ماعدش حتى للسكوت طعمه
لأننا بنموت في نفس اللحظة
ميت مرة
أمتي الرجال الناشفة تنفض خوفها
وتقف تكتل صفوفها
كفى أضمه لكفوفها
نهد ونقيم من جديد
بلاد بلا سجن وبلا جلاد
بلاد بلا سادة وعبيد
محمد سيف
حصل النظام المصري على مباركة أمريكية لخطواته فيما يسمى بالإصلاح السياسي وهو ما يؤكد أن الإصلاح الأمريكي لا يستهدف مصالح شعبنا بقدر ما يستهدف بقاء الأنظمة التابعة قابضة على مقدرات شعوبها ومحافظة على المصالح الأمريكية ، ولذلك التزم النظام بإجراء بعض التجميل للاستبداد السياسي وضخ بعض السليكون السياسي في الديكور الديمقراطي القائم ليبدوا أكبر من حجمه الطبيعي على طريقة هيفاء وهبي ونانسى عجرم وأخاصمك آه . وبقيت قوى المعارضة " المرخصة " هشة ومعزولة وعاجزة عن التأثير السياسي ولا يجدي معها أي نوع من أنواع الفياجرا السياسية. أما القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في الإصلاح السياسي فهي غائبة تماماً عن الفعل السياسي بعد خمسين سنة طوارئ واستبعاد من المشاركة ، أما طلائعها فهي مفتته ومتناحرة مما يجعل الإصلاح السياسي هدف لا توجد قوى فاعلة تتبناه وتدافع عنه وهو ما يحتاج إلى إعادة تربية شاملة للطبقات صاحبة المصلحة في التغيير ومن ثم لطلائعها الثورية التي لم تتلوث بعد.
كما استطاع النظام الحاكم استقطاب قطاع من النخبة السياسية يمكن أن نسميه ( قطاع البانجو السياسي ) والبانجو هو ذلك المخدر الفتاك الذي انتشر استخدامه خلال العقد الأخير وحين يدخن المدمن ( جوان بانجو ) ـ سيجارة محشوة بالمخدر ـ يستطيع أن يرى أشياء غير موجودة ويرى الأشياء الصغيرة ضخمة بفعل المخدر الفتاك ، ويخرج علينا مثقفي البانجو بين الحين والآخر يطالبوننا بالنظر إلى الإصلاحات السياسية التي تحدث ولا نراها وبالتغيير الديمقراطي القادم على يد ( البيه الصغير وفرقته)!!!
لكن حين نتأمل طريق الإصلاح السياسي نجد عدد من الخوازيق التي وضعها النظام الاستبدادي في وجه قوى التغيير الحقيقي ومنها:
إن التغيير عبر صناديق الانتخاب هو الأسلوب المتعارف عليه في كل بلاد الدنيا ولكن في بلادنا نظام انتخابي مضى عليه ما يقرب من نصف قرن وجداول ناخبين تابعة لوزارة الداخلية تتلاعب بها كيفما تشاء بحيث يصوت لها الموتى والمهاجرين ، مما يفقد الرقابة القضائية أهميتها ، ذلك بجانب العزوف عن المشاركة السياسية ، ولعل المتابع لعدد المصوتين في أي انتخابات عامة إلى عدد المقيدين سيعرف حجم المأساة ، ذلك بغض النظر عمن لهم حق الانتخاب . كما أن تدخل الإدارة والتزاوج بين الحزب الحاكم وأجهزة الدولة خير شاهد على ذلك ، ولنتأمل انتخابات مجلس الشورى الأخيرة لنتأكد من أن الحكومة تسد علينا طريق التغيير عبر صناديق الانتخاب. ذلك بجانب التزوير المباشر وتسويد بطاقات الانتخاب والتلاعب المباشر في الصناديق والفرز وما يعكسه ذلك من فقدان للثقة في المشاركة الانتخابية .
توجد عدة أحزاب تم منحها تراخيص حكومية وجميعها ضعيفة التأثير محاصرة داخل مقراتها الحزبية تصدر صحف محدودة الانتشار، ورغم وجود لجنة لشئون الأحزاب تابعة لمجلس الشورى إلا أنها لم تمنح اى ترخيص لقيام أحزاب جديدة منذ تكوينها ، وجميع الأحزاب التي قامت بعد 1976 كانت بأحكام قضائية . وهناك عشرات الطلبات التي تم رفضها لتسد الطريق على أي عمل شرعي علني في النور ولتدفع بالراغبين في العمل السياسي إلى السرية وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج في مواجهة الاستبداد القائم.
كأحد أشكال العمل العام والنضال المهني ، وهى مجمدة في غالبيتها منذ أكثر من عشر سنوات ، كما أن القانون 100 يضع الكثير من العراقيل أمام التغيير في النقابات المهنية ويجعلها حكر على الفسدة من الحزب الحاكم أو مكبلة بفعل القانون الذي يحد من حركتها ، ولعل المشروع الأخير لتعديل تنظيم نقابة المهندسين هو خير شاهد على ذلك ، بينما الأصل أن أعضاء النقابة هم أصحاب الحق الأصيل في صياغة نظامها الأساسي دون اى تدخل من جهة الإدارة . ولكن هاهو طريق النقابات المهنية أيضاً مسدود . ولعل تأمل تجربة نقابة الفنانين في التسعينات ثم نقابة الصحفيين لخير دليل على الطريق المطلوب لتصحيح الأوضاع المقلوبة في النقابات المهنية.
تصر الحكومة على فرض تنظيم واحد على الطبقة العاملة رغم تصديقها على العديد من الاتفاقيات الدولية وصدور أحكام القضاء بحرية تعدد المراكز النقابية ، ولقد شهدت الطبقة العاملة خلال العقدين الأخيرين المزيد من الاعتداء على حقوقها وتصفية شركات القطاع العام في ظل حصار الحركة العمالية ، ولعل عودة شهادة القيد في النقابات وعرقلة وشطب النقابين الشرفاء بالعشرات على امتداد مصر لخير دليل على انسداد طريق التغيير أمام الحركة العمالية .
أصدر القضاء المصري عشرات الأحكام لصالح المصريين بينما تصر الحكومة على عدم تنفيذ هذه الأحكام القضائية النهائية ، ولعل تجارب النقابات المهنية والعمالية وتجاهل الحكومة للأحكام النهائية لخير دليل على انسداد طريق التغيير عبر القضاء وإهدار الأحكام وهو الكفيل بزعزعة أي نظام حاكم لولا ضعف المعارضة وتفتتها.
يرى الأستاذ عادل عيد أن التعذيب ليس خطيئة نظام بل انه سياسة حكم وأسلوب معتمد على كافة المستويات وجزء من البناء الفكري والسياسي للنظام الحاكم ولو تأملنا التعذيب الذي يتم في أقسام الشرطة أو إطلاق النار على المتفرجين في مبارة كرة قدم كما حدث في أسوان سنعرف طبيعة ما نتعرض له. أما سلخانات أمن الدولة ووجود آلاف المعتقلين بدون محاكمة والتعذيب الهمجي للمعارضين لخير دليل على طبيعة الجزارين الذين يحكمون هذا الوطن.
إن استشهاد أكرم زهيرى المعتقل على ذمة قضية الأخوان المسلمين لن يكون الأخير،طالما ظل التعذيب جزء من سياسات الحكم ، وإن انتزاع الاعترافات بالتعذيب هو الأسلوب المتعارف عليه على جميع مستويات الأمن المصري رغم أهدار القضاء لهذه الاعترافات.
إن سيد قطب لم يكن عنيفاً في بداية التحاقه بحركة الأخوان المسلمين ولكن ما عايشه من تعذيب جعله يخرج بأفكار مثل التي كتبها في معالم علي الطريق ، والشاب الذي كان عمره 19 سنة في قضية سيد قطب سنة 1964 تحول بعد التعذيب إلى شكري مصطفى صاحب التكفير والهجرة ، والتعذيب هو الذي حول أيمن الظواهري من الإرهاب المحلى إلى الإرهاب الدولي ، والتعذيب هو القادر على أن يخلق ألف ظواهري وألف أبو حمزة .وبالتالي فإن قتل أكرم الزهيري لن يجعل الأخوان يغيرون أفكارهم بل سيدفعهم للمزيد من العنف .
إن الخوازيق القائمة على طريق الإصلاح السياسي تسد كل طرق التغيير الديمقراطي وتضع الجميع أمام طريق الخروج على الشرعية وإغراق مصر في بحار جديدة من العنف . فهل يهتدي النظام إلى مصالحه ، أم يحتمي بسادته الأمريكان ورضائهم عنه. هل يزيل الخوازيق التي تعوق طريق التغيير السياسي أم يتركها ويتحمل تبعات ذلك ؟!!! ألا يجعل ذلك المعارضة تفكر في وسائل لتوحدها وتفعيل دورها وتقوية نفوذها حتى تستطيع أن يكون لها دور حقيقي في الإصلاح المطلوب الذي لن ياتى منحة ، فما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابة.