قبل ساعات وصلتني رسالة مقتضبة، إلى بريدي الإلكتروني تحمل سؤالا قصيرا ومحدداً :" العزيز: عبدالله، ما دور الإعلام السعودي إزاء قتل الأمريكان والأجانب في بلدكم؟ أنتظر إجابتك صديقي".
لم أجد إجابة مركزة، انخرطت في كتابة هذه السطور، كيف أرد على أستاذي الأمريكي (ايكمر ناورل) الذي درسني ورفاقي مادة (الخبر الصحافي) في جامعة ويبر ستيت في ولاية يوتاه (غرب أمريكا) قبل نحو عامين؟ علمني أن أُضرب عن الكتابة عندما أفتقر إلى الإجابة، ماذا أقول لمعلمي الذي يكتب في 4 مطبوعات عريقة ويعمل مستشارا أخباريا في قناة فوكس ويناديني بصديقي رغم البون الشاسع بيننا وأطنان الحزن التي تتكوم بتناسق في أعماقنا وتمنعنا من مزاولة الدقة والمجاملة؟ يا سيدي، لن أرد على رسالتك، لأنك تستحق إجابة وأنا لا أملك بعضها، سأدعي أني لم ألتقط سؤالك، ولاسيما وأنت تعول عليّ والعالم الجديد...
أعتذر بأدب وأوجه حديثي إلى وطني...
نريد برامج وتقارير إعلامية تستضيف سعوديين درسوا وعاشوا في الولايات المتحدة ردحا من الزمن، نهلوا من جامعاتها وتخرجوا في كلياتها المتطورة علميا وثقافيا، وزارة التعليم العالي بعثت مشكورة أفواجا غفيرة إلى دول العالم، صرفت عليهم أموالا كثيرة، استثمارهم ليس عبر توطينهم في وظائف الخدمة المدنية والقطاع الخاص فحسب، الأطفال، المراهقون، ومن ضلوا السبيل بحاجة إلى الإصغاء إلى العائدين، الجميع يود أن ينصت لطبيعة تعامل الشعب الأمريكي معنا كمسلمين وسعوديين، ستساهم أحاديث المبتعثين السابقين في تصحيح الصور الخاطئة التي ملأتنا و تنصب الغرب كبلاد تصدر الفجور،الأغاني، والرقص.
قبل مجيئي إلى أمريكا كنتُ لا أعلم عنها سوى أنها امرأة حسناء، تقبع في الزاوية البعيدة، تنتظر الضحية المقبلة لتفترسها وتقضي على ما في جوفها من إيمان وتقاليد تربى عليها الفرد طوال حياته...
أمريكا ليست كذلك يا أحبة، ليست وحشا ولا مجرد امرأة حسناء لعوب، إنها بلد شاهقة بعلومها والأطياف التي تسكنها بارتياح...
يقول المذيع الأمريكي Tim Russert قبل انتقاله إلى نيويورك: "هذه المدينة ربما تلتهمك، لكنك لو تعاملت معها بذكاء بسيط، ستكبر كثيرا، كل شيء يدفعك للنمو في أجزائها".
بالأمس فقط، كنا نتراص في 3 صفوف طويلة، نصلي بخشوع في أحد متنزهات مدينة دنفر الأمريكية، تمر بجوارنا حشود من العوائل الأمريكية التي تكتفي بنظرات فضولية و ابتسامات متفرقة.
أصدقائي يعثرون على إعجاب كبير في عيون أساتذتهم، يقطفون ارتياحا غزيرا من وجوه العامة...
لم نتعرض لأعيرة نارية على الرغم من ملامحنا المشبعة بالوطن،وتضاريسه التي تبدو بجلاء على قسماتنا.
الأخبار العديدة التي توردها بتطرف بعض القنوات الأمريكية عن الاعتداءات الإرهابية في مدن السعودية جعلت بعضنا محل عناية أكثر من أي وقت مضى في الولايات المتحدة، أذكر أن أستاذة مادة ( نظم المعلومات التقنية) في جامعة كلورادو بعثت إلي برسالة بعد ذبح أمريكي في العراق، قالت لي في سياقها: "لا تحضر في الغد إلى الفصل، ربما تتعرض لردة فعل انفعالية من أحد رفقائك".
أرجو حقا أن يلتقي الإعلام السعودي بمختلف تصنيفاته المبتعثين السعوديين في أقطار العالم، لينقل رواياتهم.
أمريكا، تشهد تخرج مئات السعوديين سنويا (يدرس فيها حاليا نحو 4175 طالبا سعوديا وفق إحصائية إدارة الهجرة الأمريكية)، ألمانيا ترعى أمهر الأطباء السعوديين وتعبئهم علميا عبر مختبراتها المتخصصة ومراكزها التدريبية ومشافيها المتقدمة، بريطانيا هي الأخرى صادقت على ولادة أبرز الدكاترة وطلاب الدراسات العليا في وطننا.
قطعا، ستكون الصور التي سيرويها المنصفون أداة جديدة لحماية بلدنا الكبير، وسيلة نستطيع من خلالها التصدي لكل الإساءات التي ترسبت في دواخل الكثيرين تجاه بعض الدول، الفرص لم تتح للجميع للعيش في الخارج والتعرف على الواقع بعيداً عن التشنج والافتعال والتلقين.
علينا أن نتحرك.
حينها سأرد على أستاذي، سأخبره أننا كما أنتظر، نتحدث عندما نملك الإجابة.