بدأ الحديث عن عهدة ثالثة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة والترويج لتغيير الدستور بما يسمح بالتجديد ويسمح بضبط قواعد اللعبة وفق المشتهى السلطوي الذي انطلق فعليا في البحث عن الوجه الجديد لرئاسيات 2009،وإن كانت البروباغندا في مضمونها تحاول إيهام الرأي العام الداخلي والخارجي بأن عبد العزيز بوتفليقة هو الأجدر كي يبقى رئيسا لخمس سنوات أخرى. موال تجديد البيعة لعبد العزيز بوتفليقة للمرة الثالثة على التوالي وإن بدأها هذه المرة رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم،وانساقت وراءه المجموعة التي استمرأت الأكل مع كل عريس والتصفيق لكل رئيس بمناسبة وغير مناسبة،بيد أن القصة بما فيها من حبكة درامية هي الدخول الفعلي في أجواء الانتخابات الرئاسية قبل موعدها بأكثرَ من سنة،وتحضير سيناريو آخر جديد على المقاس لديمومة النظام الحالي والإبقاء على الوضع على ما هو عليه من قبل السلطة الفعلية.

عبد العزيز بلخادم أراد من خلال إعلانه أنه يتمنى أن يترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة أن يسبق الآخرين لاسيما شركاءه في التحالف الرئاسي حزب التجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم" حمس" وبقية الأحزاب الأخرى والمجتمع المدني ،كما أراد أن يركب الموجة باسم حزب جبهة التحرير الوطني الذي يبحث عن ديمومة موقعه في الساحة السياسية سواء بوجوده قرب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كأحد أهم حزب يمثله،أو بامتلاكه للسلطة التنفيذية وللسلطة التشريعية في البرلمان،وفي كل الحالات فإن التبشير بعهدة ثالثة لبوتفليقة في ظل الظروف الأمنية العصيبة التي تمر بها الجزائر في الفترة الأخيرة،وفي ظل الحياة المعيشية التي أصبحت قاسية جدا بعد تقهقر القدرة الشرائية للمواطن،هو مغالطة حقيقية تتوخى السلطة الفعلية في كل مرة تسويقها،بل إن التبشير بعهدة ثالثة هو من قُبيل المجون السياسي المرفوض،ومن قٌبيل الضحك على ذقون الشعب برمته.

بوتفليقة عند اعتلائه سدة الحكم في 1999 برنامجه كان يعتمد على الثلاثية المتمثلة في استتباب الأمن،وإنعاش الاقتصاد الجزائري،وتحسين صورة الجزائر في المحافل الدولية،ومن الزور والبهتان أن نغمط حق الرجل الذي عمل كل ما بوسعه لعودة الأمن لربوع الجزائر عندما أمضى قانون الوئام الوطني عام 2000،وكسر حاجز الخوف الذي كان يتملّك الأكثرية بعودة كذا ألف مسلح إلى ذويهم،كما استطاع أن يعيد للجزائر بريقها في المحافل الدولية كما وعد بذلك،وعلى الرغم من تخفيض المديونية الخارجية إلى حدود الصفر بفضل ارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية،إلا أن الاقتصاد الجزائري في كلياته الكبرى لا يزال بدائيا يعتمد على الريع البترولي،وعلى التسيير العشوائي،وعلى القياسات غير العلمية.

والسبب كما تشير كل تحاليل العارفين بالشأن الجزائري يكمن في الطقم الحكومي الذي اعتمد عليه منذ الوهلة الأولى سواء في حكومة بن بيتور أو حكومة أحمد أويحيى أو حكومة عبد العزيز بلخادم التي لم يطرأ عليها أي تغيير،بل هناك من يرى أن فشل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في حلحلة المشكل الاقتصادي سببه الأول والمباشر ذهنية تسييره للملفات التي كلف بها الرجال الذين اختارهم ليكونوا إلى جانبه في الطقم الحكومي،ولو أن هناك من ذهب في رأيه مذهبا آخرا معتبرا أن عبد العزيز بوتفليقة وإن اختار الطقم الحكومي بغرض تسيير شؤون الدولة بيد أن جل القرارات هي في النهاية تعود إليه ويتخذها هو شخصيا، وهذا ما جعل أغلب الوزراء لا يمتلكون حرية اختيار حتى الكلام الذي يقولونه مع الصحافة فضلا عن امتلاكهم لسلطة القرار،وهذا هو سر الخلاف بينه وبين بن بيتور كما صرح في عديد من المرات،بحيث اعترف بن بيتور أنه رئيس حكومة لكن من دون امتلاك لأي صلاحيات رئيس حكومة أو سلطة قرار.
بوتفليقة بعد قرابة عشر سنوات من وصوله إلى الحكم، لم يستطع أن يحقق ما وعد به في الجانب الاقتصادي على وجه التحديد،فلا تزال دائرة الفقر في اتساع مطرد،ولا يزال الأمل في التوظيف الأمثل لقدرات البلاد بعيد المنال.ومن يقول بأن الجزائر بخير من حيث المداخيل المالية التي وفرتها أسعار البترول المرتفعة فهو يغالط الواقع،ويحجب الشمس بالغربال،لأن هذه المداخيل رغم حجمها الكبير فهي بين اللحظة والأخرى قابلة للتآكل بفعل سياسة الاستيراد المعتمدة بنسبة 98 بالمائة من قبل النظام.ولو فرضا تنزل الأسعار إلى أدنى مستوياتها مع ارتفاع تكلفة الاستيراد المنتهجة خصوصا وأنها تكلفة مقيمة باليورو الذي هو في ارتفاع جنوني.فإننا من غير المستبعد نشهد مجاعة لا قدر الله تعم ربوع الجزائر .

صحيح ما قاله عبد العزيز بوتفليقة في أحد خطبه عن هذه المداخيل عندما كثر اللغط حولها من طرف الصحافة بأنه لا يريد أن تذهب هذه الأموال دون توظيف حقيقي لها في الدورة الإنتاجية،مؤكدا في ذات الصدد أن بإمكانه أن يوزع هذه المداخيل دولارا دولارا على جميع المواطنين،وتنتهي قصة هذه المداخيل!.
لكن ما هو غير منطقي بالمرة أن تبقى هذه المبالغ دون تحرك ضمن الرواق الاستثماري المطلوب و المولد للثروة ،كما أنه من غير المنطقي أن يبقى عبد العزيز بوتفليقة يتحدث في كل مرة عن الإنعاش الاقتصادي دون أن يلمس المواطن ذلك على جبهة الواقع.
المشكلة الحالية لا تكمن في المداخيل المالية بقدر ما تكمن في القرار السياسي الشجاع الذي يعطي الأمل للشعب على أن الجزائر بإمكانها أن تنهض مرة أخرى،وأن المستقبل ليس مظلما كما يبدو من خلال ما تقوم به الحكومة الحالية التي لم تعرف الجزائر على مر تاريخيها حكومة عاجزة مثل الحكومة الحالية،فهي غير قادرة حتى على أن تقنع الخواص قبل العوام لماذا سعر المواد الاستهلاكية في ارتفاع مستمر،ولماذا البلاد أصبحت مشلولة بالكامل رغم امتلاكها للقدرات الذاتية الكامنة من أجل الانطلاق بسرعة الصاروخ.

عهدة أو بيعة ثالثة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لن تغير صراحة الروتين الذي يتحكم في مفاصل الدولة،كما لن تحل المشاكل المتفاقمة التي يعاني منها الشعب الجزائري على مستويات عدة.

وإذا ما تحدثنا بهذا المنطق فليس يعني أننا ننثر اليأس بقدر ما نحاول أن نقول ما هو ماثل للعيان،فمن الكذب والمراوغة أن نقول أن عبد العزيز بوتفليقة قادر على أن يقوم بالمعجزات،-وهو صاحب مقولتي" ليس لي خاتم سليمان" " وعلى الشعب الجزائري أن يشمر على ذراعيه" -من خلال تجديد عهدة ثالثة بعد أن فشل فشلا ذريعا في حل عشر معشار الأزمة الجزائرية على مستوى الاقتصاد وعلى مستوى الجبهة الاجتماعية في ظرف عشر سنوات.
هناك من يقول أن الرجل وجد نفسه وحيدا، وأن لا أحد مدّ يده لمساعدته ليتمكن من النهوض بالجزائر من وهدتها الاقتصادية، لكن ما نحن متأكدون منه كغيرنا من المراقبين للشأن السياسي في الجزائر أن عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الوحيد الذي أتيحت له فرص لم تتح لغيره من الرؤساء الذين مروا قبله.

لقد أتيحت له فرصة أن الشعب الجزائري برمته كان متحمسا وتواّقا للسلم وللخروج من الأزمة وقد وجد الأرض مبسوطة أمامه بعد الاتفاق الذي أبرمه الجيش الشعبي الوطني مع الجيش الإسلامي للإنقاذ والذي أصطلح على تسميته فيما بعد باتفاق الوئام المدني،فضلا عن التفاف أطياف حزبية كبيرة حول برنامجه،ومن يرجع بأرشيفه إلى الفترة التي أعقبت انتخابه يجد أن الجميع كان ينتظر ما سوف تسفر عنه خطاباته التي كانت معظمها تتقاطع مع خطب المعارضة بما فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ،وكانت معظم هذه الخطابات تنتقد التسيير،واحتكار 15 من رجال الأعمال للتجارة الخارجية،والظلم المسلط على الشعب من طرف الإدارة البيروقراطية.

الإشكالية ليست في بيعة ثالثة وإنما في تصور السلطة الفعلية لهذه البيعة،ولو أن هناك مدا ليلا على أن الفترة القادمة ليست فترة عبد العزيز بوتفليقة،وحتى لو تغير الدستور الذي يسمح بترشيحه لعهدة ثالثة فإن الأمر يبقى متوقف على ما تفرزه المعطيات التي تخرج من مطبخ الهيئة العسكرية،لكن ماهو مؤكد أن عبد العزيز بوتفليقة ليس الأوفر حظا هذه المرة ليكون رئيسا لخمس سنوات قادمة أخرى،وما يفتعل باسمه من قبل جهات تحرص على أن تبقى ببقائه ما هو إلا مجرد شقشقة أو سراب يحسبه الظمآن ماء

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية