الكثير منا يتحدث عن الفأل وهو القول أو الفعل الذي يُستَبْشَر به، وهو ضد الشُّؤْم، ولكن السؤال الذي يعرض نفسه هنا، هل الفأل بحد ذاته يبني أمة، وهل الإيجابية في التفكير تصل بنا إلى ما نصبو إليه ونرتضيه دائمًا. الإجابة القاطعة هي النفي ولا غير ذلك.

الإيجابية تعني التأكد القاطع من الأمور وعدم الشك ببواطنها، وتعني التفاؤل من خلال أسلوب فكري يميل دومًا نحو الأمل الذي ينظر بإيجابية إلى نتائج قابل الأيام، ويركز على الأفضل من كل شيء، الإيجابية تعني أيضًا أن يكون الإنسان منتجًا لما كل هو فائدة لأهله ومجتمعه، وتشجيع السلوكيات الطيبة وخصوصًا عند الشباب، والإيجابية الحقة تعني الاتفاق ونبذ الاختلاف، وفهم كيفية التعامل مع الخلاف الأيديولوجي وغيره. فعن أي فأل نحن نطنطن؟ وعن أي إيجابية نحن ندندن؟

إن المزاج المجتمعي يعني الحالة الذهنية التي يمر بها هذا المجتمع، والشعور العام الذي يسود أفراده، وأُعَرفه على أنه مجموعة من الأفكار تكون واحدة فيه أو أكثر من هذه الأفكار مسيطرة على الذهن فتؤثر على الشعور ومن ثم على النشاطات الإنسانية، وأعني بذلك تحديدًا - لتعقيد مكونات الشعور والسلوك - القدرة الاستيعابية على التعبير عن العواطف الإنسانية فيما بيننا، وأعتقد بأن ذلك مشاهد الآن، فعدنا لا نطبق حديث – إلا من رحم ربي – «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، [صحيح البخاري].

إلا ما رحم ربي، جل علاقة المجلس والحكومة تتصف بالتردد والحذر عند المواقف، وطرح الأسئلة المبنية على الشك والريبة من الطرفين، أما الكيدية والتآمر ونصب الأفخاخ وإفشال الأمور، فأصبحت، والله المستعان، لها تكتيكاتها التي تتصف بالدهاء، لذا يتم دائمًا تسليط الضوء على سلبية المواقف وأسبابها ونتائجها، ويتم إهمال الجانب الإيجابي قصدًا أم لسبب أو لآخر، وأستغرب بشدة هذا الأمر، ألا نعلم بأن هذا السلوك يتنافى وفطرة الله سبحانه، ألا نعلم بأن هذا النهج يُتعب الإنسان ويُثقل عليه، ألا ندري بأن ذلك يؤثر وبقوة على المزاج المجتمعي، فيزيد علاقاتنا الإنسانية تناقضًا وتدهورًا، فيؤثر ذلك على أخلاق المجتمع ويخل ببنيانه الذي أوصانا عليه الرسول عليه الصلاة والسلام «المؤمن للمؤمن كالبنيان...»، [صحيح البخاري].

أين الألفة الدينية، وأين الألفة البشرية، وأين إحسان الظن، وأين خلق العفو والأمانة والتواضع والحياء والوفاء والرحمة والصدق والحلم والمحبة والإحسان والرفق والأخوة الإسلامية والمروءة والصبر والعدل والحكمة، وأين الحرص على سلامة الصدر من الحقد والحسد، وأين أهل الحل والعقد والربط، وأين أهل الإرشاد والتوجيه الذين يدلون على الخير ويحرصون على صنع العقول النيرة وفرص المجتمع المستقبلية.

يبدو لي أن علاقة الحكومة والمجلس انعكست على كثير من شرائح المجتمع وحتى النخب منها، لذا أصبحت جل علاقاتنا الإنسانية فاترة قد يدخل بها أحيانًا المداهنة والمجاملة والمحاباة والنفاق، وأضحى التركيز على الذات أمرًا واضحًا للعيان، مما يفسر حدوث تغيير في المسار المجتمعي لرفض الأمور لمجرد الرفض، ومقاومة الأشياء لانتفاء الثقة وجو الألفة. إن هذه العلاقات المتوترة تشتت أذهان عامة الناس فيقل إنتاجهم، ويزيد القيل والقال بينهم، ويجعل كثرة السؤال من صفاتهم، وإضاعة المال من عاداتهم، والتذمر والشكوى من سلوكياتهم، فلا يطيب لهم أمر، وتضيق صدورهم على أتفه الأمور، ويصبح الغضب ملازمهم، وقلة السلام ديدنهم، وتقديم المصلحة الخاصة على العامة من شيمهم وهكذا..

للأسف يغفل الكثيرون عن أن أسس استقرار المزاج المجتمعي لا توجد إلا في أمة تؤمن بأن البناء الإنساني أهم وأبقى من البناء المادي، وفي ظل عقيدتنا العظيمة وقيمنا الغالية وأخلاقنا الراسخة، وفي بيئة تنعم بأفكار إيجابية ينتج عن تفاعلاتها علاقات إنسانية أكثر إيجابيةً وجمالًا، يرتقي المجتمع وينمو ويزدهر.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية