يجمع العرب والمسلمون الذين يجاوز عددهم المليّار على أنّ الكيان الصهيوني يصرّ على إذلالهم وتحطيم كرامتهم والدوس على مقدساتهم و ذبح رجالهم ونسائهم وأطفالهم و إحراق قراهم وإستئصال زيتونهم وأسر قبلتهم الأولى و تهويد هويتها و سرقة مياههم وأرضهم .
وأمام هذه الغطرسة الصهيوينة يتوزّع المنطق السياسي العربي والإسلامي في كيفية التعاطي مع الكيان الصهيوني الغاصب على محورين: فالمحور الأولى وتمثلّه الأقلية السلطوية التغريبيّة والتطبيعية فترى أنّ خيار الحل السياسي هو الأمثل في التعامل مع الحالة الصهيوينة ورغم إنفتاح هذا المحور على الكيان الصهيوني تطبيعا وتعاونا سياسيّا وتجاريّا و إقامته لأعراس السلام الوهميّة مع الكيان الصهيوني إلاّ أنّ أصحاب هذا المحور لم يوقفوا الحركة الصهيونية المتجسدّة في مؤسسات الدولة العبرية المدنية و العسكريّة من الإيغال في دمويتها و تجبرّها وتطرفها الأعمى وسياسة حصاد الرؤوس والأجساد التي تنتهجها , و يتمتّع أصحاب هذا المحور بنفوذ واسع وبولاءات عميقة للإرادات الدوليّة ويسعون لفرض هذا التوجّه على المستضعفين في خطّ طنجة – جاكرتا .
والمحور الثاني يتبنى خيّار المقاومة و الجهاد والنضال ضدّ الكيان الصهيوني حتى يمحى بشكل كامل من أرض العرب والمسلمين ومثلما كان معدوما في الماضي القريب يجب أن يستمر معدوما في راهن الإيّام و قابلها , ويتكتّل حول هذا المحور الأغلبية الساحقة المستضعفة في العالم العربي والإسلامي و المحرومة من صناعة أي فعل جهادي ومقاوم ضدّ الكيان الصهيوني بسبب حالات الطوارئ السائدة في العالمين العربي والإسلامي , وبسبب مواثيق السلام المزيفّة مع كيّان الدم الصهيوني وبسبب الخوف الرهيب من الولايات المتحدّة الأمريكية التي تعتبر المساس بأمن الكيّان الصهيوني مساس بأمنها .
وعلى رغم إيمان المليار مسلم بأنّ أرض فلسطين السليبة لن تسترجع إلاّ بالجهاد والنضال إلاّ أنّ هذا المليار لم يتمكن من تحويل القول إلى فعل , و النيّة إلى مصداق . ولو تحققّ ذلك لزالت إسرائيل نهائيا من الوجود , وهنا لا داعي لإعادة التأكيد بأنّ خيار المقاومة و الجهاد ضدّ الكيان الصهيوني هو الموصل فعليّا إلى النتائج السياسية و الميدانية التي تحقق الهدف المركزي للعرب والمسلمين و هو تحرير فلسطين .
و إذا كان الأمر كذلك فلابدّ من إعادة ترتيب الأولويّات في الساحات العربية والإسلامية بحيث يتمّ التأكيد على أنّ الهدف الأساس والمركزي للعرب والمسلمين هو تحرير فلسطين و على كل تيّار وفصيل أن يضع إستراتيجية لتحقيق هذا الهدف وفي أسرع وقت حتى لا يسترسل الكيان الصهيوني في إنتاج التصدّع والإحباط في واقعنا العربي والإسلامي .
وقبل إطلاق هذه الإستراتيجيات وتفعيل مصاديق المقاومة على الأرض لابدّ من تحديد المعوّقات الفعلية للفعل المقاوم و الذي أثبت تاريخنا العربي والإسلامي أنّه به لا بغيره تتحررّ بلادنا من محتليها وغاصبيها بالحديد والنار , و يمكن حصر معوقات الفعل المقاوم في أربع عوامل أساسيّة و هي الكيّان الصهيوني والذي تقوم إستراتيجيته على نسف وقتل وإحراق وتهشيم رأس كل من يفكّر في إزالة هذه الآفة السرطانية الإسرائيلية من أهمّ منطقة حيوية في الجغرافيا العربية و الإسلامية , وثانيا الولايات المتحدة الأمريكية التي تمدّ الكيان الصهيوني بكل أسباب القوة العسكرية والسياسية و الإقتصادية والأمنية وتوفّر له الغطاء الشرعي في المحافل الدوليّة , وثالثا النظام الرسمي العربي الذي يجرّم الفعل المقاوم ويعتبره وسيلة بدائية والذي أغلق الحدود ومنع تدفق المقاومين عبر الحدود الجغرافية المختلفة وحرص على الأمن الإسرائيلي والأمريكي أكثر منه على سلامة الشعب الفلسطيني و أرضه المحتلة , ورابعا النخب الحداثية والتطبيعيّة في العالم العربي والإسلامي والتي تعتبر أنّ المنطق الصائب يكمن في معانقة الصهاينة وطيّ صفحات الماضي وعقد مصالحة بين العرب واليهود لأنّ المرحلة تقتضي ذلك ولأنّ موازين القوة الدولية ليست في إتجاهنا بل في إتجّاه الكيان الصهيوني .
و لن يتطور الفعل المقاوم للكيان الصهيوني إلاّ إذا رسمت إستراتيجيات في كيفية التعامل مع هذه المعوقات وإلحاق الهزيمة بها إن أمكن وإضعافها قدر المستطاع لأنّ ضعفها سيؤدّي إلى رجحان الكفّة للفعل المقاوم الذي لا ولن تتحررّ فلسطين إلاّ به , ومهما كثرت الأقوال والتنظيرات بشأن جدوى الحلّ السياسي و ضرورة مواصلة الإجتماعات الأمنية في الغرف المغلقة فإنّ كل ذلك يتداعى بصاروخ واحد تطلقه طائرة الأباشي الأمريكية الصهيونية على جمجمة من جماجم أطفالنا ورجالنا وشيوخنا في فلسطين المحتلة , ثمّ لم نسمع يوما أنّ الكيان الصهيوني بكل مؤسساته الأمنية تأثرّ لخطاب سياسي غاضب أو إعتصام سياسي عربي حاشد لكنّه يقيم الدنيا ولا يقعدها إذا أصيب في أمنه القومي بفعل ضربات المجاهدين و أحرار الرجال في فلسطين المحتلّة .
ولن يكتب لفلسطين أن تعود إلى أبنائها وإلى جغرافيتها العربية و الإسلامية إلاّ إذا أصبحت المقاومة عنوانا و شعارا ومنهجا وإستراتيجية للفلسطينيين والعرب والمسلمين , وبدون ذلك ستظلّ فلسطين في الأسر الصهيوأمريكي !!