تفصلنا ساعات معدودات عن اقتحام العصابات الصهيونية للمسجد الأقصى ونحن لا نزال نصرخ ونجتمع ونقرض الأشعار هياما وحبا في المسجد الأقصى والقدس ونعتقد أننا قمنا بما يجب وكل اعتداء والعرب والمسلمون بخير. المهم في الأمر أن ما سيحصل في القدس لا ولن يكون آخر الاعتداءات والانتهاكات في القدس وغير القدس. فالذي يحصل كل يوم على أرض فلسطين هو بحجم ما يحصل في القدس وبالنسبة لي كمواطن لاجئ يهمني كل حجر وكل خربة وكل زيتونة في فلسطين كما يهمني المسجد الأقصى. فالسؤال هو ما الذي يجعل الصهاينة بكل أطيافهم، فليس فيهم المتطرف وغير المتطرف كما يريد الإعلام البائس أن يصور لنا الحال في الكيان الصهيوني، أن يقدموا على اقتحام باحات المسجد الأقصى كما أعلنوا جهارًا نهارًا يوم الأحد؟
بلا شك أن التظاهر بالاحتجاج على الانسحاب الشكلي من قطاع غزة ما هو إلا ذريعة مواتية لهم لتحقيق أهداف بعيدة المدى. فعلوا ذلك من قبل في الحرم الإبراهيمي إلى اقتسموه مع المسلمين وصار حقًّا مشروعًا لهم ولم تحرك السلطة البائسة ولا العرب أو المسلمون ساكنًا بل وعملت الترتيبات بين السلطة وحكومة الإرهابي نتنياهو في ذلك الوقت حول الخليل وتم الاعتراف بالواقع الجديد. وأعتقد جازمًا هنا وهذه المرة بأن الاقتحام المزمع ما هو إلا بداية المطالبة باقتسام الحرم مع المسلمين وإن غدًا لناظره قريب.
فماذا فعلت السلطة على هذا الإعلان الصريح من قبل الصهاينة عن نيتهم اقتحام المسجد الأقصى؟ لقد عقدت مؤتمرًا في رام الله وكان الأحرى بها أن تعقد مثل هذا المؤتمر في القدس تفسها لا خارجها. واكتفى بالتنديد وبمقولة أن مثل هذا العمل سيهدد عملية السلام. أين هي عملية السلام؟ فهل من أحد يدلنا على هذه العملية؟
لقد كان اتفاق أوسلو وبالًا على الفلسطينيين وهو إلى الذي أوصلنا إلى هذا الموقف الذي نعاني منه في القدس وذلك عندما وافق المفاوض الفلسطييني بإرجاء البحث في قضايا الحل النهائي إلى ما لا نهاية ومنها قضية القدس. تشير الإحصاءات بأن الانتهاكات والاعتداءات التي تدخل في نطاق تهويد مدينة القدس منذ احتلالها سنة 1967 حتى اتفاق أوسلو سنة 1993 بلغت 42 انتهاكا واعتداء ومنذ اتفاق أوسلو وحتى سنة 1998 بلغت الانتهاكات 71 انتهاكًا أي إن اتفاق أوسلو أطلق يد الصهاينة في تهويد القدس وتضييق الخناق على أهلنا في القدس مثل فرض الضرائيب الباهظة التي تسببت في إغلاق المتاجر لعدم القدرة على الاستمرار. وكذلك مصادرة الهويات وعدم السماح بالبناء ومنع التراخيص عن أبناء القدس وهدم المنازل والسلطة لا تحرك ساكنا لعجزها ولتقيدها باتفاق أوسلو. ناهيك عن تشويه معالم القدس ومباشرة الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى حتى أصبح معلقًا في الهواء إلى درجة أنه من الممكن أن ينهار من جرّاء اختراق طائرة لحاجز الصوت. وكذلك إحاطتها بالمستعمرات كالسوار للمعصم من جميع الجهات ولا يزال التوسع في هذه المستعمرات حتى بعد ما يسمى بتفاهمات شرم الشيخ.
وهنا الشيء بالشيء يذكر لقد أعطى العرب والسلطة الفلسطينية منصة للسفاح شارون في شرم الشيخ يعلن نفسه "رجل سلام" بمباركة فلسطينية وعربية. وعاد من شرم الشيخ ليكمل المشوار ويعمل ما يريد من استمرار في بناء الجدار واستمرار في التنكيل والإذلال على الحواجز وغرف الموت على المعابر وتوسيع المستوطنات وهدم للأحياء كحي المنطار في صور باهر ومماطلة في تنفيذ ما اتفق عليه في شرم الشيخ وتحويل الضفة الغربية إلى مكب للنفايات. وأما السلطة فهي تقوم بواجبها تماما في تنفيذ ما طلبه شارون دون كلل أو ملل معتمدة على نوايا شارون "الحسنة" ويخرج علينا السلطويون بأحاديث وتصريحات عجيبة بأنهم يريدون أن يضعوا شارون في الزاوية ويحرجوه أمام الرأي العالمي!!
ورغم هذا وذاك ورغم مناورة شارون وزبانيته وتماديهم في إذلال الشعب الفلسطيني واستمرار اعتداءاتهم ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري وعدم تنفيذ الانسحابات المسرحية من المدن الفلسطينية نرى إصرار السلطة على الحديث عن المفاوضات والعملية السلمية والالتهاء بأمور جانبية تافهة كمن يمثلها في القمة ومن هو وزير الخارجية وما إلى ذلك من صغائر الامور بين مراكز القوى داخل السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية؟ ألم يروا صورة العمال الفلسطينيين البائسة والمذلة والمحزنة على معبر إريتز على شاشات التلفزة العربية والعالمية؟
وذهبنا إلى مؤتمر القمة وحصل ما حصل من تنازلات لصالح العدو الصهيوني وتأكيد على مد يد الود والمحبة والسلام للكيان المغتصب مما جعل سيلفان شالوم يصرح بأننا نتظر تبادل العلاقات الدبلوماسية مع عشرة دول عربية على الأقل. وانفض سامر القمة دون ذكر للقدس لا من قريب أو بعيد.
فأي لجنة القدس وأين الجامعة العربية وأين منظمة المؤتمر الإسلامي مما يحدث؟
ولكن الحال من المحال كما قال الشاعر:
أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي
لكم الله يا شعب فلسطين ولكم عزائمكم وصمودكم وعزتكم!!