ثلاث نكبات عاشها الحاج عبد السلام الخطيب (78 عاما) المقيم في قرية بيت إكسا شمال غرب القدس المحتلة، وهو يخشى حاليا أن يعيش نكبته الرابعة بسرقة أرضه الزراعية التي اعتاد فلاحتها منذ أربعة عقود.
تجاعيد وجه وهرم جسده طويل القامة يبدو أنها لم يؤثر في إصراره على البقاء هذه المرة وربما التعرض للموت داخل بيته كما يقول في حال محاولة الإسرائيليين طرده من منزله خصوصا في الظل الظروف الصعبة التي تحياها قريته الصغيرة بفعل جدار الفصل العنصري.

يجلس الحاج الخطيب داخل منزله القديم المكون من غرفتين الواقع وسط البلدة القديمة المهدومة منذ عام 1948، والذي أعاد ترميمه بعد أن فجرته العصابات الصهيونية يروي تفاصيل النكبات التي عاشها وأهالي قريته على أيدي المحتلين.

يقول الحاج الخطيب أنه لن ينسى ذلك النهار الرمضاني الحار، حيث كان الناس وسط حقولهم الزراعية يحصدون قمحهم تمهيدا لبيعه عندما اقتحمت العصابات الصهيونية قرية "خروبة" التابعة لمدينة الرملة في تلك الحقبة والتي كان يقطنها قرابة 600 شخص.

وأجبروا سكانها على الرحيل حفاة عراة تحت تهديد السلاح، ليرحلوا جميعا خصوصا بعد أن انتشرت أخبار الجرائم التي ارتكبتها عصابات (إيتسل) و(ليحي) الصهيونيين في مدينة اللد و القرى القريبة منه، ولم يبقى في القرية سوى قليلة من الفدائيين المدافعين الذين استشهدوا في وقت لاحق.

لم يتسنى للحاج الخطيب أن يعود إلى بيته لإغلاق منزله وإحكامه أو إلقاء نظره وداع عليه، ظن منه أن رحيله سيكون مؤقتا وأنه سيعود إليه بعد أن تغادر العصابات الصهيونية من حيث أتت لكنه لا يزال ينتظر هذه العودة حتى اليوم.

سني نكبته الثمانية والخمسين لم تنسه تفاصيل أرضه الزراعية ولا بيته الطيني، فهو لا يزال يقدم لكل من يزوره تفاصيل أرضه المزروعة بالقمح والشعير والتي تتجاوز مساحتها 150 دونما كما يقدرها، وهي تشكل جزءا من السهل الساحلي الفلسطيني، كما بدا حزينا وهو يتحدث عن تفاصيل جني محصور القمح وبيعه في مدينتي اللد الرملة.

وكم يبدو حزينا وهو يتذكر مرارة الرحيل والتي عاشها حتى وصل قرية بيت إكسا التي يقيم بها حاليا وحيدا بعد أن توفيت زوجته، قائلا أنه لم يهدئ لهم بال بعد فبعد أسابيع قليلة من وصولهم إلى القرية انتشرت أخبار مذبحة قرية دير ياسين المجاورة لهم، وخشيتا على حياتهم قاموا بمغادرة القرية مرة أخرى إلى أماكن مختلفة منها مخيم عقبة جبر في مدينة أريحا وإلى مدينة رام الله والبيرة.

ولكن رحيلهم لم يكن بالأمر السهل حيث رحلوا وسط الاشتباكات التي كانت تدور بين جيش الإنقاذ العربي التمركز على جبر النبي صموئيل المطل على مدينة القدس، وبين العصابات الصهيونية التي تواجدت في قرية دير ياسين ولفتا والتي قامت في وقت لاحق بتدمير قرية بيت إكسا المكونة من 120 بيتا بالكامل، بما فيها بيت الحاج عبد السلام الذي كان يستخدمه كمكان يحضر إليه في الصيف فيما يعود في الشتاء إلى بلدته "خروبة".

وبعد ثلاثة سنوات من الرحيل وجرى اتفاق بين القوات العربية والحركة الصهيونية على إعادة قرية بيت إكسا إلى السيادة العربية مقابل الحصول على جزء من قرية بتير جنوب القدس المحتلة وهو الذي يمر منه خط سكة الحديد التي تربط بين مدينتي يافا والقدس.

وبالفعل عاد أهالي القرية إلى قريتهم يلملمون جراحهم فرحين بالإنجاز الذي تحقق، وشروعا في إعادة ترميم منازلهم التي دمرها القصف الصهيوني، وكانوا مستبشرين بنصر الجيوش العربية وعودتهم أيضا إلى بلدتهم الأخرى خروبة.

ولكن في العام 1967 كما يقول الحاد عبد السلام الخطب وخشية على حياتهم ونظرا لصورة المجازر التي لا تزال عالقة في أذهانهم ولاقتحام جزء من جيش الاحتلال الإسرائيلي البلدة بحجة التفتيش عن الأسلحة غادر جزء كبير من أبنائها إلى الأردن عبر معبر الكرامة، وبمن فيهم الحاج عبد السلام الذي تمكن من التسلل والعودة لاحقا إلى القرية.

واليوم يبدى الحاج خشيته أن يهجر أهالي قريته مرة أخرى إلى بلاد أخرى خصوصا أن جدار الفصل العنصري الذي يبنى على أراضيهم الزراعية، أصبح يحول دون تمكنهم من الوصول إليها أو فلاحتها، ولم يتبقى لهم سوى منازلهم ومعزولون بالكامل في سجن كبيرة بين الجدار الذي يبنى حول الضفة وحدود العام 1967 التي تفصلهم الأراضي المحتلة عام 1948.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية