عندما تسأل عن موقع ابن خلدون وابن رشد والفارابي وصناع الحضارة العربية القدماء والمحدثين فلا أحد يحري جوابًا، ذلك أن بعض العرب نقلوا إلى السويد مساوئ حضارتهم ولم يأخذوا من السويديين محاسن الحضارة الغربية بل أخذوا المساوئ منهم وهكذا تراكمت المساوئ على المساوئ لتصبح النتيجة أننا أمة تنتمي إلى حضارة الفلافل والكباب والرقص الشرقي والحمص بالطحينة.
عندما يتجاذب المرؤ أطراف الحديث مع بعض السويديين الذين لهم علاقة بالشأن الإعلامي والثقافي والتربوي حول ما يعرفونه عن الحضارة العربية والثقافة العربية, فإن العديد منهم يردد فورًا وبلا تفكير عبارات: الفلافل، الكباب، الرقص الشرقي، الجرائم والحروب، صدام حسين، الشعر الأسود والخلافات السياسية وما إلى ذلك من العبارات المشتقة من العبارات السالفة الذكر.

والحق في الواقع ليس على السويديين إنما على كثير من أبناء الجالية العربية التي لم تنقل معها من الواقع العربي غير ما جئنا على ذكره من مصطلحات.

و قد باتت بعض الشوارع في السويد تزدحم بمحلات الكباب والفلافل، وكثير من السويديين بات يعرف ما معنى حمص بالطحينة والفول ومشتقاتهما. ويأخذ بعض الناشطين الثقافيين من السويديين على النخبة العربية عدم تفاعلها مع الفعل الثقافي في السويد، وعدم حضورها الفعاليات الثقافية التي تقام في أكثر من مدينة وتحديدا في جنوب السويد كمدينة مالمو المعروفة بنشاطاتها الثقافية العالمية وغيرها من المدن السويدية وعلى رأسها العاصمة السويدية ستوكهولم، على الرغم من أن هؤلاء الناشطين يبعثون بدعوات مفتوحة و مجانية إلى من لهم علاقة بالثقافة العربية.

وقد بات مألوفا في المناسبات أن يتجول المرء في بعض الشوارع المعروفة في السويد، فيصادف راقصات سويديات وتحديدا في بعض المناسبات يرقصن على إيقاع الواحدة والنصف وعلى أنغام الموسيقى المصرية الصاخبة.

وقد تمكنّ فنان عربي من أن يدرب فتيات سويديات على المقامات والرقص الشرقي والطرب العربي حتى بتنّ يرددن هذه الأغنيات والرقصات في بعض النوادي, وقد خصصت القناة التلفزيونية السويدية الأولى ذات يوم حصة كاملة لهذه الفرقة على أساس أن هذا العمل يندرج في مجال تفاعل الحضارات وحوار الثقافات.

وعندما تسأل عن موقع ابن خلدون وابن رشد والفارابي وصناع الحضارة العربية القدماء والمحدثين فلا أحد يحري جوابًا، ذلك أن بعض العرب نقلوا إلى السويد مساوئ حضارتهم ولم يأخذوا من السويديين محاسن الحضارة الغربية بل أخذوا المساوئ منهم وهكذا تراكمت المساوئ على المساوئ لتصبح النتيجة أننا أمة تنتمي إلى حضارة الفلافل والكباب والرقص الشرقي والحمص بالطحينة.

ومما يؤرق الذهن أن النخبة المثقفة العربية انكفأت عن نفسها ولاذت بالعزلة والأمراض النفسية أيضًا، وهذه النخبة غير قادرة على الإنتقال إلى الفعل الثقافي الذي يلغي حضارة الكباب الشرقية. والإنتليجانسيا العربية تعيش حالة من التمزق السياسي والتنافر الإيديولوجي الأمر الذي جعل الجاليات الأخرى في وضع متقدم نسبيًا!

و على صعيد الفعل السياسي ضمن الخارطة السياسية السويدية فلا وجود لأي لمسات عربية علمًا أن الأحزاب السويدية صدرها مفتوح لكل الأجانب الذين يريدون المساهمة في بناء السويد الجديدة على أساس تعدد الثقافات والحضارات، كما أن الساحة الإعلامية في السويد تفتقد إلى وجوه عربية تدلي بدلوها في مختلف القضايا المطروحة في الساحة السويدية والتي بعضها مرتبط بقضايا المهاجرين أساسًا، وكل ذلك في ظل غياب منبر عربي يضم الأصوات العربية التي مازالت تؤمن بالإبداع.

ويخشى بعض الملاحظين في السويد أن يتصور السويديون مستقبلا أن الحضارة العربية تعني الكباب والفلافل والرقص الشرقي والطغاة من أمثال صدّام حسين .

وهذا ما جعل أحد الظرفاء العرب في السويد يقول أن ماكدونالدز صاحب محلات الأطعمة الخفيفة المشهورة سيصاب بأزمة قلبية إن هو تجول في السويد، حيث أصبحت محلات الفلافل تنافسه، وربما ما خسرناه في الحضارة والسياسة نعوضه في الأطعمة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية