ما حدث على الساحة السياسية الاسرائيلية مؤخرًا، وتحديدا تداعيات انشقاق الجنرال أريئيل شارون رئيس الحكومة على حزب الليكود، والمتمثلة بخروجه منه بهدف تشكيل حزبه الجديد " كاديما " - وبالعربية الى الأمام – ليس أمرًا جديدا على خارطة الأحزاب الاسرائيلية التي شهدت انقسامات وانشقاقات وانفصالات وبروز احزاب جديدة، تكاد لا تحصى منذ قيام الكيان الاسرائيلي حتى هذه الأيام. وباختصار، فان المتغير في الخارطة الحزبية الاسرائيلية هو شكلي تمثل في تشرذم حزب الليكود وتقلص مساحته على هذه الخارطة ، واستكمالا فمن المتوقع بروز الحزب الجديد بقيادة شارون الذي اطلق عليه مسمى "كاديما". أما المتغير الشكلي الثاني فهو يندرج تحت حركة الانشقاقات، ويتمثل بخروج السياسي العمالي الاسرائيلي المخضرم شمعون بيرس، وانضمامه الى حزب شارون الجديد.
مايعنينا هنا من هذه المتغيرات الشكلية بكل تداعياتها، هو ما يمكن ان تؤثره سلبا او ايجابا على استحقاقات القضية الفلسطينية التاريخية الرئيسة، وليس على بعض افرازاتها الثانوية البعيدة عن صلب موضوعها. وهنا تبرز حقيقة مفادها ان القضية الفلسطينية قد خبرت كل الاطياف الحزبية الاسرائيلية منذ ان كانت هناك قضية على مدار ثمانية وخمسين عاما هي عمر النكبة الفلسطينية.
كان هناك حزب العمل الذي انفرد بالسلطة ردحا طويلا من الزمن، وفي ايامه نشبت كل الحروب العربية الاسرائيلية الرئيسة – حرب 1948 – حرب 1956 – حرب 1967 – حرب 1973. ثم كان هناك حزب الليكود ، فائتلاف الليكود والعمل والاحزاب الدينية ، فحزب الليكود منفردا ، واخيرا لا آخرا الليكود والعمل. وتحت ظلال هذه المتغيرات الحزبية لم تشهد القضية الفلسطينية اية قفزة نوعية تخص استحقاقاتها ، حتى تلك التي اقرتها لها الشرعية الدولية عبر قراراتها – 194 – 242 – 338 – وغيرها الكثير، وظلت الاوضاع تتردى دون ان يكون هناك بارقة امل للخروج من النفق المظلم الذي حشرت فيه، والذي شهد المزيد من الحروب والانتفاضات والافعال الدامية وردود الافعا .
وفي ذات السياق، لا احد ينكر ان هناك عملية سلمية جارية بشكل او بآخر بين الفلسطينيين والاسرائيليين. الا ان ما آتته من أُكل ومنجزات لا يعادل مثقال ذرة من وزن ما تحصده الممارسات الاسرائيلية على صعد تمسكها باحتلال الاراضي الفلسطينية، واصرارهاعلى مصادرة المزيد منها لتغذي بها مشروعات الطرق الالتفافية وجدار الفصل العنصري والاسترسال في المد الاستيطاني.
واذا كان ما ذكرناه حتى الآن يخص الارض الفلسطينية، فثمة الكثير مما يخص الانسان الفلسطيني الرازح تحت وطأة معاناة الاحتلال . ان عمليات القتل والاغتيال لم تتوقف الا لكي تستأنف من جديد. وهذا ينطبق على الاعتقالات المستدامة. وهل ينسى الفلسطينيون الحواجز بكل اشكالها ؟ وكيف يتجاهلون الاجتياحات والاقتحامات والحصارات والاغلاقات التي اصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية ؟
إن ما يعنينا من هذا السرد لبعض من الفعاليات الاحتلالية، انها في حقيقتها تشكل قاسما مشتركا لكل الاطياف الحزبية الاسرائيلية التي توالت على الحكم. وحقيقة الامر ان ليس ثمة ادنى فرق ما بين حزب اسرائيلي وآخر سواء كان منفردا بالسلطة، او كان مؤتلفا مع غيره. واما الفوارق بين يمين ويسار ووسط وعلماني ومتدين فهي تكمن في "التكتيك" فقط، اما ما يخص "الاستراتيجية" فثمة اتفاق عليها لا انفصام له.
إن السياسة الاسرائيلية تحت ظلال أي طيف حزبي مؤتلفا كان او منفردا محكومة ومقيدة بثوابت أيديولوجية قبل ان تكون وليدة ظروف سياسية طارئة او مستجدة. وقد شكلت هذه الثوابت خطوطا حمراء لم يتجاوزها أي من هذه الاطياف.
لقد اكتسبت هذه الثوابت الايديولوجية قدرا من القدرة على الاستمرار والتصعيد في الاداء والتوظيف كون فعلها لم يلق رد فعل الا من طرف واحد هو الطرف الفلسطيني ذو الامكانيات المحدودة، كونه فقد عمقه العربي فبات وحيدا في ميدان الصراع في مقابل قوة عاتية مدعومة من قبل الولايات المتحدة الاميركية، وبالصمت العربي او بصحيح العبارة التعاجز العربي. وهذا ما زاد المواقف الاسرائيلية سواء في زمن شارون او غيره عنادا وصلابة في الرأي والرؤيا والتخطيط والتنفيذ.
ولسنا هنا ننطلق من نزعات تشاؤمية، ولا من قبيل الاحكام الاعتباطية على مجريات الامو . ان ما يجري على الساحة لا يمكن قراءته الا انه صورة كربونية لما سوف يحدث غداة الانتخابات الاسرائيلية القادمة، والتي على الارجح سوف تعيد شارون الى سدة الحكم في آذار \ مارس من العام 2006.
ومثالا لا حصرا نسوق بعض الشواهد. ففي العام 2006 – وكما صرح رئيس الاركان الاسرائيلي الجنرال "موشيه كابلنسك " ان جدار الفصل البالغ حاليا 275 كم، سوف يستكمل في العام القادم ليبلغ طوله 759 كم وهو الطول المخطط له. هذا اضافة الى التحول الدراماتيكي الذي طرأ على موقف شارون والمتمثل بنيته الغاء الطريق الآمن بين غزة والضفة، وتحويل معبري المنطار "كارني" وبيت حانون "ايرز" على حدود غزة الى نقطتين حدوديتين. واذا ما اضيفت لاءات شارون المعهودة لحدود 1967، وحق العودة، والدولة الفلسطينية والقدس عاصمتها، وتفكيك الاستيطان، يصبح بالامكان قراءة المشهد السياسي العام الخاص بالقضية من منظور اسرائيلي جامع لكل الاطياف.
في ضوء هذه اذات السيادة لمعطيات والحقائق الآنفة الذكر – وهي غيض من فيض – فان الحديث عن مستقبل يسوده تغيير ايجابي في المشهد العام للقضية الفلسطينية جراء متغيرات شكلية على الساحة السياسية الاسرائيلية هو ضرب من قفز اعتباطي الى افتراض يفتقر الى المنطق.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ان شارون الليكودي غير شارون وهو على رأس حزبه الجديد "كاديما" ؟ وفي ذات السياق هل ان شريكه شمعون بيرس هو الآخر سيكون غير ما هو عليه حينما يصبح الرجل الثاني في حزب "كاديما" الحاكم؟
جوابنا عن كلا السؤالين ان شارون هو شارون، وبيرس هو بيرس. وستظل ثوابتهما الايديولوجية هي ذات الثوابت التي لا تعترف بالقضية الفلسطينية ولا باي من استحقاقاتها الشرعية، طالما ان العالم العربي يفتقر عنصر التأثير، ويمر في حالة انعدام الوزن على كافة الصعد. وان غدا لناظره قريب.