو العمة أو في ابنة الخال أو الخالة ، أفضل من يسعد أبناءهم ؟!... يا أيها الناس جعلكم الله شعوباً وقبائل لتعارفوا ، فباعدوا ... باعدوا في الزواج قدر ما تستطيعون ، واغتربوا ولا تضووا

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية