يحكى ان احدهم استوقفه مشهد طابور طويل مصطف امام جمعية تعاونية في احدى الدول الاشتراكية، فدفعه الفضول الى التساؤل عن سر ذ لك الازدحام الرهيب، فسأل الواقف الاول في الطابور: فيم وقوفك هنا؟ فأجابه انه نفسه لا يدري ما سبب وقوفه هنا! كل ما في الامر ان رباط حذائه انحل اثناء سيره فاضطر الى ان يسند قدمه الى عتبة المبنى المقابل الذي تصادف كونه مبنى الجمعية، فلما فرغ من عقد رباط حذائه المتآكل فوجئ بجمهرة من الناس تحتشد خلفه، فقال له السائل: ان كان الامر كذلك فلم لا تنصرف الى شأنك؟ فأجابه على الفور وبلا تلكؤ: اتريدني ان افرط بمكاني من الطابور وانا الاول في الترتيب؟!. هذه الطرفة الرمزية تكشف عن اثر التقليد الجماعي الذي يدفع كثيرين الى التسرع في اتخاذ مواقف وتبني أطروحات دون النظر والتأمل في حقيقة الامور ودرسها بروح موضوعية حيادية تنعتق من ربقة الانقياد غير الواعي لموقف الاكثرية حتى لو كان الاصطفاف في طابور موهوم، وقس على هذا الصخب الدائر الثائر حول دعوى حقوق المرأة السياسية التي باتت تمثل منطقة ساخنة تصطك فيها الاراء وتتعالى حولها ضجة الصراخ والعويل، بينما يغفل هؤلاء المختصمون عن قضية اجدر واولى وهي قضية حقوق الرجل السياسية! ولقائل ان يقول بداهة: اي حقوق يريدها الرجل وهو الذي يملك حق الانتخاب والترشيح؟ فالقضية في نظر كثيرين لا تعدو مجرد تصويت وترشيح وينتهي الامر عند ذلك، ويتجاهل هؤلاء حقيقة مرة، وهي ان الرجال في العالم العربي لا يملكون حقهم السياسي (الفاعل) في المشاركة في صنع القرار، فالديمقراطيات القائمة ليست الا نماذج مأساوية تنطق باننا امة تلهث خلف الشكل دون المضمون، فالمجالس المنتخبة لا تملك تطبيق الديموقراطية المزعومة على اصولها، فنحن اما احد مجلسين:
- مجلس منتخب بحرية ونزاهة لكنه مغلول اليدين لا يملك سوى صلاحيات ضئيلة محدودة، والواقع يشهد ان هذا النوع من المجالس لا يشكل حكومة ولا يملك القدرة على نقضها، ومنها مجالس ذات صبغة استشارية محضة وان شاركت المرأة فيها ترشيحا وانتخابا، فالمهم هو الجوهر الاصيل لا العرض الزائف الزائل.
- ومجلس يملك من الناحية الدستورية صلاحيات واسعة لكن اليات الانتخاب والترشيح تحكمها اعراف غير ديموقراطية وتسودها بصورة فاضحة روح غير نزيهة ولا امينة، مما يكفل في النهاية وصول الحزب الحاكم الذي يرعاه النظام الذي يمنح بالطبع المرأة حقوقها السياسية كاملة غير منقوصة!!.
ولعل مما يهون من روح التشنج والردح العصابي اللذين يتعاظمان يوما اثر يوم ان يتذكر الناس واقعة (مختارة ومحتارة) التي حظيت بضجيج اعلامي صاخب قبل نحو شهرين ثم انطفأت جذورها فجأة ودون مقدمات، اذ اقترحت احدى المؤسسات البيئية استحداث منصب (مختارة بيئية) في كل منطقة، وما ان شاع الخبر حتى ملأت صور المترشحات للمختارية صفحات الجرائد وعلا الصراخ واحتدم الوطيس بين المتنافسات حول تولي منصب (مختارة المختارات) مما حدا بالمؤسسة المذكورة بعد طفحان الكيل الى سحب اقتراحها او تأجيله، وليت شعري هل انشغلت اولئك المختارات بالمحافظة على الضباب واليرابيع في صحراء الدبدبة، ام فزعن الى جزيرة بوبيان للاطمئنان على اعشاش الطيور النورسية ام ان المسألة لا تعدو سباق التباهي والتفاخر الذي انتقل من ميدان صيحات الموضة والعطور الباريسية الى دائرة البيئة المفترى عليها؟!
باختصار: ايها المتحمسون من انصار المرأة! اربعوا على انفسكم فالامر اهون من ذلك، وهو لا يستحق كل هذه المعارك والمواجهات بل ولا عشر معشارها، فحتى لو انتخبت المرأة وترشحت فستبقى الامور على حالها ان لم تزدد سوءا على سوء.
شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما:
رأي النساء وإمرة الصبيان!!