إنّ قيّام الجنود الأمريكان بتدنيس القرآن الكريم الكتّاب المقدّس عند المسلمين و مصدر التشريع الأوّل الذي نزل من لدن العليّ الحكيم هو شهادة حية و دليل قاطع على مجافاة أمريكا لكل العقائد والمقدسّات و الحضارات و الثقافات الموجودة في الخارطة الكونيّة. ولم يكن تدنيس القرآن الكريم من قبل الجنود الأمريكان في قاعدة غوانتانمو المذلّة عملا فرديّا يضطلع بمسؤوليته مجموعة من الجنود الأعضاء في المؤسسة العسكرية الأمريكية بل إنّ تصرّف هؤلاء الجنود يأتي إنسجاما مع البنيوية الفكرية والإيديولوجية و السياسية للمؤسسة العسكرية والمنظومة السياسة الأمريكية الرسمية بشكل عام والذي تترجمه المسلكية السياسية والعسكرية والأمنية الأمريكية في الجغرافيا العربية والإسلامية على وجه التحديد .
إنّ ما قامت به المؤسسّة العسكرية الأمريكية هو إستهانة و إذلال وإحتقار لمليار ونصف مليار مسلم يردّدون في كل ساعات اليوم آيات من هذا القرآن المزدحم بمدلولات الخير والعدل والمساواة و الترفع عن الظلم وهي قيّم يحترمها أتباع كافة الديانات و الفلسفات البشرية .
و تدنيس المؤسسة العسكرية الأمريكية للقرآن الكريم هو تدنيس لهذه المفاهيم السامية و كل المعاني الكبرى التي وردت في القرآن والتي يقّر برفعتها المسلمون وغير المسلمين .
ويكشف هذا الفعل الدنئ مدى خروج أمريكا عن منطلقاتها الفكرية والسياسية و كل إدعاءاتها الأخرى، فتدنيس القرآن الكريم هو دوس على رقاب مليار ونصف مليار مسلم تربطهم بهذا القرآن أعمق الوشائج والتي تأسست على مدى أربع عشرة قرنا منذ نزل جبريل على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم قائلا له : إقرأ. وهذا الفعل يكشف أنّ أمريكا لا يهمها مطلقًا هذا العدد الهائل من النسمة المسلمة و لا يهمها بتاتا المعتقدات السائدة في الكرة الأرضية وعلى رأسها المعتقد الإسلامي حيث تدين شعوب من القارات الخمس بالإسلام بما في ذلك القارة الأمريكية .
و هذا التدنيس الموسّع للقرآن الكريم يسفّه كل المحاولات الأمريكية النفاقية لتبييض وجهها وسمعتها ومسلكيتها في العالم العربي والإسلامي، وكل هذه المحاولات التي تهدف إلى إستغباء المسلمين تهدف إلى تكريس الأجندة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي .
ومثلما لم يحترم البنتاغون الأمريكي الذي هو من الهيئات الرسمية الكبيرة في منظومة السياسة الرسمية الأمركية مليار ونصف مليون مسلمٍ فإنّه أيضا ومن خلال ممارسته الطائشة لم يحترم مشاعر الأمريكان المسلمين الذين يسمعون صباحا مساءا شعارات تقديس واشنطن للديموقراطية و رفضها لسياسة التمييز العنصري، هذه الشعارات التي لم تمنع الأجهزة الأمنية الأمريكية من جرّ آلاف المسلمين إلى الإعتقال الإداري التعسفّي و الإستجوابات المذلة في دوائر المباحث الأمريكية والهجرة.
ولا يمكن لأمريكا و بعد هذا الفعل أن تتبجحّ مطلقا بأنّها مع حوار الديانات و الحضارات والرؤى والأفكار، فمحافظوها الجدد الذين أعلنوا الحرب على الإسلام كعقيدة و على العالم الإسلامي كجغرافيا وثروات و على الحضارة الإسلامية كرؤى وأفكار وطروحات قرروا الشروع فلعيا في تسفيه معتقدات المسلمين و على رأس هذه المعتقدات القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل بين يديه و لا من خلفه، هذا القرآن الذي تكفلّ المولى عز وجلّ بصيانته وحمايته إلى يوم يبعثون، وليس للبنتاغون و المؤسسات الأمريكية الرسمية أن تدعي بعد كل ذلك أنّها تقدر الثقافات وعادات الشعوب و معتقداتهم.
ولعلها السابقة الأولى في تاريخ المسلمين بل في تاريخ البشرية حيث قام أشخاص برمي المصحف الشريف إلى الكنيف وهي فعلة شنيعة جدًا لا يحسّ بها إلاّ العارفون بالله أو من أوتوا نصيبا من لذاذة الإيمان و الذين يستهجنون خلط المقدس بالنجس و الطهارة بالقاذورات، و بالتأكيد فإنّ عناصر الجيش الأمريكي لا يرقون إلى هذه المعاني العرفانية والأخلاقية السامية فجل ما يرغبون فيه هو حفنة من الدولارات حتى لو أدى إلى قصف الصومال و أفغانستان أو العراق وغيرها بالقنابل الفتاكة والتي دكّت بها القوات الأمريكية جبال طورا بورا وغيرها.
لا نصادف ونحن نقرأ تاريخ الإسلام والمسلمين ماضيًا و راهنًا أي حديث عن رمي القرآن في الكنيف كما فعل صقور الإدارة الأمريكية، بل في أحلك معارك المسلمين مع خصومهم كان هؤلاء الخصوم يتجنبون المساس بحرمة القرآن إيمانا منهم أنّ ذلك سيلهب غيرة المسلمين و كرامتهم والذين يعتبرون أنّ أرواحهم دوما فداءا لقرآنهم و كتابهم المنزل الذي علمهم الهداية والرشد و الحكمة .
إنّ هذا الفعل القبيح و المهين والذي يعتبر إساءة للمسيحية واليهودية في نفس الوقت لا يمكن السكوت عنه مطلقا لأنّ الذي لا يحترم مقدسّا هنا لا يمكن أن يحترم مقدسّا هنا أو هناك، وهذا الفعل المسئ تتحمّل مسؤوليته الإدارة الأمريكية الراهنة المنطلقة في أدبياتها وخطابها السياسي من فكر المحافظين الجديد والذين يعتبرون أنّ العالم الإسلامي شر و كائن شيطاني، و الذين يعتبرون أيضا في سرّهم وجهرهم أنّ الذي أوجد هذه الحالة الشيطانية و الشريرة هو المنطلقات الفكرية للمسلمين و بالتالي القرآن الكريم و السنة النبوية وتراث السلف الصالح و تراث العلماء والمفكرين والفقهاء و الأصوليين و المحدثين الذين ساهموا في صياغة النظرية المعرفية الإسلامية إنطلاقا من الكتاب والسنّة.
وبعد مطالتهم بتجفيف منابع القوة في العالم الإسلامي و تجريد مناهج التعليم من كل شيئ له صلة بالكتاب والسنة راحوا يرمون هذه المقدسات في الكنيف دون إلتفاتة إلى مشاعر مليار ونصف المليار مسلم ، علمًا أنّ نفطنا وغازنا وحديدنا وفوسفاتنا و يورانيومنا وكل منتوجاتنا الزراعية – كل الموارد الطبيعية في العالمين العربي والإسلامي – هي التي تقف وراء قوة الإقتصاد الأمريكي، فضلا عن وجود آلاف الملايير من الدولارات العربية و الإسلامية في البنوك الأمريكية .
إنّ إعتراف البنتاغون الأمريكي بتدنيس القرآن الكريم لا يكفي مطلقا في إطفاء الغضب الإسلامي، بل يجب على الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن شخصيا أن يقدّم إعتذارا متلفزا وواضحًا لميار ونصف مليار مسلما في القارات الخمس.
وعيب على أمريكا التي تطالب كوبا بالحفاظ على بيت أرنست همنغواي الكاتب الأمريكي الذي انتحر بإعتباره تراثا أمريكيا مقدسّا، أن تستهين بمقدسات المسلمين.
وعلى أمريكا ان تعرف أنّه القرآن الكريم قاصم الجبارين وإن غدا لناظره قريب !!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية