وإن كانت المفاجأة كبيرة حقا لدى الرأي العام في الجزائر على وجه الخصوص حيال سفر عباسي مدني خارج الوطن واختياره ماليزيا كبلد القرار ولو ظرفيا.. فإن المفاجأة كبيرة وكبيرة جدا عند عموم الناس داخل وخارج الجزائر عندما يستعمل عباسي مدني ولأول مرة كلمات مختلفة تماما عما هو مألوف عند الرجل لذي سجن بسب تهمة التآمر على أمن البلاد والنظام القائم وزرع الفتنة في أوساط المجتمع … فعباسي مدني الذي شل البلاد في إضراب جوان 1991 ونادى بأعلى صوته أن مسمار جحا عليه أن يتنحى وكان يقصد الرئيس الأسبق المقال الشاذلي بن جديد اليوم يسميه باسمه مرفوقا بحفظه ال كما أن تلك المصطلحات التي كان يطلقها عباسي مدني من باب إرضاء ا لقاعدة الفيسية التي يعترف معظم القادة الإنقاذيين أنها لم تكن ضمن قناعات الرجل الأول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ ساعتئذ تجاوزها اليوم إلى مصطلحات أكثر لطافة وأكثر ليونة.. وقد يكون كل هذا ضمن السياق المتفق عليه مع بوتفليقة الذي حسب أوساط مطلعة فإن بوتفليقة يراهن على عباسي مدني من أجل لملمة التيار الفيسي- تيار الجبهة الإسلامية لللإنقاذ-وتقوية الصف البوتفليقي- نسبة إلى بوتفليقة- تحسبا للاستحقاق الرئاسي القادم في أبريل 2004 .الدكتور عباسي مدني صرح لإذاعة فرنسية أنه سيكشف عن خطة تنهي الأزمة وأولها مسلسل الدم..وكما قال " دخلت السجن والجزائر مقبلة على بحر من الحبر خرجت فوجدتها تسبح في بحر من الدم" .. بيد أن الخطة التي قال عنها عباسي مدني لم يفصح عما إذا كان سينفذها بمفرده أم بالاشتراك مع أطراف فاعلة في السلطة أو مع كل السلطة الفعلية.. أو مع المعارضة ؟.فإذا كان يريد تنفيذها مع السلطة مهما كانت نسبتها فهذا يعني أن الأزمة قد اقتربت من النهاية وأن خروجه إلى ماليزيا لا مبرر له ولو كان من أجل العلاج فقط .. لأن المسألة كما يبدو تحولت من غرض العلاج إلى أشياء أخرى فالرجل نسي العلاج واهتم فقط بالتصريحات حتى أن هناك من فسر تعرض علي بن حاج للاستنطاق من طرف رجال الأمن سببه التصريحات التي يلقيها عباسي مدني من كوالالامبور عبر الفضائيات..أما إذا كانت الخطة سينفذها مع المعارضة فلقد قال بالحرف الواحد أنه ضد الإنتخابات التي جرت وهذا يعني أوتامتيكيا أن المعارضة غير موجودة مادامت قبلت بالانتخابات التي يقول عنها أنها مجرد ترهات.الواضح أن عباسي مدني لا يزال يعيش ظرف التسعينات كزعيم لأكبر حزب إسلامي حاز على المرتبة الأولى في كل الاستحقاقات التي نظمتها السلطة ..و هذا لا يعني التقليل من شأن الرجل الذي يستطيع أن يلعب دور المايسترو في حلحلة الأزمة الجزائرية لكن يستحيل عليه في الحال أن يسهم بمفرده – لأن السلطة الفعلية ضد مشاركة الجبهة الإسلامية للإنقاذ كطرف في الصراع خصوصا بعد الحادي عشر من سبتمبر- لأن الجزائر تغيرت كثيرا وما يقوم به الآن هو مجرد اجتهادات فردية لا أقل ولا أكثر .وقد عاب عليه العارفون بالشأن الجزائري عندما قال في إجابة عن سؤال حول مدى مساهمته في إعطاء الحل للأزمة الدموية في 1994 عندما كانت تباشر السلطة الفعلية بزعامة بتشين الحوار مع كل قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ.. إذ قال بأنه كان مسجونا لكن الحقيقة أنه خرج إلى جنان الميثاق وكان اليمين زروال سيعلن عن الحل الشامل بعد ثلاثة أيام لولى أن وجدوا تلك الرسالة مع زعيم الحركة الإسلامية المسلحة شريف قواسمية .. وهي الرسالة التي أرسلها علي بن حاج إليه من داخل السجن . ويقول أحد الرجالات الذين شاركوا في الوساطة بين السلطة الفعلية والجبهة الإسلامية للإنقاذ وبالحرف الواحد " لو لم يعترف علي بن حاج بهذه الرسالة ساعتئذ لقلنا السلطة هي التي فبركتها لتفسد الاتفاق" ولكن سبق السيف العذل فأعلن زروال بأن الحوار قد فشل.إن عباسي مدني وهذه حقيقة لن يزيد شيئا عما كان يقوله آيت أحمد أو عبد الحميد مهري كون الأزمة يجب أن تحل خارج الثكنة العسكرية بعبارة أخرى يجب على العسكريين أن ينسحبوا من الحلبة السياسية التي هي ملك السياسيين فقط.. كما أن عباسي مدني وحسب ما استقيناه من محيط جبهة الإنقاذ أن هناك خلافات جوهرية بينه وبين القادة الآخرين.. وخروجه إلى ماليزيا كما يقول لغرض العلاج لم يعلم به أحد وبالتالي فما يقوله هو مجرد قول شخصي لا يلزم بالضرورة بقية القادة الذين أغلبهم لا يملكون جواز سفر .. باستثناء عزوز بن زبدة الذي يقيم مع ابنه في اسطانبول بتركيا وعبد القادر عمر الذي غادر الجزائر منذ أزيد من سنة.إن الدعوة إلى تفكيك الألغام المزروعة في الساحة الجزائرية واجبة بل هي فرض عين على كل جزائري .. لكن على الدكتور عباسي أن يقول ما هو عقلاني وغير فرداني ..وأن يسمي الأشياء بمسمياتها فجزائر 2003 غير جزائر 1991