قتلته جوه الحانة شنابات الشاويش
قتلته الناس اللي غرقانة بهومها في النبيت
قتلته الدوسيهات في دواليب الحكومة
قتله الطفل اللي مش لاقى الفطار
عبد الرحمن الأبنودي
إن تاريخ الحركة الاشتراكية المصرية تاريخ طويل يمتد على مدى أكثر من 84 سنة وهو ملئ بالبطولات والشهداء ولكنني سأركز هنا على شهداء جيل السبعينات ، هذا الجيل الذي جاء في موعد مع القدر ، تفتحت عيناه على هزيمة المشروع الناصري واحتلال شبه جزيرة سيناء ، وكان له موقف من الناصرية كما كان له موقف من التحريفية السوفيتية والجمود العقائدي الصيني. إنه جيل شاب قبل أوانه ، بدء وجوده الحقيقي مع انتفاضة عام 1972 وميلاد اللجنة الوطنية العليا في جامعة القاهرة وبداية مرحلة جديدة من تاريخ الحركة الاشتراكية سميناها وقتها الحركة الثالثة لنميزها عن المراحل التي سبقتها وانتهت بحل الحزب الشيوعي المصري والانضمام لتنظيم الناصرية " الاتحاد الاشتراكي " والتي كانت تسمي الحركة الثانية أو الحلقة الثانية. لقد وصلت الحركة لقمة نضجها مع انتفاضة الخبز في يناير عام 1977 وبعد ذلك دخلت في أزمة لازالت تداعياتها تتفاعل حتى اليوم ، ولكن تعثر مشروع التغيير الراديكالي وإجهاض الحلم الثوري والعزلة والتشرزم من ناحية وسياسة القهر والاعتقال على امتداد سنوات الثمانينات وسياسات الاحتواء والمنع بعد ذلك كلها عوامل أصابت جيل السبعينات باليأس والإحباط الذي عجل بموت نخبة من أفضل وأنضج أبناء جيلنا وبأسباب متنوعة. وكما وصف الأبنودي عام 1964 القهر السياسي في قصيدته الشهيرة " الخواجة لامبو العجوز مات في أسبانيا " فإن جيل السبعينات ينطبق عليه وصف الأبنودي " كان حزين حزين حزين ، قتله الحزن".
لقد تسببت حوادث السيارات في سقوط عدد من كوادرنا مثل المرحوم أسامة شلبي وصفائي الميرغني وعبد الحميد العليمى وحلمي المصري والعديد من أفضل كوادرنا الذين غادرونا ونحن أحوج ما نكون لوجودهم بين صفوفنا. كما اختارت بعض كوادر جيلنا أن يضعوا نهايات مأساوية لحياتهم كما فعل الشاعر الرقيق أحمد عبيدة وكما فعلت الرفيقة أروي صالح . ثم فعل القهر السياسي والاستبداد وتعثر مشروعنا الثوري فعله في أجسادنا بظهور العديد من الأمراض التي خطفت أفضل العناصر على مدى سنوات الجمر الماضية.
إن الذي اختطف إبراهيم الكرداوي من بين يدي وداد وحسام لم يكن داء السرطان الذي قتل عزت عبد العظيم وحرم بناته من وجوده بينهم كما قتل أحمد نصر وأخيرا سامح الميرغني ، لكنه القهر والاستبداد وتفرق الجموع والعزلة والتشرزم.
إن الذي أنتزع تيمور الملواني من محمد وبسمة لم تكن الذبحة الصدرية أوضعف القلب بقدر ما كان تعثر المشروع الثوري وهو الذي أخذ شهاب سعد من شروق وشيم ، كما قتل شفيع عبد الغفار والعديد من خيرة كوادرنا.كما أن الذي إغتال عبد العزيز شفيق وسيد الطراوي لم يكن داء الكبد بقدر ما كان داء القهر الذي عاشه جيلنا.
كذلك فإن القهر السياسي هو الذي جعل شرايين عبد الباسط عبد الصمد تنفجر لينتزعه من بين يدي سلمي وعلاء . لقد صمد احمد عبد الجواد التوني صمود الأبطال تحت التعذيب ولكن حين خرج ليجد المشروع الذي صمد من اجله تعثر وحلمه ينهار تركنا ورحل بعيداً.
هل انتهي جيل السبعينات ؟! وهل ينطبق علينا أن منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل !! لقد اختلفت التحليلات حول مستقبل هذا الجيل وهل انتهي دوره الفاعل في الحياة السياسية أم لا؟!! وأنا من أنصار أنه لا تزال أمامنا فرصة لإنقاذ ماتبقي وتوحيد جهود كوادر السبعينات في مشروع مشترك للخروج من الأزمة وبناء رؤية جديدة للتنمية والتطوير من خلال حوار فعال بين كوادر جيل السبعينات وجميع المهمومين بالأزمة وسط صفوف اليسار المصري تتعالي على تجارب الماضي وتنسى خلافات الأمس من أجل المستقبل القادم.يجب أن نتحلى بروح جديدة ونعيد تربية أنفسنا قبل أن نتساقط كأوراق الخريف دون أن نترك خلفنا سوي الهزائم والنكسات.
قد يري البعض أن جيلنا قد انتهي ، ولكن الواقع عكس ذلك فلا زالت الفرصة أمامنا لنستكمل مشروعنا الذي بدأناه.
" فيه في قلب الظلم حتة نجم بيضاء
العمل مش حاجة ضايعة في الهوا
برد أسبانيا أستوي "
حين تفجرت مظاهرات الغضب الشعبي في 20 مارس 2003 وخرج ألاف المصريين للشوارع رافضين لغزو العراق كان من بين المعتقلين نموذجين للأمل في الغد القادم :
الأول: هو زياد عبد الحميد العليمي المحامي الشاب الذي تم اعتقاله وكسر زراعه عند القبض عليه ولكنه كان يقف في قفص الاتهام شامخاً مثل شجرة السنديان رافعاً يده بعلامة النصر ، هذا هو زياد الذي تركه عبد الحميد العليمي طفلاً لدي إكرام خليل التي أرضعته حب الوطن فنشأ ليسير على درب الألام الذي جمع والده ووالدته ، وكتبت إكرام إن اعتقال زياد كان أفضل تهنئة لها بعيد الأم حيث شعرت بأنها أدت دورها بشكل صحيح.أليس زياد وأبناء جيله رمزا للمستقبل الذي حلمنا به ؟!!!
الثاني: هو تميم مريد البرغوثى أبن الشاعر مريد البرغوثى والدكتورة رضوي عاشور ولأن تميم والده فلسطيني فقد قررت السلطات المصرية إبعاده عن مصر ليكتب قصيدة رائعة بعنوان" قالولي بتحب مصر فقلت مش عارف"
وقد جاء فيها :
"دلوقت جه دوري لاجل بلادي تنفيني
وتشيِّب أمي في عشرينها وعشريني
يا أهل مصر قولولي بس كام مرة
ها تعاقِبوها على حُبَّ الفلسطيني"
لقد قدم تميم البرغوتي صورة مشرقة للمستقبل الذي عشنا وحلمنا به ، وبان ما فعلناه لم يكن عملاً بلا مردود أو دخان في الهواء بل فعل ولد ليعيش في أعماق تربة هذا الوطن لينبت لنا زهوراً رائعة مثل زياد العليمي وتميم البرغوثى تبعث فينا الأمل بالغد القادم وبأنه لابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر وتضعنا أمام مسئوليتنا .
رحم الله شهداء جيل السبعينات وقدرنا على الاستمرار في السير على نفس الطريق الذي بدأناه معاً من أجل مستقبل أكثر حرية وأكثر عدالة .