تغييرات شكلية أم تغيير في الصميم؟
لم يكن تغيير السادات اسم الدولة وعلمها ونشيدها فور توليه الرئاسة مجرد تغيير شكلي. فالجمهورية العربية المتحدة أصبحت جمهورية مصر العربية – معبراً أن الوحدة العربية لم تعد في دائرة اهتمامه، والعلم الذي كان يرمز للوحدة المصرية السورية تم استبداله بعلم آخر. ليس له دلالة رمزية محددة، وقد وضع في وسطه طائراً وقال هذا صقر قريش، وكأنما صقر قريش طائر وليس رجلا.

وكيف لرجل لا يفهم تاريخ أمته ولا جغرافيتها أن يحسن حكم بلده؟
والأخطر من ذلك أن المعركة التي قررتها مصر عبد الناصر تحت شعار "ما أخذ بالقوة لا يستر بغير القوة" تخلى عنها السادات، وقرر فور توليه الحكم عام 1970 - ومن وراء ظهر الجميع- الدخول في مفاوضات مباشرة منفردة مع إسرائيل لاسترداد الأراضي المصرية المحتلة وحقن دماء المصريين. وحيث أن ذلك التفكير كان مخالفاً للشعور الوطني المصري والعربي بل ويعتبر خيانة عظمى، فإن السادات أراد معركة يحتل فيها لمصريون 10 سم على الضفة الشرقية لقناة السويس لبدء العملية السلمية بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكا وفي قناعته أن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا، هذا في وقت كانت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة فيه بين مصر وأمريكا! 


هل خذل العرب مصر ؟
تنصل  السادات من الأمة العربية هل كانت له مبرراته؟
في حرب 1956 "حاربت سوريا كما حاربت بورسعيد " كما قال عبد الناصر عشية انتهاء الحرب في خطاب له ببور سعيد مشيراً بذلك إلى مجهوداتها السياسية والعسكرية في الحرب. كما قامت ليبيا في عهد الملك إدريس السنوسي ورئيس الوزراء مصطفى بن حليم بحصار القواعد البريطانية وحرمانها من أية حركة مما حمى الحدود الغربية لمصر ومنع تنفيذ خطة "موسكتير" القائمة على غزو بري لمصر بقوات فرنسية - بريطانية. كما قدمت الجماهير والحكومات العربية  جميعاً كل دعم ممكن لمصر في حرب السويس ( ليس أقلها الهجوم السوري الأردني المدعوم بالعراق على إسرائيل انطلاقاً من جبال نابلس صباح يوم 1/11/1965 والذي ألغي بطلب من عبد الناصر شخصياً في واحدة من أسوأ صور سوء تقدير الموقف لحاكم فرد يدير المعركة دون استشارة قيادة جيشه).
وبعد حرب 1967 والتي انساقت إليها مصر بدون  وعي أو هدف أو معنى فإن كل الدول العربية وقفت مع مصر، وأرسلت إلى مصر الرجال والأسلحة والأموال، وقد ساهم في ذلم حتى الدول العربية  المعدمة  والواقعة على آلاف الكيلومترات والتي كانت تقتل المجاعة آلافاً من أبنائها كل عام كل عام.

ويعدد الفريق أول محمد فوزي الدعم العربي المالي لمصر لحظة بدء المعركة في مذكراته كما يلي:
200 مليون دولار قدمتها الجزائر لمصر عشية المعركة تحولت إلى 150 دبابة لصالح مصر وصلت بعد وقف إطلاق النار.
100 مليون دولار من الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
300 مليون دولار من السعودية.
250 مليون دولار من الكويت ،
170 مليون دولار من ليبيا.
إضافة لمبلغ 135 مليون جنيه إسترليني سنويا واظبت الدول العربية على تقديمها منذ مؤتمر قمة الخرطوم عام 1968.

أما الدعم العسكري  العربي فكان كما يلي:
6 أسراب من الطائرات المقاتلة القاذفة من العراق وليبيا، و3 أسراب للجبهة السورية.
3 مقاتلة قاذفة جزائرية (ميغ 21 وميغ 17 وسوخوي7) وصلت مصر أيام 9, 10 و11 اكتوبرأ إي فور بدء المعركة.
2 سرب مقاتل قاذف ليبي ( ميراج3 وميراج5) منا سرب قاده طيارون مصريون.
1 سرب هوكر هنتر مقاتل قاذف عراقي بدأ العمليات مع القوات المصرية يوم 6 اكتوبر.
لواء مدرع جزائري.
لواء مدرع ليبي.
لواء مشاة مغربي .
لواء مشاة سوداني – لم يصل المعركة إلا بعد وقف إطلاق النار.
كتيبة مشاة كويتية متعاونة مع القوات المصرية منذ عام 1967.
لواء مشاة جزائري متعاون مع القوات المصرية منذ عام 1967.
قوة مشاة عين جالوت الفلسطيني متعاون مع القوات المصرية منذ عام 1967.
كتيبة مشاة تونسية.
إضافة لمشاركة سوريا في الحرب على إسرائيل ووصولها لمياه بحيرة طبريا وتهديدها للعمق الإسرائيلي.
إذن، لم يتخل العرب يوماً عن مصر، لكن السادات لم يكن يملك النظرة الاستراتيجية التي كان يملكها عبد الناصر، وكان منطق السادات يقوم على سلخ مصر عن انتمائها العربي والإسلامي  وتحقيق مصلحة مصر الآنية دون أن يملك أية رؤية للمستقبل البعيد، هذه الرؤية التي تحتم  التعاون مع كل الدول العربية لضمان أمن مصر. فلدى الخبراء من أمثال جمال حماد صاحب كتاب "شخصية مصر" فإن أمن مصر يمتد من جبال طوروس وحتى منابع النيل.

ما الذي أخذه الفريق فوزي على الرئيس السادات قبل الحرب؟
1-    أنه لم يكن يؤمن بالشعار الذي ارتضه الأمة وهو أن:  "ما أخذ بالقوة لا يستعاد بغير القوة"، بل كان يؤمن بأسلوب الحل السلمي والصلح المنفرد مع إسرائيل. وقد سبق أن عرضت عودة سيناء لمصر سلماُ على عبد الناصر ورفضها، وعبر الفريق عبد المنعم رياض عن أن هذا أمر يتصل بشرف كل رجل وامرأة في مصر فقال:" لو قبلنا بعودة الأراضي المحتلة بحل تفاوضي لتحولنا لبد  للسماسرة في النهار وللبغايا في الليل" كما نقل عنه هيكل في حرب أكتوبر 73  السياسة و السلاح ص107 – دار الأهرام- –ط1-1993.
2-    ضيع الفرصة  التاريخية للتفوق العسكري العربي الواضح على إسرائيل في عام 1971 وأهدر الوقت في تقديم مشروعات للحل السلمي لم تقبل بها إسرائيل. (والمرجح لدي أن السادات وقتها كان صغيراً جداً على منصب رئيس الجمهورية وجاهلاً بحجم القوات المسلحة وإمكانيات القوات المسلحة إضافة لجبنه وبعده عن المواجهة الرجولية للمشاكل طيلة حياته مما جعله عاجزاً عن اتخاذ قرار الحرب. (وللتدليل على جبنه  أذكّر بأن افتعل السادات شجاراً في السينما ليلة الثورة حتى يسجل في قسمم الشرطة أنه كان بعيداً عن مسرح الأحداث، وكان يهرب من كل الاجتماعات المهمة مع عبد الناصر بدعوى المرض لخوفه من إبداء رأي لا يصادف هوى في نفس عبد الناصر).
3-    وحيث أنه لم يعد يستطيع تقديم مزيد من التنازلات فقد حدد الهدف السياسي لمعركة عسكرية من أجل الضغط التفاوضي، وليس من أجل تحرير الأرض بالقوة.
4-    اعتبر أن تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي يكمن في احتلال أي مسافة على الشطر الشرقي لقناة السويس (10 سم)  في حين أن الفريق فوزي ومعظم قادة الجيش المصري يرون أن ذلك يتم فقط باحتلال خط مضايق سيناء.
5-    طرد القوات السوفيتية  قبل المعركة وقد كانت تقدم له  الاستطلاع الاستراتيجي و التعبوي عبر 4 طائرات ميغ 25 ولواء الاستطلاع الجوي الاستراتيجي تي16 ومعلومات القمر الصناعي السوفيتي،  وتؤمن له حماية العمق المصري بطيارين روس وطائرات حديثة، ولم لدى مصر ما يعوض هذه الخسارة المفاجئة قبل الحرب.
6-    بدد مفاجأة الهجوم وقوة الصدمة الأولى ذات الأبعاد الهائلة وما حققته من خسائر وإصابات هائلة في صفوف العدو، بإبلاغه وزير خارجية أمريكا هنري كيسنجر مساء بوم 7 أكتوبر 73 بأنه لا ينوي الاستمرار في التقدم شرقاً بعد حصوله على تغيير الموقف في الجبهة تغييرا ملموسا بالقدر الذي يسمح بالتدخل الأمريكي لوقف إطلاق النار والبدء في المفاوضات للتسوية المقبولة.
كل هذه المعلومات مأخوذة من مذكرات الفريق  أول محمد فوزي-  دار المستقبل العربي –  بالقاهرة - ط2 – 1989.

تعليق:
 لقد حشدت مصر وسوريا حشوداً هائلة وجيوشاً جبارة وطبقت خطة ناجحة نفذت بنجاح لمباغتة العدو، أدت إلى انهيار القيادة العسكرية الإسرائيلية ومحاولة ديان التوجه للإذاعة وإذاعة بيان للشعب الإسرائيلي يعلمه فيه بأنه يتوجب عليه الآن الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. وكذلك أدت إلى أن يجهش قادة إسرائيل جميعاً بالبكاء لحظة نزول كيسنجر من الطائرة في مطار تل أبيب بعد الحرب وهم يقولون له : لقد أنقذت إسرائيل، لولاك لضاعت إسرائيل.
لكن من أنقذ إسرائيل  حقاً؟ هل هو كسينجر أم السادات ؟
على أن  أخطر ما سمعته مؤخراً نقلاً عن كتاب حديث ليفيجيني بريماكوف رئيس وزراء روسيا الأسبق أن السادات أبلغه في اجتماع معه بالقاهرة: أن نصراً واضحاً على إسرائيل كان سيحول دون بدء المفاوضات مع إسرائيل!
ولم يكن هذا هو كل ما فعله أنور السادات.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية