إذا كانت هذه الغارة الإجرامية على حمى الأمة الإسلامية يحسبها الكثيرون ضارة، ومحبطة للعزائم والهمم، فإنها على عكس ذلك منشطة، ودافعة، للوقوف مرة ثانية، شريطة أن تحضر فريضة التفكير، كرد فعل يقارع حرية التعبير، التي من المؤكد أنها ستختفي بمجرد، أن تجد ندٍّا لها، يعرُّفّها حقيقتها، ويشعرها بأن هناك ردعا صارمًا، يستمد قوته من العقيدة التي تتهكم بها هذه الحرية الساقطة، ولو اقترنت بالتعبير الحضاري الذي يدعونه زورا وبهتانا. ما شهدته الساحة الدولية خلال الأيام الأخيرة من شد وجذب، سواء من قبل الدول الغربية التي أسفرت عن وجهها الصليبي الحاقد، بتطاولها على رجل يعد في العالمين، في الأولين والآخرين، أعظم خلق على وجه الأرض، و نبي الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم، أو من قبل شعوب الدول المسلمة التي رأت في هذه السقطة الغربية، وهذا المجون المفتعل استفزازا يستلزم أن لا يسكت عنه، ولا يذهب من غير رد، كيفما كان الرد.

الواقع ينبئ عن مولود حضاري يراد له أن يخرج إلى العلن، تمثله الحضارة الإسلامية الغائبة، والمغَيَّبة، غائبة لأن لا وجود لها ضمن الخارطة العالمية، أو ضمن الفضاء السياسي الدولي الذي تسيطر عليه قوى الجبابرة الذين يغذون الكوكب الأرضي بطغيانهم، وظلمهم، وحقدهم على كل ما له صلة باللون الأخضر، حتى لو كان حشيشا، ومغّيًّبة لأن المسلمين على تعدادهم الكبير لا يمثلون شيئا أمام مقدرات هذه الدولة التي لم تعد تتحرج من الإعلان عن عدائها للمسلمين، ونبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم، ونعته بأشنع الأوصاف.

إن علماء الطب يؤكدون أن معظم الأمراض تعالج بمصل مصدره فيروس المرض نفسه، وإذا كانت هذه الدول التي رأت نفسها، تفرغ شحنات أمراضها، وعقدها، في صور تسيء لنبي جاء لينقذ البشرية من الظلم، ومن الطغيان، ويرفع من شأن الإنسان مهما كان لونه، وجنسه، فإنها أخطأت الطريق، وخدمت المسلمين، من حيث أرادت أن تستفزهم،

أولا: الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لا يضره ما يفعله هؤلاء الحاقدون، لأن مكانته أسمى من أن يمسها البشر، وأكبر من أن تطاله هذه الموجة الكافرة.

ثانيا: ما اعتقدته دولة الدنمارك وحكامها، ومن جاراها من دول كألمانيا، وإسبانيا، والنرويج، بأنها استفزت المسلمين، فهي حقا أصابت الهدف باستفزازها ذلك،ولكن في نفس الآن أصابت مكمن الحراك الذي يتميز به المسلمون على من سواهم ،فهذه الرسومات وحَّدت المسلمين من شرق وغرب، وشمال وجنوب، وعرَّفت العالم بأسره الذي كان يرى في هذا الدين مجرد إسم يتداول هنا وهناك ولا محل له من الإعراب على طول وعرض الكرة الأرضية، عرَّفته بأن هناك دينا إسمه الإسلام ونبيا إسمه محمد عليه السلام وجموع مسلمة تتحرك عندما يمس الإسلام ويمس هذا الإسم العظيم.

لكن يتوجب التريث في هذا الحراك الذي يشهده العالم اليوم، وتشهده الجبهة الإسلامية العالمية، فعلينا أن نفكر في هذا الحراك كيف يكون، وكيف ينتهي ،لأننا تعلمنا من التاريخ، ومن الأحداث، أن ليس كل حراك، وكل غضبة ولو كانت لله، وهي فرض عين، تفضي إلى نتيجة محسومة لصالح المسلمين في النهاية، فالأعداء دهاة، ولهم قدرة جهنمية في تحويل المغارم إلى مغانم، ويكفي أن سفير الدنمارك في الجزائر، وهو يمزح كما يدعي أن قال بأن المسلمين إذا قاطعوا منتجاتنا فماذا يأكلون؟.وهو صادق فيما يقول، لأنه يعلم بأن هذا التحرك ستكون له نهاية لصالحهم بالعودة مرة أخرى إلى منتجاتهم، بما أن الجموع الغفيرة من المسلمين التي تتظاهر في الشوارع وتموت على أيدي حكامها،لاتملك الحول والطول، ولا تملك المقدرة على تغيير واقعها المر،ولو قاطعت كل المنتجات الغربية، جملة وتفصيلا.

المسلمون اليوم مطالبون في خضم هذه الأحداث التي فضحت الغربيين، وكشفت حقيقتهم، وأظهرتهم أمام الملأ بأنهم مجرد سماسرة في السوق العالمية، ومجرد مرتزقة، خونة حتى لمبادئهم، ولما يدعونه من ديمقراطية وحرية التعبير، وبأن حريتهم لم تكن إلا على حساب المسلمين بالسب والشتم في ما يملكونه من مقدسات، أن ينظروا إلى هذه الحادثة بعين المفكر الواعي، الناقد المتبصر، وأن يلتفوا حول علمائهم، والعلماء الأجلاء يعرفون بالفطرة، ومن يستفتي قلبه فهو دليله، وأن لا يتم التعويل على الأنظمة العربية، التي أصبحت اليوم فاقدة الصلاحية، وفاقدة لأدني شروط الحياة، فعدمها كوجوده،

ومن أراد أن يعرف ذلك فهاهي الدول الغربية التي تصبح على إساءتنا، وتمسي على إساءتنا، بإمكانها أن تتكلم في هذه الأنظمة التي ما تطاول أحد من رعاع الدول على مقدسات، وحرمات هذه الأمة إلا من خضوعها لنزواتها، وموتها الإكلينيكي أمام كل ما يحرك الوجدان، ويثير العواطف الصادقة.
الأمة الإسلامية مطالبة اليوم أن تغضب، وتعبر، وتفكر، شأنها شأن الأمم الأخرى التي تحررت، ثم جنحت للتفكير، فظنت نفسها أنها استعبدت العالم والدنيا،

وإذا كانت هذه الغارة الإجرامية على حمى الأمة الإسلامية يحسبها الكثيرون ضارة، ومحبطة للعزائم والهمم، فإنها على عكس ذلك منشطة، ودافعة، للوقوف مرة ثانية، شريطة أن تحضر فريضة التفكير، كرد فعل يقارع حرية التعبير، التي من المؤكد أنها ستختفي بمجرد، أن تجد ندٍّا لها، يعرُّفّها حقيقتها، ويشعرها بأن هناك ردعا صارمًا، يستمد قوته من العقيدة التي تتهكم بها هذه الحرية الساقطة، ولو اقترنت بالتعبير الحضاري الذي يدعونه زورا وبهتانا.



عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية