يبدو أن خطب الإسلاميين العرمرمية التي كانت تشغل الدنيا بطولها وعرضها .. وتملأ سماء الجزائر وآذان الجزائريين صخبا ..وتحث على وجوب العمل بكد، والتهيؤ لإقامة المشروع الإسلامي .. ودولة الحق والعدل قد اندثرت من قاموس العمل الإسلامي نهائيا.حتى مستوى الحماسة قلَّ إلى حدود الصفر ولم يعد يرقى حتى إلى مجرد أضعف الإيمان.بعد أن كانت نفس الحماسة والخطب الجهورية تدفع بهؤلاء الإسلاميين يوما بعد يوم نحو المراتب الأولى أمام الأقران السياسيين الآخرين.فما ناله الإسلاميون من حظوة ومكانة لدى السلطة بحساب لهم ألف حساب في كل موعد انتخابي .. أو التفاف حولهم من قبل الجماهير العريضة المتعطشة حقا لدولة الحق والعدل ورؤية المشروع الإسلامي يزهر ليكون ساعتئذ ثمرة يانعة .سوى بفضل تلك الخطب النارية الناقمة على السلطة وعلى الوضع المتردي .فأين اختفى كل هذا وما سر هذا النكوص المخزي؟ أهي الكياسة أم الردة.في كل المواعيد الانتخابية كانت السلطة تضع نصب أعينها كل منتم للتيار الإسلامي أو حتى الذي يتكلم فقط باسم الإسلام لتحتاط منه أو تخشاه لو فاز .وجميعنا يعلم كيف فاز التيار الإسلامي في بداية التسعينات وكيف فاز الذين يحملون نفس المواصفات فيما بعد على رغم الضربات القاصمة لكل ماله لون أخضر كما يقال .فالجماهير العريضة عقدت الآمال على هذه الشريحة كونها لم تخرج من رحم السلطة كما لم تتورط في أعمال فساد .لقد كانت حقا البديل للسلطة القائمة.أذكر عندما التقيت بالشاعر عيسى لحيلح في بيته فور رجوعه من الجبل على إثر تطبيق قانون الوئام المدني .. كان يقول لي بأن الإسلاميين لم يكونوا مهيئين لأخذ السلطة وما حدث لهم هي عاجلة أربكتهم أكثر مما سرَّتهم ولم يستطيعوا التعامل معها عندما وجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام الواقع وأمام الجماهير العريضة التي كانت تريد الحل في أسرع وقت .. وكان حقها مادامت قد خوَّلت انتخابيا من يقوم بالمهمة. ومما قاله لي أن من كانوا في الجبل أيضا لم يكونوا يدرون ما ذا سوف يفعلون لو سقط النظام .. لقد كان همهم فقط هو إسقاط النظام وبعد ذلك لكل حادث حديث.إن الذي حدث للإسلاميين قد يكون نفسه حدث للحركة الوطنية بعد الاستقلال على رغم أن بيان نوفمبر كان واضحا في ما تعلق بمشروع المجتمع.قد يقول قائل وما ذنب الإسلاميين في ما حدث وهل وصلوا للسلطة حتى نلقي عليهم باللائمة.والجواب عند الإسلاميين الذين يشكلون قوة تشريعية داخل البرلمان وقوة عملية داخل البلديات .. فهلا طعنوا في الإنتخابات السابقة التي شاركوا فيها ونالوا قسطا وافرا منها؟ .لقد قالها أحمد أويحي لهم ولم يتجرأ أحد أن يجيبه "ها أنتم اليوم في البرلمان والمجالس المحلية.. فما ذا أنتم فاعلون؟".حركة مجتمع السلم التي برهنت على أنها والتيار الإسلامي ضدان لم تعترف بأنها في السلطة كما سبق وقال ذلك زعيمها الراحل الشيخ محفوظ نحناح في مداخلة له على قناة الجزيرة مع الصحفي أحمد منصور.لكن اعترفت بأن المشروع الإسلامي قد تجاوزه الزمن على لسان الخليفة أبو جرة سلطاني .. بمعنى أن إسلام الخطب والرقية الشرعية ومواعظ "ولربك فاصبر"لا يطعم الخبز ولا تقرب الفرد من المذود.ولا مجال للحديث هنا عن المسار السياسي لهذه الحركة منذ نشاتها وما اقترفته في حق اخوانها في سانت إيجيديو وفي مواضع حرجة.إن الإسلاميين إذا حق أن نحكم عليهم حكما عادلا نستطيع أن نطلب منهم أن يتجردوا من مصطلح الإسلام ويعودوا إلى حجمهم الطبيعي كما كانوا .لأن الإسلام كما يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله "أشرف من أن يؤخذ عن أفواه الحمقى".لأنهم خدموا أعداء الإسلام أكثر مما خدموا غيرهم و أنفسهم لو كانوا يعلمون .. وحتى تلك الجماهير التي خولتهم ثقتها لها ما يعوضها.ويرحم الله الأتراك والحركة الإسلامية هناك التي فهمت طبيعة اللعبة وشبعت من حر مالها قبل أن تدخل إلى الدَّرن وتلوث حياتها وتفقد مصداقيتها .فنجم الدين أربكان عندما انطلق كان له هدف واحد سجلتها نظريته القائلة "تقوَوا اقتصاديا تَقووا سياسيا" و أسجل هنا نقطة لنجم الدين اربكان ولحزب السعادة الذي زرت مقر جريدته "ميللي غازت" في استانبول.. هو أن هذا الحزب له نظرة استراتيجية وله بصيرة لا تقتصر على الآني من الأشياء و يحمل مشروع كبير يمتد عمقا وطولا ليشمل الآماد.. وإصدار جريدة ناطقة باسم حزبه دليل على أن الرجل له نظرة ثاقبة في هذا المضمار..ونخلص إلى شيء واحد هو أن الحركة الإسلامية في الجزائر بأفرادها الذين عرفتهم الجزائر ليسوا هم الأمل المنشود أو المهدي المنتظر .. لأن الذي الذي يبيع ضميره ويرضى بالوهن السياسي ويقبل بأن يكون تابعا لا متبوعا بعد أن كان يصيح أنه يمثل القدوة فالتراب أولى به.وما فعله ليس حكمة سياسية بل هي متربة سياسية تمتد نحو التراب الذي يعني الموت .وإذا صح أن نقول عن الحركة الإسلامية في الجزائر قولا فنقول بأنها تبخرت كما يتبخر الماء ولم يعد لها وجود .وهي والعدم سواء.ولو كانت هذه الأطياف الإسلامية تملك حقا مثقال خر ذل من مروءة فلها الساحة في هذه الدورة الخريفية .والملفات المطروحة هي بمثابة ما كانت تطرحه خطبهم .. فالمنظومة التربوية تشكلت وفق رؤى السلطة والعلمانيين وهم ينظرون دون أن يفعلوا شيئا..وقانون الأسرة سيلقى التطبيق الشامل ومن دون تحريك الساكن ..وأشياء أخرى ستكون من صميم ما كانوا يتقو لونها من على المنابر.فهل بإمكاننا الاعتراف بأن الإسلاميين في الجزائر هم مجرد دمى لما اقتربوا من المذود.. أم أن الوضع لا يسمح لهم بذلك ولهذا ظلوا يعيشون على حالة المتربة السياسية .. لا يتحركون إلا بالألسن .. وهي نفسها التي كانت تتشدق بالتغيير .. ولكن جائوا ليغيروا وللأسف تغيروا..