لقد أدركت القوى الفلسطينية أن الشارع الفلسطيني يعيش مرحلة حاسمة في تاريخ نضاله العريق، وأنه آن الأوان لأن تتوحد الفصائل الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تتوحد في برنامج سياسي ونضالي في نفس الوقت للتعامل مع ظروف المنطقة التي ساءت على الصعيد السياسي أو المقاومة، بحيث يجب الحفاظ أولا وأخيرا على وحدة الصف الفلسطيني. وفي هذا الإطار جاء تصريح حركة حماس الاستراتيجي ألا وهو قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة وقبل حوار القاهرة بالذات كما نعلم جميعا. لقد وصف البعض هذا التصريح بالقنبلة أي بمعنى المفاجأة ولكننا نعتقد أن قرار المشاركة ليس غريبا جدا عن التفكير المنهجي لحركة حماس. إن لهم في حماس أسبابهم الموضوعية والاستراتيجية التي دفعتهم إلى توقيت اتخاذ القرار في هذا بالظرف بالذات. إنهم مقبلون على حوار وطني في القاهرة وكان هذا القرار، في اعتقادي، توطئة لتوظيفه في الحوار الوطني ويسهل الوصول إلى نتائج ما كانت لتمر في ظروف أخرى أو تحت سقف آخر. فمثلا قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية سيبرر، في المقام الأول، إعلان الهدنة أو التهدئة كما يحلو للبعض أن يسميها. ولكن ما هي الأسباب الموضوعية الأخرى التي دعت حركة حماس إلى اتخاذ هذا القرار وهي التي كانت تصر إلى وقت قريب على عدم المشاركة بحجة اتفاقات أوسلو وغيرها؟ فما الذي جد وطرأ على الساحة؟ وهل هذا القرار هو نقيض لخيار الانتفاضة والمقاومة؟ وما هي فوائده على المدى القصير والمدى الطويل للشعب الفلسطيني بصورة عامة ولحركة حماس بصورة خاصة؟

في ظل ما يجري الآن على الساحة الفلسطينية (السلطة) وعلى الساحة العربية من ترهل في الموقفين العربي والفلسطيني كان لا بد لحماس والفصائل الفلسطينية من مراجعة الحسابات بدقة وقراءة الواقع الآخذ في التدهور على الصعيدين الدولي والإقليمي مما حدا بالسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس أن يشير إلى الظروف الدولية والإقليمية غير المواتية وأنها ليست في صالحنا ويجب الاستفادة من المبادرات الدولية حماية لبرنامج المقاومة كخيار إستراتيجي حتى زوال الاحتلال.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك جملة من العوامل والأسباب الموضوعية التي حدت بحركة حماس إلى اتخاذ قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- تزايد قوة حركة حماس السياسية والذي تمثل في فوزها بنسبة 40% من مقاعد الانتخابات المحلية في الضفة الغربية و65% من المقاعد في الانتخابات المحلية في قطاع غزة مما أعطاها ثقة سياسية لخوض غمار الانتخابات التشريعية القادمة.
2-اعتبرت حماس فوزها في الانتخابات المحلية هو استفتاء على خيار المقاومة. وبهذا تكون قد اطمأنت على خيار المقاومة حتى ولو خاضت غمار السياسة من باب الاشتراك في الانتخابات التشريعية التي يمكن أن تؤدي إلى المشاركة في السلطة عملا بالشعار الذي رفعته الحركة منذ زمن "شركاء في الدم شركاء في القرار" مما يتيح لها الحفاظ على خيار المقاومة والعودة إليه متى ما ارتأت ذلك مناسبا.
3- وصول حماس إلى المجلس التشريعي كما يتوقع لها في الانتخابات القادمة سيمنع تمرير قرارات ضد خيار المقاومة وبهذا تحافظ الحركة على خيار الشعب الفلسطيني كمشروع قائم ما دام الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين قائما.
4- تعتقد حماس أنها ستكون قادرة على حماية نفسها مما يخطط لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني. وذلك عندما تصبح جزءا من النسيج السياسي الفلسطيني سيجعل القوى المعادية لها تفكر في البحث عن أساليب جديدة للتعامل مع الحركة. وستخفت، عندئذ، مطالبة القوى الخارجية بتفكيك حركة سياسية وإعادة النظر في كونها "منظمة إرهابية".
5- دخولها القوي وبتمثيل كبير في المجلس التشريعي يتيح لها المطالبة بتجاوز اتفاقات أوسلو بل وتسقطها من حسابات السلطة كما أسقطها السفاح شارون نفسه من حساباته من قبل.
6- ستتمثل تلقائيا وبشكل رسمي في المجلس الوطني على أساس تمثيلها في المجلس التشريعي وستتمثل كذلك في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفي الحكومة الفلسطينية إن أرادت ذلك بناء على حجم تمثيلها في المجلس التشريعي المرتقب.

فهل انعكس ذلك في نتائج الحوار الوطني في القاهرة؟
إن قراءة متانية لإعلان القاهرة ولما تم التوافق عليه قد تكون الإجابة المباشرة لهذا السؤال نعم. فالذي تم الاتفاق عليه هي نقاط محددة إذا تم الالتزام بها من جميع الأطراف وخاصة البنود المتعلقة بالشأن الفلسطيني نكون قد حافظنا على الوحدة الوطنية وهي قدس الأقداس عند الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة. فلا شك أن كل القوى الفلسطينية وعلى رأسها حماس أثبتت وتثبت يوما بعد يوم أنها على قدر المسؤولية وتستحق أن يشار إليها بالبنان وتستحق المشاركة في القرار الفلسطيني بكل اتجاهاته. يتبين ذلك من البنود التي تم الإعلان عنها في القاهرة. لقد أجمع المراقبون والسياسيون من جميع الاتجاهات على أن إعلان القاهرة كان انتصارا للشعب الفلسطيني بكل مكوناته وخاصة هناك إجماع تام على خمس بنود وردت في إعلان القاهرة.
أولها، التأكيد على التمسك بالثوابت الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة وحقه في إقامة الدولة كاملة السيادة بعاصمتها القدس وضمان حق العودة للاجئين.
وثانيها، التأكيد على رفض الاستيطان واستمرار بناء جدار الفصل العنصري وتهويد القدس والاتفاق على أنها عناصر تفجير مستمرة.
وثالثها، ضرورة الشروع في الإصلاح وترتيب البيت الفلسطيني من كل جوانبه ودعم العملية الديموقراطية بجوانبها المختلفة والمضي في إجراء الانتخابات المحلية والتشريعية في مواعيدها بناء على قانون انتخابات يتم التوافق عليه.
ورابعها، ضرورة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديموقراطية تشارك فيها كل الفصائل الوطينة والإسلامية وخاصة حركة حماس والجهاد الإسلامي.
وخامسها، اعتماد الحوار الوسيلة الوحيدة في التعامل ما بين القوى الوطنية جميعها تجسيدا للوحدة الوطنية وقطعا لدابر أي فتنة قد تطل برأسها من هنا وهناك.

لا أعتقد أن هناك أحد في الشعب الفلسطيني بأسره يختلف أو يعترض على مثل هذه البنود المتفق عليها بالإجماع.

أما البند الوحيد الذي يستحق الوقوف عنده طويلا فهو فهو الهدنة أو التهدئة. صحيح أن هذا البند مقصود به التوجه إلى الكيان الصهيوني والعالم ولكن يظل موقفا موجها للداخل الفلسطيني أيضا لمنع أي خلاف داخلي لأن شارون غير معني به كثيرا بدليل ما يحدث على الأرض يوميا. وأن بعض الآراء التي تقول بأن هذا الإعلان سيحشر شارون في الزاوية ويحرجه أمام الرأي العام العالمي وأن الكرة الآن في ملعب الكيان الصهيوني هو كلام غير دقيق وينم عن عدم فهم للسياسة الصهيونية عامة وسياسة حكومة شارون خاصة. بالأمس فقط أعلن وزير الحرب الصهيوني (موفاز) عن بناء 3500 وحدة سكنية في مستعمرة (معاليه أدوميم). ويظهر ذلك جليا بعد تفاهمات شرم الشيخ المفروض أن يبدأ بتنفيذها. لقد رأينا المماطلة مثلا في الانسحاب من أريحا وبعد إعلان الانسحاب تبين بأنه كذبة كبيرة وذلك بتصريحات رجال السلطة أنفسهم. لم يكن الإنسحاب الإسرائيلي من مدينة أريحا سوى ذر للرماد في العيون ، فهو لم يغير شيئاً من الوقائع على الأرض حيث احتفظت قوات الإحتلال بحواجزها ونقاط المراقبة. وبحسب اتفاق أريحا فإن قوات الاحتلال ستبقي على ثلاثة حواجز على مداخل المدينة مع تخفيف إجراءات المرور، بحيث يسمح بدخول كافة السيارات، وتفرض إجراءات تفتيش انتقائية على السيارات أثناء خروجها.
ووصف وزير الحكم المحلي الفلسطيني (خالد فهد القواسمي) انسحاب أريحا بأنه منقوص وغير كامل، ويشكل محاولة إسرائيلية لإعادة عجلة الأزمة إلى الوراء بعدم تنفيذها الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية بحذافيرها. وأضاف القواسمي في حديث أن التعنت الإسرائيلي مؤشر خطير لما ستكون عليه الأمور في المراحل القادمة من التفاوض بشأن مدن الضفة الغربية وقضايا الوضع النهائي، مشيرا إلى أن تفاهمات شرم الشيخ تنص على انسحاب قوات الاحتلال للمواقع التي كانت فيها عام 2000.

واعتبر محافظ أريحا والأغوار (سامي مسلم) الانسحاب من أريحا "رفع جزئي للحصار المفروض على منطقة أريحا والأغوار، وليس إعادة الوضع لما كان عليه قبل 28/9/2000"، مضيفا أنه "لا يوجد لجيش الاحتلال أي تواجد داخل مدينة أريحا منذ عام 1994 لكنه فرض على المدينة حصارا خانقا وأقام خندقا في محيطها للتضييق على السكان وإطباق الحصار". وتتوالى المسألة بنفس أساليب الإذلال التي يمارسها هذا العدو الصهيوني في ما يسمى بالانسحاب من طولكرم.

إن المأمول أن يلتفت الفلسطينيون إلى تنفيذ ما اتفق عليه وألا يعولوا على كيان عنصري ويسرفوا في التفاؤل بانفراج الأزمة وأن السلام قادم وستصبح الأمور على ما يرام. يجب أن يكون العمل على الجبهتين: الداخلية والخارجية. الإصلاح والحفاظ على الوحدة الوطنية والاستعداد لخداع ومرواغة الكيان الصهيوني وعدم التزامه بالتعهدات والتفاهمات وما إلى ذلك من مصطلحات جدّت على الساحة السياسية. إن الصدام مع المشروع الصهيوني مستمر وأن المقاومة مستمرة وانتفاضة متجددة لا ريب آتية.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية