كيف جرت الهزيمة حقاً:
قيادة الجيش: بعد ثورة يوليو كسر عبد الناصر الانضباط العسكري ورفّع الرائد عبد الحكيم عامر (وهو حقاً من أبطال حرب عام 1948) إلى رتبة اللواء وعينه قائداً للجيش متخطياً المئات من الضباط الأعلى رتبة. وكانت مهمة عبد الحكيم الأساسية منع قيام انقلاب آخر في مصر وتأمين النظام. وبالتالي فقد اعتمد في قيادته للجيش على أهل ثقته ونحى القواعد النظامية في إدارة الجيش للمقام الثاني. وعبثاً حاول عبد الناصر تنحية المشير عبد الحكيم عامر من قيادة فيما بعد وفشل في كل مرة.

الجيش: دخلت مصر حرب عام 1967 وقرابة نصف جيشها في اليمن! من 230 ألف عسكري كان هناك 92 ألف عسكري في اليمن. علماً بأن الجيش الإسرائيلي وصل تعداده عشية الحرب الى 675 ألف! فهرعت قيادة الجيش المصري للاستعانة بالاحتياطي غير المدرب على عجل، وزجت بالجنود في سيناء بدون ملابس عسكرية في بعض الأحيان، وبدون سلاح في أغلب الأحيان، كما لم تراعى تخصصات الاحتياطين عند التحاقهم بقطعاتهم. وزج بالقطع العسكرية الجديدة في سيناء وهي تعاني من  نقص كبير في تجهيزاتها وقياداتها وفنييها!

أمر الحرب الاستراتيجي: لم يصدر مثل هذا الأمر قط. ولم يكن أحد يعرف هل سنهاجم أمم سندافع! وللمؤلف الصحفي المخضرم صلاح منتصر نظرة في سبب نجاح عبد الناصر في حرب عام 1956, و فشله في حرب عام 67 إذ يقول:
" في عام 56 بدأ عبد الناصر معركة السويس بقرار سليم يعبّر عن قضية قومية وطنية يمكن الدفاع عنها، وبرغم ذلك فقد حرص قبل إعلانه (تأميم القنال) على أن يستكشف احتمالات نتائجه العسكرية، واحتمالات إمكانيات تدخل القوات البريطانية الموجودة في قبرص، وانتظر عبد الناصر حتى جاءه الرد الذي يؤكد عدم قدرة هذه القوات على التدخل السريع وبعد ذلك أعلن قرار التأميم. ورغم ما بدا من هزيمة عسكرية إلا أن سلامة القرار السياسي مكنته من إدارة الأزمة لصالح مصر.
" وبينما لم يزج عبد الناصر بالجيش أو يلوّح باستخدامه في 56، فإنه في 67 بدأ الأزمة باستخدام الجيش وتحريكه" بدون أي هدف واضح وبدون أية مهمة محددة ".

الأركان: لم تشارك هيئة أركان الحرب في المعركة لسببين: الأول أن المشير عبد الحكيم عامر كان يقود الجيش بنفسه عبر مدير مكتبه! والثاني: أن اللواء محمد فوزي رئيس الأركان الجديد عشية الحرب كان أدنى رتبة من قادة القوات البرية والبحرية و الجوية وبالتالي كان يرسل أوامره لريئس الجمهورية لتصدر باسمه! وأبرز قضية توضح غياب هيئة أركان الحرب عن المعركة هي استدعاء المشير عامر لرئيس الأركان ليضع خطة الانسحاب فطلب الأخير مهلة ليعد هذه الخطة إلا أن المشير أبلغه بأنه ليست هناك أي مهلة إذ أن الأمر بالانسحاب قد صدر فعلاً. وبدلاً أن يكون الانسحاب عملاً عسكرياً يضمن سحب القوات بأمان لمواقع خلفية مريحة مع تكبيد العدو أكبر الخسائر، أصبح الانسحاب هزيمة ومذبحة للجيش.

الدفاع الجوي: المعروف أن الدفاع الجوي تم تقييده صباح 5 يونيو بسبب زيارة المشير لبير تمادا وسط  سيناء، ولكنّ الصحفي صلاح منتصر يفاجئنا في كتابه"من عرابي إلى عبد الناصر"  بأنها لم تكن الطلعة الصديقة الوحيدة في الأجواء ولكن كانت هناك 22 طلعة صديقة أخرى. وتضم قائمة زوار الجبهة: حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية، وطاهر يحي رئيس وزراء العراق، ورئيس الأركان الكويتي وغيرهم. أي أن الدفاع الجوي المصري كان مقيداً صباح يوم الحرب رغم أن الرئيس أبلغ الجميع بأنه يتوقع ضربة جوية من العدو في هذا الوقت بالذات!

القوات البرية:  رغم قلة عددها، وارتفاع نسبة الاحتياطيين الذين ألحقوا بقطعات لم يتعرفوا عليها سابقاً، فلقد صدرت للقوات البرية أوامر عجيبة، منها: إخلاء دفاعات سيناء لزج قوات هجزمية مكانها، وتحريك الدبابات على جنازيرها مسافات كبيرة مع تغيير الخطة من الدفاع للهجوم ثم للدفاع ثم للانسحاب، مما تسبب في الانهاك والارتباك وكثرة الأعطال. والأهم من ذلك عدم وجود خط دفاعي واحد وعدم وجود خطة للحرب أصلاً!

قيادة الجبهة:  كانت معزولة ولم يبلغها أمر الانسحاب مطلقاُ وكادت تقع بيد العدو لولا العثور من قبل الشرطة العسكرية بعد أكثر من يومين على صدور أمر الانسحاب!

غرفة العمليات: كانت مغلقة صباح يوم المعركة. وقد تقدمت قوة برية إسرائلية وخرقت الجدود المصرية في الخامسة والنصف صباحاً واحتلت الموقع العسكري في أم السبوس الساعة السابعة و الربع. وعبثاً حاول الموقع أبلاغ القيادة وغرفة العمليات ولكم ما من مجيب. ولو تنبهت القيادة لفشل الهجوم الجوي ولتغير مصير الحرب!
ولنقرأ النص التالي:" في خلال السنوات التي مضت ترسخ على سبيل اليقين أن الهجوم الإسرائيلي على مصر يوم 5 يونيو 1967 بدأ في الساعة 8,45 صباحًا بضربة الطيران، بينما كانت البداية فعلاً في الساعة الخامسة و12 دقيقة صباح يوم 5 يونيو بهجوم بري تقدم فيه اليهود مسافة 12 كيلومترًا داخل الأراضي المصرية وأحتلوا أم بسيس الساعة 7,15 صباحًا. ثم بعد ساعة ونصف من احتلاله أم بسيس  بدأت ضربة الطيران. وكانت هذه الساعة ونصف – كما ذكرت حيثيات محاكمة أربعة من قادة الطيران بعد الهزيمة - كافية للصد والردع لو كان القادة الغائبون موجودون في مراكز عملياتهم، ولكن الإشارات التي وصلت إلى مركز العمليات لم تجد مسؤولا لأن المركز كان مغلقا". ( صلاح منتصر – من عرابي لعبد الناصر).

سوريا الشقيقة: يذكر الوزير أحمد أبو صالح عضو مجلس قيادة الثورة بأنهم في القيادة السياسية كانوا في شغل عن إسرائيل ولم يأخذوا الحرب معها مأخذ الجد. وقد أعلنت سوريا سقوط القنيطرة قبل أن تسقط فعلا بيوم كامل وطلبت وقف إطلاق النار ولما يبدأ الهجوم البري الإسرائيلي! كما صدر أمر الانسحاب الكيفي وتخلت سوريا عن حصون قوية وأماكن ملغومة صرف عليها نسبة مهمة من الميزانية العامة لعشرات من السنين ولو تمسكوا بالدفاع الثابت لأرهقوا العدو كثيراً ولتغيرت نتيجة الحرب على الجبهة السورية.


أسباب الهزيمة:
السبب الرئيسي البسيط الذي يتحاشى الناس الإشارة إليه أن جيوشنا يقودها الحاكم، وتعمل بأمر الحاكم وفق رؤية الحاكم. وقد قبلنا ذلك كأمر واقع. وهذا ما هو موجود حتى هذا اليوم مع الأسف.
لكنما الصحيح أن الجيش تقوده قيادة الجيش – وهيئة الأركان – وهيئة العمليات وما هو متعارف عليه في الجيوش النظامية في كل أنحاء العالم، وليس فخامة الرئيس حصراً. بل ليس لفخامته أي دور في قيادة الجيش.
والصحيح أيضاً أن الجيش لا يتحرك وفق مزاج الحاكم ورؤيته ومزاجه، ولكن يتحرك وفقاً لمصلحة الشعب التي يعبّر عنها ممثلوا الشعب المنتخبين، ووفق إرادة الحكومة التي جاء بها ممثلوا الشعب المنتخبين بشكل نظامي وعادل لا شبهة فيه. وللرئيس دور محدود وفق الدستور.
وأخيراً فإن شعباً بدون كرامة لا يحارب وبدون حافز لا ينتصر.

المستجدات السيئة:
وقد استجد على الوضع العربي:
1- أن عامة الشعب لم تعد تجمعهم فكرة واحدة وأمل واحد كما افتقدوا الزعيم الذي يثقون به.
"قبل حرب 67 كان هناك حالة مد قومي كبير تقوده مصر بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر في المنطقة العربية، وبالتالي النموذج المصري كان ملهماً لوعي للشعوب العربية وقائدا لها".  (أبو العلا ماضي – مقال في الجزيرة نت بعنوان الحالة الشعبية العربية بين عام 67 واليوم).
2- إضافة لانعدام الثقة في الأطر الرسمية وتزايد الإيمان بعدم قابلية النظام العربي الرسمي للإصلاح من داخله وبوجوب العمل على تغييره من خارجه.
3- إضافة أن الموقف الدولي بشكل عام قد أصبح منحازاً ضدنا.
4- رافق ذلك عودة القواعد العسكرية الأجنبية للمنطقة.
5- ويجب ألا يغيب عنا أنا فقدنا العراق وبالتالي انكسر الظهر الذي كان يرتكز عليه الجيش السوري.
6- تدهور الروح المعنوية في معظم الجيوش العربية وفقدانهم الدافع على القتال. والكثير منهم سيلقي سلاحه ويذهب لبيته عند بدء أية مواجهة مسلحة هذا إذا لم يتجه لقتل قادته بسبب المعاملة السيئة التي يتلقاها.


والخلاصة: إن حرب عام 1967 يمكن أن تتكرر اليوم وبشكل أسوأ وهو ما رأيناه يقع في العراق. والحل في اعتماد النظام البرلماني الدستوري وإعادة الحرية والكرامة للمواطن، وبناء الوطن (والجيش) على أسس علمية موضوعية متفق عليها من قبل المواطنين.






عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية