لا يختلف إثنان كما لا يتناطح عنزان في أن العمل بمقتضى قانون حالة الطوارئ،منذ الانقلاب المشؤوم على الخيار الشعبي الحر في 1992، كرَّس صفة الجمود على العمل السياسي بصفة عامة،إذا لم يكن قد شلَّها شللا نهائيا،وأخَّر على وجه الخصوص الجزائر سنين طويلة عن اللحاق بركب التنمية،ومجابهة التحديات الكبيرة التي فرضتها النمطية الدولية الجديدة،المصطلح عليها بالعولمة أين،لا مكان للضعيف في صفها،فضلا على أنها تطحن بين مخالبها كل الدول الضعيفة الهشة.ومادام قانون حالة الطوارئ يسمح بأن يتعرض قادة الأحزاب السياسية للضرب من قبل القوى العمومية،كما حدث لرئيسة حزب العمال لويزة حنون التي طرحت أرضا،وزعيم الأرسيدي سعيد سعدي الذي أدخل المستشفى،فهذا يعني أن حالة الطوارئ يجب أن يتم النظر فيها،كما يتحتم على كل القوى الفاعلة في البلاد أن تأخذ أمر إلغاء هذه الحالة الطارئة على الجزائر والتي فرضتها ظروف أمنية معينة مأخذ الجد.ومادامت هذه الظروف الأمنية نفسها قد تحسنت بشهادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نفسه،فالإبقاء على حالة الطوارئ يصبح متعارضا إذن مع طموحات الجزائر، وآفاق السياسة العامة التي تسعى السلطة مباشرتها في المستقبل القريب كالشراكة مع الاتحاد الأوروبي،والدخول إلى منظمة التجارة العالمية.ويوجد إجماع كبير لدى الطبقة السياسية،بأن حالة الطوارئ لم يعد لها لزوم في ضوء التغيرات الأمنية التي شهدتها الجزائر مع قانون الوئام المدني،ومع العودة الحالية للجزائر ضمن الفلك الدولي الذي غابت عنه قرابة حقبة من الزمن،و كذا استقبال الوفود الدولية من رؤساء جمهوريات،ورؤساء حكومات مع إقامة لهم المآدب وإقناعهم بالدخول إلى الجزائر بغرض الاستثمار لأن الوضع الأمني استتب،وزال شبح تهديد الدولة والطابع الجمهوري لها.كما لم يعد التحجج بحالة الطوارئ من طرف السلطة من أجل تمرير قرارات لا تتماشى مع خيارات الشعب،وخيار الدولة الجزائرية السيدة.وقد علق أحد السياسيين بأن السلطة الفعلية المنبثقة عن الأزمة الشرعية بعد توقيف المسار الانتخابي،لم تكن لتقدر على تمرير قرارات مصيرية وترهن البلاد وقوت العباد لو لم تكن حالة الطوارئ موجودة وتسيطر على دينامية الدولة.لقد خولت حالة الطوارئ للسلطة الفعلية ترسيم خطوط عامة،وفقها تتحكم في مقدرات الأمة من السياسة إلى الاقتصاد،إلى الأمن ،بل أصبحت الحالة الاستثنائية،هي القاعدة في تنظيم شؤون الدولة،واستغلتها جهات نافذة في دواليب الحكم من أجل الإستحواد على مكاسب،ومغانم هي في الأصل من حق الشعب الذي غطى رأسه لأن حالة الطوارئ تفرض ذلك.هناك تضارب اليوم في ضوء المعطيات السياسية الجديدة،في من هو المخوَّل قانونا كي يرفع غمة حالة الطوارئ.وبما أن كل المؤشرات تدَلّل على ضرورة إيجاد مخرج لمثل هذه المعضلة،والفكاك منها في أقرب وقت ممكن، قبل المواعيد الرسمية الدولية المقبلة.فالكرة اليوم هي في مرمى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يجب أن يدلي بدلوه في هذه المسألة ويبين خيطها أسودها من أبيضها.بعد أن أفتى في هذا الأمر الفريق محمد العماري سابقا بأن"الجيش الوطني الشعبي لا يعارض رفع حالة الطوارئ" ما معناه تحميل المسؤولية كاملة للسياسيين.العفو الشامل الذي جعله عبد العزيز بوتفليقة خياره الإستراتيجي ضمن السيرورة الحقيقية لمشروعه السياسي،يتطلب مسهلات catalyseurs كي يعطي ثماره.لأن الحديث عن العفو الشامل دون تمكين للترسانة القانونية بأن تكون ضمن المنفذ القانوني المعمول به في كل الدول المستقرة سياسيا،وتمارس حياتها بشكل طبيعي،سيكون حديثا مجردا من كل واقعية، وسيؤول إلى فشل ذريع كما آلت إلى ذلك كل القرارات السياسية الأخرى عندما تجاوزت سلم العقلانية،وارتطمت بالحقيقة الساطعة كالشمس في رابعة النهار.لأنه من غير المنطقي البتة،أن ننظر إلى الأزمة من غير توظيف آليات تساعد على إنهائها،وإلغاء حالة الطوارئ هي كإحدى الآليات المهمة سياسيا..التي يتوجب البدء باستعمالها كي يكون للعفو الشامل معنى،ويكون له طعم.لأنه مطلب جماهيري قبل أن يكون مطلبا سلطويا،وبغض النظر عن القراءات التي تحوم حوله،أو أنه سيمس اللصوص والمجرمين .لأن الدولة التي تريد أن تنهض،وتستقر،وتتقدم عليها أن تصفح الصفح الجميل.ولا أحد أكبر من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي صفح عن من آذاه وآذى السلمين،وقتل عمه حمزة.وعندنا في العصر الحديث رئيس فنزويلا تشافيز الذي عفا عن خصومه الذين تعاونوا مع جهات استخباراتية أمريكية للإطاحة به قبل أن ترجعه سواعد الشعب الفقير إلى سدة الحكم،بل لم ينفهم ،أو يقتل أبناءهم ولكن ترك لهم كل سبل الدعاية،من جرائد،وإعلام رغم أنها تعمل ضده وضد سياسته،وضد البلاد.من دون نسيان جنوب أفريقيا التي مرت بأزمة طاحنة أخذت كل قواها.لكنها في آخر المطاف استجابت لصوت العقل وأنهت للأبد نظام الأبرتايد،وقد كتب في هذا المضمار الصحفي الكبير "أليستر سباركس" كتابه الجامع حول التحول الكبير الذي عرفته جنوب أفريقيا،والمعنون بـ"غدا دولة جديدة".الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان قد صرح في إحدى زياراته وتحديدا لولاية جيجل،بأن استمرار الوضع العام على احتقانه،سوف يعرض الجزائر لاستعمار جديد،كما أضاف بأن الذئب يتلذذ فعلا وهذه غريزته عندما يلتهم الخروف لكن هل الخروف يتلذذ هو أيضا عندما يلتهم من قبل الذئب؟وهي رسالة واضحة لها معاني كبيرة لا تنأى عن واجب إنهاء الأزمة بصفة نهائيا. و لا يكفي القول بنهاية الأزمة الشرعية بما أن الجزائر قد عرفت عدة انتخابات قال الشعب فيا كلمته،كما سبق وأن قال بذلك رئيس الحكومة أحمد أويحيى.وقد يكون العفو الشامل إحدى بوادر الخروج من الأزمة،وانبلاج صبح جديد على الجزائر.لكن لن يتَأتَّى ذلك كواقع إلا إذا تم إلغاء حالة الطوارئ.لأنها،لازمة قوية،وحتمية أضف إلى كل هذا فهي المحك الحقيقي لنوايا السلطة،ومعرفة صدقيتها،من بلطجتها

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية