كثيرة هي الوضوعات التي سوف تطرحها الجمعية العمومية ، في انعقادها الثالث والستين لدورتها ، على من سوف يستمع اليها . وبداية هناك القضية الفلسطينية . فعلى هذا الصعيد هناك موضوعات ما توصل اليه على المستوى الفلسطيني الاسرائيلي . وهو قليل لا تشتم منه رائحة القدس ، ولا عودة اللاجئين . وهناك الاستيطان الذي ابتلع الاراضي الفلسطينية والقدس معا . وهناك الكثير الكثيرمما يفترض ان يكون له حلول وتسويات .

    وكثيرة هي تلك الموضوعات التي سوف يطرحها كل من الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش ، وما سوف يطرحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، وما سوف يطرحه الرئيس احمدي نجاد دفاعا عن مشروعه النووي . فهل يا ترى اصبحت الامم المتحدة في انعقادها الثالث والستين دورة للبلاغة والخطب الرنانة .
في انعقادها الثالث والستين يثير الكثير من التساؤلات والتحفظات فيما يخص دور هذه المنظمة الدولية تجاه العديد من القضايا الدولية ، ويعنينا هنا القضية الفلسطينية بكل أبعادها وتداعياتها وافرازاتها ، والتي أصبح عمرها أطول من عمر هذه المنظمة على اعتبار أنها تأسست في نهاية العام 1945 ، وأن القضية قد بدأت منذ بداية هذا القرن .
 وبادىء ذي بدء فقد احتلت القضية الفلسطينية مساحة شاسعة من فعاليات المنظمة الدولية ومداولاتها ، وحظيت بأعلى نسبة من الانعقادات والاجتماعات على شرفها . ان أية قضية أخرى لم تحظ لا قبلها ولا بعدها بمثل ما حظيت به من وقت وجهد ، سواء كان ذلك في مجلس أمنها او جمعيتها العمومية او مؤسساتها المختلفة الأخرى التابعة لها .
 وما من أحد يشك في أن هذه المنظمة قد كانت لها مواقف ايجابية ترجمت الى منظومة من القرارات المناصرة لمجمل حقوق الشعب الفلسطيني الذي عقد عليها آمالا كثيرة باستعادة هذه الحقوق ، كونه شعبا حضاريا آمن في وقت من الاوقات أن الامم المتحدة قد تأسست بهدف تدعيم أسس سلام الشعوب وحمايتها من العدوان والتسلط والاستلاب في اطار معقول من العدالة والانسانية والمساواة لكل بني البشر على السواء باعتبارها ضمير العالم وحارس شرعيته .

الا ان ما تمناه الشعب الفلسطيني شيء ، والواقع شيء آخر . والحالة الفلسطينية خير مثال على هذا الطرح . فتحت ظلال الأمم المتحدة كابد الشعب الفلسطيني معاناته التاريخية على صعيدين . اولهما مأساته المتمثلة في اغتصاب كامل تراب وطنه وتهجيره الى الشتات عبر سلسلة من الحروب شنت عليه في كل مكان تواجد فيه ، وما زال يكتب صفحاتها بدم ابنائه .
وأما الصعيد الثاني فيتمثل في مجمل علاقاته مع الأمم المتحدة . وهي علاقة أورثته المزيد من المعاناة . فالقضية الفلسطينية اصبحت حالة مستعصية في أروقتها . وبرغم عدالتها وشرعيتها باعتراف قراراتها ، فان واحدا من القرارات المناصرة لها لم يجد وسيلة حقيقية لاخراجه الى حيز التنفيذ . وظلت هذه القرارات حبرا على ورق ، وليس لها أقل رصيد .

ان تعامل الفلسطينيين من خلال قضيتهم مع هذه المنظمة على مدى سنوات نكبتهم قد أماط اللثام عن وجهها الحقيقي ، فبدت على صورتها الحالية لا تملك حق صنع قرارها ، وان ملكته لا تملك حق تنفيذه . وأن الدور الذي كان يؤمل ان تلعبه قد صودر منها فأصبحت والحال هذه مسيرة لا مخيرة . ان الفلسطينيين يدركون وعلى خلفية ردود افعالها منذ حرب حزيران في العام 1967 أن الأمم المتحدة قد وقعت رهينة الهيمنة الاميركية التي عطلت كل قراراتها المستحقة .
 وبالتالي فان سياسة هذه المنظمة أصبحت تتقاطع مع مجمل السياسات الاميركية المنحازة انحيازا استراتيجيا قلبا وقالبا الى اسرائيل . وبغض النظر عن انسياق هذه المنظمة وراء الادعاءات الباطلة في وصف معظم فعاليات النضال الفلسطيني على أنها ضرب من الارهاب والعنف ، ومساواتها غير الموضوعية بين المعتدي والمعتدى عليه .
وبغض النظر عن القرارات الشرعية المستحقة للقضية والتي تراكم عليها غبار الأيام والتناسي ، وبغض النظر عن سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها . وبغض النظر ان الأنظمة العربية ما زالت تؤمن " بدورها وشرعيتها وعدالتها وضميرها " ، الا أن يد الشعب الفلسطيني تظل ممدودة لكل من في نيته أن يدلي دلوا حسنا في قضيته اذا كان هذا هو هدفه الحقيقي .

ومع ذلك فالفلسطينيون ليسوا من السذاجة والبساطة بحيث يصدقون أن الأمم المتحدة قد أصبحت بين عشية وضحاها حرة في اتخاذ قرارها ، وأنها تملك الوسيلة الفاعلة لتنفيذه . أو أنها على أقل تقدير ستعود الى قراراتها السابقة لتقدم جدولا زمنيا لفعاليات تنفيذها هدية للقضية وشعبها .
ان الأمور لم تجىء على خلفية استيقاظ مفاجىء لضمير العالم الذي غفا عقودا طوالا من الزمن ، وانما كان الدافع الحقيقي يتمثل في ان الفلسطينيين هذه المرة قد تمكنوا من قرع ناقوس الخطر بالتأكيد على حقيقة مفادها أن الأمن والسلام لا يمكن أن يتمتع بهما الآخرون ، ما دام الفلسطينيون – وهم أصحاب الحق الشرعيون – يفتقرون اليهما ،  وانه آن الأوان أن يطوى ملف هذه القضية التي جرت الكثير من اللعنات والشقاء ليس على الفلسطيني فحسب وانما على العالم الذي هو في غنى عنها ، وفي أمس الحاجة الى ان يتفيأ ظلال السلام الحقيقي  انطلاقا من اعتراف الامم المتحدة أن حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط سببها عدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم والاعتداء المستمر عليهم .
واذا كانت الأمم المتحدة  في المنطقة ، تتحري وتستوعب حالة الاحتقان في الشارع الفلسطيني استكمالا للمجهودات الاميركية في هذا الصدد ، فان هذه المنظمة تعرف دون أدنى شك ما هي المطالب الفلسطينية التي يناضل الفلسطينيون ويضحون ويشقون من أجلها ليس حبا في مجرد النضال والتضحية والشقاء .
 ولمجرد التذكير لا السرد ، فان الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به الفلسطينيون خوض غمار العملية السلمية مجددا ينطلق من القرارات الشرعية الدولية التي أصدرتها هذه المنظمة وهي "242  ، 338 " والقرار الذي سبقهما " 194" والقاضي بحق العودة . وان معادلة الأرض مقابل السلام لا يمكن أن تتحول الى معادلة السلم الاسرائيلي مقابل السلام الفلسطيني ، ولا الى معادلة السلم الاسرائيلي مقابل الأمن الاسرائيلي .
     في اعتقادنا أن الأمم المتحدة – اذا ما خلصت النوايا وتحررت الارادة وعاد القرار المصادر لها – فان بامكانها أن تفعل الكثير للقضية الفلسطينية . فهذه المنظمة يفترض أن تكون للشعوب ولنصرة قضاياها العادلة لا لهيمنة مراكز القوى أيا كان شكلها ولونها واتجاهاتها .

شاعر وكاتب فلسطيني

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية