للاستماع إلى هذه المقالة بصوت الكاتب:
{play}/audio/Nashiri_Osama_Open_Boxes.mp3{/play}
{enclose Nashiri_Osama_Open_Boxes.mp3}
أعرف – من تجربة شخصية ومتابعة عامة – مدى حساسية التحدث عن القضاء، حيث أنها سلطة عامة وهامة تعتبر "الحكم" في نزاعات الأفراد والدولة أحيانًا، ونزاعات الأفراد بعضهم البعض أحيانًا أخرى، لذلك يجب أن نحافظ على سمعتها واستقلاليتها دومًا لنعزز الثقة بها واللجوء إليها، فالتقاضي هو آخر إنجازات البشرية لحل المشاكل، عوضًا عن اللجوء للقوة كما يحدث في عهود الظلم.
ومن حفاظنا على سمعة القضاء توجيهنا النصح له، بلا تجريح يمس بالجهاز أو أحد أعضائه، الذين يضحون بالكثير من أوقاتهم وحرياتهم وراحتهم، في سبيل الحفاظ على مكانة "القاضي" في نفوس المتقاضين والمراقبين.
فلا أحد فوق النصيحة، بل إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، الذي كان يرأس السلطات الثلاث ومنها القضائية في دولة الإسلام الأولى، قال: (الدين النصيحة) وعندما تساءل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم: (لمن يا رسول الله؟)، كان جوابه عليه الصلاة والسلام واضحًا: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
والنصيحة لا تعني أن الآخر مخطئ بكل الأحوال، فأحيانًا يكون مبعث النصح هو الرغبة في تحقيق المنصوح للمزيد من النجاحات، أما من يخوِّف الآخرين من نصيحته، فإنه يحرم نفسه من عقول إضافية تقدم له الحلول، ولن يلبث أن يتعثر هنا أو هناك، فالإنسان – مهما كمل – يبقى مخلوقًا ضعيفًا موصومًا بالنقصان.
ويتنازع الرأي العام في هذا الوقت تحليلان، بخصوص موضوع الطعون بنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث يتوقع البعض – ويتخوفون – من أن يقدم القضاء على رفض فتح الصناديق وإعادة فرز أوراق الاقتراع، معتبرًا أن تغيير النتائج بعد ذلك سيكون بمثابة تشكيك بنزاهة العملية الانتخابية السابقة، وتشجيعًا لطعوناتٍ مستقبلية.
لكن الآخرين يتوقعون – ويتفاءلون – بأن فتح صنايق الاقتراع وإعادة فرز أوراقها وجمع نتائجها، هو الإجراء الذي سيتم، خصوصًا مع وجود طعونات كثيرةٍ وقوية، بعضها أتى وللمرة الأولى في تاريخ الكويت من أعضاء البرلمان الحالي! كما أنه إجراء طبيعي، في ظل دوائر انتخابية جديدة، وضغط إعلامي كبير، ومواصلة البعض للعمل 24 ساعة متواصلة، لم تتخللها فترات راحة تذكر.
ويؤكد أنصار هذا الفريق أن تغير النتائج – إن حصل - سيضيف مصداقية وثقة لما يتحلى به القضاء الكويتي أصلأأصلاً، فالهيبة لن تقل بمواجهة الحقائق، بل إن الشجاعة ستتجلى عندئذ، والاحترام سيزداد كذلك.
لا أريد الانحياز لإحدى وجهتي النظر، فكما يقال "الحكم بعد المداولة"، وأمام المحكمة الدستورية وحدها بجانب – وخلاف – هذه الأبعاد الكثير من النصوص والوقائع المؤثرة في موضوع الطعون، مما يجعل أعضاءها أقدر الناس على إصدار الحكم السليم بعون الله تعالى.
ختامًا: إن دستور دولة الكويت – وهو قانونها الأعلى ومصدر تشريعاتها – لم يعترف إلا بذات مصونة واحدة، ممثلة بسمو (أمير البلاد) المفدى، أما عدا ذلك فسلطات وأفراد قابلين للنقد والنقض، لذلك لا داعي للخوف المبالغ فيه، ما دمتم لم تمسوا هيبة القضاء أو استقلاليته أو تشككوا بنزاهة أعضائه، وطالما كانت آراؤكم بعيدة عن التجريح الشخصي أو الافتراء غير الموضوعي، والسلطة القضائية – بكل مكوناتها – تدرك هذا وتعمل وفقه إن شاء الله القدير، والحمد لله أولاً وأخيرا.