أخلاق المحتلين سواء

يوجد حتماً في فسحة التأمّل الحالية ما يمكن الاصطدام به بقوة عبر قراءة ما خلف السطور وليس ما بينها لأنَّ الرسالة هذه المرَّة لم تعد بالحبر السري وهي أصلا ليست بحاجة لأن تكون كذلك فقد سقطت الأقنعة جميعا ، هذه المرة لن نعرِّج على ما ظهر من مواقف أصبحت متوقعة ومعلومة سواء من الكذّابين الديموقراطيين الأوروبيين أو من الإمبريالي العالمي الوحيد أو من رأس حربته في العالم وهو الكيان الصهيوني طبعا أو حتى من منظومة المأخوذين بالرُّعب حتى النخاع فيما تبقى من أطرافٍ هنا وهناك إلا من رحم ربُّك وهذه المرَّة كان اللافت هو تصريح بلاد الشمس المشرقة والتي عقب هذا التصريح الأخير أصبحت المعتمة بل والمعتمة جداً ، هذا التصريح جاء في معرض وصفها لردِّ فعلها إزاء طرفي التطوّر الأخير في المنطقة سواء العملية الاستشهادية في حيفا والتي نفذتها محامية شعبها باقتدار وتميّز هنادي جرادات باسم الجهاد الإسلامي من جهة ، أو قصف الكيان الصهيوني بطائرات الصلف والعدوان الإمبريالي لجنبات الفيحاء دمشق من جهة أخرى على اعتبار أن ذلك كما أعلن هذا الكيان هو ردُّ فعله على هذه العملية حسب زعمه وإفكه .

وفي التصريح الياباني كانت الحقيقة المفزعة (طوكيو تأسف لقصف الكيان الصهيوني دمشق وتشعر بالصدمة من العملية الفلسطينية الاستشهادية ) ؟ هكذا النص .

طبعا ً طوكيو لم تشعر بالصدمة من مسلسل التفجير العدواني الصهيوني ولم تشعر بالصدمة من اغتيال هذا الكيان لمئات المدنيين الفلسطينيين وتشريدهم من بيوتهم على مدار ستة وثلاثين شهرا مضت حتى الآن ومنهم طبعا الشهيد فادي جرادات شقيق المحامية الاستشهادية هنادي ، وطوكيو لم تسمح لهنادي أن تترافع عن مظلوميتها في محاكمها العتيدة وأن تتهم المعتدي الآثم وأن تطلب وضعه في قفص الاتهام ونيله جزاء ما اقترفت يداه ولو على مستوى الحق الشخصي قبل أن يذهب الظنُّ بعيدا في ترفِ توقُّع السماح بطلب الحق العام لهموم شعب فلسطين منذ قرن ٍ ويزيد من ذات القاتل في محاكمها أو محاكم بلجيكا التي ندمت على حسنة وحيدة سنحت لها ، طوكيو فقط صدمت يوم أن نفذّت المحامية جرادات بدمائها مرافعتها بعد أن ُحجبت عنها كلُّ إمكانية لمرافعة ورقية في رواق محكمة عادلة يكون فيها الضمير الإنساني حكماً نزيها وليس أحولاً بإرادة إمبريالية .

يمكن لنا اليوم أن نتأكَّد أن هناك ناسقاً عاماً يجمع مواقف دولٍ بعينها كانت كلُّها في يوم من الأيام دول احتلال ٍ وعدوان ضد أمة من الأمم على سطح هذا الكوكب والبرهان متوفِّر بلون ٍ فاقع ، مثل هذا التصريح يفهم على هذه القاعدة قبل أيِّ قاعدة أخرى ، ولكن المشكل الأكبر يظهر حينما يكون لبلد ما مثل طوكيو أو باريس ازدواجية في ذات التصنيف فكلاهما قام بدور أو مرَّ بطور المحتل بالفتح والكسر معا ، فكيف يمكن بعد ذلك فهم مواقف تميل إلى جانب الكسر مفضِّلةً عليها الفتح ؟ هذا عجيب ربَّما فيما يبدو أنَّ أخلاق المحتلين بالكسر بما تحمله من مطامع ومصالح وغرائز تغلب على إنسانية المعاناة بالفتح وما تورِّثه من حبٍ أكيد للمجتمع الإنساني على قاعدة التعاون العام من أجل ردع العدوان والرَّغبة في السلام العادل المشرِّف والتبادل الإنساني بين الحضارات والشعوب ، أجزم هنا وأنا ممن يزعمون معرفةً متواضعة بهذا الشعب الياباني العريق أنّه لن يكون في صفِّ هذا التصريح إطلاقاً ولن يوافق حكومته عليه لو عرض عليه في استفتاء عام فالشعب الياباني الصديق يعاني من السطوة الإمبريالية وإن كان ذلك بقدر ما وبوجه ما ، بدليل مظاهراته أمام معسكراتهم المفروضة عليه منذ الحرب الثانية .

في زاوية ما نرى خدعة كبيرة وحقيقة مغيَّبة أيضا، فإذا كان هؤلاء الصهاين قد ملئوا الدنيا صراخا ً بفزّاعة وهمية تدعى اللاسامية وما إلى ذلك من ترَّهات هم أنفسهم كانوا ولا زالوا ألدَّ أعداء السامية والحربة َالأساس في حرب الاستعمار القذرة منذ قرن ضد الساميين الأصليين بدءا بكنعان الفلسطيني المراد اقتلاعه من أرضه والحلول محله وحتى بقية فروع قبائل بني سام الأخرى ، فإنَّ الواقع يقول أنهم قد أرهبوا الدنيا بهذه الفزَّاعة المكذوبة واستخدموها سوطاً على رقاب الأمم والحكومات لتمرير عدوانهم وتمرير السكوت عنه ، وعليه فإن من حقنا أيتها الشعوب التي عانت من احتلال أيٍّ من هؤلاء أن نطلق اليوم ليس فزّاعة ً وإنما سيفاً مسلطا على رقاب المحتلين السابقين والحاليين واللاحقين في أي يوم من الأيام هو سيف وصمهم بالعار ومطالبتهم ليس فقط بالاعتذار بل بكلِّ ما هو حق لهذه الشعوب التي احتلوها يوماً ، ودعونا نبدأ المطالبة فوراً بحقَّ هذه الشعوب الذي سيكون أولاً بمحاكمة أخلاق وضمير هؤلاء المحتلين وعزلهم تالياً عن المجتمع الإنساني قاطبة تحت هذا الرادع ، ويبدو أنَّ علينا أن نشرعَ في الفرز والتصنيف منذ اليوم على قاعدة أخلاق المحتلين الغزاة وطبائعهم الواحدة وإذا ما أرادت دول بعينها أن تنفي هذا الاتهام عنها فلتراقب سلوكها ومواقفها وما تصرّح به وتتصرَّف على أساسه .


فيتو X فيتو = فيمتو وهنيئاً


جداول الضرب العربية يبدو أنها أضافت لضربَ زيدٌ عمرواً والذي ما انفك َّ يُضرب ُ منذ اُستطيبَ هذا المثالُ مثالاً على الفاعلِ والمفعول به والفعل وبقيت تزخرُ بالحديث عنه كتبهم وتمارسهُ تالياً قبائلهم وهذا الذي أتت به عنصراً جديداً أرادت منه إغناء هذه الجداول حتى لا يملَّ التلاميذ والأجيالُ التالية خاصة في ضوء اعتراض عدد من الشعوب العربية على تأصيل الضرب لجماهيرها وامتهانه حرفة من قبل من هو مؤتمن على حمايتها لا ضربها وترويضها وتمريغ كرامتها بالوحل حتى إذا جاء عدوان ٌ خارجي من جهة ما ألقت ما فيها وتخلَّت ْ ، أما الجديد الذي قرَّر العرب إضافته عقب عملية الضرب الخارجي بعد الضرب الداخلي وأمثلته في جداولهم فهو من باب الحداثة ومن باب الترف الفكري ذو أصول ٍ لاتينية طبعا وسمات ٍ ضربية أيضاً في ذات الوقت وهكذا كان جائزة مضاعفة ، وطبعاً سنعدُّه في حسابهم نتيجة حرصهم الدائم للحصول على ما أمكن من هذا الاختراعات السحرية في هذا المجال والجديد القادم يسمونه في بلاد الضرب ِ ونصرته (فيتو) ، ولاحظنا أنه كلما حصل العرب على واحدٍ منها ازداد حماسهم ونشاطهم للحصول على واحد جديد يضربونها معاً للحصول على الصفر الذي عشقوه وزادهم منه الإمبريالي المتصهين كلَّما طالبوه من جديد بالمزيد ، إذ يوجد منه الكثير ، ونظراً لتحقيقه شروط الحداثة وشروط دغدغة المشاعر المتطلِّعة إلى الغرب وما وراءه بأيِّ ثمن فهو فيما يبدو في مواسم ألقه الدائمة .

وهكذا كان ، فضرب أحياء دمشق بالطائرات الصهيونية في ذكرى تشرين كان حدثاً عابراً يستوجب معه الأمر همَّة الرَّغبة في الحصول على فيتو وخاصة ً أن هذه المرَّة كان الضرب ُ حاصلاً بل مسبوقاً ومتبوعاً بإعلانٍ واضح ٍ وصريح من راعي العملية نفسه مانح الفيتو بأن من حق الطائرات التي منحها هو لرأس حربته أن تصل وقتما تريد وأينما تشاء دون حرج أو توقُّع أي عائق ، وليس مثل السابق له فقط بمجرد إعلان النية في طرد الرئيس عرفات وضربه على طريقة الصهاينة الحداثية وهي آخر اختراعات الديموقراطية الأمريكية .

لم ولن ننسى أنَّ العرب الرائعين قالوا بأنَّهم يمتلكون ردوداً مقاومة ً وهم ربَّما يعوِّلون على قصف قذيفة من هذه الحدود أو تلك أو الاستنجاد بحماس والجهاد اللتان كما كلُّ الفصائل الفلسطينية أبدت تضامنها الفعلي وسبقت بالفعل القول ولكن الشرط الوحيد بهذه الردود ألا يكون من الحدود التي اخترقت لتضرب فهذا غير معقول طبعا ، ولذا فإنَّ من الأفضل لو تقدَّم العرب منذ اليوم بلائحة مستعجلة لطلب مائة فيتو على الحساب مسبقا فلا داعي للمفرَّق وإرهاق ميزانية جامعة الدول العربية بالمصاريف لترتيب مشاورات طلب الفيتو هذا خاصة وأنها تعاني من الأزمة إذ لم يلتزم السداد سوى السعودية وربما دولة أو اثنتين أخر والأفضل في هذه الحالة في حساب التكاليف الجملة وخاصة ً أن لها ميزة هذه الجملة فهي تمكِّنُ من الانتقال بعدها إلى جدول القسمة وبالذات بعد أن تيقن مانح الفيتو أنه ( لا هنَّك أنقيتِ ولا ماءك أبقيت ِ ) كما يقول مثل العرب الأقحاح .

وفي القسمة فإن سوريا التي تحاول أن تؤجِّل درس القسمة باتت الآن على مشارفِ الاختبار العاجل بهذا الدرس الذي افتتح شارون المصاب بحمّى الانتفاضة وبوسواس المقاومة اللبنانية دفتراً إضافياً مضمون العواقب له طالما أنه لا يعدو الفيتو، حقيقة لو كان هناك من حماس حول دمشق أو جهاد لما ضربَ شارون الفيحاء ، وبالعودة إلى الفيتو وخصائصه فإنَّ أوَّل خصائص الفيتو لوناً وطعماً ورائحة ً كصفات فيزيائية هو اللون فلونه أحمر طبعا بما هو تالٍ للدماء التي تسيل قبله ، أما طعمه فليس مرَّاً بما فيه الكفاية طالما هو مرغوب مطلوب وعلى كلِّ ناصية ٍ في عالم العرب مشروب ، ورائحته نفاذة تصل قبل أن يخرج ، وهو بالمصادفة التي لا نعلم إن كان من مؤامرة خلفها أي مصادفة مبرمجة أم مصادفة بريئة هو أشبه بإحدى ماركات الشراب المطلوبة رمضانياً خاصة وهو يحمل اسم فيمتو .

ترى هل اختلفت المعادلة من ناتج الصفر إلى (فيمتو) ؟ ربما ، ولو حدث ذلك لفهمنا صيام العرب ثمَّ طلبهم هذا الفيمتو بعده بشراهة يحسدون عليها بين الأمم خاصةً وأنَّ هذا الفيمتو ما هو إلا شراب التوت الذي لم تعد أوراقه تصلح لتغطية العورات وطالما رمضان على الأبواب فقد قرَّر العربُ طلب المزيد من هذا الشراب الذي سيئته الوحيدة أنه لن ينسيهم شيئا وسيتذكّرون دوما كلَّ شيء فعلى الأقل سيتذكّرون القول أنهم سيشربونه في المكان الذي يريدون والزمن الذي يريدون وسيضيفون بالوضعية التي يرغبون أيضاً من باب الإبداع فهم أهل فصاحة صارت فساحة بعد الحداثة ، ولذا فإن من العدل أن نتمنى للجميع صياماً مقبولاً سلفاً وفيمتو هنيئاً مريئاً وكل فيتو قادم وأنتم بخير .


حكومة طواريء أم طواريء حكومية ْ ؟


وأخيراً أقسم اليمين ستة من أصل ثمانية من مندوبي حكومة الطوارئ الفلسطينية وغاب واحد لأسباب ٍ حواجزية والآخر لأسباب جنائزية ، سمعنا الكثير عن مشاورات الوزير الأول أو المندوب الأول أحمد قريع والاستشارات والتباحثات الداخلية والفصائلية وعلى كلِّ أشكالها وتوقعنا شيئا مختلفاً عما تمخّضت عنه هذه العمليات المكثَّفة وكنا نتمنى أيضاً ولا زلنا نصرُّ على تمنياتنا ذاتها فيما يتعلق بشكل الحكومة ونوعية ونسبة المشاركة وقاعدتها وبرنامجها .

حسناً هناك اتجاهان وتفسيران أو احتمالان متوقعان فكلُّ ذلك سواء الآن ، أما أوّلهما فهو وجود ما يبرِّر حالة الطوارئ موضوعياً وليسَ فلسطينياً وهو بهذا يتلاءم مع التصعيد الصهيوني المراقب ويندرج في إطار المهمات المستعجلة لملء الفراغ الدستوري ومواجهة الموقف طالما أن الحكاية بعمر شهر وقابلة للتجديد فقط للضرورة ، هنا نكون في صفِّ هذا القرار تماماً ونعتبره قراراً ميدانياً أملته ظروف المحيط المواجه وربما عجّل به تعسّر ولادة الحكومة المطلوبة فلسطينيا لجملة التمنّعات وإعادة الشعارات السابقة فصائلياً حول التخلُّف عن الالتحاق بالحكومة.

ولكن يوجد شرطان إضافيان لكي تصبح العملية في حكم هذا الحسن ولكي تحقِّق صوابية الخطى والأول منهما هو عرض هذه الحكومة على المجلس التشريعي رغم كونها مؤقتة والثاني طرح هذا البرنامج المؤقَّت ونوعية المهام المطلوب من هذه الحكومة النهوض بأعبائها في هذه المرحلة ، ودعونا لا نتوقع من الطواريء أن تبقى تتغنى حول خرائط الطرق رغم أنها الوحيدة كمعزوفة سياسية مجتها الأسماع وخرقها أصحابها والمصفقون من حولها أولا وأخيرا ، دعونا نرى في أوّل سلم أولويات هذه الحكومة أخذ فسحة الشهر هذه للحصول على البرنامج المطلوب والتشكيل الوحدوي مباشرة عقب انتهاء هذه الطواريء ودعونا نسمع أن ثاني هذه الأولويات هو حماية هذا الشعب ومصالحه في هذه الفترة .

مثل هذه الصوابية والتوفيق كان سيكونُ أقربَ إلى الهدف لو تمنطقَ بفعاليات مندوبية ووجوه وزارية مقنعة ً بأنها خلف هذا الهدف تماما وستسعى إليه دوماً وكان سيعطي إشارة واضحة على ثبات النية في الوصول إلى القاسم المشترك وبأسرع وقت ممكن ولكن يبدو أنها كانت في غير الحسبان الآني وربما هي أيضاً من جملة ذلك القادم الموعود ، وعلى أيِّ حال فإنَّ المطلوب فلسطينياً هو العنب وليس قتل الناطور ولا هو بالضرورة فناء الغنم وقتل الذيب في هذه المرحلة الحساسة ولدينا متسع من تقدير حسن النيَّة ولها ما يدعمها ولننتظر الميدان.

التفسير الثاني أن تكون هذه توصيفة لتمرير طواريء حكومية وهي بهذا المعنى تصبح مفترضة على أساس أنها طوارئ فلسطينياً وهي منتهى الخطورة التي لن تمرَّ بسهولة ومن الأفضل تجنّب هذا العنوان لسببين الأوّل أنها لن تعمِّرَ ربع ما عمرته سابقتها المباشرة والثاني لأنه لم يعد هناك من سعة صدر لدى الشعب الفلسطيني ليقبل بالمزيد من التجارب العاثرة سلفا ً والمحكوم عليها بالفشل والثمن الباهظ غير المستعد لدفعه أحد في الساحة الفلسطينية بدءاً بفتح وبيانها الذي أشار إلى هذا الركن بالتحديد ومروراً ببقية المواقف ِ الفصائلية والمؤسساتية والشخصية في الساحة الفلسطينية فيما لو كان المقصود من هذه التجربة طوارئ حكومية بمعنى الإمعان في المزيد من التأجيل والمزيد من المناكفة السياسية .


لحمنا العاري متهم ٌ مرتين !


منذ بدأت العمليات الاستشهادية الفلسطينية التي طبعت وميَّزت انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية المباركة والجدل قائم بمحركات شتى حولها وسمعنا منذ فترة طبعا ما عرف بعسكرة أو عدم عسكرة الانتفاضة وكأنها كانت خياراً ضمن خيارات أخرى أمام اتساع وعنف العدوان الصهيوني الذي جاء رداً على الهبة الشعبية التي مثَّلتها هذه الانتفاضة منذ أوَّل أيامها ، ومن نسي نذكِّره بأن هذا الرد كان هو المتاح الوحيد لكسر شراسة العدوان رغم تواضعه في الميزان العسكري التقليدي طبعا.

كان شعبنا الفلسطيني يتمنى ولا زال يرسل يوميا آلاف رسائل الاستنجاد والاستغاثة بأخيه المسلم والعربي ولو كفاه تقديم لحمه المتفجِّر أيٌ من هذا المحيط ممن هو ممتلك لما يوازي هذا النوع من الأدوات لما تقدَّم لهذا الخيار الذي هو وبكلِّ بساطة دليلٌ على الغير وليس دليلاً بيد الغير أياً كان هذا الغير الذي يود محاكمة شعبٍ مقهور أعزل يحاول باختصار رد العدوان وردع العدوانيين حتى لو اضطر إلى لحمه وصدره العاري .

ورغم ذلك فنحن على استعداد أن نقبل هذا الجدال الأخلاقي وبشجاعة تماثل شجاعة السلام التي وصَّفتها وسارت بها القيادة الفلسطينية ، نقبله مع الجميع بدءاً بالمحتل الصهيوني والراعي الإمبريالي لإرهاب الدولة وظلم الشعوب وحلقة الرباعية الوهمية وباقي الأطراف الدولية ممن هم في خانة الكذابين الديموقراطيين أو الكذابين غير الديموقراطيين لا فرق ولا يهم فلدينا ما نقوله للجميع ودفعة واحدة .

لماذا لا يطلب الجميع من هذا المحتل الصهيوني أن يصدر بيان إدانة لجيشه المحتل في اليوم الذي ينفذ فيه عملية قتل أو هدم أو تجريف بدم بارد ؟ في اليوم الذي يصدر فيه ذلك نصدر نحن أيضاً بيان إدانة لعمليات مقاومتنا الاستشهادية ، وإصدار هذه البيانات دوما من طرف الشعب الفلسطيني المقهور وتوقع بداهة ذلك منها هو نفاق سياسي كبير وعلى هذه الأطراف الفلسطينية أن تتوقف عن هذه الممارسة وليس ربحاً كبيراً ورقة التوت التي ندمجها مع استنكار العمليات الاستشهادية بإدانة قتل المدنيين من الطرفين كما هو متبع حتى الساعة .

هل أدان الكيان الصهيوني يوما ً حتى عمليات المستعمرين المغتصبين ضد الشعب الفلسطيني بما فيها عملية مذبحة الخليل مثلا ؟ لا لم يفعل والجزء من العالم هذا المطالب دوما الطرف الفلسطيني هو جزء لا يستحق أن يجامل على حساب حق وعدل ومنطق الشرائع التي حتى تلمود هؤلاء يحتويه ويغالي فيه طبعا لحسابهم دوما ، إذا ً على أيِّ أساس يطلب من الشعب الفلسطيني أن يحاكم ردة فعله الطبيعية أخلاقيا ً ولحساب ماذا غير النفاق السياسي الواضح لا أكثر ولا أقل ! الكيان الصهيوني تحديداً هو سجّل حافل بالاعتداء على المدنيين أساساً منذ أوَّل أيامه المشؤومة .

المقاومة الفلسطينية كانت دوما ً تتبع الأخلاق العربية والإسلامية الرائعة حتى في الحرب والتي أنفذها هؤلاء اتباعاً لوصايا نبوية كريمة أخذت في التضييق لصالح الحياة حتى ولو كانت شجرة واحدة ، واصرَّ الموروث العربي أن لا يفعل المسلمون والعرب في حربهم أو دفعهم عدوانا ما مثل ما يفعل غيرهم سواء تجاه الأسرى أو المدنيين أو الممتلكات ولكن حينما كانت هناك معركة وبين جيشين متقابلين ، أما أن يدهم العدو بيوتاً آمنة ويعيث في الأرض فساداً فكلُّ هذا الداهم هو جندي بسلاح العدوان طالما أقرَّ واستقرَّ على أساس ذلك وانتفى بهذا صيغة المسالمة والمدنية عن هذا العدو جميعا .

يبدو في هذه المسألة أنَّ اللحم الفلسطيني العاري متهم مرتين ، مرَّةً وهو يتلقى سهام وحراب الغزاة المعتدين ومن يدعمهم ويواليهم في كل مكان وبكل مستوى ً ومرَّةً وهو يهبُّ للدفاعِ عن نفسه أمامَ هذا العدوان ولو بالطريقة التي اضطر إليها قسراً بعد أن جرِّدَ من كلِّ أداة وكلِّ إسناد إلا من نزر يسير يأتي متقطعاً حينما تغفل عين وأذن راعي إرهاب الدول والشعوب عنه ، ولذا فإن َّ أساس المحاكمة الأخلاقية هو قاعدة أخلاقية وإلا فما قيمتها ؟ ، والقاعدة الأخلاقية تقول على الأقل بمعيار واحد رغم الغبن الذي سيشكله موافقتنا عليه لأنه سيساوي بين الضحية والجلاد ومع ذلك نقبله اليوم للوصول إلى نتيجة تنهي المسألة ، وما دام المعيار مزدوجاً فقد انتفى أساس المحاكمة هذا ولا قيمة لها على الإطلاق .

ونذكِّر بأن كلُّ العمليات الاستشهادية تختار ما أمكنها أهدافاً عسكرية ً واستخبارية ًواضحة كقاعدة ولتجد بالرُّغم من ذلك ذات المحاكمة الأخلاقية أو محاولة تمريرها على هذه الصفة المزوَّرة أمامها ولتجد ذات الأبواق وذات الصيغة ، هذا دليل واضح إضافي على أن الأخلاقية أصلاً غير قائمة ولا معتبرة في هذا الموضع .

وأمام عدوان هؤلاء ومن يواليهم ومن يتداول قولهم في الجانب الذي يخاطبنا بالضاد ويفتح ابوابه لهكذا مجال يبرز سؤال هام نقدِّمه لهم ، لماذا ترهقون أنفسكم بالبحث حول ما هو غير قائم وتدعون ما هو قائم فعلا وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار متمثلاً ببشاعة العدوانيين في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها ؟ وإذا كان الأساس الأخلاقي أصلاً للاحتلال ذاته وهؤلاء المحتلين الذي بدأ تكشُّف كذب ادعاءاتهم في كل ِّ مكان قبل ممارساتهم التالية مفقود ولا يجب افتراض العكس حتى يقوم هؤلاء بإثباته ولا أظنُّهم يفعلون أو يستطيعون فهو المستحيل بعينه فلماذا لا توفِّروا علينا صخبكم هذا وتطالبوا المعتدي بإيقاف عدوانه أول اًلتنتفي الحاجة تلقائيا لردِّ الفعل من هذا النوع الذي يقلقكم ويأخذ بفكركم ووقتكم وتتيحون له مساحة على حساب هذه الشعوب ومصالحها الوطنية وعلى حساب منطق النزاهة والموضوعية قبل أيِّ شيء آخر ؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية