قد يبدو للمتأمل في ما أقدمت عليه الفصائل الإسلامية الممتهنة للسياسة من مبايعة حزبية للرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة هو عين السياسة الرشيدة وعين الحكمة بما أن هذه الأحزاب الإسلامية لا تملك القدرة على ترشيح فرد من أفرادها. كما أن نفس المنطق هو السائد لدى هذه الفصائل الإسلامية كونها غير قادرة على خوض مغامرة الرئاسيات لما تحمله كلمة الرئاسيات من ثقل قد يكون بالأمانة وهم للأسف لن يقدروا على حملها وبالتالي حملها عنهم عبد العزيز يوتفليقة. حركة مجتمع السلم انتقت مفردات خطابها المدعم لخيارها التبعي بأن الموسم هو موسم مبايعات . وعليه يتوجب حضور العرس السلطوي لأن هناك من سبق إلى دخول موطن العرس. ومنهم من جلس إلى جانب العريس وخصوصا وأن حركة مجتمع السلم لعقت عسل الحكم ولو أنها لا تحكم كما قال الزعيم الراحل محفوظ نحناح.
وعلى هذا الإعتبار القوي وجدت نفسها أمام تيار قوي يشدها نحو التموقع داخل الرواق بقيادة رفيق الدرب للمرحوم نحناح الشيخ الراقي أبو جرة سلطاني فالمسألة المتعلقة بتأييد المرشح عبد العزيز بوتفلقة كانت محسومة من أولها وكان خيار المبايعة متفق حوله منذ البداية كمبدأ. لأن التوجهات الكبرى التي تحملها حركة مجتمع السلم هي في سياق توظيف الحركة من أجل محتسبات أو خلق جو تتم فيه المساومات من أجل رفع مؤشر الأنصبة.. ومادامت السلطة هي مأرب كل حركة سياسية فلماذا رفضها بحجة المعارضة وقد انصاعت بتلقائية شريطة التجاوب مع هذه السلطة وخلق طرح يحافظ على ماء الوجه أمام الشعب .فالمعارضة لدى حركة مجتمع السلم هي معارضة توافقية أو بمعنى آخر تكون في السلطة وتدعي امتهان المعارضة. فتعارض السلطة التي هي جزء منها صباحا وتوافقها مساء. ولكن السؤال الذي يطرح على حركة مجتمع السلم هو ماالذي جعل أبو جرة يدعم عبد العزيز بوتفليقة وقد فشل هذا الأخير فشلا ذريعا في تسيير البلاد لمدة خمس سنوات.. وما البرنامج الذي تريد حركة مجتمع السلم الإلتفاف حوله. فهل هو امتداد البر نامج القديم أم هناك برنامج آخر سيظهر في الأفق وسيطبق بحذافره هذه المرة؟ والأمر سيان بالنسبة لحركة النهضة التي سكتت دهرا ونطقت متشبثة بآخر حبل لها ينجيها من الاندحار و الإندثار والموت المحتم .وقد تختلف مقاصد كل من الحركتين حمس والنهضة في خيارهما للمبايعة البوتفليقة فحمس تريد أن تجلس إلى جانب الرئيس العريس هذه المرة وليس مجرد واقفة مع المدعويين .. أما حركة النهضة فمناها رضا السلطة عنها ومدها بالسير وم حتى لا تلفظ أنفساها فهي تريد أن تعتاش من مبايعتها لبوتفليقة ليس إلا. وقد تنال كل من حركة حمس والنهضة حظوظا لكنها حظوظ تبقيهما في قاع العمل السياسي لأنهما ببساطة أثبتا أنهما مجرد سماسرة في سوق العمل الإسلامي والحرفية السياسية. وسيقول قائل أن السياسة تقضي التحايل ولكن ياتي من يقول أن السياسة باب إذا دخلته فعليك أن تمسك مفاتحه بيدك لاتجعله في يد غيرك .وأكبر من هذا مخ السياسة المحترمة أن لاعبث بالدين الذي هو أشرف من أن يؤخذ عن أفواه الحمقى كما يقول المرحوم الشيخ محمد الغزالي .وهل هناك أكبر افلاس من أن يعلن حزب إسلامي ينادي برطانة كبيرة عن وجوب قيام حكم اسلامي ودولة اسلامية. ثم يعترف آخر المطاف أن ذلك هو مجرد أكذوبة وأن المشروع الإسلامي تجاوزه الزمن والكرسي هو الحل.. فتذهب الدولة الإسلامية ويذهب الوقار وكل ذلك كياسة مادامت الأغراض قد تحققت والسلطة رضيت.