قف في الحياة دون رأيك مجاهدا *** إنّ الحياة عقيدة و جهاد
يختزل البيت الشعري المذكور أعلاه مسيرة الصحفي السوري تيسير علوني الذي كان مؤمنا إلى أبعد الحدود بقضايا أمته وكان يسعى جاهدا ومن خلال موقعه الصحفي لتسليط الضوء على قضايا المظلومين و المستضعفين و تحديدا في الجغرافيا الإسلامية التي إستباحها الأمريكان في أفغانستان والعراق . وعلى رغم أعبائه الصحيّة فقد تكالبت الدنيا على تيسير علوني وتحديدا بعد تمكنّه من إجراء مقابلة مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان والتي فتحت شهيّة عشرات الأجهزة الإستخباراتية في الغرب للإتصال بتيسير علوني ومحاولة الحصول على بعض المعلومات الدقيقة عن موقع أسامة بن لادن وطرائق تفكيره وحتى المواضيع البسيطة والتافهة أحيانا كانت تصبو إليها هذه الأجهزة على قاعدة أنّ كل معلومة ضرورية , فالمعلومة سواء كانت صغيرة أو كبيرة مفيدة وضروريّة لأجهزة عملها المعلومات والمعلومات فقط .
وقد إتصلت العديد من الأجهزة الأمنية الغربية بتيسير علوني في أكثر من عاصمة ومن بينها العاصمة القطرية الدوحة , و كان علوني على الدوام ينتصر لمبادئه و القيّم التي نشأ عليها ونافح من أجلها , ولو أنّ صحفيّا غربيا حققّ ما حققّه علوني لبات هذا الغربي محطّ أنظار الدنيا و مرجعا في فهم العديد من القضايا , وأنا أعيش في الغرب وكنت على تماس بصحفيين جمعوا الدنيا من أطرافها بسبب سبق حققوه هنا أو هناك .
وحتى المخابرات المركزية الأمريكية كان يهمها أمر تيسير علوني إلى أبعد الحدود وقد جرى تكليف ضباط أمنيين بريطانيين لمقابلة علوني وللأسف وصلوا إليه في عاصمة عربية – ولا يعرف إذا كان بالتواطؤ مع عاصمة هذه الدولة العربية أو أنّ أمننا القومي المستباح بات يتيح لكل جهاز أمني غربي أن يعبث بواقعنا – وفي كل هذه الإتصالات كان علوني صنديدا رافضا للإغراءات وبهارج الدنيا .
وعندما لم تؤد هذه الممارسات الإغرائية وغيرها إلى نتيجة بعينها لجأت الدوائر الأمنية الغربية إلى الخطة التالية وهي إعتقال تيسير علوني ومحاولة إبتزازه ومصه معلوماتيّا وهو الفنّ الذي برعت فيه الأجهزة الأمنية الغربية إلى أبعد الحدود حيث تملك قدرة على فك المعلومة من ذاكرة الشخص دون اللجوء إلى التعذيب كما تفعل المخابرات العربية المتمرسّة في تعذيب الإنسان بوحشية مطلقة , وقد كانت إسبانيا هي المكلفة بهذه المهمّة بإعتبار أن تيسير يحمل الجنسية الإسبانية , وإسبانيا متحالفة قلبا وقالبا مع الولايات المتحدة الأمريكية وهناك تنسيق على أرفع مستوى بين المخابرات الإسبانية و الأمريكية , وكثيرا ما كانت المخابرات الإسبانية تعتقل أشخاصا من المغرب العربي بطلب أمريكي وكان الأمريكان يحققون مع هؤلاء الأشخاص في الأراضي الإسبانية .
وكان تيسير علوني وقبل مغادرته الدوحة إلى إسبانيا قد تلقى شبه ضمانات من أعلى المستويات الإسبانية أن لا غبار عليه , وقد لجأ علوني للحصول على هذه الضمانات لعلمه أنّ الغرب بتابع كل صغيرة وكبيرة ويتابع الجزئيات كما الكليات , و أنّ لقاءه مع إبن لادن وإجرائه حوارا صحفيّا معه قد فتح عليه أعين كافة الأجهزة الأمنية وتحديدا في الغرب حيث الأمن القومي مقدّس , وحيث المعلومات أيضا مقدسة ومهمّة .
وقد غدرت المخابرات الإسبانية بتيسير علوني عندما تركته يدخل آمنا إلى وطنه الثاني إسبانيا وتعتقله في هذا الظرف و في الذكرى الثانية لأحداث الحادي عشر من أيلول –سبتمبر 2003 , وذلك في محاولة لإمتصاص ما لديه من معلومات , خصوصا وأنّ الأجهزة الأمنية الأمريكية ومعها الغربية تتوقّع عملا أمنيا كبيرا مشابها لأحداث الحادي عشر من أيلول – سبتمبر .
و للإشارة فإنّ سجل تيسير علوني الأمني نظيف في إسبانيا وقد حصل على جنسيتها , و معروف أنّ الجنسية الأوروبية لا تعطى للأجنبي المقيم إلاّ بعد موافقة الأجهزة الأمنية في هذا البلد الأوروبي أو ذاك على منح الجنسية لطالبها , والنظافة الأمنية شرط أساس في الحصول على الجنسية الغربيّة .
وإسبانيا التي أعادت محاكم التفتيش إلى العلن تركت كل القوانين التي تحكم مسلكيتها السياسية و رجحّت العامل الأمني على العامل السياسي والقانوني , وإنطلاقا من ذلك وضع تيسير علوني تحت دائرة الضوء والمراقبة وأخضعت كل مكالماته وإتصالاته الهاتفية للتنصت و التسجيل أيضا وبدعم أمني وتقني من أجهزة أمنية غربية , وبطبيعة الحال كان علوني يتلقى عشرات المكالمات من شخصيات إسلامية تؤمن بضرورة نهضة العالم الإسلامي وتؤمن بضرورة أن يصنع المسلمون راهنهم ومستقبلهم وليس الأمريكان , وأمر طبيعي أن يتلقى أي صحفي ناجح مئات الإتصالات من كل الناس بمختلف ألوانهم السايسية مادام هذا الصحفي هو همزة الوصل بين الرأي العام وبين صانعي الفعل السياسي والثقافي والإجتماعي وغيره .
وإسبانيا ومعها الغرب يعرفان أنّ الصحفي يحق له أن يقابل حتى الشيطان , و قد ورد في كل الدساتير الأوروبية وفي القوانين الكبرى كما تسمى في الغرب أنّ الأجهزة الأمنية لا يحق لها أن تسأل الصحفي عن مصدر معلوماته أو من يقابل , ولو حدث لصحفي غربي ما حدث لتيسير علوني لقامت الدنيا ولم تقعد ولأطاحت هذه المسألة برؤوس سياسية كبيرة .
لكن تيسير علوني مواطن عربي ومسلم ومواظب على صلاته وهو في القاموس الأمني الغربي مسلم ملتزم وبالتالي إحتمال تورطه في أعمال إرهابية وارد , وبهذا الشكل سيصبح كافة المسلمين الذين يؤدون الصلاة في الغرب مشبوهين أمنيا وتلك سابقة كبيرة وخطيرة في أوروبا .
ويبقى القول أن تيسير علوني فرجّ الله عنه ضحية عودة العمل بمحاكم التفتيش في إسبانيا وأوروبا وأمريكا , وضحية شهرته التي حققّها بتعب كبير ولم يكن راغبا فيها على الإطلاق , وهو الذي كان الحزن يلفّه خصوصا على ضياع هذه الأمة وتكالب المخالب الأمريكية والصهيونية عليها .
لقد تسنى لي أن أقابله في مبنى قناة الجزيرة في الدوحة مع الزميل فيصل القاسم , وكان كعادته حزينا مهموما إلى درجة أنّ قلبه أصيب بتعب كبير الأمر الذي جعله يجري عملية جراحية فيه , وما إن بدأ يتعافى حتى جاءته طعنة من المخابرات الإسبانية التي إعتقلت رجلا تعرض لأكبر المتاعب في أفغانستان من أجل أن يعرّي أمريكا التي لطالمت ذبحت بقنابلها العنقودية الفقراء والجياع في أفغانستان .
و إذا كان تيسير علوني ضحية شخصية لإرهاب المخابرات الغربية فإنّ أخطر ما في الموضوع أنّ الضحية التالية ستكون قناة الجزيرة لحرمان العرب والمسلمين من أهم قناة تستنهضهم من سباتهم ولا ضير أن تبقى قنوات الغناء والطرب وتمجيد الحكام .
وعلى المثقفين والكتاب و المفكرين والشعراء و المبدعين في العالم العربي والإسلامي والغرب أن يسخروا أقلامهم وكل ما أتوا من طرق للإنتصار للمظلوم تيسير علوني ضحية معلوماته , وقديما قيل من كثرت ملعوماته كثر أعداؤه !!!
وتحية لك يا تيسير في محاكم التفتيش الإسبانية .