من المؤسف حقا، أن تتحول منظمة الامم المتحدة الى مطبخ للقرار السياسي الخادم للمصالح الاميركية بهذه الصورة المكشوفة جدًا، إذ تختلط الرغبات الاميركية بنص القرار الدولي بطريقة يصعب فيها التفريق بين الإثنين، فأخذت هذه المنظمة تتهيأ شيئا فشيئا للقيام بدور المفتي في محاكمنا العربية. بشاربه الأبيض الكثيف الذي لا يحاكي بالتأكيد لون قلبه، وقف المندوب الاميركي الدائم في مجلس الامن، ليتهم في إيجازه الصحافي سورية بإمداد الفصائل الفلسطينية في مخيمات لبنان بالسلاح، وقبله بيومين طالب الرئيس الاميركي بوش سورية بإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في دمشق، باعتبارها - على حد قوله - منظمات إرهابية، وهو مطلب يتكرر منذ سنوات، كما صدرت تصريحات عديدة عن أقطاب القيادة الأميركية تتهم سورية بالتقصير في إغلاق حدودها في وجه المقاتلين الأجانب المتدفقين على العراق، وجاءت هذه الإملاءات الأميركية في سياق تطبيق قرار الامم المتحدة رقم 1636 بخصوص قضية اغتيال رفيق الحريري والتعاون مع لجنة التحقيق الدولية المشكلة لمتابعة خيوط هذه الجريمة، وبدا الامر وكأن القرار المذكور بات مطية لتحقيق مطالب لا صلة لها بالقضية موضع القرار، إذ تحول القرار إلى وسيلة للضغط على سورية لتنفيذ السياسة الاميركية في المنطقة، وبما أن العلاقة بين سورية وأميركا متأزمة جدا، فلا مانع اذاً من استغلال قضية الديموقراطية وحقوق الانسان لتشكل أداة ضغط جديدة تضم الى ادوات اخرى مستخدمة بالفعل.

من المؤسف حقا، أن تتحول منظمة الامم المتحدة الى مطبخ للقرار السياسي الخادم للمصالح الاميركية بهذه الصورة المكشوفة جدًا، إذ تختلط الرغبات الاميركية بنص القرار الدولي بطريقة يصعب فيها التفريق بين الإثنين، فأخذت هذه المنظمة تتهيأ شيئا فشيئا للقيام بدور المفتي في محاكمنا العربية، فحين ينطق القاضي بحكم الإعدام على متهم ما، فانه يرد في ذلك بعبارة باتت محفوظة وهي: «ويحال ملف القضية الى فضيلة المفتي»، وليس للمفتي من دور سوى البصم على الحكم، فلم يسجل تاريخ محاكمنا العربية سابقة واحدة تجاسر فيها فضيلة المفتي على رفض التصديق على الحكم! الفارق الوحيد بين الاثنين ان الأمم المتحدة لا تستجيب للمطالب الاميركية دفعة واحدة، كي لا تظهر في صورة المتابع الموافق على طول الخط، ولكن تعمد الى التقسيط السريع وغير المريح عبر إصدار حزمة قرارات متدرجة تشكل في النهاية محصلة لمعظم الطلبات الاميركية، ولذا فان الباب ما يزال مفتوحا لإصدار قرار جديد اشد لهجة واكثر صرامة.

وفي السياق ذاته، فإن قضية الديموقراطية وحقوق الانسان قد تثير حماسة الكتاب والمفكرين للتعاطف مع تلك الضغوط، ورغم أهمية هاتين القضيتين، الا أن الإدارة الأميركية لا تأبه كثيرا بتمتع العربي بتلك الحقوق ودوره في صنع القرار، فما تزال مشاهد النزاع الاميركي ـ الليبي ماثلة في الأذهان، وقد وظفت تلك القضية يومها للضغط على النظام الليبي، لكن بعد أن انصاع النظام للمطالب الاميركية بخصوص التعويضات واسلحة الدمار الشامل وعودة الشركات النفطية الاميركية للتنقيب، فان قضية الدمقرطة باتت نسيا منسيا! ولا أدري كيف يسوغ لكاتب عربي أن يتصور حصول جدية اميركية إزاء الاهتمام بالانسان العربي المغلوب على أمره وهو لا يرى اي مؤشر فعلي ملموس على صدق ذلك التوجه، وإن أردت دليلا على أن أميركا لا تعير المواطن العربي أدنى اهتمام ولا تحرص على تمتعه بحقوقه الآدمية، فحسبك أن تعرف أنها بنت لها سجونا خاصة في بعض الدول العربية تزج فيها بمعتقلي حربها على الإرهاب ليتم فيها استجوابهم على الطريقة العربية التي لا تمنح المشتبه فيه ولو خطأ حقوق الحيوان!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية