ويأتي هذا الانعقاد هذا العام في غمرة غرق العالم في خضم مشكلات خطيرة نجمت عن ما تسميه الولايات المتحدة الحرب على الارهاب ، وازمة دارفور ، وتفشي كثير من الامراض الفتاكة ، وتفاقم الفقر والامراض ، والاضرار الناجمة عن الاحتباس الحراري الذي يتهدد امن العالم البيئي ، وغيرها الكثير . وتظل مشكلة الشرق الاوسط الناجمة عن القضية الفلسطينية الموضوع القديم الجديد منذ ستين عاما ، والتي لم يوجد لها حل حتى الآن .
ونحن الفلسطينيين تهمنا مشكلات العالم بدرجة ما او اخرى . الا ان ما يهمنا في الدرجة الاولى هو القضية الفلسطينية . ونحن لا ننكر ان هذه القضية قد حظيت بمساحة شاسعة من فعاليات المنظمة الدولية ومداولاتها ، وحظيت بأعلى نسبة من الانعقادات والاجتماعات والمؤتمرات واللجان وغيرها على شرفها . ان أية قضية أخرى لم تحظ لا قبلها ولا بعدها بمثل ما حظيت به من وقت وجهد ، سواء كان ذلك في مجلس أمنها او جمعيتها العمومية او مؤسساتها المختلفة الأخرى التابعة لها .
وما من أحد يشك في أن هذه المنظمة قد كانت لها مواقف ايجابية ترجمت الى منظومة من القرارات المناصرة لمجمل حقوق الشعب الفلسطيني الذي عقد عليها آمالا كثيرة باستعادة هذه الحقوق ، كونه شعبا حضاريا آمن في وقت من الاوقات أن الامم المتحدة قد تأسست بهدف تدعيم أسس سلام الشعوب وحمايتها من العدوان والتسلط والاستلاب في اطار معقول من العدالة والانسانية والمساواة لكل بني البشر على السواء باعتبارها ضمير العالم وحارس شرعيته .
الا ان ما تمناه الشعب الفلسطيني شيء ، والواقع شيء آخر . والحالة الفلسطينية خير مثال على هذا الطرح . فتحت ظلال الأمم المتحدة كابد الشعب الفلسطيني معاناته التاريخية على صعيدين . اولهما مأساته المتمثلة في اغتصاب كامل تراب وطنه وتهجيره الى الشتات عبر سلسلة من الحروب شنت عليه في كل مكان تواجد فيه ، وما زال يكتب صفحاتها بدم ابنائه .
وأما الصعيد الثاني فيتمثل في مجمل علاقاته مع الأمم المتحدة . وهي علاقة أورثته المزيد من المعاناة . فالقضية الفلسطينية اصبحت حالة مستعصية في أروقتها . وبرغم عدالتها وشرعيتها باعتراف قراراتها ، فان واحدا من القرارات المناصرة لها لم يجد وسيلة حقيقية لاخراجه الى حيز التنفيذ . وظلت هذه القرارات حبرا على ورق ، وليس لها أقل رصيد .
ان تعامل الفلسطينيين من خلال قضيتهم مع هذه المنظمة على مدى سنوات نكبتهم قد أماط اللثام عن وجهها الحقيقي ، فبدت على صورتها الحالية لا تملك حق صنع قرارها ، وان ملكته لا تملك حق تنفيذه . وأن الدور الذي كان يؤمل ان تلعبه قد صودر منها فأصبحت والحال هذه مسيرة لا مخيرة .
ان الفلسطينيين يدركون وعلى خلفية ردود افعالها منذ حرب حزيران في العام 1967 ان الأمم المتحدة قد وقعت رهينة الهيمنة الاميركية التي عطلت كل قراراتها المستحقة فاصبحت دون ادنى شك في المدار الاميركي . وها هي الولايات المتحدة الاميركية تنفرد بالاستحواذ على هذه القضية ، وتخضعها لمنظورها السياسي بكل حذافيره . وما الرباعية التي أوجدتها الا خير مثال على انقياد الامم المتحدة التي هي عضو فيها للولايات المتحدة .
وهكذا فان سياسة هذه المنظمة أصبحت تتقاطع مع مجمل السياسات الاميركية المنحازة انحيازا استراتيجيا قلبا وقالبا الى اسرائيل . وبغض النظر عن انسياق هذه المنظمة وراء الادعاءات الباطلة في وصف معظم فعاليات النضال الفلسطيني على أنها ضرب من الارهاب والعنف ، ومساواتها غير الموضوعية بين المعتدي والمعتدى عليه .
واحقاقا للحق ، فالشعب الفلسطيني لا ينسى العديد من القرارات المنصفة ، وشبه المنصفة للقضية واهلها ، ومنها القرارات التي تحمل الارقام " 194 ، 242 ، 338 " ، التي اصدرها مجلس الامن في حينها ، وعشرات القرارات التي اصدرتها الجمعية العمومية على مدار العقود الستة من عمرها . الا ان هذه القرارات ظلت حبرا على ورق ، ولم تجد لها وسيلة على ارض الواقع . ومن المؤكد ان العلة تكمن في الذين صادروا دور هذه المنظمة ، وجيروه لمصالحهم الخاصة ، وارضاء لحلفائهم الاستراتيجيين .
وعودة الى الجمعية العمومية وانعقاد دورتها الثانية والستين . لقد كان من المفترض والمنطقي ان تتولى الامم المتحدة ادارة كل ما يمت الى القضية الفلسطينية بصلة ، وليس المقصود ادارة شؤون اغاثة اللاجئين الفلسطينيين فحسب ، او مجرد الاستماع الى خطب المسؤولين الفلسطينيين ، وانما ايجاد الحل لمجل القضية بناء على قراراتها التي يفترض ان تكون ملزمة بكل المعايير والمفاهيم .
ان هذا السيناريو الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية ، والمتمثل في دعوتها الى لقاء الخريف الدولي الاقليمي للسلام في الشرق الاوسط ، والذي تخيم عليه غمامات من الشكوك والغموض ، اذا ما كتب له ان يعقد ، كان من المفترض ان يكون دعوة توجهها الامم المتحدة الى مؤتمر دولي ، تكتمل فيه كل شروط المؤتمر ، من حيث المدعوون ، وتحديد الاجندة والاهداف تحديدا دقيقا . وهنا لا بد ان يكون عنوانه الحل النهائي للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن المنظمة الدولية ، واقامة دولة الفلسطينيين الحرة ذات السيادة الكاملة .
وبدل هذا كله ، وامعانا في مصادرة القرارات الدولية الشرعية ، تنفرد الولايات المتحدة الاميركية بتوجبه الدعوة لمن تشاء . الا ان الاخطر من ذلك كله فرضها لاجندة هذا اللقاء ، والمتمثلة على الارجح اقامة دولة فلسطينية في جوار دولة اسرائيل ، تكون منزوعة السلاح ، ديموقراطية ، وتحارب الارهاب بالمفهوم الاميركي . وهذه كما يبدو أهم الأسس التي ترتكز عليها رؤية الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن حول الدولة الفلسطينية .
وليس هذا افتراضا ولا تكهنا . فبعد سبعة وثمانين عاما سار الرئيس الامريكي بوش الابن على خطى بلفور صاحب الوعد المشؤوم ، ضاربا عرض الحائط بكل القرارات الدولية الشرعية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية ، واعدا اسرئيل حق الاستيلاء على الاراضي الفلسطينية التي افترسها الجدار العازل ، وتلك التي اقامت عليها كبريات مستوطناتها .
الا ان المنحة الكبرى التي قدمها الرئيس بوش الابن في معرض كيل المنح على نظيره الاسرائيلي ارييل شارون ، يوم كان رئيسا للحكومة الإسرائيلية في حربهما على ما يسمى الارهاب هي التنكر لحق العودة . وذلك لسبب بسيط يتمثل في ان دولة اسرائيل هي يهودية . واما القدس فان ما احدثته الية التهويد الاسرائيلية على مدى اربعين عاما فيها من تغيير معالمها الجغرافية ، وواقعها الديموغرافي ، وما سوف تحدثه ، قد تم تحت ظلال الرضا الاميركي الذي يعتبرها عاصمة دولة اسرائيل .
ان كل هذا وغيره الكثير الكثير ، ليس له الا معنى واحد يتمثل في ان الولايات المتحدة ، قد صادرت دور الامم المتحدة ، وان هذه الاخيرة لم يتبق لها ما تقدمه للقضية الفلسطينية ، ولا لغيرها ، عدا عن تواجد غير ملزم سواء في الرباعية ، او لقاء الخريف القادم ، اذا ما كتب له ان ينعقد . وان غدا لنظره قريب .