إذا كان شباب الدول الغربية يستيقظ من نومه صباحا نشطا مستبشرا ..مدركا قصده ووجهته بعد أن يقوم بمتطلبات جسمه من رياضة وفطور به الدسم والبروتينيات والحريرات فإن الشباب في الدول العربية على العموم عكسه تماما، فلا قصد له ، ولا وجهة حينما يستيقظ وأنىَّ له القصد والوجهة صراحة ،ومستقبله يراه موصولا بالمجهول الأسود؟. إن المتتبع لأحوال الشباب في بلاد العرب يجد أن معظم أوقاتهم يضيع بين البيت وبين المقاهي .. والغالبية الكبيرة تضيع على أرصفة الطرقات تتسقَّط النظرات وتشتري الشهوات بأبصارها.حتى يجن الليل كي تبدأ رحلة أخرى مع عذابات الواقع ومحاولة تناسيه بالمسكرات والحشيش. ويتكرر الحال دوريا لا يعرف متى النهاية. في الجزائر على سبيل المثال ومع بداية الأزمة وظهورها بشكل لم تعد تخفى على أحد خرج إلى السطح مصطلح "الحيطيست" ويعني تعريف الشاب الذي يتكئ على الحائط كما نقول بالفرنسية على سبيل التشبيه les muristes .وكان هذا المصطلح مضاربات ،ومحل مبارزة بين السلطة والأحزاب السياسية التي وظفت هذا المصطلح من أجل كسب ود هذه الشريحة من البطالين "الحيطيست"لجني المغانم الانتخابية .وبما أن الشباب في الجزائر يشكل الشريحة الأوسع وجودا فإن السياسة العامة للسلطة بقيت تحاول استمالة هذه الشريحة وكسبها لصفها خوفا من المعارضة .ولكن بعد فوات الأوان فقد فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بهذه الشريحة ليتخلَّق على إثر هذا الفوز ضياع ليس على مقربة من الحيطان ولكن تحت الأرض لهذه الشريحة الواسعة.إن الشباب هو الطاقة البناءة في كل أمة ويستحيل لكل أمة أن تنهض من دون رغبة هؤلاء الشباب.ومتى كان البناء عاليا فإن الشباب وحدهم من رفعوا صرح هذا البناء. لقد تم بناء الأهرامات بفضل الشباب، وتم عبور خط برليف في 1973 بفضل الشباب ،وتحرير الجزائر في 1962من نير الاستعمار الفرنسي بفضل الشباب. وكل الانتصارات التي حققتها الدول العربية على خصوما ،والتي تحققها أي أمة فلن تكون إلا بفضل الشباب.ولقد قرأت مؤخرا افتتاحية لوموند الفرنسية أبرز ما جاء فيها هو محاولة تدارك الحالة الكهولية العامة التي عليها فرنسا ودول منطقة اليورو وهذا بفتح المجال للهجرة للشباب للدول الأخرى.وكما هو معلوم أن الدول العربية في عمومها تملك ذخيرة شبا نية لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستهانة بها أو التنكر لها.وهي الآن مطمع الدول الغربية .وكما بنى شباب الجزائر فرنسا بعد حكومة "فيشي" وجعلوها على الشكل التقدمي الحالي ،وهذا لا يجعلنا ننسى شباب المغرب العربي الآخر الذي بدوره قدم غاليه ونفيسه من أجل بناء فرنسا.وكل الدول الغربية تجدها قد استفادت بشكل أو بآخر من طاقة الشباب العربي الذي يعد يتيم الأوطان .وكم من شاب عالم عربي اليوم في بلاد الغرب أفضاله على العالم الغربي لا تحصى ولا تعد؟.. وكم من شاب عالم عربي موجود داخل الحيز الجغرافي للدول العربية علمه جريمة عليه.فلا يجد نفسه بعد انتظار طويل سوى ربط الأحزمة والخروج من غير رجعة.لقد قال لي أب أحد العلماء الذين يديرون أكبر المراكز العليا للربوتيك أن ابنه استدعي في إحدى المرات من طرف دولة عربية كي يشرف على افتتاح مركز مشابه للذي يديره في كاليفورنيا بأمريكا.وبأن هذا العالم يحب دينه وأمته العربية- وقد تتبعت الكثير من العلماء -ولي شخصيا ابن عمتي وهو عالم في الإلكترونيك بسلطنة عمان كان يتقاضى أجرا لا يكفيه حتى في الأيس كريم - فوجدتهم يحبون أوطانهم ويتمنون العمل ولو بغير مقابل المهم تزدهر هذه الأمة- فقد استجاب للمسؤولين لهذه الدولة بل جاء بأصدقاء له من علماء آخرين .وعندما وضع اللبنات الأولى التي بها يتم الانطلاق في الفترة القادمة.وجد أن المسؤولين على أمر هذا المركز العلمي كانوا يبحثون من وراء هذا العمل غاية سياسية ليس إلا.وتبين أيضا أن المسؤولين غير مكترثين بالمرة بهذا المركز ولا بتلك البحوث التي كان هذا العالم يريد تقديمها لهذه الدولة .وما كان من الأب إلا أن طلب منه الذهاب وعدم تضييع وقته معهم .. ولهذا العالم أخت تدير أكبر معهد بكندا سبق لهذه الأخت أن لم تستطع أن تجد عملا في أبسط جامعة بهذه الدولة وعندما هربت إلى كندا وجدت الأحضان .حتى أنها تزوجت من رجل مسلم لكن لا يمتد إلى الجذر العربي.وقال لي أب هذين العالمين أنني ذهبت إلى كندا من أجل زيارة ابنتي فوجدتها في غاية السعادة وأرتني مساحة هذا المعهد قائلة لي أنظر يا أبي ما أدير ه اليوم بعد أن حرمت من كرسي بسيط مشروخ في بلدي. أحيانا أنظر إلى السيارات الفارهة التي تعج بها بلداننا العربية فأسأل نفسي هل بمقدورنا أن نصنع واحدة من هذه السيارات.فماذا ينقصنا ومعنا كل شيء ؟الشباب الذي تتحرَّق عليه الدول الغربية نمتلكه .. كل شيئ في الواقع نملكه الثروات.. الموقع الاستراتيجي.. تناسق الأفكار .تبقى السياسة العامة التي تسيرنا فهي التي لا نملكها وللأسف يملكها غيرنا.ويكذب من يقول بأن السياسة العامة يملكها حكامنا فهم أيضا مثلنا لا يملكون شيئا سوى أنهم يحكموننا.ومن نحن إلا شباب فوارة في السماء.. أو شلال منهمر ولكن على أرض بلقع…..