لا شيء سوى أنهما من مواليد صيدا، حاضرة جنوب لبنان.
الأول كان عند اغتياله زعيما ونائباً يمثّل بيروت في البرلمان اللبناني، والثاني كان عند اغتياله (مع شقيقه نضال) قياديا في حركة الجهاد الإسلامي ومجاهداً “يمثّل” الكفاح لتحرير فلسطين لدى الشعب اللبناني.
الأول جرى تفجير سيارته مع موكبه في بيروت ظهر يوم 14 فبراير/شباط 2005. والثاني جرى تفجير سيارته مع شقيقه في صيدا قبل ظهر يوم 26 مايو/ أيار 2006.

بعد مرور 435 يوماً على اغتيال الأول لم يتمكّن التحقيق الدولي الذي شاركت فيه أجهزة مخابرات أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من اكتشاف المجرمين الذين خططوا ونفذوا الجريمة النكراء، ذلك أن المحقق الدولي سيرج براميرتس اكتفى في تقريرٍ أودعه بتاريخ 10/6/2006 الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بالقول إن التحقيق “أحرز بعض التقدم”، وإنه يحبّذ تمديد مهمة لجنة التحقيق الدولية سنةً إضافية.

بعد مرور 18 يوما على اغتيال الثاني أعلنت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بتاريخ 13/6/2006 تفاصيل إلقاء القبض على رأس الشبكة الإرهابية المرتبطة بجهاز “الموساد” “الإسرائيلي”، والمتهمة بارتكاب سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات آخرها اغتيال محمود المجذوب وشقيقه نضال.

وكان مجلس الأمن كلّف لجنة التحقيق الدولية التحقيق أيضاً في سلسلة اغتيالات ومحاولات اغتيال، قبل مقتل الحريري وبعده، شملت الوزير مروان حماده والوزير إلياس المر والكاتب سمير قصير والنائب جبران تويني والزعيم الشيوعي جورج حاوي والإعلامية مي شدياق. ولم تتوصل اللجنة حتى الآن إلى أدلة ثبوتية تمكّنها من اتهام أشخاص أو جهات معينة بارتكاب الجرائم المشار إليها.

أما مديرية المخابرات في الجيش اللبناني فقد تمكّنت، بعد إلقاء القبض على رأس الشبكة الإرهابية المدعو محمود رافع، من كشف شركائه والمتورطين معه في سلسلة اغتيالات وتفجيرات أخرى شملت اغتيال القيادي في “حزب الله” علي ديب بتاريخ 16/8/،1999 واغتيال المسؤول في “حزب الله” علي صالح بتاريخ 2/8/،2003 وقبله اغتيال جهاد جبريل بتاريخ 20/5/،2002 نجل احمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، ووضع عبوة متطورة جداً على طريق عام صيدا- الزهراني بتاريخ 18/1/2005 وقد تمّ اكتشافها وقام خبراء الجيش بتفكيكها، وقيل أن المقصود بها كان رئيس مجلس النواب نبيه بري، ووضع عبوة ناسفة لاستهداف مسؤولين فلسطينيين عند مفرق جسر الناعمة، جنوبي بيروت، ولم يسفر تفجيرها عن إصابات.

كما تردد أن معلومات توفرت لمخابرات الجيش اللبناني من تحقيقاتها مع رأس الشبكة الإرهابية محمود رافع تتعلق بالمدعو حسين خطاب (فلسطيني الجنسية) الفار من وجه العدالة، تشير إلى أن له ضلعاً في اغتيال جهاد جبريل وربما أيضا في اغتيال جورج حاوي. وكان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قد طلب، فور اغتيال حاوي، من رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (أف بي آي) الموجودين في بيروت التوجه إلى مسرح الجريمة حيث باشروا تحقيقاتهم فوراً. ومع ذلك لم يتمكّنوا، كما غيرهم من المحققين، من كشف المجرمين والمتورطين.

إزاء هذه الوقائع والحقائق والتطورات يثور بين اللبنانيين سؤال: لماذا أخفقت أجهزة مخابرات أمريكا وفرنسا وبريطانيا في كشف خفايا جريمة اغتيال الحريري وتحديد هوية مرتكبيها، بينما نجحت مخابرات الجيش اللبناني في كشف جريمة اغتيال محمود المجذوب وشقيقه نضال وقبلهما مجموعة من المسؤولين والقياديين في صفوف “حزب الله” ومنظمات المقاومة الفلسطينية؟

للظرفاء والخبثاء في أوساط فريقي الموالاة والمعارضة وجهات نظر متعددة في سياق الجواب عن هذا السؤال. فالموالون (أنصار سعد الدين الحريري ووليد جنبلاط وأمين الجميل وسمير جعجع وغيرهم) يقدمون التفسيرات والقفشات الآتية:

المخططون للجريمة يحتلون أعلى المواقع السياسية وهي تحميهم من الملاحقة الجزائية، فكيف يتمكّن المحققون من استجوابهم وكشف أدوارهم؟

المحققون ربما نجحوا في كشف خفايا الجريمة، لكنهم يتكتمون في شأنها لسلامة التحقيق من جهة وللتحكم في توقيت كشف مضمونه من جهة أخرى.

إن المخابرات السورية، وليست المخابرات اللبنانية، هي التي كشفت جريمة اغتيال الأخوين المجذوب، وهذا يدل على أن المخابرات السورية لم تغادر لبنان قط وأنها ما تزال ناشطة في أوساطه بلا كلل!

المعارضون (أنصار عمر كرامي وسليمان فرنجية والعماد ميشال عون وطلال ارسلان ومؤيدو حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي وحزب البعث وحركة الشعب وغيرهم) يردّون بتقديم التفسيرات والقفشات الآتية:

للمخابرات الأمريكية و”الموساد” “الإسرائيلي” ضلع في جريمة اغتيال الحريري، فهل يعقل ان يكشفوا أنفسهم؟

ما تهدف إليه أمريكا وفرنسا و”إسرائيل” من وراء التحقيق هو إدانة سوريا بأي ثمن ومعها “حزب الله” إذا أمكن، لذلك تقوم بإطالة التحقيق من اجل ابتزازهما معا ومحاولة عزل لبنان عن سوريا وتجريد “حزب الله” من السلاح.

لا يضير المخابرات اللبنانية ان تتعاون مع المخابرات السورية لمكافحة مؤامرات جهاز “الموساد” “الإسرائيلي” المتعاون مع المخابرات الأمريكية، ولحماية لبنان والمقاومة اللبنانية.

من يعتمد على المخابرات الأمريكية لحمايته ينطبق عليه قول المتنبي:

ومن يجعل الضرغام في الصيد بازه ..... تصيّده الضرغام في ما تصيّدا

منبر الوحدة الوطنية “القوة الثالثة” (الرئيس سليم الحص ورفاقه) لاحظ ان تقرير براميرتس الأخير جاء خلواً من اتهام مباشر لسوريا بل أشاد بتعاونها في التحقيق الجاري، كما لم يأتِ على ذكر القادة الأمنيين السابقين الموقوفين بدعوى الضلوع في الجريمة، ولم يتضمن أي أدلة ثبوتية تحمّلهم المسؤولية. وإذ أشاد الحص ورفاقه بقيادة الجيش اللبناني لنجاح مخابراته في كشف الشبكة الصهيونية التي قتلت الشقيقين المجذوب وغيرهما من القياديين في حزب الله والمقاومة الفلسطينية، حذروا الرأي العام من خطورة قيام بعض القوى السياسية باستغلال “نهج سياسي أصبح معروفاً ومرفوضاً في تعكير العلاقات الداخلية وعلاقات لبنان بأشقائه”.

الحقيقة أن الموالين تأذوا أخيراً من جملة تطورات ليس أقلها انهيار تهمة وجود مقبرة جماعية زعموا أن المخابرات السورية كانت تدفن فيها ضحاياها من اللبنانيين، إذ جاء تقرير الجهات العلمية المختصة في هولندا يؤكد أن رفات المدفونين فيها يعود إلى 300 سنة خلت! كما عززت زيارة بري للقاهرة واجتماعه إلى الرئيس المصري حسني مبارك الآمال بتجديد الوساطة المصرية والسعودية لمصالحة لبنان وسوريا الأمر الذي عزّز بدوره موقف المعارضة وحلفائها. أخيراً وليس آخراً، تخوّفَ الموالون من جنوح أمريكا إلى التفاهم مع إيران في شأن ملفها النووي واحتمال انعكاس ذلك بشكل ايجابي على العلاقات السورية الأمريكية، مما يفقد الموالين سنداً خارجياً داعماً لهم في سياستهم السلبية إزاء سوريا من جهة وحزب الله و”التيار الوطني الحر” (العماد عون) من جهة أخرى.

يتحصل من مجمل ما سبق بيانه الحقائق الثلاث الآتية:

* تكرّس بوضوح الفصل بين التحقيق في اغتيال الحريري والعلاقات اللبنانية السورية الواجب تحسينها.

* عادت المعارضة لتمسك بزمام المبادرة على الصعيد السياسي ولتعزز مواقعها إزاء جبهة الموالاة وحكومة السنيورة المتعثرة في أدائها السياسي والاقتصادي والأمني.

* عزّز نجاح مخابرات الجيش اللبناني في كشف الشبكة الإرهابية الصهيونية مكانة الجيش في الحياة الوطنية ودوره كعمود فقري للدولة، وأعاد إلى الذاكرة دوره الوطني كحامٍ لوحدة البلاد في أحداث العام 1952 والعام 1958 في ظل قيادة اللواء فؤاد شهاب، ودوره في أعقاب اتفاق الوفاق الوطني في الطائف ووضعه موضع التنفيذ العام ،1989 بما في ذلك إعادة بناء الجيش في ظل قيادة العماد اميل لحود وتأييده الثابت للمقاومة اللبنانية لاسيما بعد انتخاب لحود رئيسا للجمهورية وطيلة مدة ولايته، ناهيك بموقف قائده السابق العماد ميشال عون الذي تفاهم مع “حزب الله” على ورقة مشتركة لإنقاذ لبنان من أزمته الراهنة، وكذلك موقف قائده الحالي العماد ميشال سليمان، المستمر في التزام عقيدة الجيش القتالية في عدائها ل “إسرائيل” وتأييدها للمقاومة.

هل بدأ بصيصٌ من نورِ انفراجٍ يلوح في آخر النفق؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية