لقد أضحى واضحا الآن أن قادة المغرب العربي لم يبذلوا الجهد الكاف واللازم لإعادة تفعيل مشروع الوحدة المغاربية، وهو المشروع الذي ما زالت الشعوب المغاربية تنظر تحقيقه منذ سنوات خلت، وغير مفهوم، وليس هو موقف القادة المغاربيين، وإنما إهمال النخبة المغاربية لإشكالية الوحدة المغاربية والتعامل معها بلا مبالاة غير مسبوقة، بل القلة القليلة التي اهتمت بها تناولتها من زاوية نعيها ليس إلا.
وفي هذا الصدد لا مناص من النظر إلى موقف الغرب عموما من مشروع الوحدة المغاربية، لاسيما مع بروز نوع من الصراع البين بين الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوربية بخصوص المصالح بالمنطقة علما أن الصراع لن ولم يؤثر في التحالف الإستراتيجي بين الطرفين، وهو التحالف الذي انكشفت مساعيه بجلاء.
فلم يعد يخفى على أحد الآن أن هذا التحالف الإستراتيجي يهدف بالدرجة الأولى إلى التصدي للإسلام ومواجهته كدين وثقافة وحضارة، وهذا ما أكدته تصريحات ومواقف جورج بوش الأخيرة، لقد انكشفت الأمور بشكل لم يعد معه ممكنا تغليفها بلباس نشر قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، إن الحقيقة واضحة الآن عارية للعيان. ومهما يكن من أمر فإن تحركات سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو المجموعة الأوربية لا تهدف إلى توحيد بلدان المغربي العربي، وإنما تسعى إلى تكريس استراتيجية " التصدي للإرهاب" كما هي مبلورة بالعقلية الأمريكية على درب التصدي القوي للإرهاب والقيام بدور دركي حراسة أوروبا من تسربات الهجرة السرية.
وفعلا أية مصلحة لأمريكا أو المجموعة الأوربية في السع لوحدة بلدان المغرب العربي، مادام واقع التفرقة والتشتت يمكنهما من الضغط وإملاء شروط على كل بلد على حدة في الإتحاد الذي يخدم مصالحها الآنية والإستراتيجية ؟
والآن، فقد تأكد بما لا يضع أي مجال للشك، غياب أية مبادرة تفيد بسير البلدان المغاربية في اتجاه السعي نحو الوحدة أو على الأقل تعزيز التعاون بينهم.
فهل يعني هذا الوحدة المغاربية انتهى أمرها ؟ وأن انتظارات الشعوب المغاربية في هذا المضمار قد ذهبت سدى بالرغم من أن فكرة الوحدة المغاربية برزت في خضم التصدي للاستعمار والاحتلال ؟
ففي منتصف عشرينات القرن الماضي تأسس حزب بباريس يحمل اسم " نجم شمال إفريقيا" طالب باستقلال بلدان شمال إفريقيا ( المغرب والجزائر وتونس )، كما نادى لإقامة ولايات متحدة شمال إفريقية.
وبإيعاز من هذا الحزب تأسست جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، وفي أعقاب الحرب العالمية الثالثة تجذرت فكرة الوحدة المغاربية لدى الشعوب المغاربية، إذ عرفت سنة 1947 انعقاد مؤتمر المغرب العربي الذي انبثق عنه مكتب المغرب العربي ولجنة تحرير المغرب العربي، كما أن المناضل النقابي فرحات حشاد توجه بنداء للعمال المغاربيين في مارس 1947 لدعوتهم لإقامة فدرالية نقابية لعمال شمال إفريقيا، وقد دأبت لجنة تحرير المغرب العربي برئاسة عبد الكريم الخطابي منذ تأسيسها على الصعيد المغاربي. إلا أن هذا مشروع الوحدة المغاربية بدأ يتبخر منذ الربع الأخير من خمسينات القرن الماضي عند ما خرج من دائرة المجتمع المدني ليرسو بدائرة الحكومات، ورغم تأسيس مجلس وزراء الاقتصاد المغاربية وّإقامة عدة لجان مختصة ومركز الدراسات الصناعية، ظل انعدام الإرادة السياسية يسيطر إلى أن جاءت قضية الصحراء في 1975 لتأجج الصراعات المغاربية. ولما تم التوقيع على اتفاقية الوحدة المغاربية في 18 فبراير 1989 برز من جديد أمل الشعوب في إمكانية تحقيق الوحدة المغاربية، إلا أن السيرورة تعطلت منذ 1994، وتبين من جديد ومرة أخرى غياب الإرادة الفعلية في بناء وحدة مغاربة.
وفي واقع الأمر ليست الأنظمة والحكومات المغاربية هي المسؤولة وحدها عن فشل الوحدة المغاربية ( علما أنها تتحمل النصيب الأوفر منها)، وإنما يتحمل المجتمع المدني قسطا منها، إذ أنه منذ حصول أقطار المغرب العربي على الاستقلال لم نلاحظ جهود فعلية لتقوية الروابط وبعث جمعيات مغاربية فاعلة تساهم في تعميق وتكريس الوعي بمشروع الوحدة بين أبناء بلدان المغرب العربي، إذ أن أغلب التظاهرات المغاربية كانت وراءها أطراف أجنبية عن المنطقة.
فهل ما زال دور المجتمع المدني قائما في هذا المجال ؟
والآن، بعد أن فشلت الأنظمة والحكومات في تحقيق المشروع المغاربي، أضحى من الضروري واللازم أن يضطلع المجتمع المدني بإعادة إحياء المسيرة المغاربية من أجل الضغط على الحكومات على تحضير إرادة السياسية لبلوغ الهدف إن الشعوب المغاربية قادرة على تحقيق الوحدة المغاربية باعتبارها مشروع يهم مستقبل الأجيال المغاربية. لاسيما أن هناك أرضية تساعد هذه الشعوب على بلوغ هذا الهدف، إذ هناك أرضية تساعد هذه الشعوب على بلوغ هذا الهدف، إذ هناك حقيقة ثابتة مفادها أن الحس المغاربي المدعوم بالعقيدة الإسلامية رافق كل ردود الفعل المباشر لأبناء المغرب العربي الكبير للتصدي للاستعمار والاحتلال، ولقد بدلت الأجيال السابقة جهودا لبعث حركات مغاربية موحدة ثقافية وسياسيا وحتى عسكريا، من أمثال عبد الكريم الخطابي وفرحات حشاد والأمير عبد القادر الجزائري، ولازال إلى حد الآن حلم توحيد البلدان المغاربية يراود شعوب المنطقة.
وقد أضحى الآن أكثر من أي وقت مضى، لزمنا تحريكا لمشكلة الصحراء ويكون حلا يخدم مصلحة الشعوب قبل أن تتجه الولايات الأمريكية وأوربا لغرس حلولها في المنطقة، علما أنها لن تكون حلولا في خدمة الوحدة المغاربية.